وسائل التواصل غيرت أمزجتنا في القراءة

ميل إلى الكتب الصغيرة والجمل الموجزة مع الفكرة المبسطة

وسائل التواصل غيرت أمزجتنا في القراءة
TT

وسائل التواصل غيرت أمزجتنا في القراءة

وسائل التواصل غيرت أمزجتنا في القراءة

حين تسأل رنا إدريس، صاحبة «دار الآداب»، عما إذا كان مزاج قرائها قد تغير في السنوات العشر الأخيرة، بفعل وجودهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعاملهم اليومي مع الإنترنت، لا تتردد في أن تخبرك بأن القارئ صار ضمنًا يفضل «الكتاب الصغير، بجمل قصيرة وحيوية، مع أفكار سهلة. كلما تمكنت من أن تبسط ما تريد قوله لتوصله للآخرين تكون قد نجحت أكثر في جذبهم». القراء لا يقولون ذلك صراحة، لكنهم يتعللون بأن الوقت ضيق، والانشغالات كثيرة، والهموم كثيرة. «ليس هذا زمن جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار، الناس تريد الوضوح والسرعة. ضيق الوقت هو أمر التعمق الذي يحتاج طاقة وتركيزًا». «دار الآداب» التي تعرف بإصدار روايات باتت تصل هذه الأيام في كثير منها إلى 500 صفحة، لماذا لا تسعى، إذن، إلى تصغير حجم كتبها، لتلائم مزاج القراء؟ «الروائي العربي، لا يقبل المساس بنصه. لا يستغني في الغالب عن مقطع أو فصل ولا يميل إلى الاستماع للناشر، فيما لو قيل له إن ثمة شخصية غير موظفة ولا لزوم لها، أو إنه أسهب هنا وأطال في الوصف هناك». بحسب رنا إدريس «الكاتب يرى أن نصه يجب أن لا يمس ولا يعدل». لعل القراء لا يقرأون حقًا كل هذه المطولات الروائية التي يشترونها، ويقفزون بين الصفحات وهم يحاولون الوصول إلى النهاية مع الاستغناء عن المرور بكل التفاصيل؟ لا تحبذ رنا إدريس الركون إلى هذه الفكرة، لكنها ترى أن «الكاتب المعروف يستطيع أن يبيع كتابًا كبيرًا مع سعره المرتفع، ويحظى بقبول القراء، لكن لم يعد مسموحا لروائي مبتدئ أن ينشر 500 صفحة. هذه مغامرة كبيرة بالنسبة لدار نشر، فالحدود المعقولة في مثل هذه الحالة هي مائتان إلى 300 صفحة لا أكثر. فالقارئ لا يحتمل. أما إذا صبر الشبان على نص طويل وتابعوه، فلعل السبب الرئيسي هو رغبتهم في استنباط الجمل التي يأخذونها ويضعونها على صفحاتهم الإلكترونية، معتبرين أن لهم الفضل في العثور عليها وتوظيفها لصالحهم».
النظرة التربوية تستحق أن ترصد أيضا. منسقة مادة «علم الاجتماع» في وزارة التربية والتعليم اللبنانية ثناء حلوة، لها باع طويل مع طلاب المدارس الرسمية والخاصة، وفي اعتبارها أن التليفون الذكي بات صديق التلاميذ الدائم الذي لا ينفصل عنهم، ويتنقل معهم، وبالتالي عبره لا يقرأون فقط، وإنما يرسلون الإيميلات ويتحادثون ويتبادلون الصور والمقالات والأخبار، الكتاب لم يعد بالنسبة لهم صالحًا للتنقل معهم». أكثر من ذلك تؤكد حلوة أن «حمل كتاب صار أمرا معيبا بالنسبة للتلاميذ. يجب أن لا ننسى أن الأهل في الأصل لا يقرأون، وبالتالي وصل التليفون المحمول إلى بعض العائلات قبل أن يتعرفوا فعلا على الكتاب ويصبح جزءًا من نمط حياتهم. وبالتالي، فأول ما تعرفوا عليه هو قراءة خبر أو مقالة أو مقطع صغير. والتلميذ الذي يحمل كتابًا غير ما يستلزمه المقرر يصبح في نظر أصدقائه (بيبو)». وهي شخصية في أحد البرامج اللبنانية الساخرة لتلميذ مجتهد لكنه أحمق. وتلفت ثناء حلوة، إلى أن التلفزيون كذلك ليس محط اهتمام التلاميذ، فما يريدون مشاهدته موجود على تليفوناتهم أيضا، وتذكر في معرض كلامها أن مدرسة في أعلى الجبل مثل «ثانوية ضهور الشوير»، صارت ألواح الصفوف فيها ذكية، وحفظت عليها المعلومات للأساتذة والطلاب، فكيف للتلميذ في مثل هذا الصف أن يفتح كتابًا في البيت طالما أنه في الصف لا يحتاجه».
تجربة «نيل وفرات» التي تعنى بإصدار الكتب الإلكترونية وتبيع الكتب على الإنترنت، لها تجارب في الميدان، صلاح شبارو صاحب الدار، يرى أن المجلدات التراثية الكبيرة والموسوعات لم يعد لها من مكان في المكتبات الخاصة، صارت تختصر في كتب صغيرة أو تتم مراجعتها إلكترونيا عند الحاجة. هذا لا يعني أن الناس لا تقرأ، بل هم يقرأون أكثر من ذي قبل، ويمكن القول إن هناك هجمة على القراءة، بالنسبة لصلاح شبارو لكن نوعية القراءة تغيرت. ويلفت إلى «أن بعض الكتاب باتوا يكتبون بالعامية، للتوجه إلى أبناء بلدهم. صار عندنا كتب مطبوعة باللهجة المصرية، وأخرى بالسعودية، ولهجات أخرى، فيما لا يزال الذين يريدون التوجه إلى القارئ العربي، يعتمدون الفصحى». وفي الوقت نفسه يقول شبارو: «هناك الكتاب الإلكتروني، الذي صار وصوله أسهل إلى سكان المناطق البعيدة، أو التي تعاني من الحروب، ويتعذر الوصول إليها». وبطبيعة الحال باتت القرصنة مشكلة للناشر، وتعتبرها رنا إدريس دليلاً على أن القراء موجودون، وأن السوق مغرية، والمبيع يستحق، وأن السوريين والسعوديين هم من بين الأكثر قراءة مع المصريين، أما اللبنانيون والعراقيون فسوق الكتاب لديهم في كساد. القراءة التشبيكية بالنسبة لأستاذ الألسنية في قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية الدكتور بلال عبد الهادي، كانت موجودة حتى في الكتب التراثية، أما القراءة على خط واحد، أي في كتاب منفرد، فهي كانت بنت عجز الإبداع الإنساني. ويعطي مثلا على القراءة التشبيكية من مؤلفات التراث، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري حين تشتريه تجد معه ثلاثة كتب. كتاب مهم اسمه «الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال» لابن منير الأسكندري، ثم نجد في آخره كتابًا بعنوان «تنزيل الكتاب على الشواهد من الأبيات» لمحب الدين أفندي. وعليه فنحن حين نتصفح صفحة واحدة، نكون مدفوعين للعودة إلى النصوص الأخرى، تماما كما يحدث مع النص التشعبي الإنترنتي اليوم. في «تفسير الجلالين» لجلال الدين السيوطي، أضاف المؤلف إلى النص الأصلي كتابين آخرين أحدهما في الهامش الجانبي والآخر في الحاشية. بعض المؤلفات، تحتوي أربعة كتب مرة واحدة، بحيث تنزلق العين أثناء القراءة من المتن إلى أسفل الصفحة لمعرفة التفاسير التي سجلها الكاتب، وربما تذهب إلى جانب الصفحة لاكتشاف كتاب وآخر، وقد يكون في نهاية النص الأصل مؤلف رابع. وبالتالي كانت القراءة في خط مستقيم متعة، وفي الكتاب المتعدد أمتع، والآن صارت ربما أنجع.



احتفالية «دولية» بمئوية سلطان العويس تجمع الفكر والأدب والموسيقى

الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد متحدثاً في مؤتمر صحافي في دبي عن احتفالية مئوية سلطان العويس (الشرق الأوسط)
الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد متحدثاً في مؤتمر صحافي في دبي عن احتفالية مئوية سلطان العويس (الشرق الأوسط)
TT

احتفالية «دولية» بمئوية سلطان العويس تجمع الفكر والأدب والموسيقى

الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد متحدثاً في مؤتمر صحافي في دبي عن احتفالية مئوية سلطان العويس (الشرق الأوسط)
الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد متحدثاً في مؤتمر صحافي في دبي عن احتفالية مئوية سلطان العويس (الشرق الأوسط)

 

أعلنت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عن برنامج احتفاليتها بمرور 100 عام على ولادة الشاعر سلطان بن علي العويس (1925 ـ 2025)، خلال مؤتمر صحافي عقده الأمين العام للمؤسسة، عبد الحميد أحمد، في دار سلطان (مقر المؤسسة)، بحضور الدكتور محمد المطوع، والدكتورة فاطمة الصايغ، عضوي مجلس الأمناء، وإبراهيم الهاشمي المدير التنفيذي للمؤسسة.

وأشار الأمين العام إلى أن المؤسسة أعدت برنامجاً ثقافياً حافلاً للاحتفال بمئوية الشاعر سلطان العويس وذلك بعدما اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» عام 2025 عاماً للاحتفال بالذكرى المئوية لمولد الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس.

وأضاف عبد الحميد أحمد أن ذلك الاعتماد جاء بعدما اطلعت منظمة اليونيسكو على ملف الشاعر سلطان بن علي العويس الذي طرحته اللجنة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، في الدورة 42 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.

وتزامناً مع هذه المناسبة أعلن الأمين العام عن رفع قيمة (جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية) إلى 150 ألف دولار لكل حقل من الحقول وذلك بدءاً من الدورة التاسعة عشرة، ليصبح مجموع الجوائز 750 ألف دولار أميركي موزعة على الحقول التالية (الشعر، والقصة والرواية والمسرحية، والدراسات الأدبية والنقد، والدراسات الإنسانية والمستقبلية، وجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي).

وقال إن هذه الاحتفالية تضمّ العديد من الفعاليات الفكرية والفنية والموسيقية والسينمائية والإصدارات وغيرها من الأنشطة المتميزة التي ستكون طيلة عام كامل، وقد رصدت المؤسسة ميزانية لهذه السنة ستكون مخصصة للأنشطة النوعية التي ستقام داخل وخارج الإمارات.

أعضاء في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية خلال إعلان برنامج الاحتفالية بمئوية العويس (الشرق الأوسط)

موسيقى وفنون

ومن المقرر أن تبدأ يوم الخميس 23 يناير (كانون الثاني) 2025 بحفل موسيقي للمايسترو محمد القحوم، يقام في مبنى أوبرا دبي حيث سيقدم الموسيقار محمد القحوم مجموعة من التراثيات العربية والإماراتية فضلاً عن قصائد للشاعر سلطان العويس التي غناها مطربون عرب مشهورون بالإضافة إلى أسلوبه المميز في التوزيع الكورالي والموسيقي بالطريقة الكلاسيكية التي حققت الكثير من الإعجاب حول العالم.

وبدورها أشارت الدكتورة فاطمة الصايغ إلى طباعة الكثير من الكتب التي تعنى بحياة الشاعر سلطان العويس مثل ديوانه الذي يضم الأعمال الشعرية الكاملة وكتاب يضم دراسات ومقالات وحوارات عن سلطان العويس وكتاب عن حياته وأفكاره ومسيرته.

وأضافت فاطمة الصايغ أن المؤسسة قررت بهذه المناسبة إنتاج فيلم وثائقي يشمل كل مراحل حياة الشاعر سلطان العويس العملية والأدبية والاجتماعية وغيرها من الجوانب التي سيغطيها الفيلم وقد تم تكليف أبرز العاملين في حقل السينما لإعداد الفيلم وسيعرض فور انتهائه في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بالإضافة إلى إرسال نسخ منه إلى المؤسسات الثقافية المماثلة.

وقالت: «إن المؤسسة تُعد لندوة دولية عن سلطان العويس وأدبه ستقام بالتعاون مع منظمة اليونيسكو في باريس منتصف العام المقبل يشارك فيها باحثون من مناطق مختلفة حول العالم، ممن لهم صلة معرفية بسلطان العويس سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الثقافي والأدبي كالنقاد والأصدقاء المقربين من الشاعر الراحل والدارسين المهتمين بشعر سلطان العويس».

في حين أشار إبراهيم الهاشمي إلى أن الاحتفالية لها طابع خاص في نفوس أبناء الإمارات الذين يعتزون بالقيمة الكبيرة للشاعر سلطان بن علي العويس، ولذلك تم الاتفاق مع مؤسسة بريد الإمارات على إصدار طوابع تذكارية تحمل صورة سلطان العويس ونماذج من شعره الذي يمثل طريقة تفكيره وكتابته، كما أن المؤسسة وبالاتفاق مع المصرف المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة أبرمت اتفاقية لإصدار عملة تذكارية عن سلطان العويس، الوجه الأول يحمل مئوية سلطان بن علي العويس الثقافية والوجه الثاني يحمل أحد أبيات شعره:

(وطني دمي ينسابُ بين جوانحي

فكأنهُ والروحُ فيه سواءُ).

وأضاف الهاشمي أن المؤسسة أعدت معرضاً فنياً سيقام في شهر فبراير 2025 مستوحى من أشعار سلطان العويس يشارك فيه عشرات الفنانين ويشتمل على لوحات ومخطوطات من أشعار سلطان أو رسومات مستوحاة من قصائده، وقد تم تكليف عدد كبير من الفنانين الإماراتيين والعرب للانخراط في هذا المشروع بحيث يصل عدد الأعمال التي ستعرض خلال الاحتفالية إلى 100 عمل فني سيتم توثيقها في كتاب أنيق يصدر بالتزامن مع المعرض.

وفي ختام المؤتمر قال الأمين العام إن القيمة الحقيقية للشاعر سلطان بن علي العويس تكمن في رؤيته المستقبلية من خلال الكثير من المشاريع الخيرية ولكن جائزة سلطان بن علي العويس لها بريقها الذي يزداد توهجاً كلما تم تكريم مبدع أو كاتب عربي وهذا ما شهدناه خلال الدورات السابقة للجائزة.