«بنك الكتاب» مشروع ثقافي مصري اغتالته البيروقراطية

جمع أكثر من 10 آلاف كتاب مصيرها مجهول وأغلقت صناديقه بعد 4 أشهر

أحد القراء يرجع كتابا استعاره من بنك الكتاب في القاهرة
أحد القراء يرجع كتابا استعاره من بنك الكتاب في القاهرة
TT

«بنك الكتاب» مشروع ثقافي مصري اغتالته البيروقراطية

أحد القراء يرجع كتابا استعاره من بنك الكتاب في القاهرة
أحد القراء يرجع كتابا استعاره من بنك الكتاب في القاهرة

«إلى قارئ لا أعرفه» هكذا خط الكاتب والناقد مصطفى عبد الله، رئيس التحرير السابق لجريدة «أخبار الأدب» إهداءه على كتابه «جهاد في الفن» قبل أن يضعه في صندوق «بنك الكتاب»، الذي اكتشفه مصادفة أثناء مروره بمركز الهناجر للإبداع بدار الأوبرا المصرية، حيث استوقفه صندوق ضخم له واجهة زجاجية تظهر من خلالها بعض الكتب، ومدون عليه «تبرع بكتابك ليقرأه غيرك».
«بنك الكتاب» هو أحد المشروعات الثقافية التي أطلقها صندوق التنمية الثقافية في ديسمبر (كانون الأول) 2015 ضمن مشروعات أخرى عدة، تهدف لعلاج مشكلة تدني معدلات القراءة في مصر، إلا أنه يجابه مصيرا مجهولا، ويغرق في متاهات من الروتين الحكومي، وتغتاله براثن البيروقراطية. تم تدشين المشروع أثناء تولي المهندس محمد أبو سعدة رئاسة صندوق التنمية الثقافية، بناء على فكرة تقدم بها الشاب أحمد الفران، الذي كان يعمل بمكتب وزير الثقافة جابر عصفور في ذاك الوقت، وبعد النجاح الذي حققته الفكرة في دار الأوبرا المصرية، تم وضع صندوق «بنك الكتاب» في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، وشارع شريف بوسط القاهرة، وحي الزمالك بوصفه تجربة أولية، على أن يتم زيادة المناطق التي يتواجد بها تدريجيا لتشمل جميع المحافظات المصرية، إلا أن تلك الصناديق تم غلقها قبل أن يعلن عنها. فلم يحظ المشروع المهم بالدعاية الكافية، حتى أن الصحافيين والكتاب لم يعلموا بوجوده من الأساس، بل تعرفوا عليه عبر صفحات موقع «فيسبوك» حينما أعلن وجوده الكاتب الصحافي سامح فايز المهتم بالشأن الثقافي.
ويقول الكاتب الصحافي مصطفى عبد الله، وهو عضو لجنة بوزارة الثقافة المصرية: «من حقنا بصفتنا متبرعين أن نعلم أين ذهبت الكتب التي تبرعنا بها، وهل ستصل إلى المستحقين أم لا؟ لا بد من وجود قدر من الشفافية، وبخاصة أن الجميع متحمس للمشروع ويرغب في تبنيه ودعمه». ويروي: «كنت ذاهبا إلى ندوة من ندوات المجلس الأعلى للثقافة ووجدت هذا الكيان (الصندوق) أشبه بصناديق البريد القديمة، وراقت لي الفكرة تماما. لم يكن معي أي كتاب، وعلى الفور اقترحت على زوجتي شراء نسختين من كتابي (جهاد في الفن) عن الأديب الكبير يحيى حقي، وقصتها (مخدع) ووضعنا الكتب في الصندوق، ثم تشاركت صورة الصندوق مع أصدقائي في الوسط الثقافي».
ويضيف: «أهديت كتابي (إلى قارئ لا أعرفه) فهل هو إنسان في عمق الصعيد، أم في سيناء؟ وتركت رقم هاتفي لو أراد أن يتواصل معي، ثم دعوت أصدقائي، وإذا بي أكتشف ألا أحد من دائرتي له علم بهذا الصندوق! بل تحمس الجميع للمشاركة ومساندة هذا المشروع العظيم، واهتم عدد كبير من المثقفين في المهجر، ومنهم الروائي شريف ماهر مليكه المقيم في ولاية ميريلاند بأميركا، طلب مني أن أنوب عنه في إهداء أحد كتبه لـ(بنك الكتاب)». مصير الكتب، هو القضية التي يهتم بها عبد الله وينوي متابعتها حتى يتم التأكد من جدوى المشروع. ويضيف عبد الله: «أرى أن التبرع بهذا الصندوق هو واجب على المثقفين والأدباء لكي تصل الكتب إلى جميع ربوع مصر، وبخاصة أن أهم ما في هذا المشروع هو أن تخرج الثقافة خارج الأطر التقليدية التي تروج بها الدولة للثقافة والقراءة، الكتاب لديهم رغبة في التبرع، لكنهم لم يجدوا وسيلة جيدة لذلك».
لكن منذ أن تغيرت إدارة صندوق التنمية الثقافية وهو كيان فاعل في تنفيذ السياسة الثقافية المصرية منذ 25 عاما، غلقت الصناديق ولا يزال مصيرها مجهولا. تواصلت «فضاءات» مع المكتب الإعلامي لصندوق التنمية الثقافية في محاولة للاستفسار عن مصير الكتب وعددها، وهل تم تصنيفها؟.. إلا أن الصندوق يطبق تعاليم البيروقراطية بكل دقة!. فلم نتلق ردا حتى اللحظة عن إحصاءات للكتب التي تبرع بها أصحابها للنفع العام، بل اكتفى مسؤول المكتب الإعلامي بقوله: «ما زلنا نبحث مع الإدارات المختلفة للخروج ببيان صحافي»، وكان ذلك منذ أكثر من شهر.
ورغم الإلحاح إلا أن التجاهل كان وسيلة الصندوق للتهرب من الكشف عن تفاصيل المشروع، وكأنها سر حربي!. وخرجت مؤخرا رئيسة الصندوق الدكتورة نيفين الكيلاني، بتصريح مقتضب لموقع «اليوم السابع» بأنها تقوم بإعادة تقييم المشروع، فهل تحتاج الأفكار البناءة إلى إعادة تقييم؟! ويبدو أن وزارة الثقافة المصرية في عصر تكنولوجيا المعلومات وعصر الكتاب الإلكتروني تطبق مبدأ أن كل مسؤول يطيح بالإنجازات السابقة عليه ليبدأ من جديد!
تواصلت «فضاءات» مع صاحب مقترح «بنك الكتاب» أحمد الفران، الذي سيسافر لإيطاليا لتسلم جائزة الإبداع الشبابي، والذي قال: «لم تكن فكرة (بنك الكتاب) فكرتي الخالصة، بل شاهدت تلك الفكرة في ألمانيا، وفكرت لو طبقناها هنا ستكون حلا إيجابيا لمشكلة غلاء أسعار الكتب بالنسبة للمواطن المصري، وفئة الشباب تحديدا، وكان هدفي هو أن تصل الكتب الباهظة الثمن للشباب، حيث يتم فتح البنك في نهاية كل شهر، لإعادة فهرسته وتصنيفه وإرساله إلى المكتبات في المناطق الحدودية ومحافظات الصعيد؛ لأنها الأكثر حاجة إلى تلك الكتب».
ويقول الفران: «أول كتاب تم وضعه في الصندوق كان (مجانين بيت لحم) للكاتب والصحافي الفلسطيني أسامة العيسة، الحائز جائزة الشيخ زايد للآداب عام 2015. ووجدت بعد ذلك رواية (الفيل الأزرق) لأحمد مراد وكتبا متنوعة من مختلف المجالات، وقبيل رحيلي عن وزارة الثقافة كان عدد الكتب قد وصل إلى نحو 10 آلاف كتاب، لكن انقطعت صلتي بالمشروع بعد شهر ونصف الشهر من إطلاقه، لكنني ما زلت على استعداد للمساهمة في إنجاح المشروع، وبخاصة أننا قمنا بدراسته جيدا وتكلفت ميزانيته نحو 100 ألف جنيه مصري».
ومنذ أيام قليلة قام الصحافي سامح فايز، صاحب مبادرة التيار الثقافي البديل، بوضع صور للصناديق التي تم غلق بعضها رغم احتوائه على كتب وتركها بالشوارع، والذي صرح لـ«فضاءات» قائلا: «هناك ما يزيد على 10 آلاف كتاب في مخازن الوزارة، لماذا لم يتم تصنيفها وفهرستها حتى الآن؟ «للأسف، وزارة الثقافة تغرق في آليات العمل البيروقراطية في حين أن دور النشر التي تخرج علينا كل يوم، تروج بكثافة للكتب السطحية وتدمر الثقافة بكتب سطحية وتافهة».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.