صحافيو البيت الأبيض.. من مواجهة جونسون إلى مجاملة أوباما

هيلين توماس الأميركية اللبنانية كانت أكثر المناكفين عندما غطت الرئاسة الأميركية لـ50 عامًا تقريبًا

الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي  في البيت الأبيض الاسبوع الماضي.. وفي الاطار تغطية أخبار البيت الأبيض في عهد الرئيس جونسون (رويترز) («الشرق الأوسط»)
الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الاسبوع الماضي.. وفي الاطار تغطية أخبار البيت الأبيض في عهد الرئيس جونسون (رويترز) («الشرق الأوسط»)
TT

صحافيو البيت الأبيض.. من مواجهة جونسون إلى مجاملة أوباما

الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي  في البيت الأبيض الاسبوع الماضي.. وفي الاطار تغطية أخبار البيت الأبيض في عهد الرئيس جونسون (رويترز) («الشرق الأوسط»)
الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الاسبوع الماضي.. وفي الاطار تغطية أخبار البيت الأبيض في عهد الرئيس جونسون (رويترز) («الشرق الأوسط»)

في عام 1968 (خلال تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام)، في غرفة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، تحدث الرئيس لندون جونسون عن «النصر المؤكد». لكن، سرب السيناتور جون ستينيس، رئيس اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ، خبرًا إلى مراسل وكالة «يو بي آي» بأن «النصر ليس مؤكدًا»، وبأن الجنرالات يريدون زيادة عدد القوات الأميركية في فيتنام إلى نصف مليون جندي.
في نفس اليوم، قرأ جونسون الخبر في ماكينة «يو بي آي» في مكتبه في البيت الأبيض. وجن جنونه.
استدعي ماريمان سميث، مراسل «يو بي آي»، ودان توماسون، مراسل صحف شركة «سكربزهاوارد» (نقل الخبر أيضًا). كان مع الرئيس جونسون وزير الدفاع روبرت ماكمنارا، ووزير العدل نيكولاس كاتزنباخ.
سأل جونسون، الصحافيين، في حدة: «هل تكتبان أي خبر من أي فلان أو علان»؟ وأجاب سميث: «الخبر من سيناتور يا سيادة الرئيس».
بعد نقاش قصير، ودعا الرئيس. والتفت سميث إلى زميله الصحافي توماسون، وقال له، في صوت عالٍ ليسمعه الرئيس: «هل نسمح لابن الكلب هذا أن يكذب على الشعب الأميركي»؟
نقل هذه القصة باتريك سلويان، صحافي عريق، غطى البيت الأبيض لخمسين عامًا، من عام 1961 (في عهد الرئيس جون كيندي)، إلى عام 2011 (في عهد الرئيس باراك أوباما). ونشر القصة في تقرير في آخر أعداد «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في نيويورك) تحت عنوان: «هل نحتاج إلى صحافيين يغطون البيت الأبيض»؟
أجاب سلويان على سؤاله: «مضت خمسون عامًا منذ مواجهة جونسون والصحافيين. اليوم، لا يحدث ذلك مع أوباما». وقال إن هناك سببين رئيسيين:
أولاً: لا يحب أوباما الصحافيين. ولا يحب السياسيين، ولا يحب أي شخص في واشنطن. صار واضحًا، رغم أنه خطيب فصيح وسياسي ذكي، نفوره من الناس.
ثانيًا: غير الإنترنت كل شيء. بما في ذلك العلاقة بين الرئيس والصحافيين الذين يغطون البيت الأبيض. ومرة أخرى، لأن أوباما ذكي، استغل الإنترنت ليتحاشى الصحافيين.
عن النقطة الأولى، قال كلارنس بيدج، مراسل صحيفة «شيكاغو تربيون» في البيت الأبيض، والذي ظل يغطي أوباما منذ أن كان أوباما سياسيًا محليًا في شيكاغو: «يتمتع أوباما بعزلة فريدة. لا أعرف، إلى جانب عائلته، أي شخص آخر قريبًا منه. ربما رفاقه في كرة السلة».
يترأس سلويان، الصحافي العريق، مركزًا يؤرخ لمراسلي البيت الأبيض (سمي المركز على اسم هيلين توماس، الصحافية الأميركية اللبنانية التي يعترف لها بأنها كانت أكثر المناكفين عندما غطت البيت الأبيض لخمسين عامًا تقريبًا. توفيت قبل خمس سنوات).
وقال سلويان: «انتهى عصر المواجهات، انتهى أمثال هيلين توماس. هذا عصر المجاملات».
وأيضًا، عصر استغلال أوباما للإنترنت لتحاشي الصحافيين.
في نهاية العام الماضي، عندما أعلن البيت الأبيض أن أوباما سيزور كوبا (زارها في الشهر الماضي)، لم يصدر ذلك في بيان صحافي. ولم يعلنه أوباما في مؤتمر صحافي. أعلنه أوباما في صفحته في موقع البيت الأبيض في الإنترنت.
عن هذا، قال صحافي آخر عريق، سيمور هيرش (غطى حرب فيتنام أيام الرئيس جونسون): «لم أر أبدًا صحافيي البيت الأبيض في هذا المستوى من الإهمال. يبدو أن همهم الأول صار توقع دعوات لحضور حفلات العشاء للملوك والرؤساء الزائرين في البيت الأبيض».
وتندر صحافي آخر عريق، راسل بيكر (كان مراسلاً مع صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم صار كاتب عمود، ثم تقاعد): «لا يوجد صحافيون يغطون البيت الأبيض. يوجد صحافيون يغطيهم البيت الأبيض (إشارة إلى أن أوباما يستغل الإنترنت)».
توجد نقطتان أخريان، أولاً: خلت سنوات أوباما في البيت الأبيض من أحداث هامة، مثل فضيحة ووترغيت، وحرب فيتنام، وعشيقات كلينتون.
ثانيًا: قلت ميزانيات الصحف لتغطية البيت الأبيض (وكل شيء آخر).
عن هذه النقطة الأخيرة، أشار بيتر بيكر، الذي غطى البيت الأبيض، أول مرة، عام 1996 (في عهد الرئيس كلينتون)، إلى عادة مرافقة الصحافيين للرئيس في رحلاته الخارجية. في الماضي، كان البيت الأبيض يوفر طائرة تحمل عشرات الصحافيين (بالإضافة إلى عدد قليل من الصحافيين يجلسون في مؤخرة «إيرفورس1»، طائرة الرئيس). لكن، مع انخفاض ميزانيات الصحف، لم تقدر كثير منها على دفع تكاليف سفر مراسليها في الطائرة الخاصة.
في عام 2014. عندما زار أوباما دولاً في آسيا، وفر البيت الأبيض للصحافيين طائرة «بوينج 777» فيها 365 مقعدًا. لكن، لم يسافر غير 40 صحافيًا. وصار نصيب كل واحد منهم 90.000 دولار. هذا غير فواتير الفنادق والنقل ووجبات الطعام (صارت الجملة 10.000 دولار). ولم تصدق شركات الصحف والتلفزيونات ذلك. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
لهذا، في العام الماضي، عندما زار أوباما دولاً في أفريقيا، لم يوفر البيت الأبيض طائرة خاصة للصحافيين (بسبب تراكم فواتير الصحف). ودفع كل صحافي تذكرة سفر إلى فرانكفورت، وهناك استأجروا طائرة خاصة لمتابعة أوباما لخمسة أيام.
طائرة أو غير طائرة، لم يعد الصحافيون يواجهون الرئيس كما كان يفعل الجيل السابق. بل حتى الجيل السابق لم يكن يواجه الرؤساء بدرجة كافية. قال ذلك الصحافي العريق سلويان، الذي غطى البيت الأبيض في عهد كيندي. قال: «كان كيندي أكثر ودًا نحو صحافيي البيت الأبيض، عكس جونسون. لهذا قصرنا في تغطيته».
لهذا، سيصدر سلوفان، في نهاية هذا العام، كتابًا عن «سياسة الخداع: قرارات كيندي السرية عن فيتنام، وكوبا، والحقوق المدنية». خلال الخمسة أعوام الماضية، بعد أن تقاعد، ذهب إلى دار الوثائق المركزية، وجمع معلومات من وثائق عهد كيندي (1961 - 1963) وعرف أن أشياء كثيرة كانت مخفية عنه، وعن زملائه. منها:
أولاً: عكس ما يقال، بدا التدخل العسكري الأميركي في فيتنام في عهد كيندي، وليس في عهد خليفته جونسون.
ثانيًا: عكس ما يقال، لم يكن كيندي متحمسًا لحقوق الزنوج.
ثالثًا: عكس ما يقال، تنازل كيندي سريعًا أمام الروس خلال مواجهة الصواريخ الروسية في كوبا.
يعنى هذا أن الصحافيين المناكفين في الماضي، لم يكونوا، رغم مناكفاتهم، يعرفون كل شيء عن الرؤساء. فما بال الصحافيين الحاليين، مع انخفاض إمكانياتهم، ومع تحاشي أوباما لهم. بل مع مواجهة أوباما لهم.
قبل أربعة أعوام، أمر أوباما وزير العدل إريك هولدر، برفع قضية ضد جيمس رايزن، صحافي صحيفة «نيويورك تايمز» الذي سرب معلومات عن حرب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضد إيران.
ليس ذلك فحسب، بل إن سجل أوباما لا يخلو من فضائح، ليست شخصية، ولكن سياسية. مثل «حرب الدرون» ضد الإرهابيين، التي تظل سرية.
عن هذه، قال سلويان: «يرفض أوباما كشف حقائق تهم الشعب الأميركي. عبر تاريخنا الحديث، توجد بصمات رؤساء أميركيين في عمليات اغتيال. من كيندي في فيتنام، إلى جونسون في تشيلي. لكن في ذلك الوقت، كان الرؤساء يتوارون وراء (سي آي إيه) والبنتاغون، وحتى مكتب التحقيق الاتحادي (إف بي آي). لكن، عرفنا أن أوباما يختار شخصيًا قادة وأفرادًا من تنظيم القاعدة، والجماعات الإرهابية التابعة لها، لتستهدفهم طائرات «درون» (من دون طيار)».
وأضاف سلويان: «حتى الآن، لم يتجرأ صحافي واحد يغطي البيت الأبيض على إثارة دور أوباما في هجوم طائرة درون، يوم 1 أبريل (نيسان) الحالي، الذي تسبب في قتل ثلاثة من قادة حركة الشباب في الصومال، بما فيهم زعيمهم حسن على ذوري».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.