الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

معالم من اجتهادات خير الدين التونسي ورفاعة الطهطاوي

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث
TT

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

الفكر الديني والإصلاح الدستوري الحديث

مع تسابق بعض الحركات المتشدّدة مثل «القاعدة» و«داعش» الرافعة لواء الإسلام والزاعمة التكلم باسمه على احتكار المضامين السياسية للدين الحنيف، نعرض فيما يلي نموذجين مخالفين تمامًا لما يزعم المتطرّفون أنه يجسد مفهوم الإسلام لـ«الدولة»، ويقدمان نظرتين إصلاحيتين متبصّرتين للفكر الديني المستنير والإصلاح الدستوري الحديث.
بقي العالم الإسلامي، خصوصًا، في عهد النهضة الحديثة ودعوتها الدينية الإصلاحية، مترابط الحلقات ومتجاوزًا اختلافات المذهبية والطائفية ومستحضرًا بقوة التقدّم الأوروبي وأطماعه في المشرق والمغرب الإسلامي. وكانت الدعوات والمحاولات الإصلاحية قد بدأت منذ مطلع القرن الثامن عشر ترفع في عهد الدولة العثمانية تحت تأثير واضح بالإنجازات الغربية. ففي تونس دعا الإصلاحي خير الدين التونسي إلى تنظيم الدولة ومأسستها، واعتقد أن النظام السياسي يحتاج إلى الحرية السياسية، ومن ثمة، إلى المعارضة إذا لزم الأمر. والحرية عند خير الدين نوعان: الأول شخصي، والثاني سياسي، وهما معًا مقرران في التراث الإسلامي. بل إنها ترتقي إلى مرتبة الواجب، ويستشهد التونسي بقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «من رأى منكم فيّ اعوجاجًا فليقومه».
ولدعم أطروحته قدم خير الدين النموذج الأوروباوي، الذي زعم أن إطلاق أيدي الحاكمين والدولة قد يؤسس للظلم والخراب. لذلك «جزموا بلزوم مشاركة أهل الحل والعقد.. في كليات السياسة» مع جعل المسؤولية في إدارة الدول على الوزراء المباشرين. إلا أن التطور الدستوري التونسي لسنة 1860م، وما أعقبه من مطالب إصلاحية دستورية وسياسية شاملة لم تحقق التثبيت المرجو للفكر الدستوري في النظام السياسي القائم، ولم تغير من الفكر السياسي الشعبي التونسي حيال فكرة التنظيمات والدستور.
الدعوة الإصلاحية التونسية
إن الصورة التي يقدمها خير الدين التونسي في كتابه «أقوام المسالك في معرفة أحوال الممالك»، لا سيما في مقدمة هذا الكتاب، تظهر ذلك الأخذ بالمعطيات السياسية وانعكاسها على المستوى الفكري والبرنامجي للدعوة الإصلاحية، فعندما وضع خير الدين التونسي كتابه السابق، كانت تونس زمن أحمد الباي قد وضعت لنفسها أول دستور في تاريخها، يستلهم التجربة الغربية الدستورية، لكن هذه التجربة أنهاها الاستعمار الذي دخل البلاد سنة 1881م.
ينطلق المصلح التونسي من مُسلّمتين أساسيتين: الأولى تؤكد أن الدول «التي لا تنسج على منوال مجاوريها فيما يستحدثونه من الآلات الحربية، والتراتيب العسكرية توشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين». أما المُسلّمة الثانية فتقول «بضرورة أن التنظيم الدنيوي أساس متين، لاستقامة نظام الدين». والنظر إلى أحوال المسلمين يقع على خلل الدول خصوصًا دولة آل عثمان، فسلاطينها خالفوا قاعدة التنافس مع الأوروبيين، خصوصًا في استحداث مصادر القوة العسكرية وتجديدها صناعةً وتنظيمًا وتدريبًا للجند. كما أنهم لم يتمكنوا من حفظ سمو الشورى في المجال السياسي، وسعوا في تدبير أمور الحكم بهدى غير تلك المقررة.
وإصلاحًا لهذا التردّي العام لم يتوانَ خير الدين التونسي في «بيان الأدلة الكافية لوجوب التنظيمات السياسية التي لو لم يكن إلا تنفير الأجنبي والمتوظفين منها، لكان كافيًا في الدلالة على حسنها ولياقتها بمصالح المملكة، كان ذلك من أهم الواجبات على أمراء الإسلام ووزرائهم وعلماء الشريعة، الاتحاد في ترتيب تنظيمات مؤسسة على دعائم العدل والمشورة.. غير معتبرين مقال بعض المجازفين بأن تلك التنظيمات لا تناسب حالة الأمة الإسلامية» (مقدمة أقوام المسالك في معرفة أحوال الممالك، ص 160).
ثم إن القيام بالتنظيمات لا يعني النجاح، بل يلزم أن يقوم بها وعليها إشرافًا وتصريفًا، من يحسنون «ترتيب التنظيمات»، ويغلبون ما تنتجه من همة وحرية، وما توفره من مصالح للرعية على «ما عسى أن يكتسبوه بالاستبداد من المنح الخصوصية». ومن متطلبات النجاح في الأمور السياسية، معرفة الحاكمين بكليات الأمور، واختيار الرجال «اللائقين بالخطط». ولذلك فإن سعادة الدول وشقاءها في أمورها الدنيوية إنما تكون بقدر ما تيسر لحاكميها من ذلك، وبقدر ما لديها من التنظيمات السياسية المؤسسة على العدل، ومعرفتها واحترامها من رجالها المباشرين لها «ولا يتوقف الموقف على تأسيس القوانين المتنوعة».
وتبعًا لذلك تطور النظام السياسي الأوروبي، وظهرت مجالس تمثيلية تسن القوانين، وتراقب الحكومة «وتقع المجادلة بالمجلس علنًا بين القادح والمدافع»، وبهذا التطور المؤسساتي يستقيم حال الدولة والبلاد. وأصبح التقرير في أمور السياسة العامة الذي تقوم به الدولة - الوزراء أو الحاكم - في حاجة إلى موافقة إرادة المجلس، التي تعبر في الحقيقة عن إرادة أهل المملكة.
التجربة المصرية
وكغيرها من الدول الإسلامية، شهدت مصر نوعًا من إعادة تكوين الفكر السياسي والاجتماعي، استهدف مناقشة أحوال الدولة ونظام الحكم، في ظل متغيّرات دولية عرضت مصر للتدخلات العسكرية الغربية، ولـ«زوابع» تياراتها الفكرية، مما ساهم في بروز ثقافة سياسية يقظة دافعت عن النظام الديمقراطي والدستور.
وترى الكتابات السياسية حول الحركة الدستورية المصرية، أن التبلوُر الفكري للمسألة الدستورية يعود إلى عهد الخديوي إسماعيل. غير أن الدكتور لويس عوض والمؤرخ عبد الرحمن الرافعي يتحدثان عن سوابق للاتجاه الدستوري المصري. أما من الناحية الفكرية فإن كتاب رفاعة الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» الذي يضم تسجيله للأحوال الاجتماعية والسياسية للفرنسيين في زمانه كما شاهدها في رحلته إلى باريس، يُعد من الكتب الأولى التي نادت بالإصلاح البرلماني. غير أن رفاعة الطهطاوي سينقل أفكاره السياسية والدستورية إلى مستوى عميق وأكثر تنظيرية في المجال السياسي في كتابه «مناهج الألباب».
وإلى ذلك نهج الطهطاوي منهج خير الدين التونسي في «تأطير» الفكر الإصلاحي السياسي ذي المنزع الدستوري، بل إنه يفوقه وضوحًا وجرأة في الطرح. إذ يرى الطهطاوي ضرورة تكييف منظورنا للشريعة مع المنفعة السياسية، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمصلحة العامة، فيذكر في كتابه «مناهج الألباب» أنه قد لا تقتضي الأوضاع الشرعية المتأدب بها في الدولة «عين المنفعة السياسية إلا بتأويلات للتطبيق على الشريعة».
وفي نقاشه للمنظومة القانونية الفرنسية لاحظ أنها قوانين غير مستمدة من الكتب السماوية، إلا أنه لا يجد كبير فرق بينها وبين ما هو معروف في الفقه الإسلامي، لذلك يخلص في هذه المسألة إلى أن «جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت إلى عقول أهالي باقي الأمم المتمدّنة وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات، فما يسمى عندنا بعلم الفقه يسمى ما يشبهه عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية. وهي عبارة عن قواعد عقلية تحسينًا أو تقبيحًا يؤسِّسون عليها أحكامهم المدنية، وما يسمى عندنا بفروع الفقه يسمى عندهم بالحقوق أو الأحكام المدنية».
وفي هذا السياق، يرى رفاعة الطهطاوي أن هناك مشتركًا آخر مع الغرب، خصوصًا مع الآداب الفرنساوية، هو الحرية. فهي متأصلة في الفكر الإسلامي، ودليله المفاخرة التي وقعت بين النعمان بن المنذر ملك العرب وكسرى ملك الفرس. وللحسم في هذه المسألة يستدعي رفاعة قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا». ولهذا اجتهد المصلح المصري لإيجاد بديل إسلامي للمصطلحات الغربية، «فالحرية والمساواة هما العدل والإنصاف، ونظام الحكم الغربي المقيد بالدستور بمثابة الشورى التي حث عليها الدين الإسلامي، والنواب هم أهل الحل والعقد وأحكام الشريعة والقانون الغربي متماثلة، مع أن هذا من وضع البشر وتلك منزلة».
ولقد ساهمت مثل هذه الثقافة في تحريك الوضع السياسي المصري، وظهر دور الشباب في العمل السياسي. حيث عقد «الشباب المصريون» اجتماعًا لهم، وقدّموا للخديوي عريضة تتضمن موقفهم من مبدأ الاقتراع العام والاقتراع المشروط، وكذلك في الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر. ويرى أنور عبد الملك، أن مجموعة الشباب المصريين هم ممّن تتلمذوا على يد الطهطاوي (نهضة مصر، الهيئة المصرية للكتاب، طبعة 1983 ص 290).
إن مثل هذه الثقافة لم تكن معدومة في الثقافة السياسية المصرية، فقد أدت الثورة التي خرجت من الأزهر ضد خورشيد باشا التي أزاحته عن السلطة، وولّت محمد علي في 13 مايو (أيار) 1805م، إلى ثورة على مستوى التعاقد السياسي، إذ بويع محمد علي «بيعة مشروطة»، في موقف تاريخي من علماء مصر، وحرّر الشيخ الأزهري محمد المهدي هذه البيعة التي تقول: «إن للشعوب طبقًا لما جرى به العرف قديمًا ولما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية الحق في أن يقيموا الولاة ولهم أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم، لأن الظالمين خارجون عن الشريعة» (لويس عوض: الفكر المصري الحديث، ص 88). وغير خافٍ أن هذا النص يجعل مصدر السلطة الأمة، وكذلك كان الوضع الإسلامي قبل الثورة الفرنسية.
لقد استطاع الفقه والفكر الديني الإسلامي أن يدافع زمن النهضة عن دستورية وديمقراطية السلطة، واعتبر ذلك ضمن دفاعه عن الشريعة، والاستقلال الحضاري والترابي. ويبدو أن معركة الفكر الديني المتنور ما زالت مستمرة بآليات معاصرة رغم الاختلاف الواضح في الزمان وطبيعة الأفكار المطروحة.
* دكتور العلوم السياسة جامعة محمد الخامس - الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».