النظام يسيطر على القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية

مبادرات للمصالحة تفاديًا لسقوط المنطقة التي تعتبر «الخزان البشري للثوار»

النظام يسيطر على القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية
TT

النظام يسيطر على القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية

النظام يسيطر على القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية

بعد أكثر من أربعة أشهر على المعارك سيطرت قوات النظام وما يسمى «حزب الله» اللبناني يوم أمس على كامل القطاع الجنوبي في غوطة دمشق الشرقية بعد دخولها أكثر من عشر بلدات بينها دير العصافير الاستراتيجية مستفيدة من الاقتتال بين فصائل المعارضة التي تتقاسم السيطرة عليها، وذلك بعد التقدم الذي كانت قد حققته في الأيام الماضية.
وكان «جيش الإسلام» حمّل فصيلي «فيلق الرحمن» و«جيش الفسطاط» مسؤولية تقدم قوات النظام في المحور الجنوبي للغوطة الشرقية، متهمًا إياهما باستهداف مقاتلي الفصيل وأسر المئات منهم قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، فإن «قوات النظام وما يسمى (حزب الله) استغلا الاقتتال بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية وإقدامهما على سحب المقاتلين من دير العصافير إلى مناطق الاشتباك، لشن هجوم عنيف انتهى بالسيطرة على البلدة تزامنا مع قصف جوي كثيف». ورأى أن هذه المكاسب يمكن أن تمهد الطريق أمام مزيد من التقدم لقوات الحكومة ومقاتلي ما يسمى «حزب الله» في المنطقة.
وهو الأمر الذي أشار إليه الناشط في الغوطة، أبو بكر عقاب، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أنّ فصائل «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» و«فجر الأمة» كانت قد انسحبت من المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام أمس لتتوّجه نحو الغوطة لمواجهة «جيش الإسلام»، في محاولة لإسقاطه وتعزيز نفوذها في المنطقة، فاستفادت قوات النظام من الأمر في ظل عدم قدرة جيش الإسلام على المقاومة والدفاع لغياب العتاد الكافي وإقفال طريق الإمداد وعدم القدرة على إسعاف المصابين بين مقاتليه. وذلك بعدما عمدت الفصائل إلى سحب الأسلحة الثقيلة منه إثر الهجوم الذي شنّته على مراكزه في بداية المعارك بين الطرفين.
ولفت عقاب إلى أنّ القطاع الجنوبي يعتبر خزان المواد الغذائية للغوطة حيث يوجد فيه 40 ألف دونم من الأراضي المزروعة بالقمح، بات اليوم تحت سيطرة قوات النظام. وأشار إلى مبادرات للمصالحة تبذل على أكثر من خط وعبر أكثر من جهة مدنية وثورية لمنع النظام قدر الإمكان من الدخول إلى الغوطة وتفادي سقوطها، إضافة إلى تسليم المقاتلين الأسرى من جيش الإسلام الذين كانت قد اعتقلتهم الفصائل. وهو ما أكّدته مصادر في المعارضة، لـ«الشرق الأوسط» مشيرة إلى محاولات عدّة يقوم بها أكثر من طرف للحد من «الاقتتال الداخلي» بين الفصائل والذي يستفيد منه النظام، محذرة من توسّع سيطرة قواته إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ولفت عقاب إلى أن معتقلي «جيش الإسلام» لدى الفصائل الأخرى يبلغ عددهم نحو 700 شخص، بينهم عشرات القياديين الذين يلعبون دورا بارزا في المعارك، مضيفا: «سقوط الغوطة التي تعد (الخزان البشري للثوار) يعني تسهيل وصول قوات النظام إلى مناطق عدّة، إذ أن الغوطة تربط منطقة الجنوب بوسط سوريا (القلمون وحمص) ما سينعكس سلبا أيضا على الوضع في جنوب دمشق وسيزيد الخناق على مخيم اليرموك والحجر الأسود».
وكان المرصد قال: إن ما يسمى «حزب الله» اللبناني مدعما بقوات النظام وقوات الدفاع الوطني ومسلحين موالين له وبإسناد مدفعي وصاروخي وقصف للطائرات الحربية، تمكن من التقدم والسيطرة على كامل القطاع الجنوبي في غوطة دمشق الشرقية والذي تنشط فيه فصائل جيش الفسطاط وفيلق الرحمن ومقاتلون في صفوف جيش الإسلام رفضت الانسحاب سابقًا من جبهاتهم فيها، حيث بسطت قوات النظام سيطرتها في هذا التقدم على بلدات دير العصافير وزبدين ونولة وبزينة وحرستا القنطرة وحوش الحمصي وحوش الدوير وبالا والركابية والبياض في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية، بعد اشتباكات مع الفصائل، وسط حركة نزوح لمئات العائلات نحو بقية قطاعات الغوطة الشرقية.
وشهد قطاع الغوطة الشرقية الجنوبي خلال الأسابيع الماضية عشرات الضربات الجوية ومئات الصواريخ والقذائف التي استهدفت مواقع الفصائل في محاولة من قوات النظام لتحقيق هذا التقدم، بحسب المرصد.
وتحاول قوات النظام وما يسمى «حزب الله»، وفق عبد الرحمن، التقدم نحو البلدة منذ شهر فبراير (شباط)، على رغم أن المنطقة مشمولة باتفاق وقف الأعمال القتالية الذي بدأ تطبيقه في 27 فبراير في مناطق عدة، والذي يتعرض لخروقات كبرى.
وكان ناشطون معارضون أطلقوا مناشدات بضرورة إفشال مخططات النظام الرامية إلى فصل محور الغوطة الجنوبي عن الشمالي، محذرين من سقوط بلدتي زبدين ودير العصافير، وتكرار سيناريو مشابه تمامًا لما قامت به قوات النظام في الغوطة الغربية قبل أشهر والذي نجحت من خلاله بالفصل بين مدينتي داريا ومعضمية الشام.
ويأتي هذه الهجوم بعد أقل من أسبوع على اتهام ما يسمى «حزب الله» «الجماعات التكفيرية بقتل قائده العسكري في سوريا مصطفى بدر الدين عبر قصف مدفعي استهدف محيط مطار دمشق الدولي»، وهو ما لفت إليه عبد الرحمن، مشيرا إلى أن منطقة دير العصافير تعد الأقرب جغرافيا إلى مطار دمشق بين المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
وأعلن ما يسمى «حزب الله» أن اغتياله جاء نتيجة «انفجار كبير» استهدف أحد مراكزه قرب مطار دمشق الدولي، حيث ينتشر بكثافة الجيش السوري وما يسمى «حزب الله»، متهما «جماعات تكفيرية» بالعملية من دون تسمية أي مجموعة أو فصيل محدّد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.