إلغاء مفاجئ لاجتماع مصالحة بين طرفي الصراع في ليبيا بوساطة مصرية

«الناتو» يناقش تقديم دعم عسكري.. وحكومة السراج تطالب بإنهاء حظر التسليح

إلغاء مفاجئ لاجتماع مصالحة بين طرفي الصراع في ليبيا بوساطة مصرية
TT

إلغاء مفاجئ لاجتماع مصالحة بين طرفي الصراع في ليبيا بوساطة مصرية

إلغاء مفاجئ لاجتماع مصالحة بين طرفي الصراع في ليبيا بوساطة مصرية

بينما بدأ حلف شمال الأطلنطي (الناتو) أمس مناقشة إمكانية الاضطلاع بدور أكبر في ليبيا لمساعدة حكومة الوفاق الجديدة، التي يترأسها فائز السراج في التصدي للتهديد المتزايد لتنظيم داعش، دعت حكومة السراج الدول الكبرى الداعمة لها إلى التعجيل في تسليحها بعد ساعات من مقتل 32 من مقاتليها خلال معارك غرب مدينة سرت الساحلية. وتزامنت هذه التطورات مع إعلان السراج عن رفض رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح عقد اجتماع بينهما، رغم أنه حضر خصيصا إلى القاهرة للقائه.
وكشف السراج لدى لقائه مع مجموعة صحافية ليبية في القاهرة مساء أول من أمس عن موافقته على مبادرة وساطة، تتضمن توسيع حكومته وإبقاء منصب وزير الدفاع شاغرا، مع احتفاظ رئيس مجلس النواب الموجود في مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي بصلاحيات القائد الأعلى للجيش الليبي. لكنه لفت في المقابل، إلى أنه لا يملك تعديل نصوص اتفاق السلام، الذي تم توقيعه في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية العام الماضي بين ممثلين عن مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته. وبعدما قال إن القائد العام للجيش الليبي الفريق خليفة حفتر لا يعترف بوجود دور قيادي سياسي للمجلس الرئاسي للحكومة، المدعومة من الأمم المتحدة، دافع السراج عن تفويضه وزراء حكومته الـ18 في ممارسة أعمالهم في العاصمة طرابلس، برغم عدم موافقة البرلمان الشرعي على منح الثقة للمجلس الرئاسي وحكومته، موضحا أن حكومته استملت أغلب المقار الوزارية في العاصمة طرابلس، مضيفا أن «الوزير الذي لا يستطيع الدخول لوزارته سيسير الوزارة من خارجها».
من جهة أخرى، دعت حكومة السراج في بيان نشره مكتبها الإعلامي «المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والتعجيل بتجسيد الوعود التي قطعها بالمساعدة ورفع حظر السلاح المفروض على ليبيا».
وأعلنت القوى الكبرى والدول المجاورة لليبيا الاثنين الماضي، عقب اجتماع عقد في العاصمة النمساوية فيينا، أنها تؤيد رفع حظر الأسلحة المفروض على هذا البلد الغني بالنفط لصالح حكومة الوفاق وحدها، مؤكدة استعدادها لتسليم أسلحة إلى هذه الحكومة التي تتطلع إلى شراء طائرات وتدريب طيارين.
كما طالبت غرفة العمليات الخاصة بمحاربة تنظيم داعش، والتابعة لحكومة السراج، المجتمع الدولي بالالتزام بوعوده بدعم القوات الشرعية التي أقر دعمها للوقوف سدا منيعا في وجه توسع المتشددين.
من جانبه، دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة مارتن كوبلر إلى «الوحدة في محاربة تنظيم داعش تحت قيادة السراج»، وقال في تغريدة على حسابه في موقع «تويتر» إنه يتوجب «على كل الليبيين أن يتحدوا».
وبعد ثلاثة أيام من اجتماع فيينا، بدأ وزراء خارجية حلف الناتو في دراسة كيفية استخدام سفن الحلف في البحر المتوسط لمنع وصول الأسلحة إلى المتشددين، إذ قال ينس ستولتنبرغ الأمين العام للحلف قبل اجتماع عُقد أمس إنه يتوجب علي «التزام واضح وهو أن يبقى مستعدا لدعم الحكومة الجديدة في ليبيا إذا طلب منه ذلك. نحن لا نتعامل مع أي عملية قتالية محتملة».
والحلف منقسم أيضا بشأن هل ينبغي عليه تدريب الجيش الليبي الجديد واستهداف مهربي الأسلحة، أم وقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط مع قدوم الصيف، وهو الأمر الذي يحظى بدعم إيطاليا وإسبانيا، علما بأن لليبيا حساسية خاصة مع حلف الناتو نظرا للحملة الجوية التي قادها في 2011، وساهمت في الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي وانزلقت بعدها البلاد في حالة من الفوضى.
وتخوض القوات التابعة لحكومة الوفاق معارك ضد تنظيم داعش قرب سرت (نحو 450 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس) في محاولة لمنع التنظيم المتطرف من التقدم غرب المدينة الخاضعة لسيطرته منذ منتصف العام الماضي.
وقتل 32 من عناصر القوات الحكومية أول من أمس في معارك ضد التنظيم، بعد تفجير سيارة مفخخة في المنطقة الممتدة من سرت وصولا إلى بلدة أبو قرين، الواقعة على بعد نحو 130 كلم غربا على تقاطع طرق يربط الغرب الليبي بشرقه وجنوبه. وقد تبنى التنظيم تفجير سيارتين مفخختين في هذه المنطقة، قائلا إن الأولى نفذها سوداني والثانية شخص غير ليبي لم يحدد جنسيته.
وتراجع التنظيم إلى قرية بويرات الحسون، الواقعة على بعد 60 كيلومترا غرب سرت، مخلفا وراءه عشرات السيارات المفخخة والألغام، بحسب ما أعلن مسؤولون في غرفة العمليات التابعة لحكومة الوفاق.
وتخشى الدول الكبرى تمدد تنظيم داعش في ليبيا الغارقة في الفوضى الأمنية والسياسية منذ نحو عامين، والتي لا تبعد سواحلها سوى نحو 300 كيلومتر عن أوروبا.
وتخضع القوات العسكرية في الغرب الليبي لسلطة حكومة الوفاق، بينما يقود الفريق حفتر، مدعوما من البرلمان المعترف به دوليا، قوات في الشرق الليبي مؤيدة لحكومة موازية لا تحظى بالاعتراف الدولي وترفض تسليم السلطة. وقد جاء نجاح التنظيم في التمدد غرب سرت الأسبوع الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرته على المدينة، في وقت تعلن فيه الحكومة الليبية وقوات الحكومة الموازية في الشرق قرب مهاجمة قواعد التنظيم المتشدد لاستعادة سرت، مسقط رأس القذافي، في حملتين منفردتين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.