عبارة «الدم بالدم» تثير حفيظة رئاسة كردستان

معصوم يكشف لـ («الشرق الأوسط») تفاصيل محادثته الهاتفية مع المالكي

عبارة «الدم بالدم» تثير حفيظة رئاسة كردستان
TT

عبارة «الدم بالدم» تثير حفيظة رئاسة كردستان

عبارة «الدم بالدم» تثير حفيظة رئاسة كردستان

في وقت أمر فيه قاضي التحقيق في قضية مقتل الصحافي والأكاديمي العراقي محمد بديوي السبت الماضي على يد ضابط كردي في فوج حماية رئيس الجمهورية، باعتقال جندي آخر مشارك في الجريمة، أثارت العبارة التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «الدم بالدم»، في إشارة ثأرية، حفيظة رئاسة إقليم كردستان. وفي أول بيان لها بعد مرور أربعة أيام على حادثة القتل التي وقعت السبت الماضي، دعت رئاسة إقليم كردستان من سمتهم «حكام بغداد» إلى الجلوس معا وإنهاء العلاقة المليئة بالمشكلات بين الطرفين. وقالت رئاسة إقليم كردستان، في بيان لها أمس إن «الأيام الماضية ومن خلال متابعتنا الدقيقة حول الحادث والتصريحات التي صدرت بشأنه، كنا نأمل ألا يخرج الموضوع عن إطاره القانوني، وبضرورة أن يؤدي القانون والسلطة القضائية دورهما المحايد بعيدا عن تدخلات السياسيين». وأوضح البيان أن «التصريحات ومواقف بعض الشخصيات السياسية العراقية بعد الحادث، تسببت في خلق أجواء من القلق لدى الشارع العراقي اتسمت بتهديدها للسلام والتعايش بين المكونات العراقية وتعميق الخلافات وخلق الفتنة وشق الصفوف بين المواطنين. وعليه، فإننا نرى من الضروري أن نعلن للرأي العام العراقي وجوب ألا يسمح لأي شخص كان أو طرف ما إحداث شرخ في التآخي بين المكونات العراقية والمتاجرة بقضية الدكتور محمد بديوي».
وأعربت رئاسة الإقليم في بيانها «عن أسفها من استخدام رئيس الوزراء العراقي كلمات غريبة وغير لائقة كـ(الدم بالدم)، وهي بعيدة كل البعد عن مبادئ سيادة القانون وإدارة الدولة وثقافة التعايش والديمقراطية». ولفت البيان إلى أن «الكثير من الأهالي قتلوا خلال السنوات الماضية في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة وتجاوز بعض الأطراف؛ إذ اغتيل 400 أستاذ جامعي ولم نر أحدا يتولى مسؤولية حياتهم أو أن تحرك السلطة ساكنا لكشف الجناة، واليوم ولكون أحد أطراف الحادث مواطنا كرديا في هذا الحادث المؤسف، فإنهم يريدون استغلاله سياسيا لخلق فتنة بين المكونات القومية العراقية».
وقالت رئاسة الإقليم إن «مسؤولية كل ما يترتب على هذا الوضع، هي على عاتق أولئك الذين يريدون استغلال الحادث لأغراضهم السياسية، وإذا كان المتحكمون في السلطة ينظرون إلى الأحداث بهذا المنطق، فهناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها من الزاوية ذاتها». وتابع البيان أن «شعب كردستان قرر أن يعيش بالتآخي والتآلف والتعايش في العراق، فإذا كان حكام بغداد لا يريدون هذا التآخي ويختلقون المشاكل بشتى الذرائع، فليأتوا لنجلس معا وننهي هذه العلاقة المليئة بالمشاكل».
في سياق ذلك، وبناء على اعترافات الضابط المتهم بقتل بديوي، فقد أمر قاضي التحقيق باعتقال جندي في الفوج الرئاسي شارك في الاعتداء على الإعلامي محمد الشمري قبل قتله على يد الضابط.
على صعيد متصل، كشف القيادي الكردي البارز فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي، تفاصيل الاتصالات الهاتفية بينه وبين رئيس الوزراء نوري المالكي بعد وقوع الحادث، قائلا في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «المالكي اتصل بي في نحو الساعة الثالثة عصرا ليخبرني بوقوع هذا الحادث الأليم قائلا لي: نحن الآن في وضع حرج ولا بد من تسليم القاتل الذي ينتمي إلى أحد الأفواج المكلفة بحماية مقرات رئاسة الجمهورية»، مشيرا إلى «أنني طلبت منه إمهالي بعض الوقت لكي أتبين حقيقة الأمر لأني لم أكن لحظتها قد سمعت بالحادث، ولذلك أجريت اتصالات بالجهة المعنية بفوج الرئاسة، وبالفعل، فقد أحاطوني علما بالحادث حيث سألت عن مكان الجاني، فأخبروني أنه الآن مختبئ في مكان لا نعرفه ونعمل على البحث عنه». ويضيف الدكتور معصوم: «بعد مضي فترة قصيرة أخبروني أن الجاني توجه إلى منطقة المنصور من موقع الحادث بالجادرية، وقد جرى تحديد مكانه وأبلغت الجهة المعنية هناك بالتحفظ عليه ريثما تصل القوة التي جرى تكليفها بإلقاء القبض عليه». ويتابع معصوم قائلا: «اتصلت بالمالكي لكي أبلغه بالخبر، فوجدت هاتفه مشغولا، فبعثت له رسالة هاتفية بشأن تحديد موقع الجاني وذهاب القوة الخاصة لإحضاره، غير أن المالكي وبعد نحو ربع ساعة اتصل بي ليخبرني بتطورات الموقف، فأخبرته أن المسافة بعيدة بين الجادرية والمنصور والطرق مزدحمة، وبالفعل فقد جرى إلقاء القبض عليه هناك وجرى تسليمه بشكل أصولي إلى الجهات المسؤولة».
وبشأن ما إذا كانت قد جرت محاولة لتهريبه إلى كردستان، قال معصوم: «لم يحصل ذلك، بدليل أنه كان يمكن هروبه أو حتى تهريبه لو كان هناك تواطؤ، خصوصا بعد توجهه إلى منقطة بعيدة عن مكان الحادث، لكن كل الجهات المعنية تعاونت من أجل تسليمه، وهو بالمناسبة أول قاتل معلوم يجري تسليمه». ورفض معصوم الخوض في تفاصيل ما أثير حول الحادث فيما بعد، مكتفيا بالقول إن «الجاني الآن بيد القضاء ويجب أن تأخذ العدالة مجراها دون أي ضغوط».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.