محادثات فيينا تعزز الانقسام الدولي حول الحل السوري ومصير الأسد

المعارضة تنعى العملية السياسية وتؤكد أن الكلمة باتت للميدان

اجتماع فيينا للدول الداعمة لسوريا أمس ويبدو وزير الخارجية الأميركي جون كيري متوسطًا نظيره  الروسي لافروف (يسار) والمبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا (إ.ف.ب)
اجتماع فيينا للدول الداعمة لسوريا أمس ويبدو وزير الخارجية الأميركي جون كيري متوسطًا نظيره الروسي لافروف (يسار) والمبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا (إ.ف.ب)
TT

محادثات فيينا تعزز الانقسام الدولي حول الحل السوري ومصير الأسد

اجتماع فيينا للدول الداعمة لسوريا أمس ويبدو وزير الخارجية الأميركي جون كيري متوسطًا نظيره  الروسي لافروف (يسار) والمبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا (إ.ف.ب)
اجتماع فيينا للدول الداعمة لسوريا أمس ويبدو وزير الخارجية الأميركي جون كيري متوسطًا نظيره الروسي لافروف (يسار) والمبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا (إ.ف.ب)

عززت المحادثات التي أجرتها القوى العالمية الكبرى، أمس الثلاثاء، في فيينا، لإعادة فرض وقف إطلاق النار في سوريا، وضمان وصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة، الانقسام الدولي، خصوصًا بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، فيما تقاطعت مواقف 17 دولة شاركت في الاجتماع على أهمية «إقناع الفصائل المسلحة وقادة المعارضة باستئناف المفاوضات مع الحكومة». ونعت المعارضة السورية عملية السلام، ورأت أن «الدول الكبرى والأمم المتحدة التي أثبتت عجزها عن إدخال الحليب إلى أطفال سوريا المحاصرين، هي عاجزة بالتأكيد عن فرض السلام»، مؤكدة أن «الرهان لم يعد على جولة جديدة من المفاوضات، بل تحوّل إلى رهان على الأرض بعدما باتت الكلمة للميدان».
وفي تعبير واضح على فشل محادثات فيينا، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في تصريح له بعد المحادثات، أن «موعد الأول من أغسطس (آب) الذي تم تحديده للأطراف المتحاربة في سوريا للاتفاق على إطار عمل حول عملية الانتقال السياسي هو هدف وليس موعدًا نهائيا لذلك».
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حاول التخفيف من دور بلاده في إفشال العملية السلمية، فقال إن «موسكو لا تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، بل تدعم الجيش السوري في مواجهة تنظيم داعش». وأضاف: «نحن لا ندعم الأسد بل ندعم القتال ضد الإرهاب، وعلى الأرض لا نرى أي قوة حقيقية أكثر فعالية من الجيش السوري رغم جميع نقاط ضعفه». وشدد على ضرورة «مشاركة أطياف المعارضة السورية جميعها بممثلين عنها في المحادثات مع وفد الحكومة».
وانتقد لافروف ما سماه «الشروط المسبقة لبعض جماعات المعارضة السورية للمشاركة في محادثات جنيف»، وقال: «نشدد على الحاجة إلى إرسال رسالة قوية إلى المعارضة السورية التي تحاول فرض شروط مسبقة». وتابع: «نشعر أن شركاءنا الأميركيين فهموا أهمية الالتزام بجميع الاتفاقيات، بما في ذلك الحاجة إلى وجود ممثلين للمعارضة لإجراء محادثات مع الوفد الحكومي».
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إنه لا يستطيع دعوة نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية للعودة إلى محادثات السلام إلا إذا كان هناك وقف «جدي» لإطلاق النار.
من جهته، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس، إنه سيكون من الضروري البحث في البدائل إذا لم يمتثل الرئيس السوري بشار الأسد لمحاولات التوصل إلى هدنة في عموم البلاد. وقال الجبير للصحافيين بعد اجتماع لحكومات أجنبية في فيينا أن المملكة تعتقد أنه كان ينبغي الانتقال إلى خطة بديلة منذ فترة طويلة.
وأضاف أن خيار الانتقال إلى خطة بديلة وخيار تكثيف الدعم العسكري للمعارضة. وإذا لم يستجب نظام الأسد إلى اتفاقيات المجتمع الدولي، فسيتعين حينها دراسة ما يمكن عمله.
هذا الإخفاق الدولي، دفع بالهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة إلى نعي العملية السياسية، ورأى الناطق باسم الهيئة رياض نعسان آغا أنه «إذا كانت الدول العظمى لا تستطيع إدخال مساعدات إلى المحاصرين، فكيف للمبعوث الأممي (ستيفان) دي ميستورا أن يقرر إذا كانت هناك جولة جديدة من المفاوضات؟».
وأكد آغا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «رهان جولة جديدة من المفاوضات، تحوّل إلى رهان على الأرض، لأن الكلمة باتت للميدان بعد الفشل الدولي الفاضح». وقال إن «اتفاق الدول الكبرى على إسقاط المساعدات بالطائرات هو دليل عجز مخيف وقصور على إدخالها إلى المناطق المحاصرة». وسأل: «أليست روسيا موجودة بينهم وهي التي تأمر وتنهي النظام وتديره عسكريًا؟ إذا كانوا عاجزين عن إدخال علبة حليب فكيف يكونون قادرين على إيجاد حلّ سلمي؟».
وفي رفض ضمني للعودة إلى طاولة المفاوضات، اعتبر الناطق باسم الهيئة العليا، أن «الحل بعد مؤتمر فيينا بات أسوأ مما كان قبله، فالشعب السوري كان يراهن على بارقة أمل من هذا المؤتمر علّه يتقدم خطوة إلى الأمام، فإذا به يعود عشر خطوات إلى الوراء». وسأل آغا: «هل انتفت الأسباب التي دعت إلى تأجيل المفاوضات؟». لافتًا إلى أن «المطالب الروسية شبه تعجيزية، خصوصًا عندما يطلبون منا فصل الجيش الحرّ عن الجبهات». وسخر من كلام لافروف على أن روسيا ليست حليفة للأسد بل تريد وحدة الجيش السوري، وقال: «هل يعني الحفاظ على وحدة الجيش السوري أن يعود الجيش الحر إلى وصاية بشار الأسد وعلي مملوك؟ نحن مع وحدة الجيش السوري، لكن شرط تغيير قيادته وإعادة هيكلته».
وأعلن رياض نعسان آغا أن «المعارضة ترفض المقترحات الروسية التي تحاول إفراغ (جنيف1) من مضمونه، هم لا يريدون هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية، بل يريدون حكومة وحدة وطنية تقدّم أوراق اعتمادها إلى بشار الأسد، روسيا تطارد المعارضة وتعمل على إفشالها، وما زالت تعد أن كل من يعادي الأسد هو إرهابي».
وبشأن ما يحكى عن حلف أوروبي - خليجي جديد قادر على مواجهة التفرد الروسي في سوريا، أوضح آغا أن «هذا الأمر كان مطروحًا، لكن الجميع يتردد في تجاوز الخط الأحمر، لأنه قد يعني حربًا عالمية جديدة»، مشيرًا إلى أن «الدخول في هذا الجو لا يعني مواجهة مع إيران وروسيا، بل قد تفتح أبواب الجحيم على المنطقة».
من جهته، قال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، الذي شارك في المحادثات: «إن الولايات المتحدة وروسيا ستساعدان في تحديد المسؤول عن انتهاكات وقف إطلاق النار في سوريا». وأشار إلى أن واشنطن وموسكو «أعربتا عن استعدادهما لتحقيق تقدم على المستوى الفني، لتحديد مَن المسؤول عن خرق وقف إطلاق النار».
أضاف شتاينماير: «إن وزراء خارجية القوى العالمية والإقليمية اتفقوا على أنه يتعين على الأمم المتحدة استئناف الجولة المقبلة من مباحثات السلام في أسرع وقت ممكن»، مؤكدًا أن «مجموعة الدعم الدولية لسوريا التي يترأسها وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، كلفت الأمم المتحدة بالقيام بعمليات إنزال جوي لتوصيل المساعدات للسوريين في المناطق الأكثر تضررًا». ولم يقدم الوزير الألماني أي دليل على أن مباحثات فيينا أسفرت عن نتيجة ملموسة بشأن تعزيز وقف إطلاق النار الهش، مكتفيًا بالقول إن «المناقشات الدبلوماسية مثيرة للجدل».
بدوره أعلن قال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرلوت، أن القوى الكبرى «اتفقت على الدفع باتجاه استئناف محادثات السلام السورية في جنيف بحلول بداية يونيو (حزيران) إذا أمكن ذلك». وقال: «نريد من ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، أن يجمع المفاوضين في أقرب وقت ممكن، وحددنا لأنفسنا هدفا وهو بداية يونيو (حزيران) إن أمكن».
ونقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسي غربي بارز شارك في المحادثات، قوله: «نحتاج إلى أن يطرح الضامنان لوقف إطلاق النار روسيا والولايات المتحدة شيئا من شأنه إقناع المعارضة بأن هذه العملية تستحق العناء». أضاف: «من المحزن أنني لا أستشعر حدوث ذلك، وأخشى أن تحاول الولايات المتحدة فرض نص مفرط في التفاؤل، لكن تنفيذه غير ممكن».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.