عندما سألت «الشرق الأوسط» رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام عما إذا كانت هناك «إشارات» تنبئ بليونة إيرانية ما في ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان، رسم بيديه دوائر ودوائر قبل أن يرد بقوله إن الفرنسيين والألمان وأطرافا دولية أخرى تدخلت لدى إيران من أجل الحصول على شيء مثل هذا منها. وبالفعل: «وشعرنا أن هناك في مكان ما رغبة إيرانية» بالتسهيل، لكن الأمور «تعقدت مجددا بسبب مواجهة إقليمية جديدة وكان من أثرها تراجع الوضع إلى الوراء». ويضيف سلام أن «الأمور مربوطة بالوضع الإقليمي وبعضها ببعض. سوريا، والعراق، واليمن وغيرها، وبالأوراق التي تلعب هنا أو هناك، وما يُعطى بالمقابل. كما أن كثيرين يرون أنه يتعين انتظار الانتخابات الأميركية».
هذا الكلام للرئيس سلام جاء في إطار لقاء مع وفد ضيق من الصحافة الفرنسية الموجود في لبنان. واستفاد سلام من المناسبة ليقول كلاما صريحا، ويدق ناقوس الخطر، محذرا من الخطر الإرهابي الذي يهدد لبنان، وينبه الطبقة السياسية اللبنانية بأن استمرار التناحر والخلافات بين اللبنانيين بهذا الشكل «سيدمر» لبنان. وبصراحة متناهية، رأى سلام أن اللبنانيين «يتولون إدارة حياتهم وشؤونهم السياسية كقبائل، وعلى أسس الانقسامات الطائفية، وكل جهة سياسية تسعى لزيادة صلاحياتها عن طريق التجييش الطائفي الذي لا يصب في مصلحة البلد».
في كل حديث مع سياسي لبناني، يقفز إلى الواجهة موضوع الفراغ الرئاسي. وبخصوص هذا الموضوع أيضا، لا يختبئ سلام وراء أصبعه، بل يقول الأمور كما هي. ومن جملة ما يقوله إنه من أصل 12 رئيسا للجمهورية تعاقبوا على لبنان، هناك فقط رئيس واحد انتخب بموجب أصول اللعبة الديمقراطية في عام 1970، في إشارة إلى الرئيس الأسبق سليمان فرنجية الذي انتخب بأغلبية صوت واحد. وقال سلام إن اللبنانيين «تعودوا أن يكونوا تحت تأثير التدخلات الإقليمية والدولية، وعانوا دوما من صعوبة التفاهم فيما بينهم». والخلاصة التي يصل إليها مفادها بأن لبنان «بحاجة إلى مساعدة من الخارج»، للانتهاء من الفراغ على رأس الدولة، وهذه المساعدة يمكن أن تكون بشكل مؤتمر أو اجتماع «للأطراف الإقليمية أو الدولية الكبرى التي تتمتع بتأثير على الوضع اللبناني، لأن غالبية القوى الأساسية في لبنان متحالفة مع قوى إقليمية أو دولية لا تسمح بالتحرك بحرية في البلد». واستبق سلام الانتقادات والصعوبات التي يمكن أن تتسبب فيها هذه التصريحات، مثل أنها لا تصدر عن مسؤول متمسك بالسيادة الوطنية، بالقول إنها «للأسف توصيف للوضع كما هو».
منذ أن أدلى السفير الفرنسي في لبنان أول من أمس بتصريح حول مساعي بلاده لمساعدة لبنان عبر الإعداد لاجتماع، حصل لغط كثير، بعضهم فهم أن باريس تحضر لمؤتمر دولي خاص، وبعضهم كان يعلم مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي التقيناه أمس في عين التينة بأن المقصود هو اجتماع لمجموعة الدعم للبنان وليس لمؤتمر دولي. أما الرئيس سلام، فقد «اعترف» أنه «ليس هناك حتى الآن نتائج محسوسة أفرزتها المساعي الفرنسية الهادفة لمؤتمر حول لبنان في أوروبا». والجدير بالذكر أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت سيزور لبنان في 27 الجاري، وأن الملف الرئاسي سيكون على رأس المواضيع التي سيتناولها مع المسؤولين اللبنانيين. وكشف سلام أن فرنسا اتصلت بكل سلطات المنطقة بما فيها المملكة السعودية وإيران والأطراف الأخرى، ناهيك بالأطراف الداخلية اللبنانية، وهي مستمرة في ذلك. وما تريده باريس هو أن تجر وراءها البلدان الأوروبية والبلدان الإقليمية وربما لاحقا الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لتنظيم مؤتمر «يشارك فيه الجميع». أما لماذا باريس وليس أي طرف إقليمي كما حصل في مؤتمر الطائف عام 1989 أو في الدوحة عام 2008 فالسبب عائد لكون العواصم الإقليمية «مشغولة إما بنفسها وإما مع الآخرين». لكن سلام يستدرك قائلا إن القوى الإقليمية والدولية تتناحر فيما بينها، مما يعني صعوبة تفاهمها حول لبنان.
يلقي الرئيس سلام على الوضع اللبناني نظرة متشائمة، ليس فقط لأن الوضع معقد، بل لأن القوى السياسية وكذلك اللبنانيون بشكل عام لا يغلبون المصلحة العليا على غيرها من المصالح. ورغم أن الحكومة نجحت في توفير الأجواء لإجراء مرحلتين من الانتخابات البلدية، فإن الأزمة «ما زالت مستمرة». ويشكو سلام من شلل البرلمان «المفترض به أن يجتمع مرتين في الأسبوع»، وليس في أوقات متباعدة ومن «العراقيل» التي توضع في وجه العمل الحكومي، حيث «القوى السياسية» الممثلة فيه تتناحر باستمرار فيما بينها داخل المجلس وخارجه، شاكيا من مبدأ القرار الإجماعي الذي يشل عمل حكومته. ونبه سلام من المخاطر المحدقة بلبنان وعلى رأسها الخطر الإرهابي، حيث إن لبنان «في خطر دائم». ولعل ما يخفف من وطأة هذا التشخيص أن لبنان ليس وحده في هذا الوضع، بل إن بلدانا إقليمية كثيرة تواجه الأخطار نفسها. وهذا الوضع وشعاره الأول الفراغ الرئاسي أفرز مجموعة من المشكلات تحتاج إلى نظام صلب ومتمكن، من أجل معالجتها، وعلى رأسها الشلل في عمل المؤسسات واستفحال أزمة اللاجئين السوريين والأزمات المتراكمة في قطاعات الكهرباء والطاقة والغاز «الواجب استخراجه من البحر والمجمد بسبب الخلافات السياسية». أما الحل بالنسبة إلى رئيس الحكومة فيكمن في السعي من أجل الخروج من النظام الطائفي بالتدريج، مشيرا إلى أن هذا النظام كان «أساس التوازن في البلد»، داعيا إلى قانون انتخابي جديد يتيح تمثيلا أفضل للبنانيين، ويضعف الجهات السياسية الطائفية. ويطالب سلام بتنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف التي لم ينفذ منها إلا ما بين 50 و60 في المائة، بسبب الضغوط السورية سابقا وبسبب الأزمات التي نشبت لاحقا.
أما ما يتمسك الرئيس سلام بالتشديد عليه، فهو اعتباره أن الحل لمعالجة التطرف والإرهاب على المدى الطويل يكمن في إيجاد «واحة سلام وديمقراطية واعتدال» في المنطقة، وأن ذلك يفترض إيجاد حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الأزمة السورية، فإنه يأسف أنها لم تدخل في الإطار التفاوضي بين مجموعة الدول الـ«5+1» وإيران. والحال أن المفاوضات انتهت «ولم يحصل شيء بعدها» لجهة إيجاد حلول للأزمات المشتعلة في المنطقة.
تمام سلام: إخراج لبنان من أزمته يتطلب مساعدة خارجية
قال في لقاء صحافي: لا نتائج محسوسة بعد لجهود فرنسا
تمام سلام: إخراج لبنان من أزمته يتطلب مساعدة خارجية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة