ظاهرة «البناء التجاري».. هاجس الراغبين في تملك المساكن بالسعودية

عقاريون: عدم وجود جهة مختصة لفحص المباني شجع على انتشارها

العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)
العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

ظاهرة «البناء التجاري».. هاجس الراغبين في تملك المساكن بالسعودية

العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)
العاصمة السعودية الرياض (تصوير: خالد الخميس)

دعا عقاريون سعوديون إلى إنشاء جهة حكومية متخصصة في فحص جودة المباني ومدى صلاحيتها للسكن قبل بيعها من المستثمرين العقاريين للزبائن، مشيرين إلى أن بعض المقاولين لا يهتمون بجودة البناء ويعمدون إلى تقليل كمية الحديد أو استخدام مواد بناء رديئة، فيما يعرف في السوق باسم «البناء التجاري»، وهو ما يسبب مشكلات كبيرة للمشترين.
ويغري الطلب المتزايد على المساكن في السعودية، بعض المستثمرين لتوجيه دفة استثماراتهم نحو بناء أعداد كبيرة من المباني والفيلات، وبيعها بشكل سريع، وينعكس هذا الأمر سلبا على جودة وتحمل تلك المباني، حيث إن طريقة بناء بعضها تكون رديئة، فتتشقق جدرانها، أو تهبط أرضيتها، أو تظهر فيها مشكلات السباكة، أو ضعف توصيلات الكهرباء.
وذكر تركي الدواس، الذي يمتلك مؤسسة متخصصة في الإنشاءات، أن ما شجع البعض إلى إنشاء مبان رديئة، هو عدم وجود جهة حكومية متخصصة لفحص جودة المباني ومدى صلاحيتها للسكن، واعتبارها مرجعًا معتمدًا للشكوى في حال وجود حالات غش في البناء، وبالتالي فإن المشتري يتحمل نتيجة أخطاء غيره.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم المشاريع الموجودة والمقامة أنشئت بدافع التكسب والتجارة، بمعنى أنه استخدمت لبنائها أرخص الأدوات وأقلها جودة، ولا تراعى فيها أبجديات السلامة والاستمرارية، ودائمًا ما يكتشف المشتري أنه وقع في ورطة كبيرة عند شرائه بناية من ذلك النوع.
وطالب بتكثيف المتابعة والمراقبة من الجهات المختصة لوضع حد لتلاعب يقع فيه المشتري الذي ضحى بجميع ما يملك للحصول على سكن مناسب؛ ثم يكتشف في نهاية الأمر أن ما اشتراه خدعة، ولا يستطيع المطالبة بالمبالغ المدفوعة لعدم اشتراط إعادة المنشأة إلى صاحبها في حال وجود غش، أو الحصول على تعويض مناسب في أسوأ الأحوال.
ولفت الدواس إلى أن بعض المستثمرين يعتمدون على مواد بناء تجارية رخيصة السعر، تكون دائمًا ذات جودة رديئة وعمر افتراضي قصير، وتظهر في المبنى بعد سنوات قليلة مشكلات وأعطال، معظمها لا يمكن إصلاحه إلا بهدم جدران أو تكسير أجزاء من المنزل للإصلاح، مثل السباكة والكهرباء، وإعادة بناء الخزانات.
كما أشار إلى أن «معظم الأعطال تبدأ غالبًا بعد انتهاء البناء بثلاث سنوات، وتحتاج لأموال طائلة لإعادة صيانتها وتجديد بنائها، وهي المدة التي تكون البناية فيها انتقلت من ذمة المستثمر واستقرت في ذمة المشتري الذي وقع ضحية غش من نوع جديد، وشاهدنا كثيرًا من المشاريع التي أصبحت غير صالحة للاستخدام رغم أن عمرها لم يتجاوز خمس سنوات».
إلى ذلك، أكد إبراهيم العبيد، وهو صاحب شركة عقارية، أن «البناء التجاري» وهو المصطلح الذي يطلق على هذه النوعية من البناء، يفتقد أساسيات البناء؛ لعدم انتهاج طريقة صحيحة في البناء؛ بسبب الوقت القصير الذي يبنى فيه المنزل، وهو أمر يضر المبنى بشكل كبير، بل إنه قد يسقط في أي وقت، لافتًا إلى أن من الأسباب التي تضعف الإقبال على العقار الجاهز نوعية البناء التي أصبحت تسجل هاجسًا كبيرًا بالنسبة للراغبين في السكن من المقتدرين، مما يعزز أهمية إيجاد جهة حكومية مختصة تضع مواصفات صارمة عند الرغبة في البناء، وهو ما سيسهم في انتعاش العقار وإعادة ثقة الناس بالمنتجات العقارية التي يشوهها حاليًا البناء التجاري كثيرًا.
وعن الأسباب الأخرى لسوء هذه النوعية من البناء، أوضح العبيد أنه عقب الانتهاء من بناء الطابق يجب التوقف لمدة لا تقل عن 4 أشهر، حتى تجف المباني وتتماسك الأعمدة، ثم البدء في بناء الطابق الذي يليه، وهو ما لا يتبعه غالبية مقاولي هذه البنايات؛ لرغبتهم في الانتهاء من البناء في أسرع وقت؛ إذ إنهم فور الانتهاء من الطابق الأول يبدأون في بناء الطابق الذي يليه، ما يتسبب في تشقق وتصدع البناء بعد سنوات قصيرة من بنائه.
وأضاف العبيد أن الربح يكمن في إنهاء المشروع والبيع بأسرع وقت، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الجودة بعد وقت من ذلك، مشيرًا إلى أن استخدام مواد بناء رخيصة ذات جودة رديئة، أمر آخر يؤرق الراغبين في البحث عن مساكن جاهزة للشراء.
وحول جودة وتحمل هذه الأبنية، أكد سالم العنيزان، صاحب شركة إنشاءات عقارية، أنها تفتقد الجودة والهندسة القيمية، لافتًا إلى أن الجهات الرقابية لا تفرض متابعة ومحاسبة كافية على هذه النوعية من البنايات، تاركة الأمر لضمائر المقاولين الذين يتحكمون في البناء كيفما شاءوا دون الاستناد إلى معايير ومقاييس صارمة للمحافظة على الأبنية، مشيرًا إلى أن معظمها غير مجهز لمواجهة أدنى الكوارث الطبيعية أو البيئية.
وتابع أنه «يجب على الجهات الرقابية والمعنية أن تنتبه جيدا ولا تهمل أو تقصر في محاسبة المقصرين حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه في المستقبل»، لافتًا إلى أن أهم أسباب سقوط الأبنية أو تصدعها مشكلة التلاعب بكمية الحديد خلال وضع الأساسات، ومحاولة بعض المقاولين توفير أكبر كمية ممكنة من الحديد، مما يخلق مشكلة أكبر، وهي احتمال سقوط البيت أو تصدعه في أحسن الأحوال، وهي نقطة مهمة لا يراعيها أكثر المقاولين التجاريين الذين يهدفون إلى توفير تكاليف البناء لجني أكبر فائدة ممكنة.
وتطرق العنيزان إلى أن كمية الحديد تختلف من حي إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، «بحيث لا يمكن وضع كمية حديد ثابتة لكل بناء؛ إذ إن بعض الأراضي تحتاج لكمية مضاعفة من الحديد والقواعد، وذلك لسوء أرضيتها، أو أن الأرض قد تكون واقعة على مشارف واد أو أرض منخفضة، وذلك ما لا تراعيه مخططات المقاولين، حيث يعتمدون الكمية نفسها، بغض النظر عن الظروف الأخرى»، مؤكدًا أن «جهل البعض بتفاصيل أو حتى أساسيات البناء، جعلهم ضحية للبناء التجاري الذي بدأ بالانتشار بشكل كبير».



السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
TT

السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة

بعد سلسلة من المتغيرات التي شهدها قطاع الإسكان السعودي، يتجه القطاع إلى التوازن مع انخفاض التضخم الحاصل في الأسعار بمختلف فروع القطاع العقاري، وسط مبادرات سعت إليها وزارة الإسكان السعودية؛ الأمر الذي قلص الفجوة بين العرض والطلب خلال السنوات الماضية، حيث حققت الوزارة القيمة المضافة من خلال تلك المبادرات في رفع نسب التملك بالبلاد.
وتوقع مختصان أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من النجاح الحكومي في مجال الإسكان، مشيرين إلى أن المواطن سيجني ثمار ذلك على مستوى الأسعار وتوافر المنتجات، التي تلبي مطالب جميع الفئات. ويمثل هذا النجاح امتداداً لإنجازات الحكومة، في طريق حل مشكلة الإسكان، عبر تنويع المنتجات العقارية وإتاحتها في جميع المناطق، مع توفير الحلول التمويلية الميسرة، والاستفادة بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأشار المختصان إلى أن أداء الحكومة، ممثلة في وزارة الإسكان، كان وراء خفض أسعار المساكن بشكل كبير، وذلك بعد أن وفرت للمواطنين منتجات عقارية متنوعة تلبي أذواق جميع المستفيدين من برامج الدعم السكني. وقال الخبير العقاري خالد المبيض إن «وزارة الإسكان تمكنت من إيجاد حلول عقارية ناجعة ومتنوعة، أدت إلى تراجع الأسعار بنسب تشجع جميع المواطنين بمختلف مستوياتهم المادية، على تملك العقارات»، مضيفاً أن «الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من النجاح في هذا الجانب».
وتابع: «أتذكر أن أول مشروع تسلمته وزارة الإسكان، كان يتعلق ببناء 500 ألف وحدة سكنية، بقيمة 250 مليار ريال (133.3 مليار دولار)، ما يعني أن قيمة الوحدة السكنية 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار). أما اليوم، فقد تمكنت الوزارة من إيجاد وحدات جاهزة بقيمة تصل إلى نصف هذا المبلغ وهو 250 ألف ريال (66.6 ألف دولار)»، لافتاً إلى أن «الفرد يستطيع الحصول على هذه الوحدات بالتقسيط، مما يؤكد حرص البلاد على إيجاد مساكن لجميع فئات المجتمع السعودي».
وأضاف المبيض: «تفاوت أسعار المنتجات العقارية يمثل استراتيجية اتبعتها الوزارة في السنوات الأخيرة، ونجحت فيها بشكل كبير جداً». وقال: «أثمرت هذه السياسة زيادة إقبال محدودي الدخل على تملك المساكن، بجانب متوسطي وميسوري الدخل الذين يقبلون على تملك مساكن ومنازل وفيلات تناسب قدراتهم المادية، وهذا يُحسب لوزارة الإسكان ويمهد لإنهاء مشكلة السكن التي لطالما أرقت المجتمع في سنوات ماضية».
وتوقع الخبير العقاري أن تشهد المرحلة المقبلة طفرة في قطاع الإسكان. وقال: «يجب أن نضع في الاعتبار أن منتجات الوزارة التي تعلن عنها تباعاً، تحظى بإقبال الأفراد كافة، لا سيما أنها تراعي خصوصية الأسرة السعودية، كما أنها تلبي احتياجاتها في الشكل والمساحات».
وأضاف: «تمكنت الوزارة من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة، ومنازل مستقلة، وفيلات، ومنح أراضٍ وقروض لمن يرغبون في البناء بأنفسهم». وتابع «كل هذه الخيارات وفرتها الوزارة في صورة مبادرات متعددة، موجودة في برنامج (سكني)، وروجت لها بشكل جيد، ووصلت بها إلى المواطنين».
من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي علي الجعفري أن شراكة الوزارة مع شركات العقار السعودية تمثل خطوة استراتيجية تُحسب للحكومة في السنوات الأخيرة. وقال: «إحقاقاً للحق؛ أضاعت الوزارة عقب تأسيسها، بعض الوقت والجهد للبحث عن آليات تمكنها من بناء 500 ألف وحدة سكنية، لكنها عوضت ذلك بالشراكة مع القطاع الخاص».
وأضاف الجعفري: «الوزارة في بداية عهدها لم تتعاون مع شركات التطوير العقاري السعودية لتنفيذ مشاريع السكن، ولو أنها سارعت بهذا التعاون، لكان لدينا اليوم عدد كبير من المنتجات العقارية التي تساهم في حل مشكلة السكن».
واستطرد: «الوزارة تداركت في السنوات الأخيرة هذا الأمر، واعتمدت على شركات التطوير السعودية، التي أصبحت بمثابة الذراع التنفيذية لتصورات الحكومة وتوجهاتها لحل مشكلة السكن»، مضيفاً: «اليوم الوزارة ترتكن إلى حزمة من المبادرات النوعية، التي وفرت كثيراً من التنوع في المنتجات العقارية، وهو ما أشاع جواً من التفاؤل بإمكانية حل مشكلة السكن في المملكة في وقت وجيز».
وأكد الجعفري ثقته باستمرار نجاح البلاد في إدارة ملف الإسكان. وقال: «أنا واثق بأن مؤشرات السكن اليوم أفضل بكثير منها قبل 8 سنوات مضت، بعد طرح الوزارة آلاف المنتجات العقارية وتسليمها إلى مستحقيها، بل ودخول عدد كبير منها إلى حيز الاستخدام».
وختم الجعفري: «نجاحات وزارة الإسكان تحقق مستهدفات (رؤية المملكة 2030)، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى نسبة تمليك بين المواطنين تصل إلى 70 في المائة» على حد وصفه.
وكانت «مؤسسة النقد السعودي (ساما)» أشارت إلى أن عقود التمويل العقاري السكني الجديدة للأفراد واصلت صعودها لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مسجلة أعلى معدلات إقراض في تاريخ البنوك السعودية من حيث عدد العقود ومبالغ التمويل بنحو 23 ألفاً و668 عقداً مقارنة بنحو 9 آلاف و578 عقداً في يناير 2019، من إجمالي القروض العقارية السكنية المُقدمة من جميع الممولين العقاريين من بنوك وشركات التمويل.
وأوضح التقرير الخاص بـ«ساما» أن النمو في عدد عقود التمويل العقاري السكني وصل لنحو 147 في المائة مقارنة مع يناير 2019، فيما سجل حجم التمويل العقاري السكني الجديد في يناير 2020، نمواً بمقدار 112 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019، والذي سجل نحو 4.766 مليار ريال (1.270 مليار دولار)، كما سجلت قروض يناير السكنية ارتفاعاً بنسبة اثنين في المائة عن الشهر السابق ديسمبر (كانون الأول) 2019، والذي وصل حجم التمويل خلاله إلى نحو 9.86 مليار ريال (2.6 مليار دولار)، فيما ارتفع عدد العقود بنسبة 1.5 في المائة عن شهر ديسمبر 2019، والذي شهد توقيع نحو 23 ألفاً و324 عقداً.
وأشار التقرير إلى أنه تم إبرام 94 في المائة من قيمة هذه العقود عن طريق البنوك التجارية، بينما أبرمت 6 في المائة منها عن طريق شركات التمويل العقاري، فيما بلغ عدد عقود المنتجات المدعومة من خلال برامج الإسكان في شهر يناير 2020 عن طريق الممولين العقاريين 22 ألفاً و432 عقداً وبقيمة إجمالية بلغت 9.4 مليار ريال (2.5 مليار دولار).