أميركا: ترامب ومترو واشنطن وسمك السالمون

دمار حلب وتداعيات الأزمة السورية تحت مجهر الصحف الأوروبية

أميركا: ترامب ومترو واشنطن وسمك السالمون
TT

أميركا: ترامب ومترو واشنطن وسمك السالمون

أميركا: ترامب ومترو واشنطن وسمك السالمون

خلال الأسبوع الماضي، اهتم الإعلام الأميركي بحدث هام في المعركة الانتخابية لرئاسة الجمهورية: لقاء المرشح الجمهوري دونالد ترامب مع زعيم الجمهوريين في الكونغرس، بول رايان، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب (الرجل الثالث في رئاسة الجمهورية، بعد نائب الرئيس). لكن، يبدو أن رايان لم يغير اعتراضه على ترشيح ترامب باسم الحزب الجمهوري، رغم حصول ترامب على أغلبية أصوات الجمهوريين.
وبينما يتوقع أن تشهد واشنطن مناورات ومساومات حتى مؤتمر الحزب الجمهوري في الصيف، يهتم الإعلام الأميركي بقضايا أخرى أيضًا.
مع لقاء ترامب ورايان في واشنطن، اهتمت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» بما يهم الواشطنيين أكثر: الخوف من توقف المترو (يستعمله كل يوم نصف مليون شخص). وقالت: «يحتاج المترو لأبطال جدد في الكونغرس. رغم أن مسافرين وسياسيين صاروا يتخلون عنه، يحتاج المترو لمليارات من الدولارات ليبقى على قيد الحياة».
وتحدثت افتتاحية صحيفة «تامبا تربيون»، في تامبا (ولاية فلوريدا) عن زيادة معارضة الأميركيين لأحكام الإعدام، خاصة لأن المحكمة العليا في واشنطن (التي تفسر الدستور) كانت انتقدت أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم العليا في بعض الولايات.
وقالت الافتتاحية: «تواجه المحكمة العليا في فلوريدا هذا الشهر تحديًا دستوريًا بسبب قبولها عقوبة الإعدام، رغم تطور المعايير الاجتماعية في الولاية وفي الولايات الأخرى. يجب عليها الاستجابة لرأي المحكمة العليا للولايات المتحدة، والتي قالت، مؤخرًا، إن أحكام الإعدام في ولاية فلوريدا غير دستورية».
وعن موضوع قضائي آخر، تحدثت افتتاحية صحيفة «سنت لويس ديسباتش» في سنت لويس (ولاية ميزوري). قالت: «حكم قاضٍ اتحادي في الولاية بأن عمليات الإجهاض في عيادات تنظيم الأسرة في ولاية ميزوري يجب أن تستمر دون عائق. يعنى هذا تحذير كونغرس الولاية، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بأن يتوقف عن محاولات الالتفاف حول قرار المحكمة العليا في واشنطن (الذي لا يمنع الإجهاض، رغم أنه وضع شروطًا له)».
وتحدثت افتتاحية صحيفة «سياتل تايمز»، التي تصدر في سياتل (ولاية واشنطن) عن موضوع محلي، أيضًا. كتبت: «من أجل سمك السلمون، ومن أجل الذين يأكلونه، يجب على كونغرس الولاية ومقاطعات الهنود الأصليين (الهنود الحمر) الوصول إلى اتفاق حول صيد السالمون. يجب على ولاية واشنطن والقبائل الهندية الوصول إلى خطة جديدة لصيد سمك السالمون في خليج بوغيب ساوند».
لكن، فضلت افتتاحية صحيفة «يو إس إيه توداي» التعليق على ترامب. وقالت: «على مدى عقود، ظل الجمهوريون يريدون حكومة محدودة، وقيما عائلية وثيقة، وقيادة أميركية على الساحة العالمية. لكن، ها هم قادة الجمهوريين يتنازلون لدونالد ترامب الذي يرفض كثيرا مما يؤمن به الحزب الجمهوري».
وتناولت الصحف الأوروبية كثيرا من الملفات ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط. وننطلق من الصحف البريطانية: نشرت صحيفة «التايمز» تقريرا كتبه توم كوغلان في مدينة حلب، التي دمرها النزاع المسلح في سوريا، عن العائلات المشتتة بسبب المعارك، حيث يروي كوغلان - في تقريره - قصة أم محمد التي تعيش في الجانب الشرقي من حلب، الخاضع للمعارضة المسلحة، بينما تسكن ابنتها وابنها غربي المدينة حيث القوات الحكومية.
أم محمد تقول: «رأيت كثيرا من الملتحين المسلحين الغرباء، ولكن أغلب عناصر المعارضة نعرفهم، وهم ناس عاديون كانوا جيرانا لنا». وفي طريقه، جنوب حلب، يقول الكاتب: رأينا قافلة من شاحنات كاماز الروسية يقودها جنود روس بلباس عسكري خاص بالصحراء، ويشير إلى أن روسيا لا تعرف أن لها جنودا ميدانيين في حلب. ويضيف الكاتب أن جنودا إيرانيين بلباسهم الرسمي كانوا أيضًا يقودون مركبات سفير في الطريق وعلى متنها قوات من قومية الهزارة الأفغان الشيعة، جندتهم إيران للقتال في سوريا، وكان سكان محليون يلوحون لهم.
وكانت الكتابات على الجدران تشير إلى وجود قوات عصائب أهل الحق العرقية التي تدعمها إيران، أما الراية الخضراء والصفراء التي شاهدناها في إحدى نقاط التفتيش فهي لكتائب سيد الشهداء، وهي ميليشيا شيعية عراقية أخرى تدعهما إيران.
ونشرت صحيفة «ديلي تلغراف» تقريرا يتحدث فيه مراسل الشؤون العسكرية، بن فارمر، عن احتمال لجوء تنظيم داعش إلى الأسلحة الكيماوية، إذا حاولت القوات العراقية مهاجمة مدينة الموصل، التي يسيطر عليها منذ عامين تقريبا.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.