خطاب الظواهري حيال سوريا يشير إلى أولويات «القاعدة» في بلاد الشام

وسط الكلام عن العلاقة بين «القاعدة» و«جبهة النصرة»

زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري
زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري
TT

خطاب الظواهري حيال سوريا يشير إلى أولويات «القاعدة» في بلاد الشام

زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري
زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري

الخطاب الأخير لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي دعا فيه إلى دعم من وصفهم بـ«المجاهدين» في سوريا، لا يحمل في طياته تفسيرات متعددة فيما يتعلق بإقامة إمارة مستقلة فحسب، بل يشير أيضا إلى أولويات «القاعدة» في بلاد الشام. فلقد سلّط خطاب الظواهري الضوء على أهداف التنظيم المتشدد في سوريا، وتجلى أولها وأكثرها أهمية في توحيد صفوف المقاتلين المتشددين. وبالنسبة إلى «أمير» تنظيم «القاعدة» من «واجب» كل المسلمين اليوم «الدفاع عن الجهاد في بلاد الشام» ضد «المؤامرات» المختلفة، التي يزعم أنها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبعض الدول العربية.
تحدث أيمن الظواهري في خطابه الأخير حول سوريا عن المجموعات الأخرى، بخلاف «القاعدة» التي تسعى إلى «إقامة نظام» على أساس الإسلام، غير أن هذا النظام، حسب رأيه، ليس سوى نسخة «مزيفة» عن الإسلام بما أنه يوافق على «العلمانية» و«القومية». ومن ثم شدّد على أنه «من واجبنا اليوم» العمل من أجل «وحدة المجاهدين» حتى «تحرير» بلاد الشام من النظام «النصيري» (وهو مصطلح يطلقه البعض على العلويين) وشركائه الشيعة (أي إيران وما يسمى «حزب الله»)، وكذلك من «الصليبيين» أي دول الغرب وروسيا.
كذلك، حث زعيم تنظيم «القاعدة» من وصفهم بـ«المجاهدين» إلى توحيد صفوفهم في سوريا، قائلا: إنها مسألة «حياة أو موت» بالنسبة لهم، ومحذرا من التلهّي بمناقشة العلاقة بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة».
ومن ثم انتقل الظواهري إلى الحجة الثانية التي استعملها في خطابه مركزا على انتقاد تنظيم داعش المتطرف، ناعتا الملتحقين به بـ«الخوارج»، ومتهما إياهم بالترهيب واللجوء إلى مستويات مروِّعة من العنف لحكم السكان المحليين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم: «وذلك بهدف تسويق التنظيم ضمن الجهادية العالمية، في حين تلجأ جبهة النصرة عوضا عن ذلك إلى أسلوب الإقناع والتغيير التدريجي لزيادة نفوذها وسيطرتها في سوريا؛». وحسب الظواهري، سمح هذا النهج التدريجي لـ«جبهة النصرة» بترسيخ حضورها في المجتمع السوري، وتقديم مشروعها بوصفه أحد البدائل القليلة القابلة للتطبيق المتبقية أمام الشعب السوري؛ ما يجعل من سوريا التي يحكمها تنظيم «القاعدة» «سيناريو مقبولا أكثر من أي وقت مضى»، على حد قوله.
أما الهدف الأخير الذي تطرّق إليه الظواهري، فتمثل في بناء «كيان» إسلامي، ولقد عدّ أن هدف منظمته الأساسي هو الاستمرار بشن «حرب شعبية» حتى سقوط نظام بشار الأسد، وعندها فقط سيستطيع «القاعدة» وحلفاؤه من بناء «إمارة جهادية» على رماد نظام الأسد. وفي تعليق على التقارير التي أفادت بأن «جبهة النصرة» قد تفك ارتباطها مع «القاعدة»، عدّ الظواهري أن انتماء «جبهة النصرة» تنظيميا إلى «القاعدة» لن يكون «عائقا» في وجه ما وصفها بـ«الآمال العظيمة للأمة»، مضيفا أن «الكثيرين تحدثوا وخاضوا في مسألة ارتباط الجبهة بجماعة قاعدة الجهاد». ثم أكمل قائلا: «لقد رددنا مرارا وتكرارا على سكان بلاد الشام، وبالأخص على الجهاديين الشجعان، أنهم إذا تمكنوا من إقامة دولة إسلامية واختاروا إماما، فسيكون خيارهم مطابقا لخيارنا»، وهذا وفق ما نقلته «ذو لونغ وور جورنال» عنه. وتجدر الإشارة أن الظواهري استطرد موضحا «أنه مع ذلك، فإن رجال (القاعدة) ليسوا (طلاب قوة) يسعون إلى السيطرة والحكم، بل هم (طلاب الشريعة) الذين يريدون أن يخضعوا ويُحكَموا (كمسلمين) بموجب الشريعة الإسلامية». هذه الدولة التي، برأيه، ستؤدي في نهاية المطاف إلى عودة «الخليفة».
بالنسبة إلى الظواهري أيضا، فإن «الانتماءات» إلى التنظيمات لن تكون عائقا أمام تحقيق هذا الهدف، وهو يعد أن تنظيم «القاعدة» هو جزء من «الأمة» وليس «حكامها»، وأن «القاعدة» لا تحتاج إلى «البيعة» مع أشخاص مجهولين أو «خلفية مليء بالمفاجآت»، في انتقاد مباشر إلى «داعش» وزعيمه أبو بكر البغدادي.
بعض الخبراء يرون أن كلمات الظواهري هذه تدل على حدوث «شرخ» حقيقي بين القيادات العليا في «جبهة النصرة» و«القاعدة». وكانت قد صدرت تقارير في مناسبات عدة تشير إلى أن بعض المقاتلين المتشددين، بمن فيهم قادة «القاعدة»، يرون أن الصلة بـ«القاعدة» صارت تشكل عائقا أمام الإطاحة بحكم بشار الأسد. ذلك أن الارتباط الواضح بين «جبهة النصرة» و«القاعدة» من شأنه أن يحد الدعم الذي قد يقدمه بعض اللاعبين الإقليميين للثورة والثوار في سوريا. بل حتى لو أعلنت «النصرة» انشقاقها عن «القاعدة» فستعدّ هذه الخطوة مجرد مناورة تسويقية لا أكثر. غير أن خبراء آخرين، مثل تشارلز ليستر من «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، يعتقدون جديا بأن تنظيم القاعدة يعمل على تأسيس «إمارة» في سوريا. ووفقا لليستر، أطلقت «جبهة النصرة» أخيرا مشاورات داخل صفوفها وبين بعض جماعات المعارضة المتعاطفة معها، حول إعلان «إمارة» مستقلة. ويضيف الباحث أنه خلال الآونة الأخيرة جرى نقل عدد من الشخصيات المتشددة المؤثرة في تنظيم «القاعدة» من دوائر القيادة المركزية إلى سوريا، ومهمة هذه الشخصيات تهدئة المخاوف التي أعربت عنها الحركات المعارضة الإسلامية السورية الأخرى وأعضاء «جبهة النصرة» الذين يقفون في الوقت الراهن ضد فكرة إقامة «إمارة» مستقلة.
وعليه، بدأت شخصيات تنظيم القاعدة المخضرمة والمهمة في الوصول إلى سوريا منتصف عام 2013. في محاولة لتعزيز قيادة «جبهة النصرة». غير أن الظهور الهجومي والعدواني لتنظيم داعش في سوريا أدى إلى التحاق معظم مقاتلي «جبهة النصرة» الأجانب خلال أبريل (نيسان) بـ«داعش»؛ ما أجبر «القاعدة» على تقوية موقف «النصرة». ومن أوائل القيادات التي وصلت إلى سوريا ابن العم الثالث لأسامة بن لادن، عبد المحسن عبد الله إبراهيم شريخ (المعروف باسم صنفي النصر)؛ فضلا عن زعيم تنظيم القاعدة في إيران، محسن الفضل، والكثير من القادة المخضرمين الموجودين على قائمة المطلوبين في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك عبد الله سليمان صالح آل ذباح «أبو علي القاسمي»، وكبرى الشخصيات المتشددة السورية مع عقود من الخبرة القتالية، مثل رضوان نموس «أبو فراس السوري»، وكذلك المدعو «أبو همام السوري» بحسب تقرير لليستر صدر أخيرا. وهذا فضلا عن العقيد السابق في القوات الخاصة المصرية «سيف العدل»، الذي أمره الظواهري بمساعدة «جبهة النصرة» بعدما كان قد أطلق سراحه من أحد السجون الإيرانية جزءا من صفقة تبادل الأسرى مع تنظيم القاعدة في اليمن.
ويكاد يكون من المؤكد أن ثلاث شخصيات رئيسية أخرى من «القاعدة» انتقلت إلى سوريا مع «سيف العدل»، اثنان منهم من المواطنين المصريين، هما «أبو الخير المصري» وعبد الله أحمد عبد الله (المعروف أيضا باسم «أبو محمد المصري»)، أما الثالث فهو الأردني الفلسطيني خالد العاروري، المتزوج من ابنة «أبو مصعب الزرقاوي» مؤسس «داعش». وإذا كانت هذه الشخصيات الثلاث لا تزال في شمال سوريا جنبا إلى جنب مع «سيف العدل»: «يمكن القول الآن إن أهمية وجود تنظيم القاعدة في سوريا يفوق وجودها في أفغانستان وباكستان»، وفق ليستر.
ولكن، في نهاية المطاف، فإن طموحات «جبهة النصرة» بتأسيس «إمارة» في سوريا ستعترضها عقبات كثيرة على الأرض. ومن أبرز هذه الصعوبات أنه سبق للسكان المحليين أن أثبتوا أنهم لن يتبعوا «الجبهة» بشكل أعمى. ثم إن عدد مقاتليها يبقى محدودا مقارنة مع المجموعات الأخرى.
مع ذلك، ثمة بعض العوامل التي لا تزال لصالحها، بخاصة أن اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا لم ينجح. كذلك، فإن العملية السياسية في جنيف انهارت، وهو ما يصب في مصلحة الجماعات المتشددة داخل المعارضة. ويضاف إلى ما سبق ورود معلومات جديدة نشرها موقع Middle East Eye تفيد بأن الطائرة الأميركية من دون طيار (الدرون) التي زُعِم أنها استهدفت زعيما مهما في «القاعدة» استهدفت فعليا القيادي المتشدد المصري البارز رفاعي طه، الذي كان يحاول إقناع مقاتلي المجموعة بوضع طموحاتهم جانبا، والتركيز في الوقت الراهن على محاربة نظام الأسد.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.