لبنان زمن الاحتراق

مقتطفات حصرية من رواية «الوعد» لأنطونيو روي

صورة من الحرب الأهلية اللبنانية
صورة من الحرب الأهلية اللبنانية
TT

لبنان زمن الاحتراق

صورة من الحرب الأهلية اللبنانية
صورة من الحرب الأهلية اللبنانية

صدرت أخير عن دار النشر «غريت سبيس» رواية «وعد» للكاتب الكندي، اللبناني الأصل، أنطونيو روي.
وتتناول الرواية فصولا من الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت لأكثر من 1975حتى 1990. من خلال قصة حب بين صابر، وهو فلسطيني مسلم يعمل في بيروت، واللبنانية دلال، وهي من الطائفة المسيحية. وقد خصت دار النشر «غريت سبيس» الشرق الأوسط» بهذه المقتطفات من الرواية:
كانت شقتنا من دون سقف. ولم أستطع الوصول إليها؛ لأن الدرج الذي يصل بين الطابقين الخامس والسادس قد تدمر بالكامل. وكل ما كان يجول بخاطري حينئذ مصير أختي الصغيرة التي ضحت بنفسها من أجل إنقاذ أرواحنا جميعا. ربما لو لم تتوف، لما كان لي أن التحق بالميليشيا، وكنت سألقي حتفي بأسفل الخرسانة المنهارة فوق رؤوسنا. سأظل ممتنا دائما وأبدا. فلكل منا هدف في الحياة، لكن في بعض الأحيان يتحقق الهدف عند الموت وليس أثناء وجودنا على قيد الحياة. وهذه حالة سلمى، على ما يبدو.
أصبحت الساعة متأخرة، تعدت منتصف الليل بقليل. ولم أنبته لسرعة مرور الوقت عندما كنت أجلس على الدرج مستغرقا في تأمل الماضي. كان علي قضاء بضع ليال في لبنان على الأقل للاستقرار على ما سأتخذه بشأن صابر ووضعه. كنت على ثقة من أن الراهبات لن يعترضن على بقائه في الدير، لكن كان علي العودة إلى العمل. كان بإمكاني انتظار أمه، لكن فواتيري لن تتمكن من الانتظار. فدائما ما كان الوقت ثمينا بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون على كل قرش يكسبونه.
مكثت في الفندق لثلاثة أيام، أو ما يقوم بدور الفندق إن صح التعبير. فما كان المكان سوى مبنى قديم هجره سكانه، وقد حول المالك بعض الوحدات إلى غرف للسياح. وبالنسبة للمبلغ الزهيد الذي كنت أدفعه نظير الإقامة، لم أكن أستطيع التذمر. وكان المالك يحضر زجاجة مياه لكل غرفة، في كل ليلة، على سبيل المجاملة. وتولت زوجته وابنه عملية التنظيف. كما كانوا يوقظونني، في نحو الثامنة، من كل صباح لتنظيف الغرفة وترتيب الفراش. وليس في الأمر أي دعاية تجارية، إن قلت إنني شعرت بأنني فرد من عائلتهم. وكانوا قد زينوا الجدران بآيات من القرآن، وبجوارها علقوا صليبا لإضفاء مسحة من التسامح. قدرت ذلك كثيرا مما عوضني عن قلة راحة حشية الفراش. فقد كنت أشعر كما لو أنني أنام على الأرضية مع الفارق أنني لم أستطع التقلب أو التمدد بحرية، وكان على أن أبقى في نفس الوضعية؛ حتى لا أسقط من فوق السرير الصغير.
انتزعتني مكالمة صابر من تلك المحنة، فقد كنت هاتفته منذ قليل لأعطيه رقم الفندق إن رغب في التحدث إلي. اتصلت به أمه وأخبرته بأنها الآن في سوريا. طلب رقمها، لكن لم يكن لديها هاتف فأعطاها رقمي وطلب منها أن تهاتفنا في غضون أيام قليلة، لتمهلنا بعض الوقت لتدبر العودة إلى سوريا. حزن مالك الفندق لرحيلنا، وقد كان رجلا قصير القامة ممتلئ الجسد، يكاد يخلو رأسه من الشعر إلا من بقعة صغيرة. وأعطاني لوزا لآكله في الطريق.
كنت قد ركنت السيارة على بعد شارع من الفندق؛ لأن المالك جعل من المساحة المحيطة بالفندق حديقة صغيرة ليستمتع بها ضيوفه. كان الفندق خاليا نسبيا عند وصولي، إلا أنه امتلأ بالنزلاء وأنا أهمّ بالرحيل. وأثناء سيري في الشارع، لاحظت وجود رجل يجلس على كرسي متحرك، ماسكا قبعته وهو يتسول بها من المارة. دققت النظر، فقد كان وجه الرجل يبدو مألوفا. أخذت من حافظتي ربع ليرة لأضعها في كفه، وعندما رفع رأسه، تنبه إلى أنني أحدق به.
سألته: «المعلم مروان؟».
أجاب، وهو يشير إلى المقهى المواجه لنا: «إنه هو. مروان الذي كان يمتلك ذلك المقهى».
قلت: «أنا رامي. هل تذكرني؟».
رد قائلا: «ياه رامي! لقد كبرت كثيرا! مضت خمسة عشر عاما، انظر لنفسك الآن. بدأ الشيب يزحف إلى رأسك».
سألته: «ماذا حدث لك؟ أظن أنه كان المفترض أن تكون في تركيا مع أسرتك».
أجاب: «صحيح. لكن في يوم الرحيل، عندما كانوا بانتظاري في السيارة لجلب باقي الأمتعة، سقطت عليهم قنبلة من السماء، وتسببت على الفور في مقتل زوجتي وأطفالي».
«آسف بشدة لسماع ذلك. لكن ماذا حدث لساقيك؟».
«خطوت فوق لغم وفقدت ساقَي معا. أترى ما فعلته الحرب بي. من قبل، كنت أمتلك هذا المقهى، أما الآن فقد بدلت الحرب مصيري وجعلتني متسولا».
فتحت حافظتي وأعطيته ما أقدر عليه قائلا: «أتمنى لو كان بوسعي تقديم المزيد من العون، ولكنني أعاني أيضا».
رد علي: «أتفهم ذلك يا بني. لقد أعطيتني أكثر مما يكفي».
استقللت سيارتي وانطلقت. وكل ما كنت أفكر فيه هو كيف انقلبت حياة مروان رأسا على عقب. أتذكره وهو كان يدفع المتسولين بعيدا عندما كانوا يضايقون زبائن مطعمه. لكن من كان يعلم أنه في يوم من الأيام سيقف مكانهم، أو في هذه الحالة، سيجلس على كرسي متحرك من الجلد الممزق مكانهم؟ كان هذا درسا لي، لكي أدرك أنه ما من شيء دائم، وأن الظروف الخارجة عن إرادتنا قد تغير مصيرنا وتضع المرء منا على طريق لم يخطر له قط اتخاذه. وكان مجرد رؤية تجاعيد وجه مروان ويديه الهزيلتين، كفيلة بأن تجعلني مقدرا لوضعي الآن. نعم، أنا فقدت المرأة التي أحب، لكنني على الأقل ما زلت بصحة جيدة وعلى قيد الحياة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.