وكيلة الخارجية الأميركية: الخطوة القادمة لمحاربة الفساد في الأمم المتحدة

سيوال أعلنت في حوار مع «الشرق الأوسط» عن انطلاق مركز دولي لتنسيق جهود مكافحة الفساد

وكيلة الخارجية الأميركية: الخطوة القادمة لمحاربة الفساد في الأمم المتحدة
TT

وكيلة الخارجية الأميركية: الخطوة القادمة لمحاربة الفساد في الأمم المتحدة

وكيلة الخارجية الأميركية: الخطوة القادمة لمحاربة الفساد في الأمم المتحدة

أعلنت سارة سيوال، وكيلة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، على هامش قمة مكافحة الفساد التي عقدت في لندن اليومين الماضيين «أن الولايات المتحدة ستساهم بمبلغ 70 مليون دولار لدعم المجتمع المدني والصحافة المستقلة لضمان استمرار الضغط على جميع الحكومات التي تعهدت بمكافحة الفساد وغسل الأموال».
وقالت وكيلة الخارجية الأميركية في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطوة الكبيرة القادمة على مسار الجهود العالمية لمكافحة الفساد ستكون من خلال الأمم المتحدة، وهو أمر جدير بالذكر نظرا إلى أن الفساد مشكلة عالمية نواجهها جميعا».
وكشف سيوال عن مبادرة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لإطلاق مركز دولي لتنسيق جهود مكافحة الفساد. وتابعت: «تشعر الولايات المتحدة بالفخر بأن تكون جزءا من الجهود الدولية في هذا المضمار». وقالت إن واشنطن «ستساهم في المبادرة بخبراتها العميقة والأساليب التي يمكن من خلالها مساعدة الدول للقيام بعمل أفضل في مكافحة الفساد». وفيما يلي نص الحوار:
* كيف كانت نتائج القمة؟ وما مدى النجاح الذي حققته القمة من وجهة نظرك؟
- كانت القمة ناجحة، لأنه ببساطة لم يكن هناك تجمع سياسي على ذلك المستوى الرفيع للنظر في مسألة الفساد من قبل، ومكافحة الفساد أحد أهم القضايا التي تؤثر على كل شيء وفي كل شخص ولا يتواجد الفساد في مكان واحد بعينه. وما فعله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هو إتاحة المنصة لمناقشة الفساد، حيث يمكنك أن ترى ذلك وتحدد نطاقه وتتفاعل معه بطريقة مختلفة تماما، والتجربة ذات الصلة بالأمر هي جهود مكافحة الفساد، أجل هناك مشاكل تكنيكية ضخمة، ولكن يتعلق الأمر بالإرادة السياسية لمكافحة الفساد وبالقيادات السياسية من أعلى المستويات.
* كيف ترى واشنطن استضافة لندن تلك القمة، لا سيما أن رئيس الوزراء البريطاني أصبح في دائرة الضوء بعد الكشف عن تسريبات بنما؟
- نشعر بسرور عميق لقرار رئيس الوزراء البريطاني بالتركيز على هذه المسألة، وللولايات المتحدة تاريخ طويل في مكافحة الفساد، ولقد كنا أول دولة توافق على معاهدة الممارسات الأجنبية الفاسدة، التي تحظر على الناس استخدام الرشوة في الأعمال والشركات في الخارج. ولقد أنجزنا كثيرا من الأشياء التي كانت في مقدمة الجهود لمكافحة الفساد، ولكن يظل الفساد هو المشكلة التي ينبغي التعامل معها على نطاق عالمي. حتى الدول التي تحارب الفساد داخل حدودها، فإن كثيرا من الأموال لدى هذه الدول تفر إلى بلدان أخرى، وبالتالي لدى كل شخص دور ليلعبه في مكافحة الفساد، وأعتقد أنه من الأهمية بمكان تولي رئيس الوزراء البريطاني زمام هذه المبادرة للارتقاء بتلك الجهود، وهو أمر نشعر بتأثيره المباشر على قطاع الأمن في القانون والنظام العام وقطاع الحقوق والحريات كذلك. كما أن بعض الدول تشعر بتأثيره المباشر على قطاعها الاقتصادي، حيث يستنزف الفساد كثيرا من مقدرتها على الحصول على عوائد الضرائب وبالتالي قدرتها على توفير الخدمات. الفساد يؤثر على كل شيء، ومن المقرر إعداد الإطار المناسب له لعرضه على الأمم المتحدة خلال العام المقبل، للوقوف على مدى التزام الدول بالتعهدات التي قطعتها على نفسها خلال هذه القمة، وأعتقد أنها من الخطوات المهمة.
* هل ستكون هناك مبادرة تتولى زمامها الولايات المتحدة لمتابعة جهود الدول التي أعلنت عن تعهداتها والتزاماتها وما إذا كانت ستلتزم بها فعليا؟
- الخطوة الكبيرة القادمة على مسار الجهود العالمية لمكافحة الفساد ستكون من خلال الأمم المتحدة، وهو أمر جدير بالذكر، نظرا إلى أن الفساد مشكلة عالمية نواجهها جميعا، ومن بين الأمور التي تم الإعلان عنها خلال القمة من جانب كاميرون الاسترداد العالمي للأصول المفقودة. هي من بين المؤسسات التي أنشأتها الولايات المتحدة للعمل مع مختلف الدول الشريكة في جميع أنحاء العالم للمساهمة في استرداد الأموال التي تم الاستيلاء عليها بأساليب الفساد المختلفة. كما أن هناك مركزا دوليا لتنسيق جهود مكافحة الفساد قد أعلن عنه كاميرون. وهو يتولى المبادرة في ذلك، وتشعر الولايات المتحدة بالفخر لكونها جزءا من الجهود الدولية مع عشرة أو عشرين دولة في هذا المضمار، التي ستساهم بخبراتها العميقة والأساليب التي يمكننا من خلالها فعلا مساعدة الدول للقيام بعمل أفضل في مكافحة الفساد.
إننا نحاول تقديم كثير من أجل تطوير القدرات في جميع أنحاء العالم، التي ستكون لها أهمية قصوى، ولكن بصرف النظر عما تفعله دول أخرى، فإن الأمر المهم هنا هو مدى تفاعل المواطنين في مساءلة ومحاسبة الحكومات. والسبب الرئيسي وراء دعوة قادة المجتمع المدني إلى تلك القمة هو الاستماع إلى آرائهم بشأن وجهات نظر المواطنين واحتياجاتهم المهمة.
كانت الولايات المتحدة تفعل كثيرا مع المجتمعات المدنية حول العالم، ولكننا سنلتزم بالتبرع بمبلغ 70 مليون دولار لتعزيز تواجد المجتمع المدني، ولمساعدة الصحافيين الاستقصائيين في التأكد من ممارسة الضغوط على الحكومة الأميركية وجميع الحكومات الأخرى لمتابعة التعهدات والالتزامات التي قطعناها خلال القمة المعنية باستهداف ومكافحة الفساد وغسل الأموال.
* ما نوع القادة الذين تعتقدين أن الدول العربية في حاجة إليهم خلال الـ10 إلى الـ15 سنة المقبلة؟
- يحتاج العالم العربي إلى مثل القادة الذين تحتاج إليهم الولايات المتحدة، فهو يحتاج إلى القادة الذين يتعاملون مع مختلف القضايا والمشكلات بكل نزاهة والتزام من أجل تحسين حياة المواطنين، والذين يقودون دوما من خلال القاعدة الجماهيرية، وذلك هو التحدي الحقيقي في أي مكان في العالم ولأي نظام سياسي، نظرا لأن هناك كثيرا من المصالح المتضاربة بين القادة.
على سبيل المثال، من أهم الأشياء التي جعلت الرئيس أوباما زعيما مؤثرا ومكنته من مس شغاف قلوب كثير من المواطنين الأميركيين، هو ما قاله مؤخرا في إحدى المقابلات الشخصية: «عندما أستيقظ صبيحة كل يوم، أفكر مع نفسي كيف يمكنني أن أجعل الأمور أسهل على المواطنين الأميركيين».
* شاهدنا المواطنين العراقيين يجوبون الشوارع متظاهرين ومطالبين بالإصلاحات السياسية والتغيير، فهل تساند الولايات المتحدة مثل هذه المطالب؟
- كانت الولايات المتحدة تعمل مع الحكومة العراقية لكي تزداد نسبة تجاوبها مع قضايا مهمة، مثل العدالة والتنمية الاقتصادية والأمن، وهي القضايا المهمة للغاية بالنسبة لأطياف الشعب العراقي كافة. سوف نستمر في ذلك وندعم الحكومة المنتخبة الحالية ونود منها مواصلة الالتزام بتعهداتها ومواصلة تنفيذ مختلف التحسينات في حياة المواطنين.
* جاء تقرير وزارة الخارجية الأميركية بشأن حقوق الإنسان بمثابة ضربة حقيقية للحكومة الإيرانية، مؤكدا أنه رغم الاتفاق النووي المبرم في الصيف الماضي، فإن الحكومة في طهران مستمرة في رفض العمل مع منظمات حقوق الإنسان. كيف يمكنك وصف العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في الوقت الراهن؟
- كان لدينا قلق بشأن ملف حقوق الإنسان في إيران لفترة طويلة من الزمن، والآن لا أعتقد أن هناك جديدا بشأن ذلك الملف. ولا أعتقد كذلك، أنه كانت هناك توقعات أن الاتفاق النووي له أدنى تأثير على حقوق الإنسان.
إننا نخرج بوجهات نظرنا فيما يتعلق بإيران كما نفعل مع بقية الدول حول العالم، ونقول إنه لا بد من وجود عملية سياسية شاملة واحترام لجميع الأديان والمعتقدات والأشخاص كافة. كما هناك حاجة ماسة أيضا إلى تأصيل حقوق الإنسان وحرية التعبير في المجتمع الإيراني. الدرجة التي تنتهك بها إيران معايير حقوق الإنسان تختلف باختلاف القضية، ولكن كنا في منتهى الصراحة من حيث توجيه الانتقادات حيال سجلات حقوق الإنسان في إيران. لقد كانت الولايات المتحدة ثابتة على موقفها إلى أبعد الحدود في قلقها ومخاوفها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».