بوتين يحذّر وأوباما ينتقد.. والدرع الأميركية المضادة للصواريخ تنتشر بشرق أوروبا والمتوسط

الرئيس الروسي: سنضطر لدرس إجراءات لمواجهة التهديدات التي ظهرت لأمننا

بوتين يحذّر وأوباما ينتقد.. والدرع الأميركية المضادة للصواريخ تنتشر بشرق أوروبا والمتوسط
TT

بوتين يحذّر وأوباما ينتقد.. والدرع الأميركية المضادة للصواريخ تنتشر بشرق أوروبا والمتوسط

بوتين يحذّر وأوباما ينتقد.. والدرع الأميركية المضادة للصواريخ تنتشر بشرق أوروبا والمتوسط

حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم (الجمعة)، واشنطن من أن بلاده ستدرس إجراءات «لمواجهة التهديدات» التي تشكلها الدرع الأميركية المضادة للصواريخ المنصوبة في بولندا ورومانيا بشكل خاص؛ لكنه أكّد أن موسكو لن تخوض سباقًا جديدًا على التسلح.
وقال بوتين، خلال اجتماع مع مسؤولي المجمع العسكري الصناعي الروسي: «الآن وقد نصبت هذه العناصر المضادة للصواريخ، سنضطر لدرس إجراءات لمواجهة التهديدات التي ظهرت لأمن روسيا».
ويشهد مشروع الدرع الأميركية المضادة للصواريخ الذي بدأ في 2010، انتشارًا تدريجيًا في شرق أوروبا والمتوسط لرادارات قوية وصواريخ اعتراض. وتعد واشنطن أنه بمثابة حماية في مواجهة إيران وكوريا الشمالية، في حين تنظر إليه موسكو كتهديد لقدراتها في مجال الردع النووي.
وأضاف الرئيس الروسي أن «كل هذه العناصر تشكل خطوات إضافية نحو زعزعة استقرار النظام الأمني الدولي، ونحو سباق تسلح جديد». وتابع: «لن ننجر إلى هذا السباق. سنسلك طريقنا الخاص، وسنعمل بحرص كبير من دون تجاوز خطط التمويل الراهنة لإعادة تسليح الجيش والأسطول». لكن بوتين نبه إلى «أننا سنصحح هذه الخطط لمواجهة التهديدات الموجهة لأمن روسيا». وقال أيضًا: «سنقوم بكل ما هو ضروري لضمان والحفاظ على توازن القوى الاستراتيجي الذي يشكل الضمان الأكبر لعدم نشوء نزاعات واسعة النطاق».
وندد بوتين بنشر هذا النظام في رومانيا وبولندا، معتبرًا أنه «انتهاك للمعاهدة في شأن القوى النووية ذات البعد المتوسط» والمطبقة منذ 1988.
وفي الوقت نفسه، انتهز الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم مناسبة استقبال قادة 5 دول أوروبية شمالية، ليوجه انتقادا ضمنيا إلى روسيا.
ووسط مناخ متوتر مع موسكو في شرق أوروبا ومنطقة البلطيق، أشاد أوباما بمتانة العلاقات بين واشنطن وجيران روسيا الخمسة، السويد والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج. وقال: «نعتقد أن من حق مواطنينا أن يعيشوا بحرية وأمن (...) و(نؤمن) بأوروبا لا تتعرض فيها الدول الصغيرة لمضايقات الدول الأكبر». وأضاف خلال استقباله ضيوفه في البيت الأبيض، أن «الشركاء الأقرب للولايات المتحدة في أنحاء العالم هم ديمقراطيات، ويكفي النظر إلى الدول الشمالية لفهم السبب، إننا نتشاطر المصالح نفسها والقيم نفسها».
وتتكرر مظاهر التوتر مع روسيا منذ أشهر. وفي الأسابيع الفائتة كررت طائرات عسكرية روسية الاقتراب لمسافة خطيرة من سفن أو طائرات عسكرية أميركية في بحر البلطيق.
ولتهدئة مخاوف أوروبا الشرقية من هجوم روسي محتمل بعد ضم موسكو للقرم وهجوم الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، نشر الحلف الأطلسي تعزيزات عسكرية على جبهته الشرقية في أوروبا وكثف الدوريات والتدريبات.
والدنمارك وأيسلندا والنرويج أعضاء في حلف شمال الأطلسي. أمّا فنلندا التي تشاطر روسيا حدودا تفوق 1300 كيلومتر، وتخشى تصاعد التحركات العسكرية الروسية في المنطقة، فتدرس الانضمام إلى الحلف.
وتختتم القمة التي تستغرق يومًا، بعشاء رسمي في البيت الأبيض، وهي الثانية بعد لقاء استضافته السويد في 2013.
وبدأ رسميا أمس، تشغيل نظام الدفاع الصاروخي الأميركي في ديفيسيلو بجنوب رومانيا، خلال حفل حضره الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، ومسؤولون أميركيون ورومانيون.
ويضم موقع ديفيسيلو الذي بلغت كلفة بنائه نحو 800 مليون دولار، صواريخ اعتراضية من طراز «إس إم 3». وسيصبح رسميًا جزءًا من الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي خلال قمة وارسو في يوليو (تموز).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟