الدورة الـ69 لمهرجان كان تنطلق اليوم مع الكثير من الأفلام والتوقعات

رغم الهاجس الأمني المسيطر.. الممثلة كرستن ستيوارت تكسر حاجز الخوف وتستغني عن الحراس

الدورة الـ69 لمهرجان كان تنطلق اليوم مع الكثير من الأفلام والتوقعات
TT

الدورة الـ69 لمهرجان كان تنطلق اليوم مع الكثير من الأفلام والتوقعات

الدورة الـ69 لمهرجان كان تنطلق اليوم مع الكثير من الأفلام والتوقعات

بعد التقليب في صفحات المواقع والصحف، الأميركية منها والفرنسية، ما يزال الحديث الغالب، مع انطلاقة الدورة 69 لمهرجان «كان» السينمائي هذا اليوم، هو الأمن. ومجمل المواضيع المثارة يمكن تلخيصها في بضعة أسئلة:
> هل سيقع فعل إرهابي من قِـبل «داعش» أو سواها في «كان» هذه السنة؟
> هل الإجراءات الأمنية كافية لتجنـب وقوع عمل إرهابي إذا ما وقع؟
> هل هذا الشريط الذي شوهد فيه عناصر من قوات الجندرمة وهي تتدرب على احتمال ردع هجوم على قصر المهرجانات مهدئ فعلاً للأعصاب؟
كانت صحيفة «الشرق الأوسط» من أول من أشار إلى هذا القلق السائد من قبل تسريب الشريط المذكور إلى «اليوتيوب»، ولم نتوقع آنذاك أن يتبدد القلق سريعًا وبالفعل لم يتبدد بعد، ولو أن احتمال حدوث أي شيء خلال انعقاد دورة هذا العام، يبقى احتمالاً ضعيفًا، وربما (اليقين عند المسؤولين الأمنيين) ضعيفًا جدًا.
حين الوصول إلى قصر المهرجانات، يوم أمس، لتسلم البطاقة الخاصة، فإن تفتيش الحقائب ما زال أولوية بالغة الأهمية. بما أن هذا الناقد لم يكن يحمل حقيبة فقد سُـمح له بالدخول من بعد أن أظهر الدعوة التي تم إرسالها إلكترونيًا من قبل لهذا الغرض.
حال الخروج، بعد أقل من خمس دقائق بالبطاقة الحمراء ذات النقطة الصفراء (ثاني أهم بطاقات المهرجان من أصل سبعة أو ثمانية مراتب كل منها مرموز إليه بلون مختلف) هناك صحافية تلفزيونية تطرح أسئلة حول هذه الأجواء، وعما إذا كان القادمون شعروا بوجود أي تدابير إضافية غير معهودة.
القلق لن يحل شيئًا ومن الأفضل لزبائن المهرجان أن لا يلاحظوا أي تدابير إضافية ولو أن هذا لا يعني إنه لا توجد احتياطات هائلة. يبقى الأمر فردي الشأن حيال كيف سيتصرف الوافدون الأجانب. هل مجرد سماع صحافيين يتبادلان حديثًا بالعربية سيجعلهم يفرون من المكان؟ هل وجود شخص حنطي اللون يرتدي معطفًا سميكًا في جو حار سيجعلهم يتصلون بقوى الأمن؟ هل سيخرجون من المهرجان وقد اكتسبوا عادة النظر حولهم بحركات عصبية كما لو كانوا يطاردون ذبابة؟
لا لوم، فالإرهاب خليط عربي - إسلامي واقع، ولا مكان لدحضه ولن ينفع أن يواجه العربي محدثه الأجنبي، سواء أكان سائق تاكسي أو بواب فندق أو منتجًا ورئيس استوديو بابتسامة بطول شارع أكسفورد في لندن. الحذر من شيم الجميع.
على ذلك، هناك استثناءات.. في الوقت الذي سيشترك المهرجان في تأمين حماية للمواهب السينمائية القادمة تمتزج والحرس الشخصي لمعظم الضيوف من مشاهير ونجوم، تكسر الممثلة الرائعة كرستن ستيوارت حاجز الخوف.
مساء هذا اليوم، حين وصولها لحضور فيلم «كافيه سوسيتي» الذي سيفتتح الدورة، الذي تشارك فيه بدور رئيسي، ستخرج الممثلة من دون أي حارس أمني مصاحب. لا «بودي غاردز» ولا صديق ولا رفيق سهرة. ستصعد السلم العريض وستبتسم للكاميرات وتمضي، وهي وإن لم تعلق بعد على جنوحها صوب شجاعة نادرة هذه الأيام، كانت أعلنت سابقًا أنها ضد هذه المظاهر المتكاثرة. قبل أسبوعين صرفت حارسها الشخصي ولم تعين أحدًا بديلاً له. «كافيه سوسيتي» هو أحد فيلمين تقوم كرستن ستيوارت (26 سنة) ببطولتهما. الآخر هو فيلم الفرنسي أوليفييه أساياس «متبضعة خاصة» Personal Shopper الذي يدور حول أميركية تعيش في باريس.
لا «كافيه سوسيتي» ولا «متبضعة خاصة» يكترثان لهذا الزمن ومآزقه أو أزماته.
في الواقع لا يوجد، بين أفلام المسابقة وكثير من أفلام جوارها، ما يدور حول الحاضر المتوتر الذي نعيشه وحروبه المستعرة أو وقائعه السياسية والاقتصادية، وذلك على عكس ما شهدناه في دورة فنيسيا الأخيرة ودورة مهرجان برلين في مطلع هذا العام. كأن المهرجان قرر خفض سقف التوقعات جميعًا، تلك التي تعتقد أن على مهرجان بحجم «كان» أن يعكس واقع العالم، أو تلك التي تعتقد أن هذا الواقع يبحث عن نافذة كبيرة لعرض أفلامه، أو تلك التي تعتقد أن الأحداث الإرهابية ستكون موضع إثارة بحد ذاتها.
تبعًا لذلك، فإن الإرهاب مذكور فقط في فيلم بولندي هو «ستيرانوفادا» للمخرج كريستي بويو؛ حيث تدور القصـة حول ابن واحد من ضحايا العملية الإرهابية التي وقعت في باريس العام الماضي على مكاتب مجلة «شارلي إبدو». لكن ذلك الذكر يكاد أن يكون كل شيء والفيلم يستكمل عرض علاقات عائلية لا علاقة لها بذلك الحدث.
ونجد أن الميزة الغالبة بين أفلام المسابقة على الأقل هي لتلك التي تنتمي إلى دراميات اجتماعية عامـة، كما الحال في الفيلم الهولندي «هي» لبول فرهوفن و«إنها نهاية العالم فقط» للكندي إكزافييه دولان والفيلم الفيليبيني «ما روزا» لبريلانتي مندوزا. ينضم إليها فيلم بولندي آخر هو «المتخرجة» لكرستيان مانجيو.
وهذا التداول يغطي الأفلام الفرنسية المشتركة من دون تمييز فهي تتناول مواضيع اجتماعية عامة أو عاطفية كما حال «البقاء أفقيا» لألان غويرودي و«خليج مهمل» لرونو دومو و«متبضعة شخصية» لأوليفييه أوساياس.
مع الفيلم البريطاني «أنا، دانيال بلاك» للمخرج كن لوتش ترتفع الحدة قليلاً؛ لأن الطرح الاجتماعي يتناول مسائل معيشية محضة من زاوية تبحث في حياة الناس الصعبة حيال قضايا، مثل الضمان الاجتماعي والفقر، وخلال ذلك مع وقوع رجل سبق له وأن أصيب بالقلب في حب امرأة مطلقة لديها ولدان عليها أن ترعاهما في ظل ظرف اقتصادي صعب. هذا يلتقي مع فيلم آخر ينص على معاينة وضع كهذا هو الأميركي «حب» Loving لجف دانيالز. الحكاية هنا حول رجل وامرأته اللذين أمضيا وقتا في السجن، سنة 1958؛ بسبب زواجهما غير المعترف به.
والفيلم الأميركي الآخر المشترك في مسابقة الدورة، وعنوانه «باترسون» لجيم جارموش، يدور حول سائق حافلة عمومية يمسح بناظريه الناس والشوارع كل يوم ما أن يبدأ عمله كسائق. بذلك يتوقع له أن يكون - بدوره - تعليقًا اجتماعيًا، ولو على ذلك النحو المخفف من الملاحظات العابرة.
كذلك تستمر ظاهرة الهروب إلى الماضي التي ربما لم تكن مقصودة، فهي ظاهرة بدأت قبل وصولنا للزمن الحالي العصيب وتستمر بعده، لكنها تتداخل مع الرغبة في تجاوز البحث عن حكايات وقصص من عالم اليوم. وإذ يعود «حب» للخمسينات، نجد فيلم وودي ألن ينتقل إلى هوليوود الثلاثينات؛ حيث يعاين المخرج بطريقته، وكما تقدم معنا أمس، عاصمة السينما بطريقته الخاصـة.
الثلاثينات أيضًا هي موقع فيلم «مدموزيل» للكوري بارك تشأن – ووك؛ إذ يدور حول حكاية تقع تحت ظل الاحتلال الياباني في تلك الفترة، وذلك اقتباسًا عن رواية وضعتها سارا ووترز سنة 2002. بذلك يُـبقي المهرجان طروحات أفلامه المنتخبة لطيفة وخفيفة بالمقارنة مع ثقل الهموم التي لا بد أن أفلامًا عدة من تلك المرفوضة من قِـبل لجنة الاختيار تعرضت لها. هذا على صعيد أفلام المسابقة وحدها لكن الأفلام المختلفة التي ستعرض في الأقسام المصاحبة، مثل «نظرة ما» و«أسبوع النقاد» و«نصف شهر المخرجين» قد تحمل دلالات وطروحات أخرى مناوئة.
لتأكيد هذا الاحتمال، فإن فيلم الافتتاح المخصص لمسابقة «نظرة ما» (وهي المسابقة الثانية في المهرجان) من نصيب الفيلم المصري «اشتباك» للمخرج محمد دياب الذي تدور أحداثه في رحى العام 2013 عندما انطلقت مظاهرات تطالب بإطلاق سراح الرئيس السابق محمد مرسي، وهذه هي المرة الأولى التي يفتتح فيها فيلم عربي مسابقة «نظرة ما» علمًا بأنها قدمت سابقًا أفلامًا لمخرجين عرب.
إلى جانبه وفي عروض خارج هذا الإطار هناك فيلم لبناني بعنوان «ربيع» يعرضه أسبوع النقاد وفيلمين قصيرين واحد من الجزائر وعنوانه «قنديل البحر» لداميان عموري (يعرضه «نصف شهر المخرجين») والآخر تونسي بعنوان «علوش» للطفي عاشور الذي يشترك في مسابقة الفيلم القصير.
كل هذا العدد من الأفلام وسواه، وكل ما سينبثق عنها من ملاحظات وقضايا مثارة سيبدأ بفيلم الافتتاح هذا اليوم المتمثل بفيلم وودي ألن «كافيه سوسيتي»، بينما يعرض فيلم افتتاح «نظرة ما» يوم الخميس معلنًا انطلاقة البرامج الموازية جميعها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».