«أنصار بيت المقدس» يفرون من سيناء إلى ليبيا.. ويتقاتلون على تخوم طرابلس

أهمها مجموعات «أبو المهاجر» و«العسلي» و«البصَّال».. واختلفت على الولاء بين «داعش» و«الإخوان» و«القاعدة»

عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
TT

«أنصار بيت المقدس» يفرون من سيناء إلى ليبيا.. ويتقاتلون على تخوم طرابلس

عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله
عنصر من تنظيم داعش في ليبيا يتمركز في منطقة «الفتايح» في شرق البلاد («الشرق الأوسط») - القيادي المصري المتطرف في ليبيا ابو عبد الله

فرَّت عشرات العناصر وبضعة قيادات من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الدموي، من سيناء في شرق مصر، إلى ليبيا، خلال الشهور الثلاثة الماضية، بحثًا عن ملاذ آمن، بعد أن ضيَّق الجيش المصري الخناق على هذا التنظيم، لكن وجوده في ليبيا اتسم بالانشقاقات والخلافات التي تحولت لاشتباكات دامية على تخوم طرابلس الغرب، سقط فيها، قبل أسبوعين، عدة قتلى، أبرزهم قيادي مصري في التنظيم يدعى «الشيخ مروان».
وانقسم التنظيم المصري سريعًا إلى مجموعات متناحرة حول الولاء لـ«داعش» أو «القاعدة» أو «الإخوان». وتتركز أبرز خصومة من هذا النوع بين ثلاث مجموعات. الأولى تعرف باسم مجموعة «العسلي»، وينتمي مؤسسها لمدينة بورسعيد بمصر، واستوطنت في ليبيا قبل شهرين، في منطقتي «طرابلس» و«الخُمس»، وتعمل مع ميليشيات ليبية موالية لتنظيم القاعدة.
والثانية تُعرف باسم مجموعة «البصَّال»، وترجع أصول منشئيها إلى شبه جزيرة سيناء، ووصلت إلى ليبيا خلال الشهر الماضي، وأكثر عناصرها ينشطون في محيط مدينة مصراتة، وأصبحت تدين بالولاء للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان.
أما المجموعة الثالثة، فتدعى مجموعة «أبو المهاجر»، وتعد من أوائل المجموعات التابعة لـ«أنصار بيت المقدس» التي هربت إلى ليبيا، ويعتقد أن قائدها ضابط مفصول من الجيش المصري، وتتخذ من مدينة سرت مقرًا لها، وترفع راية «داعش».
وفقًا لمصادر أمنية ليبية، ومقربين من جماعات متطرفة في القاهرة وطرابلس الغرب، فقد دخل إلى ليبيا عشرات من مقاتلي «أنصار بيت المقدس»، بينهم عدة قادة، وأن معظمهم وصل خلال الشهور الثلاثة الماضية، عن طريق اجتياز الحدود المصرية مع ليبيا عبر دروب صحراوية وعرة، وبعض الوسائل الأخرى جرت عبر مراكب تديرها شبكة من المهربين في البحر المتوسط.
وقال الشيخ ناجح إبراهيم، المنظر السابق لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي شارك قبل سنوات في إعطاء محاضرات، مع آخرين، لتصحيح أفكار عناصر من تنظيم «أنصار بيت المقدس» في سجني «دمنهور» و«أبو زعبل» بمصر، إن هذا التنظيم ارتكب فظائع خلال الـ12 سنة الأخيرة، لكنه انقسم قبل عامين، وهو ما زال في سيناء، إلى قسمين أحدهما يوالي أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، والثاني يوالي الخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادي.
وتابع الشيخ إبراهيم قائلاً، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه لاحظ منذ البداية أن عددًا من قادة هذا التنظيم لم يكونوا يؤمنون إيمانًا قويًا بما يروجون له من «فكر»، ومع ذلك تحوَّل بعضهم إلى موالاة «القاعدة»، ثم انضم بعضهم إلى «داعش»، حيث تبنى التنظيم، خاصة الشق الداعشي، ضرب الجيش المصري وذبح المدنيين وقتل 12 من زعماء القبائل في سيناء، ونفذ عمليتين قرب واحات مصر الغربية (الفرافرة1، والفرافرة2)، كما حاول اغتيال شخصيات مصرية كبيرة.
ومن جانبه، أوضح الشيخ نبيل نعيم، المؤسس السابق لجماعة «الجهاد» المصرية، لـ«الشرق الأوسط»، أن العمليات العسكرية ضد المتطرفين، التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء منذ أكثر من سنتين، ضيقت الخناق على تنظيم «أنصار بيت المقدس»، خاصة خلال الشهور الماضية. وأضاف أن هذا الأمر دفع الكثير من قيادات التنظيم وعناصره للفرار خارج البلاد، والبحث عن ملاذ جديد.
وقال إن انتقال مثل هذه العناصر إلى ليبيا له كثير من الأسباب، منها الهروب من السلطات المصرية، ومحاولة الحصول على دعم مادي من الجماعات الليبية المتطرفة التي تتميز بالثراء المالي، لا سيما أن «التنظيم» تعرض لضربات موجعة من الجيش المصري في سيناء وخسر مصادر تمويل مهمة كانت تأتيه من عدة منافذ منها الأنفاق مع قطاع غزة.
وبحسب مصدر أمني مصري، فقد أطلق من تبقى من «أنصار بيت المقدس» (فرع داعش) في سيناء ما يشبه «نداء الاستغاثة» لباقي الدواعش في المنطقة في مسعى للحصول على دعم في مواجهة الهزائم والحصار الذي يتعرضون له على يد المصريين. وأضاف أن تنظيم داعش نظم حملة بين أنصاره لهذا الغرض بدأت يوم الخميس الماضي، تحت عنوان «نصرة إخواننا في سيناء».
ومن خلال جولة في ليبيا، تمكنت «الشرق الأوسط» من التقاط خيوط تكشف عن لجوء عشرات من «أنصار بيت المقدس» إلى التنظيمات المتطرفة التي تتركز في المناطق الوسطى والغربية من ليبيا. وترجع بداية القصة، بالتحديد، إلى يوم الثلاثين من شهر مارس (آذار) الماضي، حين رصدت الأجهزة الأمنية في العاصمة طرابلس استعانة «الجماعة الليبية المقاتلة» بمقاتلين مصريين ينتمون إلى مجموعة تطلق على نفسها مجموعة «العسلي».
وتبين أن عناصر المجموعة ما هم إلا مقاتلون فروا من مصر من تنظيم «أنصار بيت المقدس» النشط في سيناء. وتولت هذه المجموعة عملية تسيير دوريات لمراقبة وتأمين محيط سجن الهضبة، الذي يقع على طريق مطار طرابلس الدولي، وهو السجن الذي تديره «الجماعة الليبية المقاتلة». ودخلت مجموعة «العسلي» في اشتباكات مع عناصر مصرية أخرى موالية لجماعة الإخوان الليبية، كانت تريد الهجوم على مقر السجن لتحرير عدد من المحتجزين المحسوبين على «الإخوان» أو أقارب لهم، داخله.
ووفقًا لمصادر قريبة من قادة الميليشيات في العاصمة الليبية، وقعت عدة مناوشات بين مقاتلي الجماعتين، في الفترة من الثلاثين من مارس، حتى أواخر الشهر الماضي، وهي الفترة التي تطورت فيها الأحداث إلى مواجهات عنيفة شاركت فيها عناصر مصرية من الطرفين، وسقط فيها عدد غير معروف من القتلى والجرحى. ووقعت مطاردات بالسيارات والأسلحة مرة أخرى قرب السجن نفسه يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي.
ويقول مصدر أمني ليبي، وهو ضابط في اللجنة الأمنية في طرابلس: «في تلك الليلة سُمع دوي الرصاص وشوهد وميض الطلقات، خلف مقر سجن الهضبة. كانت حربًا طاحنة». ووفقًا لشهادات من مصادر أخرى، فإن اشتباكات سجن الهضبة كانت محط أنظار الميليشيات والأجهزة الأمنية العاملة في العاصمة، حيث لوحظ أن جماعة «العسلي»، هي التي جرى تكليفها من جانب «الجماعة الليبية المقاتلة» للتوجه إلى محيط السجن والتعامل مع الخصوم الذين يتربصون به.. ويضيف: «كانت هناك محاولة لاقتحام العنابر الغربية لتحرير تجار لهم صلة قرابة بقائد إخواني في العاصمة».
وتولت مجموعة «العسلي»، بعد ذلك، تشديد الحراسة على مبنى السجن الذي تحتجز فيه الميليشيات العشرات من أنصار النظام السابق، وعددًا من خصوم الجماعة الليبية المقاتلة، من بينهم وزراء ورجال مخابرات، وغيرهم. ولا يخضع السجن للسلطات الشرعية في البلاد.
وخلال العامين الماضيين قُتل العشرات من المصريين المنخرطين مع الجماعات المتطرفة في ليبيا في عمليات ضد ميليشيات معادية وضد قوات الجيش الليبي في درنة وبنغازي وسرت وغيرها، لكن لا يُعرف على وجه الدقة كم عدد القيادات والعناصر المنتمية إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس» التي تعرضت للقتل بسبب خلافات داخل التنظيم نفسه. وقال المصدر الأمني الليبي إن قياديا واحدا، على الأقل، تأكد أنه قتل يوم 17 الشهر الماضي على خلفية هذا النزاع، وهو من جماعة «العسلي».
ويلقَّب القيادي «القتيل» باسم «الشيخ مروان»، ويوصف في أوساط المتطرفين المصريين في ليبيا بأنه قيادي كبير في «أنصار بيت المقدس». وانتهى به الحال صريعًا بطلقات الرصاص، بجوار محطة الكهرباء في منطقة النشيع داخل طرابلس.
ويقول أحد المصادر التي تتعامل مع المتطرفين في طرابلس إن «الشيخ مروان» كان مكلفا من جانب «الجماعة الليبية المقاتلة»، بإدارة شؤون الميناء البحري في مدينة الخُمس الواقعة على بعد 120 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة الليبية. وأوضح أن عناصر من تنظيم «جند الحق» الليبي، الذي يتركز وجوده في غرب طرابلس، هي التي عثرت على الجثة، وقامت بنقلها إلى مقر للتنظيم مجاور لموقع الحادث.
وأبلغ تنظيم «جند الحق»، الجماعة الليبية المقاتلة بالموضوع، حيث فتحت تحقيقًا خاصًا في القضية. ووفقًا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر على علاقة بقادة الميليشيات الليبية، فإن «الشيخ مروان» كان حتى يوم 16 الشهر الماضي، أي قبل مقتله بيوم، موجودًا في مقر عمله في ميناء الخُمس البحري.
وقال أحد هذه المصادر، وكان في السابق من ضباط اللجان الثورية الليبية التابعة للقذافي: «جسد الشيخ المصري كان مثقوبًا بنحو عشرين طلقة رصاص.. هذه عملية انتقامية بشعة». ويعتقد هذا الضابط أن «الشيخ مروان» جرى استدراجه بواسطة متطرفين مصريين آخرين موالين للإخوان في ليبيا، لكي يترك موقعه وينتقل إلى منطقة النشيع في طرابلس حيث تعرض للتصفية هناك.
ويبدو أن العناصر المصرية من «أنصار بيت المقدس» التي وصلت إلى ليبيا تعاني من مشكلات وتراكمات جاءت بها من بلادها. أو كما يقول أحد زعماء الميليشيات الليبية هنا: «يخوِّن بعضهم بعضًا.. كل مجموعة تقول إنه كان ينبغي على المجموعة الأخرى ألا تغادر سيناء».
وقال الشيخ نعيم، إن القتيل «مروان» هو الشقيق الأصغر لزعيم مجموعة «العسلي»، التي تأسست في الأصل في مدينة بورسعيد على قناة السويس، وأصبحت إحدى المجموعات المنضوية تحت راية «أنصار بيت المقدس» في سيناء. وبحسب الشيخ نعيم أيضًا، فإن المجموعة ينسب لها القيام بكثير من العمليات الدموية في مصر، ومن أشهرها عملية استحوذت على الرأي العام أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في مصر، وتتعلق بخطفها لسبعة جنود مصريين في سيناء.
وتسببت عمليات «أنصار بيت المقدس» بعد ذلك في مقتل مئات من العسكريين والمدنيين المصريين. وكانت أكثر الهجمات عنفًا في الشهور الأخيرة من العام الماضي. وفي الوقت الراهن يوجد في ليبيا عدة مئات، أو أكثر بكثير، من المصريين الذين فروا من بلادهم عقب سقوط نظام الرئيس مرسي في صيف 2013.
وبعد ظهور «داعش» في ليبيا في 2014، ظهرت بوادر الانقسامات بين العناصر المصرية الموجودة في درنة وبنغازي، بشأن الولاء بين البغدادي والظواهري والإخوان. ووقعت نزاعات فقهية حامية في أوساط المتطرفين المصريين داخل ليبيا، حيال هذه القضية، بيد أنها لم تكن قد وصلت إلى حد الاقتتال حتى الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام.
لكن الموجة الجديدة من الهجرة التي قام بها متشددون من سيناء إلى ليبيا، هربًا من عمليات الجيش، تسببت على ما يبدو في تعقيد موقف الجماعات المصرية في المدن الليبية الملتهبة، خصوصًا أن الهجرة الأخيرة جاءت في وقت تعاني فيها التنظيمات الليبية المتباينة، من حصار وهزائم ألحقها بها الجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، خاصة في شرق البلاد.
وفرَّ من درنة وبنغازي في الأسابيع الماضية نحو ألف عنصر كانوا فيما يشبه «الحلف الحربي» ضد الجيش الليبي. يضم هذا الحلف عناصر من «داعش» و«الإخوان» ومن «القاعدة» و«أنصار الشريعة»، وتوجهوا إلى سرت وطرابلس. وقال مصدر أمني ليبي إنه كان من بين هؤلاء عدد غير معروف على وجه التحديد من المصريين، مشيرًا إلى أن المشكلة حاليا أمام هذه العناصر الوافدة «هي أنه لا يوجد في طرابلس ولا في سرت (حلف حربي) مماثل لما كان عليه الحال في درنة وبنغازي».
وأضاف: بالتالي فإن غالبية المجموعات التي فرت من شرق ليبيا أو جاءت من سيناء، واتجهت جميعها إلى الغرب، وجدت نفسها أمام خيار صعب لإعلان الولاء ومن تتبع من قادة الجماعات؛ هل تتبع «البغدادي» أم «الظواهري» أم «الإخوان». ومن بين هذه الجماعات، «تنظيم أنصار بيت المقدس».
وفي الوقت الحالي، ووفقًا لشهادات من مصادر على علاقة بميليشيات طرابلس، تعمل مجموعة «البصَّال»، تحت راية جماعة الإخوان الليبية، ويشرف على هذه المجموعة إخواني ليبي يحمل الجنسية الأميركية، يدعى «ع.ط». وأضافت المصادر أن قائد مجموعة «البصَّال» موجود حاليا في مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة الليبية، مشيرة إلى أن هذا القائد «مطلوب القبض عليه من جانب عدة حكومات في منطقة الشرق الأوسط، ومن جانب الجماعة الليبية المقاتلة بمن فيها من مصريين موالين لها أيضًا».
وفي المقابل كان «الشيخ مروان»، ومن معه من عناصر فارَّة من سيناء، يعمل، حتى مقتله قبل أسبوعين، تحت إشراف مسؤول في الجماعة الليبية المقاتلة في طرابلس (الموالية للقاعدة) يدعى «أ.ي».
أما مجموعة «أبو المهاجر»، فتتحرك تحت راية تنظيم داعش، في كل من سرت وطرابلس. ويصنف البعض قائد مجموعة «أبو المهاجر» بأنه من أخطر القيادات المتطرفة في المنطقة، ويعتقد، بحسب المصادر في سرت، أنه ضابط مفصول من الجيش المصري، والعقل المدبر لكثير من العمليات الدموية في مصر وليبيا.
وترجع علاقة التعاون بين المتطرفين في هذين البلدين المهمين في شمال أفريقيا، إلى فترة تولي قادة من جماعة الإخوان الحكم في القاهرة وطرابلس الغرب، بداية من عام 2012، وهي السنة التي ظهر فيها بوضوح اقتراب الإخوان من تنظيمات كانت مشهورة بالأعمال المسلحة ضد نظم الحكم السابقة. فقد كان نظام القذافي يحارب لأكثر من عشرين سنة «الجماعة الليبية المقاتلة»، بينما خاض الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، معارك طاحنة ضد الجماعات المتطرفة التي قتلت سلفه، الرئيس السادات، عام 1981.
ومنذ سقوط نظام الرئيس مرسي زادت عمليات المتطرفين ضد السلطات في سيناء. وفي ذلك الوقت قدرت مصادر أمنية مصرية عدد العناصر التي تحمل السلاح ضد الدولة بعدة ألوف بينهم أجانب. لكن العدد تراجع إلى حد كبير على أثر حملة يقودها الجيش في سيناء منذ نحو ثلاث سنوات. وقال الشيخ ناجح إبراهيم إن الليبيين الذين جاءوا (ضمن المقاتلين الأجانب) في أيام الفوضى الأمنية في مصر (أحداث 2011)، لمؤازرة «أنصار بيت المقدس» في سيناء، عادوا سريعًا إلى ليبيا لأنهم لم يتحملوا الظروف القاسية التي وجدوها أمامهم.
ووفقًا للشيخ إبراهيم، تأسست جماعة «أنصار بيت المقدس» في سيناء عام 2003، ونفذت عمليات دموية كبرى بحق منتجعات سياحية مصرية في نويبع وطابا ودهب وشرم الشيخ في عامي 2004 و2005. وتمكنت سلطات الأمن أيام الرئيس مبارك، من القبض على عدد يتراوح بين 500 إلى 600 من عناصر التنظيم، وحكم على بعضهم بالإعدام أو السجن المؤبد، لكن الغالبية منهم جرى إخضاعها، داخل السجون، لبرامج للإصلاح «لمن لم يثبت تورطهم في العنف»، كان بعضها في سجن «دمنهور» والآخر في سجن «أبو زعبل».
وأضاف إبراهيم أنه حين جاءت ثورة 2011 هربت باقي عناصر «أنصار بيت المقدس» من السجون المصرية وبعضهم توجه إلى سيناء والبعض الآخر إلى سوريا.. «من فروا إلى سيناء التقوا مع من كانوا قد أجروا مراجعات في السجون، وقالوا لهم إن نظام مبارك سقط ولم يعد هناك خوف.. وبايعوا أيمن الظواهري، وأقاموا ثلاثة معسكرات في المثلث الواقع بين مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وذلك أثناء فترة الفراغ الأمني، حيث قاموا أيضًا بتفجير أنبوب الغاز المار من سيناء (إلى الأردن وإسرائيل) 12 مرة، وهاجموا أقسامًا للشرطة في سيناء.
وتابع إبراهيم قائلا إنه بعد ظهور تنظيم داعش، بادر قادة في «أنصار بيت المقدس» بمبايعته. ومنذ ذلك الوقت «انقسموا إلى قسمين. قسم قال نريد أن نبقى على البيعة مع الظواهري. وقسم بايع (داعش) رسميًا، حيث شرع في إرسال مقاتليه إلى سوريا للتدريب والقتال والعودة مرة أخرى، وبدأ مرحلة استهداف للجيش المصري والقيام بأعمال الذبح للمدنيين وشيوخ القبائل، بعد أن كانت هجماته تقتصر في السابق على مواقع الشرطة فقط.
وقالت مصادر أخرى على صلة بمتطرفين من «أنصار بيت المقدس» إن عناصر من مجموعات «العسلي» و«أبو المهاجر» و«البصَّال» كانوا مذبذبين في الولاء بين «القاعدة» و«داعش» و«الإخوان»، وأن عددًا منهم تلقى تدريبات على أيدي متطرفين في قطاع غزة، واجتازوا هناك «دورة محو أمية عسكرية»، قبل اضطرارهم للفرار إلى ليبيا.. «بعضهم وصل إلى درنة، ثم اتجهوا إلى سرت وطرابلس بعد ضرب الجيش الليبي للجماعات المتطرفة في الشرق».
وفي ليبيا، في الوقت الحالي، تصنِّف مجموعة «البصَّال»، مجموعة «العسلي»، بأنها انشقت عن «أنصار بيت المقدس»، وأنها «تخلت عن مناصرة الرئيس مرسي»، بينما ترد مجموعة «العسلي» على المجموعة الأولى، وفقًا للمصادر نفسها، باتهامها بـ«الارتماء في أحضان جماعة الإخوان»، التي ترى أنها «لم تحكم بالشريعة حين واتتها الفرصة». ومن جانبها، وبسبب الولاء أيضًا، رفضت مجموعة «أبو المهاجر»، التي ترفع راية «داعش» في سرت، التعامل مع الزملاء القدامى في «أنصار بيت المقدس»، بمن في ذلك مجموعتا «البصَّال» و«العسلي».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.