شخصيات تستوحي الأسطورة لمواجهة الحياة

القاص رضوان آدم يعيد مساءلة الأسطورة في «جبل الحلب»

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة
TT

شخصيات تستوحي الأسطورة لمواجهة الحياة

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة

تلعب المجموعة القصصية «جبل الحلب» للقاص المصري رضوان آدم الصادرة حديثا عن دار «روافد» بالقاهرة، على الأسطورة، وتعيد مساءلتها في سياق إنساني ومعرفي جديد؛ إذ نجحت في كسر هذا الاحتكار الذكوري لدور البطولة، ضمن خيط أسطوري شيق، كان لـ«امرأة الحلب» فيه الكلمة العليا حتّى خلال المواجهة المحتومة مع لعبة الأقدار.
«أيام» هي أول قصص «الحلب»، وبطلتها امرأة حلبية ستهز عرش الرجال، «لا أحد في نجع الواحاتي يعرف أن جليلة هي أيام، وريثة عرش الحلب، وابنة الجيلاني، الملكة المحاربة التي حكمت الحلب ثلاثين عاما»، هكذا يستهل المؤلف، أسطورة المرأة التي تتمتع بقدرة استثنائية مكنتها من التخفي من وجه أعداء قومها، إلى أن تحين اللحظة المناسبة للانقضاض على رجال الواحاتي، في الوقت الذي يؤمن فيه رجال قريتها بشجاعتها وحكمتها في محاربة الغزاة؛ وإلا كيف ارتضوا بتنصيبها ملكة على النجع كله؟ «يقولون فيما بينهم إن الملكة أيام حية وستظهر يوما»، في هذا النص الوجيز نلمح نزوعا إيمانيا نحو «مهدي منتظر» يحرر النجع من الظلم والخيانة، ويعيد ميزان العدل منصوبا، ولذلك أبلغت الجيلانية الصبي الذي أرسله الواحاتي لإجبارها على الاستسلام، بأن «الحلب سيقاتلون حتى آخر قتال دفاعا عن أرضهم المقدسة».
وتمتد الحكايات لتزيح الستار عن وريثات عرش الحلب، منذ أن وطأت قدم «سميعة» أرض النجع، وهى الجدة الكبيرة لـ«أيام».. امرأة نافذة على الأقدار، ذات بأس شديد، وعندما تمر سيرتها على لسان حفيدتها الجيلانية، تقص كلمات بسيطة عنها، «ثم تعود لبيتها وحيدة، دون أن تكشف سرها لأحد»، وبينما هي كذلك، توغل الأسطورة لتستنزف الماضي البعيد، حيث كانت جليلة لا تزال فتاة صغيرة، عندما أخبرت أمها، خالها الميرازي، بأن الأرواح يجب أن تظل بعيدة عن «أيام» حتى تبلغ العشرين، ساعتها تحكم الحلب وتفصح عن اسمها الحقيقي، واختار لها الميرازي اسما يناديها الناس به، حتى لا ينكشف أمر المهمة الحربية التي أتت من أجلها لتحرير النجع من رجال الواحاتي، لكن خالها «لم يخفِ الوشم المرسوم على كتفها اليسرى»، وأوصاها بالبحث عن حلب الجبال إذا وقع له مكروه، ثم اختفى هو الآخر في كهف صغير لمدة خمسة أعوام، حتى تهدأ عيون الواحاتي.
وإذا كانت الأسطورة قد اختتمت بانتصار الجيلانية، فإن الملكة لم تختم بعد حكاياتها، إذ «غرقت في البكاء عندما أتت على ذكر جيش الحلب الذي دكّ المستوطنين وحرر النجع، بينما يسود السكون رؤوس الحلب».
«سليمة» هي الشخصية التالية في المجموعة، التي أخذت توجه حجارتها نحو وجه السماء تستنزل منها الولد وتنتظر البشارة، تريد اقتناص الحياة من هذه القدرة الغاضبة، لكنها «لن تتمكن من إلحاق الأذى بالسماء طالما لم تتفرق الغيوم المستفزة».
على عكس «سليمة»، نجد زميلتها «سكينة» تصارع من أجل الفوز بموت هادئ مطمئن، الأولى تسترجي البقاء، والثانية تستعطف الفناء، هناك الحجارة التي تزعج هدوء السماء، وهنا «البومة» التي تقض مضجع «سكينة» ووقارها لتزف معها شؤم الرحيل. لكنّ المرأة الثمانينية تستعصم بالسيدة زينب والغوالي، وحفيدها صبري، «الطفل المعظم، الذكر الوحيد الذي أنجبته ابنتها الوحيدة على خمس بنات»، الذي بلغ مبلغ الرجال مبكرا بعد أن علّمته «سكينة» تدخين السجائر منذ أن بلغ عامه الثامن. وبكل هذه الوسائل الدفاعية، نجحت «سكينة» في التصدي لبومة الشؤم التي مرت من أمام نافذتها في استحياء شديد دون أن تمسها بسوء، بينما «يحفظ صبري في عمره هذا، أكثر من أربعين مغامرة لجده مسعود عمران، عرفها من لسان جدته»، التي تحتفظ في رأسها بتاريخ القرية التي غيرت جلدها مرات.. «كبر صبري ويستطيع الآن حملها ودفنها وأخذ عزائها كرجل بالغ»، لكن الطفل خرج إلى الشارع ليطارد بومة الشؤم بالحجارة، بينما «سكينة» تبتسم في صمت.
وفي سياق هذا الولع بالأسطورة، يختلف حال «تغيانة» عن حال رفيقاتها، فهي خادمة الشجرة المقدسة للشيخ فخر الدين، الرجل المبروك الذي يبرئ الأكمه والأبرص، وله كلام مع السماء.. «الذي كان له قلب يزن أكثر من أربعة كيلو جرامات»، نفوذ «تغيانة» يمتد إلى السيطرة على عقول رجال القرية، خصوصا بعدما أغضبوا «الشيخ فخر الدين».. تلزمهم إذن زيارة يتطهرون فيها من آثامهم، ويصطحبون الأطفال المعتلين لعرضهم على الشيخة «تغيانة» التي تباركهم بتعويذات يلقنها لها الشيخ الهالك منذ مئات السنين.
من حكايات النساء، تنسج حكايات الرجال في الخط الأسطوري نفسه.. صراع مرير مع الأقدار، وخِناق مع السماء. «عبيد البياض» هو أحد هؤلاء الأبطال، بطولته تكمن في نوبة سعال تهاجمه على شكل غزوات طوال الليل، تكاد تفتك بصدره، في الوقت الذي تستسلم فيه القرية خائفة من لعنة عبيد الذي «لا يموت أبدا، ليس من لحم ودم كباقي البشر، جلده مانع للرصاص، ولديه (ستة) أرجل، و(ستة) أذرع، وألف أذن، ويطير بالليل»، إلى درجة أن شيخ القرية طرق الأبواب موصيا بعدم سب عبيد حتى لا تحل اللعنة على الناس، كما دعا الشيخ أهل القرية إلى أن يقتصدوا في الطعام، ويكثروا من الدعاء، ويخزنوا القمح تحسبا لسنوات عجاف، على الرغم من أن عبيد لم يكن يسعل سخامًا وقطرانًا، كان يسعل سيلا من الذكريات وحكايات قريته الخائفة. يسمعها الناس وهم يترقبون نوباته المتشنجة بالقرب من ساحة بيته المهجور، ومع اشتداد السعال يبكي عبيد بكاء لم يسمعه النجع من قبل، يحن إلى ذكرى «حليمة»، حبيبته التي قتلها أهلها عقابا لها على الفضيحة التي ارتكبتها مع عبيد، وتتعارك أنفاسه مع هذه النوبات القاسية، وتلوح له صورة أمه التي لم يجدها أبدا.
«عجيب» هو أحد شخصيات مجموعة الحلب، يحمل عبء البطيخة المقدسة التي تضم أسرار الكنيسة، كان لا ينطق إلا بمقدار ما يجعله حيا، وظل كما هو، لا يتغير، إلا رقبته التي تشطح في أيام الآحاد وكأنها تريد أن تبوح بالسر المقدس. في هذه الأثناء لا يستطيع «عجيب» السيطرة على نفسه.. يسب ويلعن ولده عايد، خصوصا عندما يتناقل الناس شائعات بأن «عجيب» سرق بطيخة الكنيسة الذهبية وخبأها في مكان مجهول.
ورغم كل هذا الجبروت وهذا الكبرياء الذي يبدو عليه أبطال «جبل الحلب»، فإن تحت هذا الساتر الصلب من المشاعر الجافة يختفي حس إنساني، يراوغ بين الضعف، والرجاء والخوف.. يجمع كل هؤلاء الأبطال، مما يضع القاري أمام إحساس طاغ بالعطف عليهم، والرثاء لهم، وفي سياق من الحكي الممتع تنسجه قصص المجموعة.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).