كلينغر: كنت شاهدًا على اتفاقية كامب ديفيد ووصول ريغان للرئاسة الأميركية

مدير تحرير صحيفة «داي فيلت» الألمانية السابق يؤكد أن الصحافة الورقية لن تموت

الرئيس المصري الراحل انور السادات والاميركي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجن بعد التوقيع على اتفاقية كامب دافيد في  17 سبتمبر 1978.. وفي الصورة  توماس كلينغر («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري الراحل انور السادات والاميركي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجن بعد التوقيع على اتفاقية كامب دافيد في 17 سبتمبر 1978.. وفي الصورة توماس كلينغر («الشرق الأوسط»)
TT

كلينغر: كنت شاهدًا على اتفاقية كامب ديفيد ووصول ريغان للرئاسة الأميركية

الرئيس المصري الراحل انور السادات والاميركي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجن بعد التوقيع على اتفاقية كامب دافيد في  17 سبتمبر 1978.. وفي الصورة  توماس كلينغر («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري الراحل انور السادات والاميركي كارتر ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجن بعد التوقيع على اتفاقية كامب دافيد في 17 سبتمبر 1978.. وفي الصورة توماس كلينغر («الشرق الأوسط»)

ربما لعبت الصدفة دورا في تحويل مساره من مجال التدريس الجامعي إلى الصحافة، لكن الألماني توماس كلينغر لم يكن يدرك أن دخوله هذا المعترك سيجعل منه واحدا من أهم المراسلين وشاهدا على أحداث هامة، مثل اتفاق كامب ديفيد بين جيمي كارتر وأنور السادات ومناحم بيغين، عام 1978، وأيضا انتخاب رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة عام 1980. الرجل الذي ساقته الأقدار لترك تدريس اللغة الألمانية في جامعة كارديف بمقاطعة ويلز، تخصص في تغطية الشؤون البريطانية، ثم عمل مراسلا في معقل بيت الحكم الأميركي بالبيت الأبيض، وتدرج إلى أن وصل إلى منصب مدير تحرير صحيفة «داي فيلت» الألمانية الشهيرة، قبل أن يتقاعد ويصبح متفرغا لنشر كتبه ومقالاته التحليلية. كلينغر الصحافي المخضرم والكاتب الذي نشر كتابين يرجع إليهما بوصفهما وثيقتين عن السيرة الذاتية للملكة (2011) ووينستون تشرشل (2014)، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن مسيرته وأهم الأحداث التي قام بتغطيتها، ورؤيته لما يجري في عالمنا العربي. وجاء الحوار معه على النحو التالي:
* هل يمكن أن تقدم للقارئ العربي نبذة عن نفسك؟
- أنا صحافي ألماني المولد، أنتمي لمدينة دانزينغ، وهي ميناء قديم (تحولت اليوم إلى مدينة غدانسك في بولندا على بحر البلطيق)، وتخصصت في تغطية أخبار بريطانيا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 1998، وتحولت مؤخرًا إلى كتابة الكتب ونشرها، عن تاريخ الجزيرة البريطانية، مثل كتابة سيرة ذاتية عن الملكة (2011) ووينستون تشرشل (2014).
* كيف بدأت مسيرتك المهنية بمجال الصحافة؟
- بدأت في فترة متأخرة نوعا ما في حياتي، تحديدًا في سن الـ30. وكنت قبل ذلك أعمل في تدريس اللغة الألمانية بجامعة كارديف في مقاطعة ويلز خلال ستينات القرن الماضي، ثم تحولت إلى كاتب حر ونلت درجة الماجستير في الفلسفة والأدب.
* هل يمكن أن تخبرنا قليلاً عن خبرتك مع أي لغة أخرى مختلفة؟ وكيف عاد هذا بالنفع على مسيرتك المهنية؟
- تعلمت في مدرسة داخلية، لم يكن يجري بها تدريس لغات حديثة، وإنما اليونانية واللاتينية فقط. وقد صاغ هذا رغبتي في الدراسة ومنحني شعورًا بثراء التاريخ الأوروبي.
* ما القصة الأجمل التي توليت تغطيتها؟
- في الواقع، هما قصتان، داخل أميركا حيث عملت مراسلاً لدى البيت الأبيض بين عامي 1977 و1985. حيث قمت بتغطية اتفاق كامب ديفيد بين جيمي كارتر وأنور السادات ومناحم بيغين عام 1978، بكثير من القصص التي أرسلتها إلى مقر صحيفتي الألمانية، ثم تابعت انتخاب رونالد ريغان رئيسًا لأميركا عام 1980.
أما داخل المملكة المتحدة، فكانت القصتان الأجمل في حياتي أو من خلال تاريخي المهني، الأولى: فضيحة نفقات مجلس العموم، عام 2009. ثم الاستفتاء الشعبي البريطاني حول الاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي، عام 2016.
* هل تعكف حاليًا على تأليف كتاب؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فما موضوعه؟
- انتهيت لتوي من تحديث وتوسيع كتابي «تاريخ بريطانيا العظمى» (الذي سبق صدوره عام 2008) لجعله أكثر توافقًا مع الاستفتاء العام الذي أجري في 23 يونيو (حزيران).
* كيف كانت تجربتك على الخطوط الأمامية؟
- من الواضح أن «المؤسسة البريطانية» غير مهتمة بالصحافيين الأوروبيين، ما انعكس على رفضها طلبات بعقد مقابلات صحافية، وذلك بداية من مسؤولي «داوننغ ستريت» مرورًا بمختلف عناصر مجلس الوزراء. وينطبق الأمر ذاته على العائلة المالكة، حيث ينبغي أن تكون ممثلاً لمؤسسة إعلامية بريطانية، أو «نيويورك تايمز» على الأقل.
* هل هناك نصيحة تود تقديمها للصحافيين العرب على وجه الخصوص؟
- أفضل نصيحة يمكنني توجيهها هي أن يعززوا صلاتهم بالمسؤولين والمصادر الدبلوماسية، مثل السفارات، وبناء علاقات تقوم على الثقة معهم، وكذلك مع زملاء من الأوساط الإعلامية البريطانية. ومن المفيد للغاية التعاون مع اتحاد الصحافة الأجنبية.
* متى كانت اللحظة التي شعرت خلالها أنك اخترت المهنة الصحيحة؟
- عندما كنت أكتب لحساب صحيفة يومية منذ فبراير (شباط) 1971، شعرت بأنني أصبحت مشاركًا في التاريخ الحديث، وليس داخل مجرد برج أكاديمي عاجي، مثل تلك السنوات التي قضيتها بجامعة كارديف.
* ماذا كانت قصتك الأولى؟ وهل كانت مذاعة أم منشورة؟
- كانت مقالاً منشورًا في 14 فبراير عام 1971، حول مشكلات أوروبا، وتناولت خلالها الاختلافات بين ألمانيا وإنجلترا، وما تزال صالحة للنشر بعد 45 عامًا!
* ما أكثر ما تستمتع بعمله؟
- خلال السنوات اللاحقة من عمري، أي بعد سن الـ70، هو تأليف الكتب، وكذلك كتابة المقالات الافتتاحية والتحليلات التاريخية.
* هل تركت آراؤك تأثيرًا على السياسة الخارجية فيما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب؟
- كنت حاضرًا وقت وقوع «الخطيئة الأصلية»، أيام كامب ديفيد والشهور التالية لها، عندما تركت القضية الفلسطينية خارج إطار السلام بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد وصفت القضية الفلسطينية بأنها «متعذرة على الحل»، وقد تكبدنا ثمنًا فادحًا لهذا الأمر، بدءًا باغتيال السادات ووصولاً إلى الإرهاب الذي نعاصره اليوم.
* نعايش الآن العام الخامس من الأزمة السورية، والتي تتصدر أخبارها العناوين الرئيسية للصحف. هل يمكن أن تشعر الصحف يومًا بإرهاق وتسأم من هذه الأزمة؟
- لا أعتقد ذلك. لو كانت الأزمة محصورة داخل الأراضي السورية، ربما تسلل السأم إلى وسائل الإعلام. إلا أنه بسبب أزمة اللاجئين، ظلت هذه الأزمة واحدة من القضايا الرئيسية بوسائل الإعلام بمختلف أرجاء العالم، وخصوصا لدى الأوروبيين.
* كيف تقيم تغطية صحيفة «داي فيلت» لـ«الربيع العربي»؟
- مبهر للغاية. لقد تمكنا من التعاون مع كثيرين بصورة حرة داخل جميع الدول المعنية، خاصة مصر وليبيا وسوريا والعراق.
* من الصحافي المفضل لديك داخليًا وخارجيًا؟ ولماذا؟
- أشعر بإعجاب متزايد تجاه كتاب أصحاب أعمدة، مثل ديفيد أرونوفيتش، وتيم مونتغمري، من «تايمز»، وسيمون جينكينز من «غارديان» و«إيفننغ ستاندرد»، وذلك لما يتمتعون به من أحكام مستقلة. أما دوليًا، فأشعر بالإعجاب تجاه نيال فيرغسون، المؤرخ والكاتب المبدع في «صنداي تايمز».
* كم عدد ساعات عملك خلال الأسبوع؟ هل يتبقى لديك كثير من الوقت لشؤونك الخاصة؟
- يصعب علي تحديد العدد، نظرًا لأنني أعيش بمفردي بعيدًا عن أسرتي، أميل للعمل طيلة الوقت، إذا احتسبت من بين ذلك القراءة والاستعداد لتأليف الكتب والبحث عن الخلفيات. كما أتنقل من مكان لآخر لتقديم محاضرات حول قضايا بريطانية أو الترويج لكتبي، وأقضي ساعات طويلة في مقابلات مع وسائل إعلام بريطانية وألمانية.
* ما وجهة نظرك حيال مسألة الإعلام المطبوع في مواجهة الإعلام أونلاين؟
- أعتقد أن حديث البعض عن أن المستقبل سيكون لوسائل الإعلام العاملة عبر الإنترنت ليس سوى خرافة، ذلك أن صانعي القرارات من رؤساء وزراء ورؤساء ومعاونيهم لا يزالون يتابعون الإعلام المطبوع، وهذا النمط من الإعلام متوغل في حياتنا الثقافية وأسلوب حياتنا بصفة يومية، وجميع السبل التي يجري بها استهلاك الأخبار. وأنا أميز هنا بين «الجمهور العام» و«صانعي التاريخ».
* هل تعتقد أن الصور الجديدة من الإعلام تقتل الأخرى القديمة؟
- نعم، في بلد مثل ألمانيا، وفي ظل طبيعتها الخالية من المركزية وعدم وجود مركز متروبوليتاني مثل لندن وضواحيها التي يباع بها نحو 90 في المائة من إجمالي مبيعات الصحف الوطنية. والملاحظ في ألمانيا أن الصحف الوطنية مثل «داي فيلت» و«زود دويتشي تسايتونغ» و«فرانكفورتر ألغامين» تحتضر ببطء.
* ما المدونة أو الموقع الإخباري المفضل لديك؟
- «تايمز».
* في اعتقادك، ما السمات التي ينبغي على كل صحافي ناجح امتلاكها؟
- أعشق البحث الصائب، واستقلالية الفكر، وموهبة القدرة على التعبير بالكلمات.



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».