إصلاحات الاقتصاد اليوناني تشعل موجة جديدة من الإضرابات

قبل اجتماع وزراء مالية اليورو اليوم

آلاف اليونانيين يتظاهرون أمس احتجاجا على خطط الحكومة التقشفية (أ.ف.ب)
آلاف اليونانيين يتظاهرون أمس احتجاجا على خطط الحكومة التقشفية (أ.ف.ب)
TT

إصلاحات الاقتصاد اليوناني تشعل موجة جديدة من الإضرابات

آلاف اليونانيين يتظاهرون أمس احتجاجا على خطط الحكومة التقشفية (أ.ف.ب)
آلاف اليونانيين يتظاهرون أمس احتجاجا على خطط الحكومة التقشفية (أ.ف.ب)

رغم تفاؤل المسؤولين والقائمين على الاقتصاد اليوناني بخطط الإنقاذ الأوروبي لليونان التي تم توقيعها في يوليو (تموز) الماضي والبالغة قيمتها 86 مليار يورو، في مقابل خطط تقشف حكومية لتوفير النفقات، لكن خطط الإصلاح الاقتصادي أدت إلى صدامات متكررة مع فئات الشعب اليوناني وخاصة العمال الذي نظموا أكثر من إضراب منذ تولي الحكومة الجديدة المسؤولية منذ ما يزيد على عام.
وتظاهر آلاف الأشخاص، أمس الأحد، أمام البرلمان اليوناني احتجاجا على بعض خطط الحكومة التقشفية التي تمس حياتهم بشكل أساسي، كخفض المعاشات التقاعدية، وزيادة الضرائب على الدخل.
وحاول المتظاهرون التأثير في تصويت البرلمان اليوناني (الذي مقرر له مساء أمس، ولم يظهر حتى مثول الجريدة للطبع)، على إصلاح مثير للجدل لبرنامج تقاعد يطالب به الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قبل اجتماع حاسم للجهات الدائنة لليونان من منطقة اليورو اليوم الاثنين. ويطالب الدائنون الأوروبيون بتدابير لادخار 5.4 مليار يورو بحلول عام 2018.
ويناقش البرلمان اليوناني منذ صباح السبت الماضي مشروع قانون إعادة تأسيس نظام التقاعد وزيادة الضرائب والرسوم الذي طالب به دائنو البلاد، الذي عُرض على التصويت مساء أمس. بعد أن قدمه رئيس الوزراء اليوناني للبرلمان لمناقشته.
واعترضت النقابات العمالية على القانون الذي ينص على خفض رواتب التقاعد، ودمج عدد من صناديق التأمين وزيادة المساهمات المالية للتقاعد والرسوم والضرائب على أصحاب الدخول المتوسطة والكبير ووصفته بعملية «نهب».
وتواصل نقابات العمال المعارضة لهذه الإصلاحات الضغط على الحكومة مع استمرار إضراب عام منذ يوم الجمعة الماضي يشل وسائل النقل في البلاد. وقدرت الشرطة عدد المتظاهرين بما يزيد عن 15 ألف متظاهر تقريبا.
وكانت النقابات قد دعت إلى إضراب عام لمدة 48 ساعة، هو الرابع منذ وصول رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس إلى السلطة في يناير (كانون الثاني) 2015، وفي إطار هذا الإضراب لم تعمل أي من وسائل النقل العام والمشترك الجمعة والسبت.
وكان رئيس الوزراء اليوناني اليساري ألكسيس تسيبراس قد عرض على البرلمان التصويت على مشروع الإصلاح الذي يتضمن إجراءات مؤلمة تطالب بها الجهات الدائنة على أمل أن يؤدي اجتماع بروكسل اليوم إلى تحريك مسألة خفض الديون.
وإجراءات التقشف التي يسعى الاقتصاد اليوناني إلى تطبيقها جزءا من رزمة إجراءات مؤلمة يطالب بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بموجب خطة إنقاذ البلاد التي تم التوصل إليها في يوليو (تموز) الماضي والبالغة قيمتها 86 مليار يورو.
ودعا وزير المال اليوناني أقليدس تساكالوتوس، السبت الماضي، نظراءه في منطقة اليورو إلى الموافقة خلال اجتماع مجموعة اليورو المقرر، اليوم الاثنين، على الإصلاحات التي قامت بها بلاده.
وسيبحث وزراء مالية منطقة اليورو اليوم مجددا وضع اليونان في محاولة للتوصل إلى اتفاق صعب يؤدي إلى تجنب أزمة خطيرة حول الإصلاحات والمساعدة المالية للبلاد.

آمال وسط صعوبات
تواجه الاقتصاد
وتأمل أثينا في أن يفضي الاجتماع إلى الإفراج عن الشريحة المقبلة من خطة إنقاذها التي تم الاتفاق عليها في يوليو (تموز)، والبالغة 86 مليار يورو. وسيعمل الوزراء على تقييم الإصلاحات في اليونان التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بموجب الخطة المتفق عليها.
ودافع تسيبراس عن الإصلاحات الجمعة، قائلا لنواب حزبه «سيريزا» الذي يشغل غالبية بسيطة في البرلمان (153 من أصل 300 مقعد)، معتبرا أن إصلاح نظام التقاعد يعد أمرا حاسما «لتجنب انهيار النظام بعد بضع سنوات».
وقبيل الاجتماع الأوروبي الحاسم اليوم في بروكسل، برزت خلافات حتى في صفوف الجهات الدائنة، وظهر ذلك بشكل واضح، يوم الجمعة الماضي، في رسالة وجهتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد إلى وزراء مالية منطقة اليورو من أجل تحريك المناقشات المجمدة حول مسألة خفض الديون. وهذه المسألة تعد أكثر إلحاحا مع اقتراب موعد دفعة يفترض أن تسددها اليونان للبنك المركزي الأوروبي في يوليو مع ازدياد المخاوف من أن تتخلف أثينا عن السداد في حال عدم حل المسألة.
وشددت لاغارد في رسالتها على ضرورة خفض توقعات الفائض الأولي في الميزانية (بعيدا عن خدمة الدين) المحدد بنسبة 3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للعام 2018، الذي يعده صندوق النقد «غير مفيد».
واعتبر وزير المالية اليوناني أن «إصلاح نظام التقاعد المطروح حاليا أمام البرلمان يعالج بطريقة جذرية مسألة استمرار النظام على المدى الطويل».
كما اعتبر وزير العمل جورج كاتروغالوس مهندس هذا الإصلاح، أن «الإصلاح كان ينبغي إجراؤه منذ عقود»؛ بسبب العجز الكبير في صناديق التقاعد، الذي بلغ «ملياري يورو».
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا بانايوتيس بيرتاكيس: «إن الإضراب والمظاهرات لا تهدد تبني الإصلاح»، ورأى أن «الإصلاح سيتم إقراره وهو خيار جيد قبل اجتماع مجموعة اليورو».
وفي السياق ذاته، رأى رئيس المفوضية الأوروبية يان - كلود يونكر أن اليونان على الطريق الصحيح، وذلك قبل اجتماع وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة الديون في البلاد.
وقال يونكر في تصريحات صحافية: «إننا حاليا بصدد أول عملية فحص لحالة برنامج الإصلاحات، وتعد الأهداف جيدة». وأضاف أن وزراء المالية الأوروبيين سوف يديرون اليوم (الاثنين) «أولى المناقشات عن الطريقة التي يمكن من خلالها جعل الديون قابلة للاستدامة على المدى الطويل بالنسبة إلى اليونان»، وأكد عدم إمكانية التحدث عن حزمة مساعدات جديدة.
وقال يونكر إن خروج اليونان من منطقة اليورو لم يكن خيارا في العام الماضي، وليس قائما في الوقت الحالي، وأكد أن البيانات الاقتصادية اليونانية أفضل من المتوقع، وأشار إلى أن المفوضية تتوقع عودة النمو خلال النصف الثاني من العام الحالي 2016، وأنه سوف يتسارع في العام القادم أيضا. ومن خلال البرنامج الذي بدأ في الصيف الماضي التزمت اليونان أيضا بالمبدأ الرامي للعودة إلى تنمية اقتصادية مستقرة.
وتأمل أثينا بعد اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو التوصل إلى اتفاق يجنبهم أزمة جديدة في هذا البلد بعد الخلافات بين الجانبين حول الإصلاحات والمساعدة المالية الخاصة بأثينا. وبعد عشرة أشهر من المفاوضات الصعبة لا يزال دائنا اليونان (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي) غير راضيين عن الإصلاحات التي أقرتها الحكومة اليونانية مقابل المساعدة المالية الضخمة التي حصلت عليها في صيف 2015، ما قد يعرقل إعطاء أثينا أي مساعدات إضافية.
وسيناقش وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الاستثنائي اليوم، سبل تخفيف الدين اليوناني الضخم الذي يصل إلى نحو 180 في المائة، من إجمالي الناتج المحلي. وقد وضع صندوق النقد الدولي هذه النقطة كشرط للمشاركة في خطة مساعدة جديدة، لكن يونكر أكد أنه لن يكون هناك خفض كبير لديون اليونان.
وتلقت اليونان حتى الآن 21.4 مليار يورو ويتوجب عليها تسديد مبلغ 2.3 مليار يورو إلى المصرف المركزي الأوروبي بحلول العشرين من يوليو (تموز) المقبل. ولا تزال أثينا تنتظر موافقة وزراء مالية منطقة اليورو للحصول على مساعدات مالية إضافية.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.