بصوته المميز الهادئ قدم مقدم البرامج الشهير ديفيد أتنبره لجماهير التلفزيون في بريطانيا والعالم مشاهد مدهشة وساحرة من عالم الطبيعة، ونجح في تغيير طبيعة برامج الطبيعة والحيوان لتصبح متجددة وتسعى نحو الأحدث في التقنيات والمعلومات، فمن بداياته في الخمسينات إلى الآن أصبحت برامج الطبيعة تحمل المعلومة والتسلية والمتعة البصرية.
الإعلامي الشهير الذي تعتبره بريطانيا أحد كنوزها يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ90. وبالمناسبة قررت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» والتي عمل فيها طوال حياته العملية، تكريمه عبر إعداد جدول حافل من برامج «سير ديفيد أتنبره» كما يطلق عليه، وعثر العاملون في «بي بي سي» أيضا على نسخة نادرة بالألوان للحلقة الأولى من برنامج «في البحث عن حدائق الحيوان» التي عرضت في عام 1954. وكانت القائمون على الأرشيف الضخم لتلفزيون «بي بي سي» قد عثروا على الشريط النادر بينما كانوا يبحثون عن مواد أرشيفية لاستخدامها في الاحتفال بعيد ميلاد المذيع.
أتنبره الذي نجح في بث حب برامج الطبيعة في نفوس الآلاف من المشاهدين، سافر في جميع أرجاء المعمورة وصور أفلاما في الغابات وفي البحار وأيضا في قاع المحيط، حيث قام بركوب غواصة فريدة من الزجاج تسمح للراكب فيها بمشاهدة ما يجري حوله، وهو ما قام به سير ديفيد لدهشة العلماء المصاحبين له في البرنامج، فهو ما زال يحتفظ بلياقة عالية مكنته من الوثب داخل الغواصة قبل غيره من الشباب. وبدأ وهو في الغواصة في قمة حماسه ومتعة الاكتشاف التي صاحبته طوال عمره.
وبالمناسبة أيضا أصدرت مجلة «راديو تايمز» مقابلة خاصة مع أتنبره وكانت صورته على الغلاف وهو يحمل شبل أسد تذكره بصورة على غلاف المجلة نفسها منذ 60 عاما وهو يحمل دبا رضيعا. ورغم الفرق بين الصورتين، عمرا على الأقل، فالمدهش أن سير ديفيد لم يلفته الاختلاف فقال تعليقا عليها: «في حقيقة الأمر أنا أعتقد أني ما زلت بالشكل نفسه لم أتغير» الطريف أن أتنبره لم يصدق عندما اتصل به صديقه مايلز بارتون وهو مخرج أيضا ليخبره باكتشاف نسخة ملونة من برنامج «زو كويست»، فما كان من مايلز إلا أن أرسل مقاطع منها على أسطوانة (دي في دي) بالبريد لمنزل أتنبره. ويشير مايلز إلى أن هذا البرنامج تحديدا أطلق مسيرة أتبره كمذيع متخصص في التاريخ الطبيعي وهو مجال برع فيه بلا منافس. البرنامج يعكس مرحلة قديمة حين كان من المسموح به لحدائق الحيوان إرسال العلماء لاختيار وإحضار سلالات من الحيوانات لتضيفها لمجموعاتها. البرنامج كان ثوريا في وقته فقد جمع بين التعليق الحي في الاستديو مع لقطات صورت في المواقع الخارجية وهو ما كان جديدا على التلفزيون، كما قدم البرنامج للمشاهدين فرصة رؤية حيوانات نادرة.
من «زو كويست» شملت مسيرة أتنبره سلسلة تلفزيونية ناجحة مثل «كوكب الأرض» (بلانيت إيرث) و«الكوكب المتجمد» (فروزن بلانيت) إلى السلسلة المدهشة حقا «أفريقيا» والتي استخدمت تقنية الأبعاد الثلاثة لعرض مشاهد ربما لم تعرض من قبل لحيوانات أفريقيا، فمن ينسى مشاهد صراع الزرافات الدامي أو المشاهد الليلية التي صورت باستخدام كاميرات حديثة، تستطلع عالم الفيلة، أو رقصة الظبي القافز. في سلسلة أخرى عرض لنا دورة حياة الحيوانات منها مشاهد للسمكة الفنانة التي تقوم بتكوين شكل جمالي هندسي في رمال المحيط لتجذب الأنثى، أو مشاهد طائر القيثارة الذي يقلد جميع الأصوات في الغابة وحتى أصوات المنشار الكهربائي وأصوات وقوع الأشجار. أو مشهد أتنبره في الحلقة الأخيرة من سلسلة «أفريقيا» وهو ينظر في عيني وحيد القرن، ومتعته الظاهرة وهو يفاجأ بظهور الحوت الأزرق بالقرب من قاربه في حلقات «حياة الثدييات» في عام 2002 كلها مشاهد نرى ونسمع فيها أتنبره، وجوده لا يأخذ من الدهشة والمتعة التي يحصل عليها المشاهد بل يمنحه الدفء والثقة.
ديفيد أتنبره خلال مشوار عمل طويل قدم عددا ضخما من البرامج وما زال في قمة عطائه، عندما التحق بـ«بي بي سي» في عام 1952 كمتدرب لم يكن قد شاهد غير برنامج تلفزيوني واحد ولكنه نجح في أن يصبح أشهر مقدم برامج في بريطانيا كلها. ولعل اهتمامه، سير ديفيد، بالطبيعة وحبه لها هو ما ألهمه في البداية وهو ما يعطيه الطاقة وهو في التسعين من عمره للعمل في مشاريع جديدة. يقول في مقابلة مع محطة «بي بي سي 1» حول الشيء الذي يدفعه للعمل ويحركه: «عمل برامج تلفزيونية هو ما يحركني، فليس هناك أكثر إمتاعا من تقديم برنامج عن الطبيعة.. وأن أحصل على ثقة حيوان هو بكل المقاييس قوي وأيضا ودود». وقال في تعليقه على أكثر التجارب أهمية بالنسبة له إن هدفه منذ البداية كان «نقل عجائب الطبيعة للمشاهدين في غرف جلوسهم».
بحب وتقدير كبير يحتفل الشعب البريطاني بديفيد أتنبره وعمره المديد الذي قضى منه 60 عاما في إبداع برامج نجحت في إمتاع وتثقيف وتغيير الكثير من المفاهيم لدى المشاهد. يشترك مع الملكة إليزابيث في العمر ويأتي احتفاله بعد احتفال بريطانيا بالملكة وعيدها التسعين. ولكن الاحتفال بأتنبره له طعم آخر، فهو شخص لا يختلف عليه الكثيرون، إلى درجة أن انتخبه جمهور القناة الثانية لـ«بي بي سي» في عام 2006 كـ«أعظم رمز بريطاني على قيد الحياة»، ويعتبره الجمهور «كنزا قوميا»، وهو ما يؤكد عليه الأمير ويليام الذي قال في مقابلة بالمناسبة إن أتنبره «يحتفل بعيده التسعين بعد أسابيع من الملكة إليزابيث، وأرى أنهما كنزان قوميان قدما الكثير على مدى السنين».
ولكن السير ديفيد لا يرى أن لقب «كنز قومي» أمر يستحق التوقف عنده، بل ويمزح إذا ذكر به قائلا: «المشكلة هي أن اللقب يصبغ عليك صفات مثل الحكمة والمعرفة أكثر مما تملك، يعتقد الناس أنك تعرف كل شيء ولكن ذلك ليس حقيقيا».
وما زال في جعبة أتنبره الكثير، فهو يستعد لتصوير الجزء الثاني من سلسلة «بلانيت إيرث» (كوكب الأرض) ويعلق في حديث للإندبندنت: «لا يمكنك التقاعد والابتعاد عن عالم الطبيعة، أن تقرر الراحة أمر جيد ولكنه ممل، أليس كذلك؟».
في عامه الـ90.. ديفيد أتنبره يعد لسلسلة برامج جديدة ويعتبر التقاعد مملاً
بريطانيا تحتفل بمقدم برامج الطبيعة الأشهر
في عامه الـ90.. ديفيد أتنبره يعد لسلسلة برامج جديدة ويعتبر التقاعد مملاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة