لندن اختارت عمدتها.. وفرصة تاريخية أمام المرشح المسلم للفوز

بعد انتخابات «الخميس العظيم» في إنجلترا واسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية

مرشحا منصب عمدة لندن العمالي صديق خان وزوجته سعدية والمحافظ زاك غولدسميث وزوجته أليس.. يغادرون مراكز الاقتراع بعد الإدلاء بأصواتهم في جنوب غرب وجنوب لندن أمس (أ.ف.ب)
مرشحا منصب عمدة لندن العمالي صديق خان وزوجته سعدية والمحافظ زاك غولدسميث وزوجته أليس.. يغادرون مراكز الاقتراع بعد الإدلاء بأصواتهم في جنوب غرب وجنوب لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

لندن اختارت عمدتها.. وفرصة تاريخية أمام المرشح المسلم للفوز

مرشحا منصب عمدة لندن العمالي صديق خان وزوجته سعدية والمحافظ زاك غولدسميث وزوجته أليس.. يغادرون مراكز الاقتراع بعد الإدلاء بأصواتهم في جنوب غرب وجنوب لندن أمس (أ.ف.ب)
مرشحا منصب عمدة لندن العمالي صديق خان وزوجته سعدية والمحافظ زاك غولدسميث وزوجته أليس.. يغادرون مراكز الاقتراع بعد الإدلاء بأصواتهم في جنوب غرب وجنوب لندن أمس (أ.ف.ب)

شهدت المملكة المتحدة انتخابات محلية وبلدية أمس، كان أبرزها انتخابات بلدية العاصمة لندن التي شهدت منافسة شرسة بين المرشح العمالي صديق خان والمحافظ زاك غولدسميث.
وانطلقت عمليات التصويت، صباح أمس، عند تمام الساعة السابعة في انتخابات المجالس المحلية في بريطانيا، وتشريعية باسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية. وتعد هذه أوسع عملية اقتراع تشهدها المملكة المتحدة منذ أعوام، ووصفت بـ«الخميس العظيم»، في تذكير بانتخابات «الثلاثاء العظيم» الذي شهدته الانتخابات التمهيدية الأميركية.
وأدلى نحو 64 مليون ناخب بريطاني بأصواتهم في هذه الانتخابات التي صادفت انتخابات بلدية لندن، عقب معركة حاسمة بين مرشحين بارزين هما صديق خان، المرشح المسلم عن حزب العمال، ومنافسه الأبرز المحافظ اليهودي زاك غولدسميث. ويعكس المرشحان أوجه التعددية والاختلاف الثقافي الذي يميز العاصمة البريطانية لندن؛ إذ إن الأول سياسي مسلم يتحدر من عائلة بسيطة رب بيتها سائق حافلة، فيما يتحدر الثاني من عائلة يهودية ثرية، ذلك أن أباه رجل الأعمال الملياردير السير جيمس غولدسميث، وأمه الليدي آنابيل فاين تيمبست ستيوارت ذات الأصول الأرستقراطية الآيرلندية - البريطانية.
وتميزت أجواء التصويت، صباح أمس، في مراكز الاقتراع اللندنية بالهدوء. وقال الناخب جون ولكنز، 50 عاما، من شمال غربي لندن لـ«الشرق الأوسط»: «الصوت لمصلحة مدينتي لندن، ويرغب السكان في انتخاب عمدة قادر على توحيد المدينة لا تقسيمها، وعلى تعزيز الأمن والاقتصاد». أما بريا باتيل، 25 عاما، الناخبة من أصول هندية، فاعتبرت أن «فشل غولدسميث في الحصول على أصوات الجالية الهندية يرجع إلى عجزه على توحيد جاليات لندن المختلفة، وأضافت أنها تتمنى أن يفي المرشحون بوعودهم الانتخابية».
وكانت نسبة المشاركة منخفضة في الفترة الصباحية مقارنة بالتوقعات، كما هو معتاد في الانتخابات المحلية، لكن نسبة المشاركة ارتفعت نسبيا في الفترة المسائية. وعد المراقبون أن الطقس المعتدل ساهم كذلك في تشجيع الناخبين على التوجه إلى مكاتب الاقتراع خلال ساعات راحتهم وبعد ساعات العمل. وأتيح للناخبين خيار الإدلاء بأصواتهم عبر البريد.
وكشفت سارة علي، الناخبة المسلمة من أصول مصرية (35 عاما)، أنها ترغب في «انتخابات عادلة تخدم مصالح الشعب البريطاني»، وتود أن ترى «تغييرا في السياسة البريطانية من حيث تعزيز الأمن».
وفي «كامدن» وسط العاصمة البريطانية، قال روب وهو طالب عشريني في جامعة لندن للاقتصاد، إنه متحمس للإدلاء بصوته، لكن أمله في تغيير جذري في السياسات الأمنية للعاصمة «يبقى ضئيلا». بينما اعتبرته سيدة في أواخر الخمسينات أنها تأسف «لعدم اهتمام الشباب بالسياسة»، وتأمل في أن يلهم العمدة الجديد الأجيال الشابة للمشاركة السياسية.
وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن خان يتقدم بأكثر من عشر نقاط على منافسه المحافظ غولدسميث. وفي حال جاءت نتائج الانتخابات مطابقة لتوقعات استطلاعات الرأي، فإن خان، النائب عن حي شعبي في جنوب لندن، سيخلف رئيس البلدية الذي يحظى بشعبية كبيرة بوريس جونسون من حزب المحافظين، كما سيصبح أول رئيس بلدية مسلم لعاصمة غربية كبرى.
في المقابل، ركزت حملة غولدسميث على اتهام خان بالتعاطف مع المتطرفين، وهو ما كرره زعيم الحزب ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال جلسة برلمانية أول من أمس. بهذا الصدد، أفاد المتحدث باسم حزب المحافظين في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بعد افتتاح مكاتب الاقتراع، أمس، أن «الشعب البريطاني لديه فرصة لاختيار من يمثل المجلس المحلي وبلدية العاصمة»، حاثا الناخبين على التصويت لصالح معسكر المحافظين «للحفاظ على سلامة المجتمع».
وتميز السباق الانتخابي بين المرشحين الأوفر حظا للفوز بعمودية لندن بتبادل اتهامات نارية، وأثار آخرها غضب المواطنين بعد أن نشرت صحيفة «ميل أون صاندي» المؤيدة للمحافظين مقالا بعنوان «هل سنسلم فعلا أروع مدينة في العالم إلى حزب عمالي يقول: إن الإرهابيين أصدقاؤه؟». وأرفقت الصحيفة المقال بصورة لحافلة مدمرة جراء الاعتداءات الإرهابية التي ضربت العاصمة البريطانية في 7 يوليو (تموز) 2005.
ومن المقرر أن تعلن النتائج الأولية مساء اليوم، وأدلى كل من خان وغولدسميث بصوتيهما في وقت مبكر أمس، ورفضت المتحدثة باسم مكتب خان التعليق على التطورات الميدانية لخان، احتراما لحيادية التصويت.
ووعد المرشحان بمواجهة المشكلات الملحة للعاصمة التي ارتفع عدد سكانها بنحو 900 ألف نسمة خلال ثمانية أعوام، ليصل إلى 8. 6 ملايين. وأبرز وعودهما الانتخابية تشمل ارتفاع أسعار السكن، ووسائل النقل المكتظة والتلوث.
وإلى جانب اللندنيين، صوت الناخبون في اسكوتلندا وويليز وآيرلندا الشمالية في انتخاب برلماناتهم المحلية، فيما يتم تجديد أعضاء 124 مجلسا بلديا في إنجلترا. وتبدو هذه الانتخابات صعبة على «العمال» الذين يواجهون حملة انتقادات شرسة منذ أسبوع، بسبب تصريحات اعتبرت معادية للسامية. وتم تعليق عضوية عدة مسؤولين في الحزب، بينهم نائبة ورئيس بلدية لندن السابق كين ليفنغستون المقرب من رئيس الحزب جيريمي كوربن.
وفي نقاشات حادة، أول من أمس، في البرلمان البريطاني، اتهم كاميرون رئيس حزب العمال بالفشل في معالجة المشكلة وهاجمه مع خان واتهمهما بالتعاطف «مع المتطرفين». واستشهد كاميرون بتصريحات سابقة لكوربن اعتبر فيها حماس وحزب الله اللبناني «أصدقاء». ونفى كوربن تأييد المجموعتين، واتهم المحافظين «بالتشويه الممنهج لصورة» خان، وحث كاميرون على معالجة العنصرية «المتأصلة» في صفوف حزبه. وأكد كوربن أن «معاداة السامية ليس لها مكان في حزبنا، ولا في مجتمعنا».
وانتخاب كوربن اليساري في سبتمبر (أيلول) الماضي رئيسا للحزب، لم يتقبله بعد قسم من العماليين الذين يعدونه غير قادر على إيصال حزب العمال إلى الفوز في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2020.
ويذكر أن في اسكوتلندا، أحد معاقله السابقة، قد يواجه حزب العمال هزيمة مذلة أمام المحافظين. وفي ويلز، يمكن أن يخسر حزب العمال مقاعد أمام «حزب الاستقلال يوكيب» المناهض لأوروبا. أما في آيرلندا الشمالية، حيث يجري تقاسم السلطة بين الوحدويين البروتسنانت والقوميين الكاثوليك، فإن الحزب الوحدوي الديمقراطي يتقدم على «الشين فين» في استطلاعات الرأي.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.