سوريا: الغوطة تحت القصف مجددًا بعد انتهاء «نظام التهدئة»

معلومات عن تحضير النظام لاقتحام دير العصافير

سوريا: الغوطة تحت القصف مجددًا بعد انتهاء «نظام التهدئة»
TT

سوريا: الغوطة تحت القصف مجددًا بعد انتهاء «نظام التهدئة»

سوريا: الغوطة تحت القصف مجددًا بعد انتهاء «نظام التهدئة»

على الرغم من كل المساعي الدبلوماسية التي تُبذل لإعادة إحياء اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي يترنح في كثير من المناطق، وسقط بشكل كلي في مناطق أخرى، فإن الجهود المبذولة لم تنجح في تحقيق تمديد جديد لـ«نظام التهدئة» الذي فرض في الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق نهاية الأسبوع الماضي، إذ تجددت الغارات والاشتباكات في المنطقة بعد منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، بالتزامن مع تقاطع معلومات عن تحضير قوات النظام لاقتحام بلدة دير العصافير جنوب الغوطة.
«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد أمس أن «22 غارة جوية على الأقل نفذتها طائرات حربية، يرجح أنها سورية، استهدفت الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وتحديدًا أطراف بلدتي شبعا ودير العصافير»، مع انتهاء اتفاق تهدئة مؤقت فرض في المنطقة بموجب قرار روسي أميركي. وبدا لافتا أن وسائل إعلام النظام لم تتطرق لعودة العمليات العسكرية إلى الغوطة مع ادعاء «مركز التنسيق الروسي» في حميميم (على الساحل السوري) أنه «لم يتم تسجيل أي خرق لاتفاق وقف الأعمال القتالية في الغوطة الشرقية منذ عدة أيام». وزعم رئيس المركز، الجنرال سيرغي كورالينكو، في تصريح للصحافيين، أن «91 بلدة انضمت إلى اتفاق وقف الأعمال القتالية، في حين تسلم المركز 52 طلبا للانضمام إلى الاتفاق». وبحسب «المرصد»، ترافقت الغارات التي نفذتها الطائرات الحربية النظامية، أمس، مع اشتباكات عنيفة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في محيط دير العصافير، التي قتل فيها في نهاية الشهر الماضي 33 مدنيًا، بينهم 12 طفلا، جراء القصف الجوي. للعلم، كانت الولايات المتحدة وروسيا قد فرضتا «نظام تهدئة» في الغوطة الشرقية لدمشق وريف محافظة اللاذقية الشمالي دخل حيز التنفيذ بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، وكان الهدف منه تثبيت اتفاق وقف الأعمال القتالية المعمول به في سوريا منذ نهاية فبراير (شباط). وكان جيش النظام السوري من جانبه قد أعلن أن «نظام التهدئة» هذا سيطبق 72 ساعة في اللاذقية و48 ساعة في الغوطة الشرقية، ولكن جرى تمديده مرتين في ريف دمشق. وفي حين أكد مصدر عسكري في دمشق لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) أمس أنه لن يجري تمديد التهدئة مرة ثالثة، قالت مصادر معارضة لـ«الشرق الأوسط» إن النظام هو من بدأ بالعمليات العسكرية بعد انتهاء اتفاق الهدنة، مرجحة أن يجدد «في ظل توافر الإرادة الروسية والأميركية في هذا الاتجاه». وأضافت: «مسارعة النظام إلى قصف الغوطة أشبه برسالة أراد توجيهها بأنّه يمتلك زمام المبادرة، علما بأن ذلك غير صحيح وهو يرضخ لتعليمات روسية حازمة لا يمكنه معارضتها».
وبحسب المصادر، فالنظام «أتم استعداداته لاقتحام بلدة دير العصافير وهو يمهّد للعملية بالقصف الجوي المكثف على المناطق المحيطة». وتقاطعت المعلومات التي كشفتها المصادر، مع ما نقلته شبكة «الدرر الشامية»، عن أن «قوات الأسد استقدمت تعزيزات كبيرة إلى منطقة مزارع شبعا، وبدأت محاولة اقتحام بلدة دير العصافير جنوب الغوطة الشرقية»، لافتة إلى أن «عملية التمهيد المدفعي على البلدة بدأت من ساعات الفجر، في حين شهدت ساعات الصباح الأولى غاراتٍ مكثفة للطيران الحربي، وسط اشتباكات في المنطقة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم