حلب.. دماء وشقاء وأمل

أقدم مدن العالم وملتقى حضارات عالمية أصبحت معزولة

أحد عناصر الدفاع المدني يجمل طفلا انتشله من تحت ركام أحد المباني المدمرة في الجزء القديم من مدينة حلب اثر القصف الجوي من قبل طائرات النظام (رويترز)
أحد عناصر الدفاع المدني يجمل طفلا انتشله من تحت ركام أحد المباني المدمرة في الجزء القديم من مدينة حلب اثر القصف الجوي من قبل طائرات النظام (رويترز)
TT

حلب.. دماء وشقاء وأمل

أحد عناصر الدفاع المدني يجمل طفلا انتشله من تحت ركام أحد المباني المدمرة في الجزء القديم من مدينة حلب اثر القصف الجوي من قبل طائرات النظام (رويترز)
أحد عناصر الدفاع المدني يجمل طفلا انتشله من تحت ركام أحد المباني المدمرة في الجزء القديم من مدينة حلب اثر القصف الجوي من قبل طائرات النظام (رويترز)

على أطراف القلعة القديمة في حلب، اجتمعت «زهرة» وأسرتها داخل شقتهم التي كانت فخمة ذات يوم، لكنها الآن أصبحت في مواجهة خطوط العناصر المسلحة.
وغطت ألواح بلاستيكية النوافذ الطويلة بالداخل، في محاولة لحماية مَن بالداخل مِن نيران القناصة. وبينما دوت أصوات القذائف بالخارج، كانت زهرة (25 عامًا) والتي لم تفصح سوى عن اسمها الأول فحسب، تقلب عينيها في صورتين على هاتفها النقال. كانت الصورة الأولى لزوجها، الجندي بجيش النظام السوري ووالد طفلها الذي لم يأت للحياة بعد. وقالت زهرة بينما كانت تضع يدها على بطنها المنتفخة: «أنا في الشهر السابع». أما الصورة الثانية فكانت لزوجها أيضًا، لكنه كان ساقطًا على الأرض مضرجًا في دمائه، وبجواره جنديان آخران، حيث لقي مصرعه منذ أسبوعين. وعلقت زهرة على الصورة بنبرة تحمل قدرًا لا يستهان به من العزيمة: «أتمنى أن يلقى من فعلوا هذا المصير ذاته».
الواضح أن 4 سنوات من الحرب والقتال زادت قلوب أبناء حلب قوة وتحجرًا، وخصوصا القتال المحتدم الذي استمر طيلة الأسبوع الماضي. كانت هدنة هشة في سوريا اضطلعت بدور الوساطة فيها الولايات المتحدة وروسيا قد انهارت، لتفتح الباب أمام أسوأ موجة عنف منذ شهور. من جانبها، حامت طائرات روسية مقاتلة الأجواء، موجهة ضربات متتالية لأهداف داخل المناطق التي يسيطر عليها المسلحون. في المقابل، أطلق المسلحون وابلاً من قذائف الهاون والصواريخ المصنوعة يدويًا على أحياء سكنية مزدحمة. وقد تسببت الحرب في تأجيج توترات طائفية، وتحولت لمعركة تجري بالوكالة عن مصالح إقليمية وعالمية.
الملاحظ أن معظم القتلى من المدنيين، فقد سقط أكثر من مائتي قتيل خلال الأسبوع الماضي، كان ثلثاهم تقريبًا بالمناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة المسلحين، بينما الباقي بالجانب الغربي الخاضع لسيطرة النظام، تبعًا لما أعلنت جماعات تراقب الوضع بالمدينة. من جهته، قال زيد الرعد الحسين، أحد كبار المسؤولين المعنيين بحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، إن أعمال العنف «كشفت تجاهلاً فاضحًا لأرواح المدنيين».
يذكر أن حلب تعد واحدة من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان، واشتهرت على مدار قرون بكونها ملتقى حضارات متنوعة، مع وجود تأثيرات عثمانية وأرمينية ويهودية وفرنسية واضحة بها. اليوم، أصبح السبيل الوحيد لدخول المدينة من الجانب الذي تسيطر عليه القوات الحكومية عبارة عن طريق ضيق وعر تحده قرى مهجورة، ومواقع أمامية متفرقة للقوات الحكومية.
من جانبي، كنت أتجول برفقة مترجمي الخاص وحارس يعمل لدى الحكومة السورية. وكانت حركة المرور نشطة عبر طريق تسيطر الجماعات المسلحة على شرقه، ويسيطر مسلحو تنظيم داعش على غربه.
وكان أول مشهد من حلب وقعت عليه أعيننا الضواحي الجنوبية المدمرة، صورة تعكس دمارا هائلا، أصبحت مألوفة جراء الصراعات المتعددة المستعرة داخل البلاد.
ومثلما الحال مع الكثير من مناطق الحروب، عكست أجزاء أخرى من المدينة بعض مظاهر الحياة الطبيعية، حيث عكف ضباط مرور على تنظيم حركة السيارات، بينما تدفق أطفال تعلو وجوههم الضحكات خارجين من المدارس، وتكدس المتسوقون داخل المتاجر التي تبيع أطعمة وعطورا. وبدا الناس كأنهم محصنين على نحو ما من الانفجارات التي تعلو أصواتها في الخلفية والتي تحولت لواحد من مشاهد الحياة اليومية بالمدينة.
ومع ذلك، فإن هذا التوجه غير المهتم في ظاهره من قبل أبناء المدينة، يعكس في حقيقته شعورًا بالسأم والإنهاك في مواجهة موت قد يقع في أي لحظة بأي مكان بالمدينة، تحمله صواريخ متساقطة من السماء.
في خضم انهيار محادثات السلام السورية، تعرضت مستشفى القدس في حلب لهجوم، مساء الأربعاء. أما السوق الأثرية بالمدينة القديمة المنتمية لحقبة القرون الوسطى، والتي تعد من بين الأجمل على مستوى العالم العربي، ومصنفة كموقع تراث عالمي من قبل منظمة «اليونيسكو»، فقد أصبحت خرابًا الآن. وفي أحد الشوارع المهجورة، جلست سيدة داخل أحد الخنادق يبدو عليها الإنهاك تتحدث بزهو عن كيف أنها كانت تعمل ذات يوم على رعاية النمور داخل حديقة الحيوان بحلب. وعرضت أمامنا صورا لها برفقة أسود وثعابين ضخمة ودب ونمر شبل. وقالت إن عملها كحارسة لحديقة الحيوانات انتهى فجأة مع سيطرة عناصر مسلحة على الحديقة منذ 4 سنوات، ما دفعها للمشاركة في القتال. والآن، أصبحت مقاتلة بالخطوط الأمامية.
أما أقرب النقاط الخاصة بالمسلحين فكانت على بعد نحو مائة قدم، حسبما ذكرت، مشيرة إلى أنه على الرغم من هدوء الأوضاع الآن، فإن هذا من غير المحتمل أن يدوم. وقالت: «لا يجرؤون على الخروج سوى ليلاً. إنهم مثل الخفافيش الجبانة».
وأثناء حديث الحارسة السابقة التي أشارت لنفسها باسم روز أبو جعفر، سقطت قذيفة على مبنى مجاور، مطلقة صوت انفجار مدويا، في الوقت الذي انطلقت مركبة عبر الشارع يقودها جندي آخر. ومع ذلك، لم يهتز جفن روز، لكنها نصحت المترجم المرافق لي بضرورة الانتقال لمكان آخر.
وعلى الرغم من أن الثورة في سوريا بدأت كحركة اعتراض ضد النظام الاستبدادي لبشار الأسد، الذي حكمت أسرته سوريا طيلة 46 عامًا، فإنها أثارت توترات طائفية وأحيت مشاعر سخط تاريخية تعود لقرن مضى. كانت غالبية سكان المدينة من الأرمن قد فروا إلى أوروبا وكندا، بينما يبدي الباقون منهم تأييدًا قويًا للأسد، والذي يعدونه أملهم الوحيد في مواجهة المقاتلين الذين لن يتركوهم يعيشون في سلام.
من ناحيته، يعيش إسكندر أسد، قس بالكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، في الميدان، وهي ضاحية تقع على الخطوط الأمامية وأصبحت شبه مهجورة الآن. قبل يوم مضى، سقطت قذيفة هاون على منزله، مخلفة وراءها فتحة كبيرة في السقف. وقال إن زوجته ظلت تبكي طوال الليل، لكنه لم يجد في نفسه طاقة تعينه على محاولة تهدئتها. وقال: «الشعور بالأسف لا يجدي شيئا. إننا بحاجة لحل. أما الأسف فلا يحل شيئا».
وقادنا الأب أسد نحو الطابق العلوي من منزله، بينما كان يتحدث عن الهدنة، قائلاً: «كانت الهدنة خطأ»، في إشارة لوقف إطلاق النار المتداعي. واستطرد بقوله: «بماذا خرجنا من هذه الهدنة؟ لقد جاء إلينا الإرهابيون الآن بأعداد أكبر وبأسلحة أكثر تطورًا. إن هؤلاء مجرد مرتزقة، وقد أتاحت لهم الهدنة الوقت لإعادة تجميع قواهم. والآن، نحن من يعاني جراء ذلك، وليس هم». بيد أنه في واقع الأمر، من الواضح أن المعاناة، وكذلك اللوم، ليسا حكرًا على مجموعة بعينها في إطار الحرب المستعرة في سوريا. كان رئيس النظام بشار الأسد، قد واجه اتهامات جديدة بالتورط في جرائم حرب بعدما تعرض مستشفى القدس، الكائن على الجانب الذي يسيطر عليه المسلحون من المدينة لضربات جوية، مساء الأربعاء قبل الماضي. بحلول الجمعة، قال عمال الإنقاذ إنهم انتشلوا 55 جثة من تحت الأنقاض، بينهم 29 من الأطفال والسيدات، بعضهن كن في حالة ولادة، تبعًا لما ذكرته إحدى الجماعات المعنية بتقديم المساعدات. من جهتها، أدانت منظمة «أطباء بلا حدود»، التي تدعم المستشفى، القصف، بوصفه عملا «فظيعا».
أما سكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فأصبح خوفهم الأكبر من نمط من الصواريخ البدائية المصنوعة من أسطوانات غاز بروبان معدلة محشوة بمتفجرات وأجسام معدنية تستخدمها الجماعات المسلحة، بما في ذلك تلك التي تتلقى دعمًا أميركيًا.
الواضح أن الجانبين عصفت بهم التفجيرات، وإن كانت الطائرات النفاثة والمروحية تبقى حكرًا على جانب النظام، ما أدى لتحويل أجزاء واسعة من المناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة إلى مجرد ركام.
والواضح أن الاستخفاف بأرواح المدنيين عنصر مشترك بين جميع الأطراف المتحاربة، ذلك أنه بعد الهجوم الذي تعرض له المستشفى، أمطرت صواريخ المسلحين جميع الضواحي الواقعة تحت السيطرة الحكومية في حلب، في حمى هجومية حادة خلفت عشرات القتلى. وتكدست سيارات الإسعاف والأجرة خارج مستشفى الراضي بينما هرع الأقارب الملتاعون حاملين أجساد ذويهم مضرجة بالدماء ويعلوها الغبار، وكثير منهم من الأطفال، إلى داخل قسم الطوارئ.
في اليوم التالي، استهدفت القوات الحكومية 3 منشآت طبية شرق المدينة. من جهتهم، يتهم بعض سكان الجانب الحكومي من المدينة الولايات المتحدة وحلفاءها بالغضب الانتقائي، حيث يتعمدون غض الطرف عن تجاوزات الحلفاء لهم، عن هذا، قال المبجل إبراهيم نصير، الراعي بالكنيسة المشيخية: «يتبع مجلس الأمن معايير مزدوجة، فهم لا يرون ضحايانا. ويطالبون بإقرار الديمقراطية في سوريا فقط».
من ناحية أخرى، لا يعلم أحد على وجه التحديد كم تبقى من المليونين الذين كانوا يسكنون حلب قبل اشتعال الحرب. المعروف أن كثيرين قد فروا إلى أوروبا ولبنان وأجزاء أخرى من سوريا. أما من تبقوا بالمدينة فيعتمدون على أنظمة ارتجالية لتوفير المياه والكهرباء. وقد حذر فالتر غروس، رئيس «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في حلب من أن أي تصعيد للقتال يحمل معه احتمالات وقوع «كارثة إنسانية». وقال: «أصبح الأمر أشد وطأة بكثير هذه الأيام. وأصبح كل شخص يشعر بالوضع على نحو مختلف». وفي تعليقه على حالة الهدوء التي يبدو عليها سكان حلب في الشوارع، قال غروس الذي ينتمي إلى البوسنة: «يبدو غريبًا أن تسمع أصوات قذائف الهاون من بعيد، بينما يلعب الأطفال الكرة الطائرة خارج نافذة مكتبي، لكن الحقيقة أن الناس يحاولون العيش بطريقة طبيعية وأن يشعروا بأنهم على قيد الحياة».
والواضح أن بعض أبناء حلب عازمين على المضي قدمًا في الحياة. على سبيل المثال، في غضون ساعات من استهداف مستشفى في حلب عبر ضربة جوية، اجتمع نحو مائة شاب في أحد المطاعم لحفل زفاف. ولمعت أشعة الشمس عبر زجاج النوافذ، بينما احتشد المدعوون داخل المطعم وتناولوا أطباق الفاكهة ودخنوا النرجيلة ورقصوا الدبكة الفلكلورية الشهيرة، وقد غطت أصوات الموسيقى المرتفعة على أصوات التفجيرات التي ترددت أصداؤها من حين لآخر بالخارج.
عن ذلك، قال عمر (21 عامًا) وهو طالب إدارة أعمال وإشبين العريس: «هناك حرب، ثم هناك حياة. لدينا قلبان داخل هذه البلاد، قلب للحزن وآخر للسعادة، ولكل حدث قصته المختلفة». إلا أنه في غضون ساعة واحدة، تذكر الجميع مخاطر العيش تحت وطأة نظام الأسد القمعي، لدى ظهور فرقة من رجال الاستخبارات العسكرية خارج المطعم، وسحبهم باستا للخارج لإعلان اعتراضهم على سماحه لعملائه بالرقص والغناء في يوم شهد مثل هذا القدر الهائل من العنف والدماء.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».