«صار وقتا» جلسة مصارحة مع الذات تتألّف من اسكتشات بطلها المشاهد

مسرحية من نوع الـ«ستاند أب» قدّمها الإعلامي ميلاد حدشيتي في عرض تحفيزي

الإعلامي ميلاد حدشيتي
الإعلامي ميلاد حدشيتي
TT

«صار وقتا» جلسة مصارحة مع الذات تتألّف من اسكتشات بطلها المشاهد

الإعلامي ميلاد حدشيتي
الإعلامي ميلاد حدشيتي

أيًا كانت هواجسك وأسئلتك الاستفهامية حول مواضيع السعادة والحبّ والنجاح، فإن مسرحية «صار وقتا» (The moment) لكاتبها ومقدّمها الإعلامي ميلاد حدشيتي ستجيبك عنها.
ففي عرض تحفيزي يدور في فلك التدريب على التفكير الإيجابي، جرت أحداث هذا العمل المسرحي الأول من نوعه في لبنان. «هي تجربة شخصية أردت نقلها إلى أكبر شريحة من الناس، لأدعوهم فيها إلى التفاؤل والإيجابية من خلال طرح أسئلة عليهم، قلّما يتحدّثون بها أو ملامستها في خضمّ انشغالاتهم اليومية». يقول ميلاد حدشيتي الذي يمارس مهنة التدريب على الإيجابية منذ نحو السبع سنوات. ويضيف: «هدف المسرحيّة تزويد مشاهدها بتقنية وأسلوب حياة جديدين يخوّلانه الاستفادة من اللحظة التي يعيشها، والتركيز بصورة أكبر على قناعات اكتسبناها من ماضٍ ولى، وعلى توقّعات غير مستقرّة لمستقبل آت».
بلغت مدة عرض المسرحية ساعة واحدة، مرّت بسرعة دون الشعور ولو للحظة بالملل أو الرتابة. فاسكتشاتها السريعة التي يقدّمها ميلاد حدشيتي منفردًا على المسرح، تأخذك بصورة غير مباشرة إلى أعماق نفسك، بحيث شكّل كل جزء من أجزائها المعنون بسؤال محدّد، تجربة شخصيّة تخوضها بعفوية، وتفاعلية مع حدشيتي، فتكون أنت بطله المطلق.
ريبورتاجات وشهادات حيّة عرضت على شاشة عملاقة خلال الاسكتشات على خشبة «دوار الشمس» في منطقة الطيونة. وبينها ما يعود لنجوم في عالمي الفن والإعلام، وأخرى لأشخاص عاديين وأطفال، ردّوا على أسئلة عفوية وبسيطة طرحها عليهم ميلاد حدشيتي، لنتعرّف من خلالها على ردود فعلهم ونقارنها تلقائيا، بتلك التي قد تصدر عنّا فيما لو خضعنا التجربة نفسها.
زوّدنا مؤلّف ومقدّم المسرحية بمعلومات قد نكون على علم بها، إلا أننا لا نقاربها أو نفكّر بها رغم أنها حقيقية وتنبع من واقعنا. فهو أشار مثلا إلى أننا نولد أشخاصا إيجابيين لا نعرف الخوف، إلا أننا نتوه عن هذه الحقيقة بفعل الأحداث والهموم اليومية والقناعات التي نكتسبها من هنا وهناك في مشوار الحياة. وهو أمر لمسه مشاهد المسرحية من أجوبة أطفال طريي العود فكّروا مليّا قبل الرد على سؤال «ما الذي يخيفك؟»، فجاءت غالبية أجوبتهم لتشير بأنهم «قبضايات»، وأن هذا الشعور (الخوف) لا يراودهم بتاتًا. كما تطرّق ميلاد حدشيتي إلى مسألة الحرمان التي تولّد الإحساس باللاأمان، وبأن «العونة» التي كانت تسود أيام أجدادنا في الماضي، فيما اليوم صار الانفصال الجغرافي والبشري عنوانين عريضين لحياتنا المتطوّرة.
وعندما طرح في ريبورتاج مصوّر ضمّ إلى جانب أشخاص عاديين أسماء معروفة، السؤال حول معنى السعادة بالنسبة لهم، تفاوتت الأجوبة بشكل لافت، ليردّ الكاتب والممثّل كميل سلامة قائلا: «هي لحظة رضا»، فيما ردّت الممثلة رولا شامية «هي تلك التي أعيشها مع شخص أحبّه»، بينما رأى الإعلامي أنطوان بارود أن السعادة تكمن في الحبّ والمحبّة بعيدًا عن الحقد. ودخل ميلاد حدشيتي في تفاصيل صغيرة من حياتنا اليومية رغم أن عناوينها كبيرة. فتناول مبدأ الخسارة الذي نكرهه بغالبيتنا، ولكننا مثلا لا نتوانى عن العمل على خسارة وزننا رغم أنه يصبّ فعله في نفس الخانة، وليؤكّد مرة أخرى أن ما نكتسبه في تجاربنا اليومية هو الذي يؤثر فينا بعيدا عن أفكارنا الإيجابية التي نولد معها. وكانت مفاجأة المسرحية في لحظة عرض ريبورتاج يضمّ عددا من هؤلاء الأشخاص، طلب منهم ميلاد حدشيتي الإمساك بالمرآة والتحدّث مع أنفسهم ليسدوا النصائح إليها. فلم تعرف غالبيّتهم القيام بهذه المهّمة إلا بعد جهد بذلوه، مشيرًا في ذلك إلى مدى انفصالنا عن ذاتنا وعدم تغذيتها بالحبّ من قبلنا. وتوسّع مؤلّف المسرحية في أحد أقسامها إلى التحدّث عن معنى اللحظة بحد ذاتها. وعندما طرح سؤالا: «ماذا تفعل في آخر لحظة قد تعيشها؟» ردّت إحدى الأمهات بأنها ستغمر أطفالها، فيما رأى الكاتب شكري أنيس فاخوري بأنها ستكون لحظة حبّ، فيما وجدها كميل سلامة لحظة للصمت.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل المسرحي سيتنقّل فيه ميلاد حدشيتي بين عدد من المسارح في الجامعات والمدارس، ليشكّل عيّنة واقعية من التدريبات التي يقوم بها في مجال عمله كـ«مدرّب حياة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».