بارقة أمل في مد «التهدئة» إلى حلب مرهون بطلبات موسكو

المبعوث الدولي في العاصمة الروسية اليوم للتحادث مع لافروف حول عودة محادثات جنيف

بارقة أمل في مد «التهدئة» إلى حلب مرهون بطلبات موسكو
TT

بارقة أمل في مد «التهدئة» إلى حلب مرهون بطلبات موسكو

بارقة أمل في مد «التهدئة» إلى حلب مرهون بطلبات موسكو

في حين كثف وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اتصالاته من جنيف مع نظراء عرب ومع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وكذلك مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، في مساع منه لترميم الهدنة المنتهكة على نطاق واسع في حلب ومنطقتها، قالت مصادر دبلوماسية متابعة لتطورات الوضع السوري في جنيف إن «ما حصل في الأيام الماضية من تصعيد ميداني يمكن أن يتكرر في أي لحظة، وأن يهدد مجددا المحادثات غير المباشرة بين النظام والمعارضة ما لم يتحقق تقدم ما» على طاولة المحادثات. وتعد المصادر أن قبول الوزير لافروف الاستجابة لمطلب كيري والأسرة الدولية بمد الهدنة إلى حلب «لن يكون مجانا».
وأضافت هذه المصادر، التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، أن «الكرة اليوم كما في الأمس في الملعب الروسي وانفلات الوضع الأمني في حلب وغيرها يعني أحد أمرين: إما أن موسكو لا تمسك حقيقة بكل خيوط اللعبة من جانب النظام، وإما أنها تستخدم لغة مزدوجة مع الطرف الأميركي، وهي بالتالي تغض الطرف عما يقوم به النظام، لأنه يخدم سياستها ومصالحها».
وخلصت هذه المصادر إلى القول إنه «من الواضح» أن الضغوط الغربية والأميركية على وجه الخصوص على موسكو: «ليست كافية»، لجعلها تحترم موقعها راعية لاتفاقية وقف الأعمال العدائية، ولكونها «مسؤولة عن سلوك النظام».
من جانب آخر، أشارت مصادر أخرى في باريس إلى أن «مروحة الضغوطات» التي يمكن أن تمارس على موسكو كثيرة، وهي سياسية ودبلوماسية وعسكرية، لكن اللجوء إليها «يفترض إرادة سياسية لا تتوافر اليوم للإدارة الأميركية» التي يبدو من تصريحات الوزير كيري، أنها «تركت التحكم بالملف السوري للطرف الروسي». وترى عواصم غربية أبرزها باريس أن سياسة واشنطن تجاه موسكو تتميز بـ«الميوعة». وعبر الوزير جان مارك أيرولت صراحة عن ذلك أمس من باماكو (مالي) التي كان يزورها بمعية نظيره الألماني وولتر فرانك شتاينماير، وأعلن أيرولت ما نصه: «قلنا لشركائنا الأميركيين إننا نتمنى ممارسة ضغوط أقوى على الروس، ليتدخلوا لدى نظام الأسد من أجل أن (تتوقف الضربات ضد حلب). لكن حتى الآن، هذا الأمر لم يتم».
وتعد المصادر المشار إليها أن قبول الوزير لافروف الاستجابة لمطلب كيري والأسرة الدولية بمد الهدنة إلى حلب «لن يكون مجانا».
وتريد موسكو أمرين: الأول، تعديل وفد المعارضة التفاوضي، بحيث تنزع صفة «المعارضة الرسمية» عن وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثق عن مؤتمر الرياض عن طريق ضم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إليه وجبهة سوريا الديمقراطية، أو عن طريق توحيد «المعارضات» التي كانت موجودة في جنيف في وفد واحد، مثل مجموعة موسكو - القاهرة ومجموعة حميميم وغيرهما. أما الأمر الثاني فإنه مطلب روسي قديم - جديد، ويقضي بحمل «فصائل المعارضة المعتدلة» على الابتعاد عن مواقع النصرة في حلب وريفها وفي الجبهات الأخرى، علما بأن النظام وروسيا كانا يتذرعان بالتداخل بين هذه الفصائل للاستمرار في عمليات القصف، بحجة «محاربة الإرهاب» الذي يجيزه القرار الدولي رقم «2254» و«اتفاق ميونيخ». وبالفعل، فقد أعلن الوزير كيري أنه سيطلب من المعارضة المعتدلة الابتعاد عن موقع النصرة في حلب، رغم أن طلبا كهذا سيكون صعب التحقيق ميدانيا بالنظر إلى تداخل المواقع بين حي وآخر. وثمة مطلب روسي ثالث يتمثل في ضم تنظيمي «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» إلى لائحة المنظمات الإرهابية التي تعتمدها الأمم المتحدة. والحال، أن كلا التنظيمين ممثلان في وفد الهيئة العليا، لا بل إن المفاوض الرئيسي للوفد ليس سوى محمد علوش، ممثل جيش الإسلام داخله. وبالطبع، فإن إصرار موسكو على طلب كهذا سيزيد الأمور تعقيدا في جنيف.
وكان الوزير كيري قد كثف اتصالاته أمس من جنيف، فعقد اجتماعات متلاحقة مع وزيري خارجية الأردن والمملكة السعودية ناصر جودة وعادل الجبير، واجتماعا آخر مع المبعوث الدولي. كما أجرى اتصالا هاتفيا مع الوزير لافروف الذي يبدو أكثر فأكثر أنه «لولب الاتصالات». وسعى كيري في مستهل اجتماعه مع نظيره السعودي عادل الجبير لضخ نفحة من التفاؤل بقوله: «إننا نقترب من نقطة تفاهم.. لكن لا يزال أمامنا بعض العمل.. وهذا سبب وجودنا هنا». وبرأي كيري، فإن الاتصالات الخاصة بمد الهدنة إلى حلب شارفت على النجاح، معربا عن أمله «اتضاح» الموقف في الساعات المقبلة. ومن التدابير العملية التي تم التفاهم عليها في جنيف أمس توفير عدد أكبر من الأفراد في مقر الأمم المتحدة لمتابعة العمل بالهدنة يوميا.
وجاءت نفحة الأمل التي ضخها الوزير الأميركي بعد أن كان قد أعلن صراحة أن النزاع في سوريا «أصبح في نواح عدة خارجا عن السيطرة»، وأنه ليس «متأكدا» من نجاح مساعيه في لجم التدهور وإعادة فرض الهدنة في حلب. وخص كيري بانتقاداته الشديدة عمليات الهجوم المتكررة على المؤسسات الطبية في حلب، مطالبا بأن «تتوقف لأنها خرجت عن حدود المعقول». لكن كيري حمل، بالمقابل، النظام والمعارضة معا مسؤولية تدهور الأوضاع في حلب.
بيد أن جهود كيري، رغم أهميتها، ولكون واشنطن وموسكو راعيتي الهدنة، لا تبدو كافية في أنظار أكثر من جهة بل هي تطالب بجهد جماعي، وأن تكون طرفا في الاتصالات. وقد دعت باريس، بلسان الناطق باسمها رومان نادال، إلى «تنظيم اجتماع وزاري في أقرب الآجال للمجموعة الدولية لدعم سوريا لاستعادة تثبيت الهدنة وللتشديد على حماية المدنيين، وتوفير الفرصة (لاستئناف) المفاوضات بهدف التوصل إلى حل سياسي». وتضم المجموعة 17 دولة بينها روسيا وإيران إلى جانب الدول الغربية والخليجية وتركيا. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن «جهودا تبذل من أجل مبادرة دولية، لأن لا أمل بالعودة للمحادثات في جنيف من غير دفعة سياسية دولية ومن غير وقف للعنف». وتضيف هذه المصادر أن المشاورات التي تقوم بها الدبلوماسية الفرنسية تدور حول تحديد «أفق» «أي موعد» للاجتماع الموعود لكن العقدة تبقى موسكو.
وكانت باريس أول من دعا إلى اجتماع كهذا أرادته قبل نهاية أبريل (نيسان)، لكن روسيا، أحد رئيسي المجموعة «مع واشنطن» قالت إنها «لا ترى فائدة» من عقده رغم إلحاح دي ميستورا وأطراف أخرى.
ويزور المبعوث الدولي موسكو اليوم للتحادث مع لافروف، وسيكون موضوع الاجتماع الدولي مطروحا، لأن الأمم المتحدة، ممثلة في شخص أمينها العام بان كي مون وبشخص دي ميستورا، طالبت مجموعة الدعم بالتحرك. وبحسب المبعوث الدولي، فإن الهدنة التي يود «إعادة إحيائها» لن تكون ممكنة إذا عجزت واشنطن وموسكو عن إعادة الروح إليها. كذلك سيطرح موضوع استئناف المحادثات التي سبق لروسيا أن أعلنت معاودتها في العاشر من الشهر الجاري، وهو ما لم يؤكده المبعوث الدولي في انتظار إعادة ترميم الهدنة والتفاهم مع الأطراف السورية والدولية والإقليمية، والنظر في كيفية الاستجابة لمطالب وفد الهيئة العليا.
وترى باريس في استبعاد اجتماع مجموعة الدعم «حتى الآن» «دليلا» آخر على «رغبة موسكو في معالجة الأمور ثنائيا مع واشنطن»، بحيث إنها تعد التفاهم معها «أكثر سهولة». ولعل ما يذهب في هذا الاتجاه أن الجانب الأميركي قبل الأسبوع الماضي ألا تشمل «التهدئة» حلب ومنطقتها نزولا عند رغبة موسكو التي رفضت طلبا أميركيا بهذا المعنى. إلا أن واشنطن ألحت بعد زيادة الضغوط عليها بسبب اشتداد الانتهاكات وسقوط مئات الضحايا واستهداف المستشفيات. وكانت النتيجة أن موسكو قبلت البحث فيه رغم إعلان نائب وزير الخارجية غاتيلوف السبت الماضي أن بلاده «لن تضغط» على النظام السوري لوقف القصف باعتبار ذلك «حربا على الإرهاب». وقد طالب الناطق باسم الخارجية الفرنسية «داعمي النظام إلى تحمل مسؤولياتهم واستخدام نفوذهم لدى دمشق لإسكات الأسلحة».
وفي جنيف، اعتبر عادل الجبير أن ما يحصل في حلب بمثابة «عار» وانتهاك للقانون الإنساني، كما أنه يشكل «جريمة حرب». واتهم الجبير روسيا والأسد بانتهاك «جميع الاتفاقيات»، معتبرا أن الرئيس السوري سيرحل إن عبر عملية سياسية وهو ما يأمله أو أنه سيطاح به بالقوة.
من جهته، أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، ستيفان دي ميستورا، عن قلقه العميق إزاء تدهور الأوضاع واستمرار العنف، خاصة في حلب، والتي تؤثر على المدنيين الأبرياء. وحذر من «أن الوضع الحالي يعرض وقف الأعمال العدائية لخطر كبير». كما أكد دعوته إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي لتجديد جهودهما لحماية واستعادة وقف الأعمال العدائية على الصعيد الوطني. وأضاف دي ميستورا في بيان للإعلام: «لا يمكن أن يتحقق أي تقدم في العملية السياسية، ما لم نر نتائج عاجلة وملموسة على أرض الواقع للشعب السوري».
وفي اجتماع منفصل، التقى السيد دي ميستورا مع وزير خارجية المملكة العربية السعودية، عادل الجبير، وأكد على أهمية الفريق الدولي لدعم سوريا للمساعدة في إعادة تنفيذ وقف الأعمال العدائية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».