خريجو الجامعات يعتصمون وسط قطاع غزة للمطالبة بمصدر رزق

ارتفاع نسب الفقر بعد أن وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 213 ألفًا

خريجو الجامعات يعتصمون وسط قطاع غزة للمطالبة بمصدر رزق
TT

خريجو الجامعات يعتصمون وسط قطاع غزة للمطالبة بمصدر رزق

خريجو الجامعات يعتصمون وسط قطاع غزة للمطالبة بمصدر رزق

لم يجد الشاب الفلسطيني سعيد لولو، من سكان قطاع غزة، فرصة أخرى أمامه لتغيير واقع حياته الصعب سوى الاعتصام والإضراب عن الطعام وحيدا في شوارع غزة، احتجاجا على وضعه ووضع آلاف الخريجين الجامعيين من أمثاله، الذين لا يجدون عملا يعينهم على بناء حياتهم، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير في القطاع.
ولليوم الرابع على التوالي، واصل لولو أمس الاعتصام والإضراب عن الطعام في ساحة الجندي المجهول قبالة المجلس التشريعي، وسط مدينة غزة، وانضم إليه أمس 4 شبان آخرين من الخريجين العاطلين عن العمل، رافعين شعارات تطالب بتوفير فرص عمل كريمة وتحقيق مطالب جميع الخريجين.
وأطلق لولو مع بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي هاشتاغ «#بدنا_شغل»، مشددا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على أنه سيواصل الاعتصام حتى تحقيق جميع المطالب العادلة التي ينادي بها لتوفير العمل الكريم، الذي يستطيع من خلاله الشباب تأمين مستقبلهم المجهول، حسب قوله.
وذكر لولو أن أجهزة الأمن التابعة لحماس طالبتهم ظهر السبت، بمغادرة ساحة الجندي المجهول دون إبداء الأسباب، مبينا أنه رفض ذلك، وأنه مصمم على البقاء معتصما ومضربا عن الطعام حتى لو تم اعتقاله، وهو الأمر الذي حصل يوم الخميس الماضي حيث تم احتجازهم لساعات، ومطالبتهم بالتوقيع على تعهد بعدم الاعتصام مرة أخرى، لكنهم رفضوا، وتم الإفراج عنه مع شاب آخر.
وأضاف لولو موضحا: «إننا لن نغادر مكاننا إلا للاعتقال، فلم يعد لدينا شيء لنخاف منه أو نخسره»، داعيا جميع الخريجين في قطاع غزة إلى الخروج ومساندته من أجلهم جميعا وليس من أجل تحقيق مطالبه وحده.
ولفت لولو، وهو خريج في دبلوم الإعلام والعلاقات العامة من جامعة الأزهر بغزة، إلى أنه عرض عليه العمل في بعض الشركات مقابل راتب يصل إلى 1200 شيقل، أي ما يعادل (320 دولارا)، لكنه رفض ذلك لرؤيته أن القضية لا تتعلق به فقط في ظل وجود الآلاف من الخريجين الآخرين العاطلين عن العمل.
وقبل ذلك، عمل لولو في مطعم شعبي بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث يقطن مع عائلته، لكن المقابل المادي الذي كان يتلقاه ويقدر بنحو 700 شيقل فقط، أي ما يعادل (188 دولارا) لم يكن يكفي لكي يعيل به عائلته، التي قدمت من العاصمة العراقية بغداد إلى غزة عام 1994 مع دخول قوات منظمة التحرير إلى الأراضي الفلسطينية.
ويُعد لولو من الناشطين البارزين، الذين عملوا ضمن مجموعة ما عرف باسم 15 آذار، التي كانت تنظم فعاليات تطالب بإنهاء الانقسام قبل أن تعتقل قوات أمن حماس بعضهم، وتفرج عنهم بعد التوقيع على تعهد بعدم التظاهر مرة أخرى. كما أنه نشط في مجموعات سياسية واجتماعية تساند المتضررين من الحرب وسكان الكرفانات وغيرها.
ويسلط إضراب لولو الضوء على الواقع الاقتصادي الصعب في القطاع. لكن لا توجد إحصائيات توثق أعداد العاطلين عن العمل من الخريجين، لكن الإحصائيات العامة لمؤسسات مختصة، منها دولية، تشير إلى أن البطالة في قطاع غزة أصبحت مرتفعة جدا، خاصة في صفوف الشباب، وقد وصلت إلى 80 في المائة، مشيرة إلى أنه مع استمرار الحصار وإغلاق المعابر وانعدام فرص العمل فإن هذه النسبة مهيأة للزيادة.
ويتخرج في الجامعات الفلسطينية الأربع الرئيسية في قطاع غزة سنويا الآلاف من الطلبة، الذين يجدون أنفسهم رهينة للبطالة التي تسيطر على واقع الحال بغزة، وذلك في ظل تراجع خدمات المؤسسات الدولية، ونقص الدعم المقدم لها، بالإضافة إلى معاناة المؤسسات الاجتماعية المختلفة على الأصعدة كافة.
وعشية يوم العمال العالمي، أظهرت إحصائية، نشرها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أن 70 في المائة من عمال القطاع يقبعون تحت خط الفقر المدقع، وأن نسبة البطالة وصلت إلى 60 في المائة.
ووصف الاتحاد واقع العمال العام الماضي بأنه الأسوأ في تاريخ الحركة العمالية في فلسطين، خصوصا مع ارتفاع أعداد العمال العاطلين عن العمل إلى ما يقرب من 213 ألف عامل، مرجعا ذلك إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 10 سنوات، الذي أثر بشكل مباشر على مناحي الحياة كافة.
وتحذر مؤسسات إنسانية ودولية عاملة في قطاع غزة، من استمرار فرض الحصار على القطاع وإغلاق المعابر، وتأثير ذلك على واقع الاقتصاد الفلسطيني المتدهور مع الحروب المتكررة، ومنع إدخال المواد الخام ومنع الشباب من السفر للبحث عن العمل بالخارج.



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».