ملامح تنسيق روسي ـ أميركي لقتال «داعش» في الرقة

موسكو كشفت عن تحضيرات قوات النظام.. واستبعاد إطلاقها من غير مشاركة «سوريا الديمقراطية»

ملامح تنسيق روسي ـ أميركي لقتال «داعش» في الرقة
TT

ملامح تنسيق روسي ـ أميركي لقتال «داعش» في الرقة

ملامح تنسيق روسي ـ أميركي لقتال «داعش» في الرقة

عكس الإعلان الروسي عن تخطيط قوات النظام السوري لشن هجمات على مدينتي دير الزور (في شرق سوريا) والرقة (في شمال وسطها)، بدعم من سلاح الجو الروسي، تنسيقًا عاليًا بين موسكو وواشنطن على محاربة تنظيم داعش في سوريا، يمهّد لمشاركة قوات حليفة لهما بالتقدم ميدانيًا بموازاة الضربات الجوية، بحسب ما يقول معارضون سوريون على اطلاع بالملف.
وتيرة الترجيحات بالتنسيق بين الطرفين، تضاعفت بعد إحجام قوات النظام السوري عن التقدم إلى حدود معقل «داعش» في الرقة قبل ثلاثة أشهر، في حين توقفت ميليشيا «سوريا الديمقراطية» - التي تشكل الميليشيات الكردية غالبية أفرادها وتعمل تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة - عند الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور الشهر الماضي. وهذا ما يفسره مصدر سوري معارض، بأنه «خطوط حمراء وضعتها واشنطن أمام الاقتراب إلى الرقة من غير التنسيق معها، خصوصًا أن المدينة تتمتع بأهمية معنوية دولية بالنظر إلى كونها عاصمة الإرهاب في العصر الحديث».
من جهة ثانية، كشف مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة بجنيف أليكسي بورودافكين النقاب عن أن النظام السوري، بدعم من سلاح الجو الروسي، يخطط للهجوم باتجاه دير الزور والرقة. وذكّر بورودافكين أمس بأن الهدنة لا تشمل تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من المجموعات الإرهابية، مشيرا إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي ينص على ضرورة محاربة المتطرفين. ولقد نقلت شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية الروسية عن المندوب الروسي قوله «هكذا تعمل القوات المسلحة السورية بدعم من القوات الجوية الروسية، ونتيجة هذا العمل تم تحرير تدمر، والآن يجري الإعداد لعمليات هجومية لاحقة باتجاه دير الزور والرقة. ضد هذه المجموعات بالذات».
هذا الكشف، عزز الاعتقاد بأن المعركة ستقع قريبًا. في حين قال مصدر سوري معارض مطلع على موقف موسكو بأن الهجوم على الرقة «جدّي»، مشيرًا إلى «تنسيق واسع بين الطرفين الأميركي والروسي في الفترة الأخيرة لمحاربة الإرهاب». وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل على تحرير الرقة، يؤسس لتحالف قوي وجدي ضد الإرهاب»، مشيرًا إلى أن الرقة «كانت على خريطة الأولويات الأميركية، بينما دير الزور فلم تكن كذلك». ثم لفت إلى أن الإعلان الروسي «يشير إلى تقدم على مستوى التنسيق بين الطرفين». وإذ أشار المصدر المعارض إلى أن «جمع القوى والجهود جيد لمحاربة الإرهاب»، قال: إن الأميركيين «غير موجودين على الأرض، وبالتالي يحتاجون إلى قوى تقاتل في الميدان، سيوفرها التنسيق مع روسيا».
هذه المعطيات تلتقي مع ترجيحات كردية وأخرى سورية بأن يكون الهجوم على الرقة ودير الزور مرتبطًا بالتنسيق الحاصل بين الطرفين الأميركي والروسي، نظرًا لأن روسيا «لا يمكن أن تبادر إلى معركتين ضخمتين، وهي تدرك أن قوات النظام غير قادرة بمفردها على ذلك». لكن الأكراد جزموا بأن مشاركتهم ستكون مشروطة. وقال مصدر كردي بارز لـ«الشرق الأوسط» بأن الأكراد «لا يستطيعون منع واشنطن من التنسيق مع روسيا، لكنهم لن يخوضوا معركة الرقة من غير تثبيت حقهم بالفيدرالية، وأنهم لن يقبلوا بالحكومات المركزية في سوريا المستقبل».
الاحتمالات، فتحت باب الاحتمالات حول القوات التي ستشارك ميدانيًا في معارك الرقة ودير الزور، وسط تقديرات بأن يشمل التنسيق «تكاملاً بالإمكانيات العسكرية على الأرض»، في إشارة إلى التنسيق بين قوات النظام وحلفائها من جهة، وميليشيات «سوريا الديمقراطية» التي يتوقع أن تشارك أيضًا في المعارك نفسها.
وتزامن ذلك مع الإعلان عن وصول 250 جنديا أميركيا حاليًا في قاعدة رميلان العسكرية في محافظة الحسكة بأقصى شمال شرقي سوريا. وقال مدير مركز الدراسات الكردية نواف خليل لـ«الشرق الأوسط» بأن هؤلاء «قوة تنسيق معنيون بأمور تقنية وتعزيزات العلاقات وتقوية الجوانب اللوجستية»، موضحًا أنهم «معنيون بالتدريب أكثر منه بالقتال، لأن قوات سوريا الديمقراطية ليست بحاجة لهذا العدد من الجنود».
وتابع خليل أن بعض هؤلاء الجنود الأميركيين كانوا موجودين في معارك الشدادي بين ميليشيات سوريا الديمقراطية و«داعش»، وشاهدوا المشاركة العربية الفعالة والكثيفة في المعارك، مشيرًا إلى أن وجودهم «مرتبط بتحقيق هدف استراتيجي معين، ولا أقول: إنه معد لتحرير الرقة، وقد يكون مرتبطًا بقطع خط إمداد داعش من جرابلس إلى عاصمة التنظيم في الرقة».
بدوره، يقول: «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن بأن الإعلان عن هذه المعركة «لا ينفي توزيع الأدوار بين روسيا وأميركا لتوحيد الجهود أيضًا»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» بأن الإعلان الذي تلا الكشف عن وجود الخبراء الأميركيين في رميلان «يعزز الاعتقاد بالتنسيق بين الطرفين». وأضاف: «روسيا تدرك أن النظام لا يمتلك قوات كافية لشن عملية مشابهة، وهناك ملامح مشاركة إيرانية في عملية الرقة من جهة النظام، بموازاة تنسيق مع حلفاء الأميركيين في الرقة». وأوضح عبد الرحمن أن السيناريو المحتمل يتمثل في هجوم متزامن ينفذه النظام والإيرانيون من جنوب الرقة باتجاه الرقة، بالتزامن مع هجوم تنفذه ميليشيات سوريا الديمقراطية من شمالها انطلاقًا من عين عيسى في المحافظة، بتنسيق بين واشنطن وموسكو. وأشار إلى أن معركة دير الزور «تتسم بصعوبة أكبر بالنظر إلى أنها خط مفتوح على مناطق نفوذ داعش في العراق، مما يصعب تنفيذ العملية إلا إذا شاركت فيها عشائر عربية موجودة في شرق سوريا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.