هل الأفلام السياسية العربية أكثر من مجرد تنفيس؟

مشهد من فيلم «نوارة»
مشهد من فيلم «نوارة»
TT

هل الأفلام السياسية العربية أكثر من مجرد تنفيس؟

مشهد من فيلم «نوارة»
مشهد من فيلم «نوارة»

* إذ يذهب المخرج محمد خان في فيلمه الجديد «قبل زحمة الصيف» بعيدًا عن القاهرة صوب الإسكندرية وساحلها العريض، يترك المخرج وفيلمه المدينة المكتظة وشواغلها وأوضاعها إلى بيئة محدودة من خمسة ممثلين ومكان واحد وقبضة يد من المشاعر العاطفية غير المتعددة. إنه أحد أفضل أفلام المخرج الذي سبق له وأن تعاطى مع المدينة ومع السياسات الواقفة في ظلها أكثر من مرّة لكنه قرر الآن أن يرتاح منه ويريح نفسه بالنظر إلى تلك الشؤون الصغيرة المحدودة بعدد قليل من الناس.
محمد خان ليس الوحيد الذي يفضل إلغاء المدينة المبنية على الأوضاع السياسية من حسبانه، بل كذلك تفعل أفلام كثيرة مثل «حسن وبقلظ» لوائل إحسان و«أوشن 14» لشادي الرملي و«الهرم الرابع» لبيتر ميمي.
الفارق هو أن «قبل زحمة الصيف» فيلم فني والأخرى أفلام جماهيرية مباشرة تنفي عن نفسها منح أي وجع رأس لمن يرغب في حضورها… لا عجب أنها الأكثر نجاحًا من الأفلام الأخرى.
لكن هذا لا يلغي أن المزيد من الأفلام العربية (مصرية وغير مصرية) باتت تلجأ إلى الموضوعات ذات الطرح السياسي أو البعد المتمثل في هذا الطرح بسبب إيمان أصحابها بأن عليهم تقديم أفلام تنقل «أوجاع المجتمعات» و«هموم المواطنين» أو «القضايا الكبيرة»، وهي بين مزدوجات هنا لأنها الدوافع الأكثر ترددًا.
في العامين الأخيرين تكاثرت هذه الأفلام حاملة صدق الرغبة في إثارة هذه المواضيع وامتدت لتشمل الأنواع جميعًا: التسجيلي والروائي وحتى الرسوم المتحركة. ففي العروض المصرية وبعض العروض العربية الأخرى فيلم هالة خليل «نوّارة» الذي يتحدّث عن متاعب امرأة شابة تعمل خادمة لدى عائلة ثرية. رب العائلة (محمود حميدة) من الذين ستحقق المحكمة، إثر أحداث 2010، في الكيفية التي جمع فيها أمواله.
في الجانب التسجيلي نرى «أبدًا لم نكن أطفالا» لمحمود سليمان الذي يصف حال امرأة اسمها ناديا حسن، مطلقة مرتين وتعيل نفسها وأولادها الثلاث عبر العمل كمجلخ في شوارع القاهرة. حياتها صعبة لكن ليس بسبب عملها وتربية أولادها، بل بسبب ما مرّ عليها من مآسٍ، منذ أن كانت طفلة. الفيلم يسجل ويستطرد في التسجيل. بين كل فترة وأخرى طويلة يُضيف شيئًا لا نعرفه أو يفتح النافذة المطلّة على هذه المرأة وأحوالها أكثر قليلاً. هذا الاستطراد يحسب على الفيلم لأنه يُطيل مدّة عرضه بلا طائل حقيقي. لكن ما يتضمّنه الفيلم من مأساة تمشي على قدمين يكشف، على نحو غير موجه، كيف يتضاعف الهم الاجتماعي بكامله وكيف أن الفرد يخسر موقعه في حياة سعيدة ومن دون أن تُتاح له فرصة النجاح أو الفشل متساوية.. والأمثلة تمتد في معظم الاتجاهات لتشمل أفلاما من المغرب والجزائر والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
وكلها بلاد لدى مخرجيها ما يتحدّثون عنه وحوله من شؤون. ليس أنهم يدّعون الاهتمام، بل هم جادون في مسألة ما يقومون به على أساس كل تلك الرغبات في التعبير عن أشكال وأسباب المعاناة التي يمر بها أفراد أو تشهدها مجتمعات. لكن كم من هذه الأفلام استطاعت أن توفر ما يمكن للرسائل والمضامين التي تحملها أن تسافر بعيدًا عن محطاتها المألوفة؟ كم منها ترك أثرًا فاعلاً لما بعد عرضه؟

* صدق النيات

* مثل نشرات الأخبار، بات تكرار مشاهدة «القضايا» السياسية، مثل معاناة الفلسطينيين والعراقيين والسوريين والنازحين واللاجئين، يمر بلا تأثير يذكر. مواصلة تقديم حياة الناس كسلسلة من المآسي، سواء في أفلام تسجيلية أو روائية، يدعم رأيًا داكنًا في بال الكثيرين من المشاهدين مفاده أننا شاهدنا كل هذا منذ عشرات السنين وأن القضايا الماثلة لا حلول لها، فهي باقية ولا تنتمي إلى من لا يستطيع حلها. صحيح أن مخرجي هذه الأفلام يطرحون أسئلة جائزة في معظم الأحيان، لكن المفاتيح لم تعد في يد أحد. لا الأفلام تستطيع ترك تأثير فاعل كما كان الوضع عليه في الستينات والسبعينات عندما كانت الأفلام تستطيع تحريك الساكن في النفوس، شرقًا وغربًا (ثورة الطلاب، الثورات الثقافية في أكثر من مكان، مناهضة الحرب الفيتنامية في أميركا، والبحث عن سينما بديلة في العالم العربي) ولا الجمهور قادر على أن يجد جديدًا يضاف إلى معلوماته ومواقفه.
في وضع كهذا لا يبقى لكثير من الأفلام المنتجة من النوع السياسي أو الحامل لما يمكن أن يعكس وضعًا سياسيًا سوى صدق نياتها التي تبحث في شخوص مشردة «رسائل من اليرموك» أو مُهجّرة «قهوة لكل الأمم» و«روشميا» أو متعبة من بحثها في الماضي من دون أي دافع للمستقبل «جواهر الحزن». هذا وجودتها المهنية في الكثير من الأحيان.
الأكثر مدعاة للإمعان حقيقة أن هذه الأفلام لا تصل إلى الجمهور العريض كما يؤمل لها أن تفعل. هناك مهرجانات عربية تعرضها لجمهورها التي هي ذات نسبة قليلة ومحدودة بمقارنتها بالجمهور الكبير الذي يقبل عادة على ما نطلق عليه اسم «الفيلم التجاري»، مما يجعل انتشار الفيلم السياسي محدودًا حتى من قبل أن يتم إنجازه.
في «بغداد خارج بغداد»، جديد المخرج العراقي قاسم حول، كل ذلك الشجن العابق بذكريات أيام أفضل، لكنه في النهاية عمل لن يراه أحد، خصوصًا وأن محطات التلفزيون مثل صالات السينما تبحث في نهاية المطاف عن الفيلم الذي يُشاهد وليس الفيلم الذي يفكر.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.