التحرش وسوء الأوضاع الأمنية تقلق الصحافيات العراقيات

مراسلة {مونت كارلو}: الكفاءة المهنية لم تعد معياراً في بغداد

جُمانة ممتاز مقدمة برامج في قناة المدى التلفزيونية  -  نبراس المعموري رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات
جُمانة ممتاز مقدمة برامج في قناة المدى التلفزيونية - نبراس المعموري رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات
TT

التحرش وسوء الأوضاع الأمنية تقلق الصحافيات العراقيات

جُمانة ممتاز مقدمة برامج في قناة المدى التلفزيونية  -  نبراس المعموري رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات
جُمانة ممتاز مقدمة برامج في قناة المدى التلفزيونية - نبراس المعموري رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات

تعاني الإعلامية العراقية من مشكلات حقيقية تؤثر على مهنيتها وتهدد حياتها في أحيان كثيرة في بلد يوصف من قبل الأمم المتحدة، مثل العراق، بأنه الأكثر خطورة على حياة الصحافيين. يضاف إلى ذلك معاناتها من مخاطر حقيقية مثل التحرش الجنسي، اللفظي والفعلي، ومصادرة مهاراتها وعدم منحها فرصتها الحقيقية في ممارسة دورها الإعلامي، إضافة إلى عدم نيل استحقاقاتها المالية مقارنة بزملائها الإعلاميين.
«الشرق الأوسط» استطلعت شهادات وآراء صحافيات عراقيات في بغداد حيث تحدثن بوضوح وبجرأة عن أبرز المشكلات التي يتعرضن لها.
الصحافية أمل صقر، مراسلة إذاعة مونت كارلو من بغداد وعضو النقابة الوطنية، حيث تقول للصحافيين العراقيين، ترى ومن خلال تجاربها الشخصية أن «الإعلامية العراقية لم تحصل على فرصتها المناسبة والحقيقية مقارنة بزميلها الإعلامي»، مشيرة إلى إني «أتعامل مع الموضوع بمهنية خالصة ولا أقارن بيني وبين الإعلامي، الرجل، فأنا صحافية لا أفكر بالتمييز الجنسي، وعندما أشتغل على موضوع فإني لا أدرج نفسي كوني امرأة ويجب أن أتحاشى هذا الموضوع أو ذاك، بل أتعامل معه بمهنية».
تقول: «الملاحظ وبشكل واضح أن المؤسسات الإعلامية في العراق لا تمنح الفرص الحقيقية في العمل للصحافية بل الفرص الحقيقية حكر لزميلها الرجل، مثلا إذا كانت هناك مقابلة مع سياسي مهم أو قيادي أو شخصية حكومية بارزة فإن الصحافي، سواء في الصحافة المكتوبة أو المرئية، هو المرشح لإنجاز هذه المقابلة ولنيل ما يعتقده من النجومية الإعلامية، ونادرا ما نرى أو نقرأ مقابلة مهمة أنجزتها صحافية لهذه الصحيفة، أو لتلك المحطة التلفزيونية»، منوهة إلى أن «الكفاءة المهنية ليست معيارا لأن تأخذ الإعلامية فرصتها الحقيقية، وتنافس الصحافية مع زميلها الرجل ليس مجديا في أوضاع العراق، لأن الغلبة هي للصحافي مسبقا».
وتؤشر الصحافية أمل صقر لمسألة مهمة أخرى ألا وهي «موضوع الأجور غير المنصفة، وعدم وجود عقود عمل تنصف الإعلامية، فإذا ما قارنا بين رواتب الإعلاميات وزملائها الإعلاميين فسوف نكتشف وبسهولة أن الفوارق كبيرة، وراتب أفضل إعلامية لا يصل إلى نصف رواتب الإعلاميين من الرجال، يضاف إلى هذا أن الإعلاميين عامة، نساء ورجالا، هم عرضة للاستغناء عن خدماتهم وطردهم من العمل في أي وقت يشاءه صاحب المحطة التلفزيونية أو الجريدة لعدم توقيع عقود عمل قانونية موثقة».
وفي ما يتعلق بمشكلة التحرش التي تتعرض لها الإعلامية العراقية، تقول صقر «أنا لا أدرج المفردات المهذبة، مثل (أنت جميلة) أو (أنيقة) أو (رشيقة) تحت باب التحرش اللفظي بل أعتبرها مجرد مجاملة، لكن هناك زميلات، وحسب ما أسمع منهن مباشرة، فإنهن تعرضن ويتعرضن بالفعل للتحرش الجنسي سواء كان اللفظي أو الفعلي».
نبراس المعموري، رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات، وبحكم موقعها في هذا المنتدى، منظمة مجتمع مدني ويضم 360 إعلامية عراقية، تذهب إلى عمق المشكلات بصورة مباشرة، وتتحدث بجرأة عن مشكلة التحرش الجنسي، تقول: «في عام 2012 أجرينا بحثا استقصائيا أكاديميا، ومن خلال اختيار إعلاميات من مختلف الاختصاصات والمؤسسات ودون ذكر أسمائهن عن مشكلة التحرش الجنسي وكانت النتائج مخيفة للغاية، إذ اكتشفنا أن 68 في المائة من الإعلاميات يتعرضن للتحرش، وأغلب هذا التحرش لفظي، أو تشهير بالإعلامية»، مشيرة إلى أن «هناك نسبة ليست قليلة من الإعلاميات يتعرضن للتحرش الفعلي، لكنهن لا يستطعن البوح بذلك أو تقديم شكوى خشية من الفضائح التي سوف تلازمها بقية حياتها، كما أن القضاء لم ينصف المرأة عامة في هذا الجانب، ولا تزال القوانين المعمول بها في موضوع التحرش قديمة وصادرة عام 1959 ضمن قانون العقوبات، والذي يفرض على المتحرش دفع غرامة قدرها 75 دينارا عراقيا، وقد طالبنا مرارا تغيير هذا القانون وتفعيل مواد أكثر صرامة». وتستطرد المعموري التي تقدم البرنامج التلفزيوني السياسي (المنبر) من الفضائية الرسمية (العراقية)، متحدثة عن موضوع التحرش الجنسي قائلة: «لم يجرؤ أحد على تناول هذه المشكلة من خلال استقصاء أكاديمي، وقد واجهنا في منتدى الإعلاميات العراقيات الكثير من المشكلات بسبب إصرارنا على عرض النتائج».
وتشخص المعموري مشكلة: «عدم وصول الإعلامية العراقية لمناصب تمكنها من المشاركة في صنع القرار الإعلامي، إذ نجد أن جميع أعضاء مجلس الأمناء في شبكة الإعلام العراقية من الرجال لهذا طالبنا بأن يكون وجود المرأة في هذا المجلس تحت باب الكوتا وهذا ما سيتحقق قريبا»، مشيرة إلى أنه «باستثناء الدكتورة غادة العاملي مديرة عام مؤسسة المدى للنشر والإعلام، وفيروز حاتم التي كانت مديرة قناة الحرية قبل إغلاقها، لم تتبوأ أي امرأة لا في شبكة الإعلام ولا في وزارة الثقافة أي مناصب قيادية».
وتعتبر الصحافية جُمانة ممتاز، مقدمة برامج في قناة المدى التلفزيونية، نفسها «محظوظة كوني اعمل مع امرأتين، الدكتورة غادة العاملي، مديرة عام مؤسسة المدى للنشر والإعلام، ورئيس قسم الأخبار في المحطة ايضا امرأة، وهذا يعني أنني اشعر بالاطمئنان»، مشيرة إلى: «أنا كنت أعمل سابقا في محطة أخرى ومديري كان رجلا ولم أتعرض للمشكلات».
ولم تنف جُمانة تعرضها لـ«التحرش اللفظي في الشارع»، تقول: «أنا أعد وأقدم برنامج (نبض الناس)، والبرنامج ينفذ في الشارع بين الناس وفي أماكن ومدن مختلفة، وزرت مناطق ساخنة مثل الرمادي وناحية تازة في كركوك التي تعرضت للقصف الكيماوي من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وفي بغداد أكون دائما في مناطق مزدحمة بالمشكلات، وهذا يعرضني بالتأكيد للمشكلات». مشيرة إلى أنها «تذهب لهذه المواقع لمناقشة الناس والمسؤولين عن الأزمات الحياتية برفقة المصور فقط ودون حماية، وغالبا ما نتعرض للإحراج بسبب ما أسمعه من الرجال من كلمات نابية».
وقالت جُمانة «إن الشارع العراقي يعاني من التخلف اليوم ولا يستوعب وجود صحافية تلفزيونية بين الناس وفي مناطق شعبية لإنتاج برنامج وثائقي وإخباري في آن واحد، وغالبا ما أسمع كلاما يندرج تحت باب الحرشة اللفظية، وهذا يؤلمني كوني أعمل بجد من أجل أن أسلط الضوء على مشكلات الناس لمساعدتهم لكنهم يواجهوني بأساليب غير لائقة للأسف، وغالبا ما قررت الانسحاب من هذا البرنامج والعمل من الاستوديو، لكنني لا أستطيع كوني صحافية وأجد نفسي في العمل الميداني».
وتشخص الصحافية سناء النقاش، عضو مجلس نقابة الصحافيين العراقيين، ومسؤولة شؤون الصحافيات في النقابة التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف عضو «سوء الأوضاع الأمنية وصعوبة المواصلات كمشكلة بارزة تعيق عمل الصحافيات، يضاف إلى ذلك بروز عدد ممن يسمين أنفسهن بالإعلاميات بعد 2003 خاصة في المحطات التلفزيونية الهابطة، وهذا الفريق من الإعلاميات الطارئات على المهنة اللواتي يعتمدن على إبراز مفاتنهن أساء لسمعة الصحافيات العراقيات». وحول مشكلة التحرش، قالت النقاش «أنا لا أنفي وجود هذه المشكلة، لكن هناك من يبالغ بها وبعدد الإعلاميات اللواتي تعرضن للحرشة سواء كانت حقيقية أو لفظية»، مشيرة إلى أن «هناك صحافية جاءتني واشتكت من أن مديرها يتحرش بها صحافيا فوجدت لها مكان عمل آخر كونها خشيت أن تقدم شكوى حرصا على سمعتها، وحسب استبيان قمت به فإن نسبة التحرش بالصحافيات لا يتجاوز الـ 4 في المائة».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».