هل على الكاتب أن يكون تابعًا لقوالب ونظريات وأطروحات ثقافية؟ كاتب القصة القصيرة التونسي وليد سليمان يجيبنا بطريقته الساخرة والغنية بالمراوغة الكتابية، إذ حيث يكسر توقعات القارئ، ويضعه أمام نص يخترع معادلته الكتابية الخاصة، ليس فقط ضمن ما ستقرأه في منجزه الجديد «كوابيس مرحة»، ولكن حتى ضمن تعاطيه مع القارئ وتعامله مع الكتاب ليخترق مكتبته الخاصة المتنقلة وقهوته الثقافية - مبادرة قهوة مع الكاتب - هادمًا كل الجدران التي تقف بين القارئ والكاتب وتحول دون وصول الكتاب كثيرًا.
يكتب سليمان في منجزه الأخير «كوابيس مرحة» الصادر حديثًا عن منشورات وليدوف 2016، وجاء في 96 صفحة، حملت 21 قصة، بأسلوب ولغة مفخخين، ويكسر المعتاد من حيث الشكل المتعارف عليه للقصة وحتى «يسميها قُصُوصًا» وليست قصصًا. في «كوابيس مرحة» لم يحد وليد سليمان عن عادته في إدراج اقتباسات أدبية متنوعة قام باختيارها لتصب في مجرى كتابته. تمرد سليمان على السائد الثقافي والاجتماعي، وحتى السياسي جاء صريحًا مرة ومرة مخفيًا بين السطور، يبدأه بكسر قواعد القراءة المتعارف عليها في قصته الأولى، التي جاءت تحت عنوان «المكالمة».
وفي «أسطورة لوقيوس» يكشف الابتذال الثقافي بطريقته الخاصة ليحكي لنا قصة «لوقيوس» الذي أنقذ حياة ربة الإلهام، وفي محاولة لرد جميله تسأله أن يطلب ما تشاء فتكون أمنيته أن تمنحه موهبة الكتابة، لكنها ربة الإلهام حذرته: «الموهبة، كما تعلم تختلف تمامًا عن الإلهام...». من خلال «لوقيوس»، يلجأ الكاتب للأسطورة لينقل حاضرًا معاشًا، ممررًا فكرته عن الاستسهال الكتابي المنتشر على الساحة الثقافية وافتقار الكثيرين لموهبة حقيقية. لا يتوقف نقد الواقع الثقافي هنا، بل يذهب الكاتب أبعد من ذلك لينتقد «القواعد» الموضوعة لكل جنس أدبي.
ففي قصة «محاولة لكتابة قصة قصيرة» يهدم سليمان المتعارف عليه ويخلق قانونه الخاص لكتابة قصة، معتبرًا أن أي محاولة لسجن الأدب ضمن قوالب جاهزة هو هدم للإبداع، وكأنه يقول على كل كاتب أن يجد خلطته الخاصة وليس عليه اتباع أي وصفة مسبقة. وهو ما يؤكده أيضًا في «معادلة قصصية»، حيث يعتبر أن النص نتاج علاقة بين الكاتب والقارئ ولا شيء غير ذلك وأن تنظيرات النقاد محض «سجن». «كوابيس مرحة» تلتقط الواقع التونسي بطريقتها الساخرة، تنفض الغبار عن علله السياسية والاجتماعية والثقافية، كما في قصة «حكومة الأنوف الطويلة» التي يسخر فيها من كيفية تعامل الساسة مع ما يجري داخل أوطانهم بإلقائهم فشلهم الداخلي على شماعة «المؤامرات الخارجية».
وفي قصتين أخريين، هما «وزارة الشؤون الميتافيزيقية» و«حوار مع المقبرة» يواصل سخريته المرة من علل المجتمع الداخلية، والواقع التونسي المتأزم وفشل الحكومات المتعاقبة على تلبية الحد الأدنى من مطالب شعبها، وهو ما يحيل إلى المقبرة دلالة لما ترمز له هذه الأخيرة من بؤس وكآبة وانعدام للحياة.
في قصته «كلنا عقيل» يحيلنا الكاتب إلى التهافت «الغبي» لنقل الأخبار والتعامل مع ما يحيط بنا، «عقيل» استخدم للوصول للمجرم من أجل تفادي عملية إرهابية في المقابل انتشر شعار «كلنا عقيل» على مواقع الإنترنت ليكتشف فيما بعد أنه كلب. ما يميز سرد وليد سليمان إضافة لكسره القوالب المعتادة للقصة أنه رسم خطها الخاص، بطريقته في تقديم القصة وكأنه يقول أستطيع أن أروي أشياء كثيرة بكلمات قليلة، وهو ما نلاحظه في هذه المجموعة، حيث يتعمد الاختزال والتكثيف الدلالي في آن، مستعينًا بمخزونه الثقافي كمترجم وشاعر وناقد سينمائي ليخرج الكتاب خفيفًا، ولكنه عميق بمعناه، وبما يحمله من دلالات وإشارات للواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي.
9:54 دقيقة
قصص قصيرة تسخر من السائد
https://aawsat.com/home/article/624881/%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%AF
قصص قصيرة تسخر من السائد
«كوابيس مرحة» للتونسي وليد سليمان
- تونس: مبروكة علي
- تونس: مبروكة علي
قصص قصيرة تسخر من السائد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة