ثلاث مراحل في تاريخ التطرّف باسم الإسلام

في قراءة للباحث والخبير الفرنسي جيل كيبيل

ثلاث مراحل في تاريخ التطرّف باسم الإسلام
TT

ثلاث مراحل في تاريخ التطرّف باسم الإسلام

ثلاث مراحل في تاريخ التطرّف باسم الإسلام

ما هي المحطات التي شهدها تطوّر الفكر الإسلاموي المتشدد - الملقب بـ«الجهادي» - في فرنسا ومن أين استقى مصادره؟ مواضيع تطرّق إليها الدكتور جيل كيبيل، الباحث الفرنسي البارز، خلال المؤتمر الذي نظمه «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية واشنطن، متحدثًا عن تجربته مع الجهاديين وعن كتابه الجديد حول تطوّر الإرهاب في فرنسا بعنوان Terreur dans l›Hexagone أي (الإرهاب داخل السداسي).
تحدث الدكتور جيل كيبيل، الباحث والخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط والإسلام والإرهاب، خلال المؤتمر المشار إليه أعلاه، عن ثلاث مراحل في تاريخ التطرّف الحركي الإرهابي باسم الإسلام. فقال: «تجلّت أولاها في أفغانستان بين أعوام 1979 - 1997»، وهو عصر سماه عصر «الجهاد المسلح» الذي نشأ عن نظرية المتشدد الفلسطيني عبد الله عزام، بتمويل خليجي ودعم أميركي وحماية باكستانية. ووفق كيبيل «ترجم الجهاد في أفغانستان، عبر النصر الذي تحقق في فبراير (شباط) 1989. حين انسحب الجيش الأحمر السوفياتي من كابُل بعد عشر سنوات من الحرب. إلا أن أحدًا لم يتنبّه إلى حقيقة ما حدث حينها، حيث إنه في 14 فبراير أصدر آية الله روح الله الخميني فتوى أدان فيها الكاتب سلمان رشدي حتى الموت»، وإذا بالاهتمام كله ينصب بهذا الاتجاه على حساب واقعة جيو-سياسية مرت مرور الكرام، على حد قوله.
بعد هذا النصر على الاتحاد السوفياتي، عاد عدد كبير ممن كانوا يقاتلون في أفغانستان إلى أوطانهم، منها الجزائر أو مصر، على سبيل المثال، وهناك حاولوا تكرار النموذج الأفغاني. كذلك ذهب البعض الآخر إلى البوسنة والهرسك في محاولة لتغيير مسار الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة وتحويلها نحو ما يعتبرونه «الجهاد»، غير أن محاولتهم باءت بالفشل. وفي عام 1997. تمكنت السلطات العسكرية أو المدنية في الجزائر ومصر من قلب ميزان القوى لصالحها. وكانت النتيجة أنه جرى التخلي عن هذا «الجهاد» الذي سرعان ما صوّب سِهامه باتجاه العدو القريب، أي أنظمة العالم الإسلامي، ليدخل بذلك مرحلة ثانية.
وهكذا، حسب كيبيل، بدأت المرحلة الثانية التي قادها تنظيم «القاعدة»، وعلى رأسه مفكره أيمن الظواهري، ولقد ركزت هذه المرحلة على «العدو البعيد» أي دول الغرب. وبلغت هذه المرحلة ذروتها في اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة الأميركية. وكانت الفكرة الأساسية منها أنه من خلال ضرب العدو، وإظهار ضعفه، سيُتاح المجال أمام المسلمين لكي يتخلوا عن خوفهم ويتمرّدوا على حكامهم. غير أن هذه الاستراتيجية القائمة على استعراض القوة، وشن هجمات متكرّرة، لم تؤدِّ إلى التأثير المتوخى كما لم تنجح في حثّ الجماهير المسلمة على الانتفاض والتمرد، كما يقول الباحث.
لاحقا، كما يستطرد كيبيل: «بدأنا نشهد ظهور المرحلة الثالثة التي يمكن أن نردّ بداياتها الفكرية إلى يناير (كانون الثاني) من عام 2005. حين نشر المهندس السوري - الإسباني (أبو مصعب السوري) بيانه المؤلف من 1600 صفحة على الإنترنت، داعيًا إلى المقاومة الإسلامية العالمية». ويتابع أن «أبو مصعب السوري» تحدث عن «جهاد» يناقض تماما «الجهاد الهرمي» الذي اتبعه أسامة بن لادن، الذي كان يسدّد ثمن دروس الطيران وبطاقات السفر، وما إلى ذلك لأتباعه والمقاتلين معه، مُبشِّرا عوضا عن ذلك بـ«الجهاد القائم من أسفل إلى أعلى»، وقال هذا «الجهاد الذي لم تعد الولايات المتحدة فيه الهدف المنشود الأول إنما أوروبا، أي نقطة ضعف الغرب». واعتبر أن اللاعب الأساسي فيه هو الشباب الأوروبي المسلم الذي يكنّ كرها كبيرًا للغرب، وبالتالي ارتأى أنه سيكون من السهل تلقينه العقائد المتطرفة وتدريبه عسكريًا وإيلاؤه مسؤولية تنظيم حملات توعية وتلقين عقائدي.
ويضيف الباحث «اعتبر مُبتكر هذا النوع الجديد من التطرف الإرهابي المتزيي زي الإسلام، الذي انشق عن بن لادن، أن مهاجمة القارة العجوز قد تنجح في التسبب في نشوب حرب أهلية من خلال استخدام الأشخاص الذين لم يتمكنوا من التأقلم في مجتمعاتهم، ومن خلال إنشاء مخيمات تدريب في بلاد الشام». و«اليوم يظن البعض أن أبو مصعب السوري توفي. إنما لا أحد يعلم ذلك» وفق كيبيل، الذي يستطرد أنه بغض النظر عما إذا كان قد توفي أم لا، فذلك غير مهم لأن كتاباته لا تزال تنتشر في عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث لا يوجد كاتب محدَّد ولا جهة ناشرة معروفة.
وفي الوقت نفسه، شهدت الظروف حينها تطوّرين مهمّين. «كان أولها إنشاء موقع (يوتيوب)، في 14 فبراير 2005، الذي افتُتِحَ معه عصر الجيل الثالث من هذا التطرف، مع الفيديوهات والصور وما إلى ذلك» بحسب كيبيل، ما أحدث تغييرًا جذريًا في الإسلام الراديكالي الذي اتخذ منحى جديدًا وحقق نجاحا كبيرًا. ومن ثم اندلعت «الثورات العربية» التي زعزعت استقرار الكثير من الأنظمة الإقليمية وأسقطت بعضها الآخر، إنما في الوقت نفسه لم تكن قادرة على إرساء الديمقراطية، ما عدا في تونس. كما أن الفوضى العارمة التي تلتها، أدت إلى نشوء مستنقعات عنف وتطرّف على مقربة من أوروبا، قصدها الشباب الأوروبي، على غرار مهدي نموش، للتدرب بكلفة لم تتعد التسعين يورو. وهكذا، بدأت توصيات «أبو مصعب السوري» تُترجم على أرض الواقع، وهي تتجلى بحرفيتها اليوم من خلال ما نشهده من تطرف وإرهاب باسم الإسلام في سوريا والعراق، ومن نشوء «داعش» وهجمات استهدفت أوروبا.
وذكر كيبيل أنه في سياق هذه التحولات نتيجة تفاعلات كتابات «أبو مصعب السوري» والتطورات القتالية والسياسية في بلاد الشام، ظهر كتابه الجديد Terreur dans l’ Hexagone. وقال: إنه خلال السنوات العشر ما بين أحداث العنف في ضواحي باريس في خريف 2005 والهجوم على مطبوعة «شارلي إيبدو» في يناير 2015، عرفت فرنسا ظهور تصدّعات اجتماعية جديدة. فالجيل الشاب الذي ولد في فرنسا من أهل هاجروا بعد فترة الاستعمار كان له رمزية أساسية في هذه التطورات. هذا الجيل الذي نشأ في المدن الفرنسية ويحمل الجنسية الفرنسية وجد سبيلاً جديدًا للتعبير عن مبادئه الضائعة من خلال الإنترنت، فأخذ يبحث عن نموذج إسلامي كامل مقتبس عن إسلام متشدد يحث على الانفصال عن «الغرب الكافر». وساهمت الأدوات الرقمية المتاحة أمامه والمراجع المتطرفة خارج حدوده الوطنية في نشوء حاجز صلب بين ما اعتبر أنه «مُحلَّل» وما اعتبر أنه «مُحرَّم»، ما ساهم بدوره في تعزيز قوة الشبكات الإرهابية النشطة في العالم الرقمي كما على أرض الواقع.
ومن خلال الشبكات الاجتماعية تمكَّن الجيل الثالث من مسلمي فرنسا من الاتصال المباشر مع موجة المرحلة الثالثة (من التطرّف الحركي الإرهابي باسم الإسلام)، التي بدأت تتكون أيضًا عام 2005 أي نفس سنة ظهور بيانات «أبو مصعب السوري». أضف إلى ذلك التغيرات التي شهدتها الأحياء الشعبية الفقيرة والتغيّرات في الأجيال المسلمة الفرنسية وصعود الآيديولوجيات المتطرفة. هذا التفاعل أدى إلى نشوء تجمعات متطرفة خرج منها إرهابيو فرنسا بعدما استهوتهم أرض المعارك في سوريا والعراق التي استقطبت خلال العام 2015 وحده نحو 800 شخص قتل نحو 100 منهم، من دون ذكر أولئك على غرار محمد مراح ومهدي نموش وشريف وسعيد كواشي وحميدي كوليبالي وسيد أحمد غلام الذين ارتكبوا هجمات إرهابية في أوروبا أو حاولوا ارتكاب عمليات إرهابية قبل إن يتم اعتقالهم. وللعلم، فإن الحالات التي ارتكبت أكبر المجازر، على غرار محمد مراح وكواشي وكوليبالي وعبد السلام وأباعود، تتشارك كلها تاريخًا إجراميًا متشابهًا إلى حد ما، وسبق لهؤلاء جميعًا أن سجنوا بتهم السرقة أو الأعمال الإجرامية، وكان التلقين الذي حصلوا عليه في زنزاناتهم أساسيا في تحويل هؤلاء المجرمين إلى إرهابيين يقتلون باسم الدين.
أخيرًا، يعتبر كيبيل أن «إرث الماضي الاستعماري والوضع الاقتصادي لفرنسا ساهما في التهميش» الذي شجع هؤلاء على الجنوح نحو التطرف والإرهاب. إذ إنه يشير إلى أن كثيرين من الشباب «لم يكن قادرا على الحصول على وظيفة بعد تخرجه من المدرسة، التي أخذت بدورها تفقد مصداقيتها في نظرهم بما أنها لم تكن قادرة على تأمين فرص العمل لهم، كما أنها عجزت عن تطبيق القيم العلمانية الفرنسية التي تنادي بها على الكثير من الشباب المحرومين».
وحقًا، فإن الوضع اليوم بات أشبه بدوامة مغلقة، كما أن الإرهاب ليس أمرًا وراثيًا، بل هو نتيجة عملية طويلة جرى فيها تخطي مثاليات اليمين المتطرّف ومثاليات اليسار المتطرف، ليجري الحديث عن «أسلمة التطرّف» كما يقول البعض.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».