تحدث رئيس أركان «الجيش السوري الحر» اللواء سليم إدريس للمرة الأولى عن قراره وملابسات انشقاقه الذي تأخر بعض الشيء عن زملائه في العمل المسلح نتيجة ظروف قال إنها كانت تمنعه من ذلك أبرزها الخطر الذي يهدد كل عائلته. عندما أصبح إدريس يخجل من ارتداء البزة العسكرية المزينة بالشارات والأوسمة «لأن الجيش يقتل الشعب» اتخذ قرار الانشقاق وانتظر التوقيت المناسب. في هذا الحوار يتحدث إدريس عن لحظات صعبة عاشها مع أفراد عائلته لدى تنفيذ عملية الانشقاق، أصابعه كانت على الزناد وكذلك أصابع ابنيه ومرافقيه.. وكانت تعليماته لهم: القتال حتى الموت خوفا على عائلته من مصير بشع، خصوصا البنات.
تأخر انشقاق إدريس حتى 20 أغسطس (آب) 2012 لأسباب «لوجيستية» وأمنية، لكنه يؤكد أن هذا القرار كان متخذا منذ اللحظات الأولى بسبب ما قال إنه ممارسات النظام التي عاينها في قريته الصغيرة، المباركية التي دمرت عن بكرة أبيها. إدريس الذي كان في الجيش السوري برتبة عميد - دكتور مهندس في أكاديمية الهندسة العسكرية في حلب، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا من مدينة حمص، من قرية صغيرة شرق بحيرة قطينة، قريبة من القصير. كان أهلي في القرية من أوائل من كانوا يذهبون للتظاهر في باب عمر، نفذت مجزرة من قبل النظام في حق هؤلاء، وخسرنا شهداء في هذا الاعتصام ثم سقط لنا شهداء في باب عمر، ثم داهم النظام قريتنا وقتل أربعة أشخاص من بينهم عقيد متقاعد، من دون سؤال أو جواب. وأخذ 70 رجلا (نحن من قرية صغيرة جدا، تقريبا من عائلة واحدة) بعد أن أهانوا كرامتهم، إلى المعتقلات وبعضهم لا يزال حتى الآن لا نعلم أين هو، والبعض أعيد مقتولا، ثم أحرقوا القرية بعد أن سرقوها».
برر إدريس حرق قريته لمن يسأله عما حدث بأن «الإرهابيين دمروها»، مبررا ذلك بالقول: «أنا كنت في النظام، هل يعتقد أحد أنه يمكنني أن أقول ماذا حصل؟ كانوا يعرفون أني من القرية ويسألونني ماذا حصل؟ كان جوابي أن هناك جماعة إرهابية جاءت ودمرت المباركية». ويضيف: «إذا كان جوابك غير ذلك، تذبح أنت وعائلتك. طبعا منذ أن بدأ النظام بإطلاق نار على المواطنين كنا نقوم ببعض النقاشات مع بعض الإخوة الضباط الموجودين هناك، وكانت آراؤنا جميعا أن هذا النظام مجرم، سيزج الجيش ضد الشعب وأن ما سيجري في سوريا سيكون مغايرا تماما لما جرى في تونس ومصر، وأن عندنا مأساة لأن العلويين يسيطرون على الجيش. 95 في المائة من ضباط الجيش علويون، وفي الفترة الأخيرة أصبحت نفسياتهم لا توصف، عدوانية هائلة جدا. فطبعا قررت ألا أبقى في هذا الجيش، لكن يجب أن أختار الفرصة المناسبة لأن لدي عائلة وبناتي في الجامعة وإخوة وعائلاتهم، يجب تأمينهم قبل أن أخرج. أمنت العائلة والأقارب على قدر المستطاع، بعضهم داخل سوريا».
قرار الانشقاق كان متخذا منذ وقت طويل، كما يؤكد إدريس، لكن ثمة ما حصل وجعله يقرب الموعد. يقول: «في أحد الأيام، بعد انتهاء الدوام الرسمي عدت إلى البيت، رغم أني لم أكن مقررا من قبل أن هذا اليوم هو الذي سأخرج به، وكنت متفقا أنا وزوجتي على توقيت محدد، والأولاد لا يعرفون أننا سنخرج. عندما ذهبت إلى البيت رأيت الجميع يبكي، فزوجتي أخوها اعتقل منذ عام من دون ذنب وهو وحيد. وعندي أربع عائلات في البيت كانت نازحة من حمص وباب عمر. يومها كان النظام قد شن هجوما على قرية شنشار وسقط اثنان من العائلة قتلى. أتيت إلى البيت وكان الجميع يبكي، فهذا الوضع لم يترك لي الفرصة للانتظار وفورا قلت لزوجتي إن كنتم جاهزين لنخرج، وفعلا كنا جاهزين لأن كل واحد منا سيخرج مع حقيبة يده فبيتي كان مراقبا، لذلك عدت إلى الثكنة لأن بندقيتي كانت في خزانتي في المكتب، طبعا لا يوجد مشكلة في الدخول والكل يعرفني، فأنا مدير معهد هناك، وعضو مجلس أكاديمية، والجميع فتح لي الباب مبتسما وأنا أعتصر بالألم، فدخلت إلى مكتبي أخذت بندقيتي وخرجت وأنا أعلم أني آخر مرة أكون فيها في هذه الأكاديمية، إلا إذا عدنا إليها بطريقة أخرى. العائلة كانت جاهزة وقلت لهم أن يخرجوا من باب البناية بشكل مموه، كل اثنين من البنات تذهبان إلى موقف الباص ويذهبن إلى حلب على أساس أنهن ذاهبات للتبضع. زوجتي اتجهت مع ولديّ إلى مكان آخر باتجاه بقالة في الحمدانية، وأنا اتجهت باتجاه ملعب الحمدانية. توزعنا بشكل غريب واتفقت مع الإخوة الذين سيخرجونني من المدينة إلى المناطق المحررة على أن تمر أربع سيارات.. واحدة باتجاه حلب لتحضر البنات اللائي ذهبن للتسوق، وواحدة إلى ملعب الحمدانية لأرجع أنا، وواحدة من السيارات إلى البقالة التي ذهبت إليها زوجتي وابناي. والتقينا في حلب. وبعدها توجهنا باتجاه المناطق المحررة في ريف إدلب وبتنا ليلة عند أحد الضباط المنشقين وفي اليوم التالي توجهنا نحو الشريط الحدودي، وكان أول يوم في شهر رمضان، عبر الجبال مشينا على الأقدام إلى مخفر شرطة تركي. وصلنا ليلا مع المساء، الجميع كان صائما، فورا الإخوة الأتراك جاءوا بحصير جلس عليها البنات، ريثما أحضروا سيارة وتم نقلنا بعد إجراءات خفيفة جدا إلى معسكر، مخيم الضباط داخل الأراضي التركية».
الرحلة لم تكن سهلة.. يقول إدريس: «تصور أنك معرض للقتل أو الاعتقال ما دمت أنت موجودا على الأراضي السورية». وعندما نسأله عن شعوره لدى وصوله للأراضي التركية، يجيب: «لم أكن خائفا على نفسي. أنا انشققت مع سلاحي وكانت بندقيتي جاهزة بيدي، وأعطاني الإخوة الذين أحضروني في السيارات، وهم مدنيون، مسدسا، وهم كلهم كانوا مسلحين. كان فقط يراودني إحساس، لا سمح الله، إن وقعنا بيد النظام، الخشية على البنات وزوجتي. ابني الكبير كانت معه بندقية، كذلك ابني الصغير، وأنا قلت لهما إذا وقعنا في كمين أو في يد النظام قاتلا حتى الموت. اجتمعنا عند تحويلة الرقة، قبل حلب بقليل، عند صورة للمجرم بشار، انطلقنا بعدها على الجسر، ما لا يزيد على كيلومتر واحد، فقال لي الإخوة أنت في المناطق المحررة، لن ترى النظام ولا حواجز للنظام. أغلب ضباط الجيش وخاصة المهندسين هناك لدي معرفة شخصية معهم. لكن إجرام النظام ليس له حدود، قالوا لي ابق وسوف ترفع إلى رتبة لواء، أي رتبة لواء يتكلمون وكل أهلي ذبحوا؟! هل الإنسان فقد الكرامة والشعور؟! أصبحت عندما أعود في نهاية الدوام إلى بيتي في الحمدانية أخجل أنني أرتدي اللباس العسكري لأن الجيش يقتل الشعب، علما أن اللباس العسكري جميل وخاصة في الرتب العالية هناك أوسمة قصيرة وإشارات حمراء وهو لافت للنظر. أصبح الإنسان يخجل بدلا من أن يعتز ويفتخر أنه يرتدي هذه البزة العسكرية».
بعد أشهر على انشقاقه اجتمعت قيادات «الجيش الحر» في مدينة أنطاليا وقررت إنشاء مجلس عسكري، انتخب إدريس رئيسا له، بعد أن توافق المجتمعون على ترقيته إلى رتبة لواء.. نفس الرتبة التي قال إنه وعد بها ورفضها.
سليم إدريس.. رئيس أركان «الجيش السوري الحر» يروي لـ«الشرق الأوسط» قصة انشقاقه
التقى مع مهربيه تحت صورة لبشار الأسد.. والخوف الأكبر كان على بناته
سليم إدريس.. رئيس أركان «الجيش السوري الحر» يروي لـ«الشرق الأوسط» قصة انشقاقه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة






