«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

ذنيبات: ترخيص الجمعية ليس انشقاقًا بل تصحيح لواقع الجماعة

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟
TT

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

شهد الأردن أخيرًا خطوة سياسية وأمنية لافتة، إذ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين غير المرخص لها أن السلطات داهمت مقرها الرئيسي في منطقة العبدلي بالعاصمة عمّان، وبعد إخراجها من كان فيه، أغلقته بالشمع الأحمر. وحصلت المداهمة بناءً على شكوى تقدم بها عبد المجيد ذنيبات، الأمين العام للجناح المرخص له من الجماعة، التي تعدّ من أكبر التنظيمات في البلاد، ويعد جناحها السياسي الذي يحمل اسم «جبهة العمل الإسلامي» أحد من أقوى الأحزاب السياسية في الأردن. وكانت قيادة الجماعة (الملغاة رخصتها) التي يرأسها المراقب العام الدكتور همام سعيد قد قرّرت فصل المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات و49 قياديا على خلفية انشقاقهم وتقدّمهم بطلب للحكومة لترخيص الجماعة وتصويب وضعها القانوني لفك ارتباطها بالجماعة الأصل في مصر.
يصرّ عبد المجيد ذنيبات، المراقب العام الجديد لجمعية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن المرخّصة، على أن «قيادة الإخوان الحالية أصبحت غير شرعية وغير قانونية» في أعقاب موافقة الحكومة الأردنية على ترخيص جديد لجمعيته في مارس (آذار) العام الماضي، وفكّ ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، و«لذا فإن قيادة جماعة الإخوان أصبحت فاقدة للشرعية، ولا تمثل الإخوان المسلمين».
ذنيبات يضيف أن حصوله على ترخيص جديد «ليس انشقاقا بل هو تصحيح لواقع الجماعة الذي لم يكن قانونيًا في الأردن» وأن ما دفعه ومجموعة من أعضاء الإخوان إلى التقدّم بطلب ترخيص من الحكومة لتشكيل جمعية هو أن الإخوان في الأردن رخّص لهم عام 1945 على أنهم فرع لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. وبعد قرار حل الإخوان في مصر، واعتبارها «منظمة إرهابية»، ولأن الفرع يتبع الأصل، لذا فإنهم منذ سنتين دعوا من أجل تصويب الوضع القانوني للجماعة في الأردن عبر فك ارتباطها بـ«إخوان» مصر، لكن القيادة في الجماعة رفضت ذلك. ويؤكد ذنيبات أن جمعيته الجديدة لا يهمّها اعتراف أي منظمة دولية أو عربية لأن أعضاءها أصبحوا «جماعة أردنية لا تتبع أحدًا»، وهم يملكون الشرعية الأردنية. ويضيف أنه رُفع الغطاء القانوني عن القيادة السابقة للجماعة في الأردن، داعيًا الجميع إلى الانضمام للجمعية التي رُخصت.
اليوم الحكومة الأردنية من منطلق اعتبارها غير مرخّصة منعت الجماعة الأم من ممارسة أي نشاط جماهيري أو تنظيم أي احتفالات. وكانت دائما تعلل سبب المنع بأن هناك شكوى من الجمعية المرخّصة بانتحال اسمها، وهو ما دفع الجماعة الأم إلى تنظيم فعاليات ومسيرات محدودة العدد باسم حزب «جبهة العمل الإسلامي» ذراعها السياسي.
إلى ذلك تقدّمت الجمعية المرخّصة بطلب إلى محكمة استئناف عمّان بنقل أملاك الجماعة ومقرّاتها وأموالها إلى الجمعية لكن القضاء انتصر للجماعة ورفض الطلب باعتبار أن الجمعية مكوّن جديد ولا علاقة لها بالجماعة الأم، ومع هذه الضغوط والمضايقات التي فرضتها الحكومة على الجماعة فإنها أصرّت على إجراء انتخابات داخلية من أجل انتخاب مجلس شورى جديد ينتخب من خلاله المراقب العام الذي تنتهي ولايته في نهاية الشهر الحالي. هذا، وكان محافظ العاصمة قد وجّه إلى الجماعة إنذارًا بعدم إجراء هذه الانتخابات لمخالفتها قانون الاجتماعات العامة حيث لم تنصع الجماعة لهذا الإنذار مما أدى إلى اتخاذ قرار بإغلاق المقر العام وإغلاق خمسة مقرات والتي جرت بها الانتخابات الفرعية حيث طالت فروع عمان وإربد والمفرق وجرش ومادبا والعقَبة. ولكن، على الرغم من المنع والإغلاق أجريت انتخابات للفروع في منازل الأعضاء وفاز معظم القيادات الحالية بالتزكية.
من جهته، رفض محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، إعطاء أي صبغة أو بعد سياسي لإغلاق مقرات الإخوان. وقال المومني خلال مؤتمر صحافي قبل أيام بأنه من هذا المنطلق حاول المسؤولون الحكوميون تجنّب التصريح في الموضوع. وأردف «هناك قضايا في المحاكم بين جماعة الإخوان المسلمين وجمعية الإخوان المسلمين، لكن ما يجري شكاوى تتقدم بها الجمعية المرخصة». وتابع: «تذكرون ما حصل حينما أرادت الجماعة عقد نشاط بذكرى مرور 70 سنة على تأسيسها... وصحيح أن القضاء لم يبت بعد بالقضايا، لكن الجمعية راجعت المؤسسات التنفيذية المعنية بنفاذ القانون مرات عدة بأن جهات أخرى تستخدم اسمها». ومن ثم حثّ المومني الجميع على الانصياع للقانون والالتزام به، قائلا: إنه لا توجد جهات يمكنها أن تتجاوز على القانون.
وحول الاتهامات بـ«اقتحام» مقر حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذي جرى قبل أيام، قال الوزير المومني بأن هناك خلطًا في المقرات بين شعب «الإخوان» ومقرات حزب «جبهة العمل الإسلامي»، مشددًا على أن الحزب غير مستهدف ويعمل كونه مرخّصا.
خلفية الموضوع
كما سبقت الإشارة، كانت قيادة جماعة الإخوان المسلمين التي يرأسها المراقب العام الدكتور همام سعيد قرّرت فصل المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات و49 قياديا في الإخوان، على خلفية «انشقاقهم وتقدمهم بطلب للحكومة لترخيص جماعة الإخوان المسلمين». ولقد حاولت مجموعة ما يعرف بـ«حكماء الإخوان» حل الأزمة وتطويق ذيولها إلا أنها فشلت، وتركّزت الخلافات على الأسباب التالية:
الأول: اتهام كل من تيار «الحمائم» و«اللجنة التحضيرية لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين» قيادة الجماعة الحالية ممثلة في المكتب التنفيذي - الذي يرأسه الدكتور سعيد - بقيادة تيار إقصائي، والعمل على تحريك تنظيم سرّي داخل الجماعة، وبتزوير الانتخابات من خلال «شراء الأصوات» و«شراء الذمم»، بينما يردّ المكتب باتهام معارضيه برفض الخضوع لنتائج الانتخابات.
الثاني: اتهام تيار «الحمائم» قيادة الجماعة بالتعنّت ورفض مبادرات الإصلاح، وعدم الالتفات للأصوات المعارضة لها، واللجوء بدلاً من ذلك لتشويه هذه المعارضة والاعتماد على شرعية الصندوق بدلاً من شرعية التوافق، بينما يقول المكتب إن دعاوى الإصلاح تتم خارج أطر الجماعة وتسعى للانشقاق عليها.
الثالث: الاختلاف على برنامج الجماعة وعملها، إذ يتهم «الحمائم» قيادة الجماعة برفض العمل بأجندة وطنية أردنية وإيلاء القضية الفلسطينية الأهمية الكبرى في برامجها، وعدم الاهتمام بالقضايا الوطنية وهموم الأردنيين، وبالعمل لمصلحة تيار من حركة حماس يريد السيطرة على إخوان الأردن، بينما ينفي المكتب هذه التهم ويرد بعض مؤيديه باتهام تيار «الحمائم» بالتخلي عن دعم «القضية المركزية للأمة».
تداعيات «الربيع العربي»
ومع انطلاق شرارة ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» دخلت المنطقة في حالة غير مسبوقة من النشاط السياسي والإعلامي والشعبي، بات معها من المستحيل لأي جماعة سياسية أن تعمل في السر، وأخذت نشاطات الإخوان وأسماء قياداتهم وأعضاء المجالس القيادية ونقاشاتهم الداخلية تظهر على صفحات المواقع الإلكترونية حتى قبل أن يعرف بها الإخوان أنفسهم!
ويرى علي أبو السكر، رئيس مجلس شورى حزب «جبهة العمل الإسلامي» وأحد أبرز قياديي جماعة الإخوان أن الجماعة «تتعرّض لضغوط من الحكومة والأجهزة الأمنية لكن العلاقة معها لا تصل إلى حالة القطيعة التامة أو المواجهة، لأن الحكومة تُدرك أن للجماعة دورًا كبيرًا في الوحدة الوطنية. وحتى الشارع الأردني يعرف أن الجماعة هي صمام أمان للوحدة الوطنية ومنع انزلاق الشباب نحو التطرّف والإرهاب لأنها تُشبع حاجاتهم الروحية في الانتماء الديني من خلال هذا الإطار المتوازن المعتدل البعيد عن العنف».
ويقول أبو السكر إن جماعة الإخوان «لها حضور شعبي واسع على الساحة الأردنية والعربية، وقاعدة واسعة في أكثر من 90 دولة في العالم، وتأثير في الشارع العربي والإسلامي، كما كان للجماعة حضور قوي في ثورات الربيع العربي، وهذا ما عرّضها لمحاولات الانتقام من قبل الأنظمة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية».
لمحة تاريخية
إلا أن مراقبين يتساءلون عما جرى بين الدولة الأردنية والإخوان على الرغم من تجربة التعايش الطويلة التي بدأت مع استقلال الأردن عام 1946. وعبر 70 سنة كان هناك تعاون في المفاصل التي مرت بها المملكة، فالملك عبد الله الأول هو الذي افتتح أول دار لـ«الإخوان»، وكان مؤسسو الجماعة على علاقة وثیقة به إذ كانت أبوابه مُشرعة لهم يستقبلهم ويستمع إليهم. وحین جاء الملك طلال لم يطرأ أي تغییر على العلاقة.
ثم جاءت مرحلة الملك الحسین التي طال فيها التعاون الاستراتيجي مع الإخوان للفترة الأطول في تاريخ الأردن (47 سنة)، وشهدت العلاقة خلالها تعاونًا في خندق المناهضة للانقلابیین البعثیین والناصريین. على الرغم من أن الإخوان ما كانوا قوة عسكرية فإنهم شكلوا ثقلاً شعبيًا ظهر بصور متعددة منها التظاهر والبیانات والخطب. وبعدها وقف الإخوان ضد مصادمة الفدائیین الفلسطينيين للدولة الأردنیة، كما لم يستغل الإخوان «أحداث الجنوب» (الأردني) كما فعل الیساريون.
هذا كله يحفظه النظام الأردني على الرغم من تفهمه أن الإخوان بمواقفهم هذه إنما كانوا يدافعون أيضًا عن أنفسهم لأن المتحركین في كل هذه المحطات هم أعداء لـ«الإخوان» ولو صار لهم الأمر لكان الإخوان في مقدمة ضحاياهم، كما حصل في مصر وسوريا والعراق ولیبیا.
وحقًا، كان الملك الحسین ممتنًا لمواقف الإخوان وعبر عن ذلك عام 1997م في معرض دعوته لهم للمشاركة في الانتخابات.
التغيّر والتغيير
وهنا يرى الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش أنه «منذ العام 1997 بدأ الخطاب الإخواني يتغیر إذ دخل طابع الحدة والتحدي وصار خطابهم أقرب لخطاب الیساريین الثوريین». ويتابع أنه «حینما حل الربیع العربي على الأمة ظهر خطاب مختلف جدًا يتصل بـ(الدولة) الإخوانیة وبخاصة بعد انتخاب الرئیس محمد مرسي في مصر ووجود حماس في غزة، وكانت قراءتهم أن تؤول لهم الأمور في تونس وسوريا ولیبیا، كما أنهم شعروا بأن تركیا تقف معهم... كل هذا دفع إخوان الأردن لرفع وتیرة الخطاب والتحدي وفرض الشروط، وراح واحد منهم يقول: نحن نجلب الغاز المصري للأردن. وراح قائدهم يقول: إن مطلب الإخوان تعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور وهي المواد التي تتعلق بصلاحیات الملك!».
ويضيف الدكتور العموش، الذي كان من قياداتهم قبل أن يستقلّ عنهم، أن الإخوان «لم يفكّروا بمن ستؤول له هذه الصلاحیات؟ فهل هم ضامن لرئیس الوزراء إذا كانوا يعنون ذلك؟». ويتساءل ماذا لو كان رئیس الوزراء يساريًا أو رأسمالیًا أو أو أو؟ ثم يقول: «لقد حضرت شخصیًا جلسة في حضرة الملك عبد الله الثاني حیث قال لقائد إخواني: إذا غیّرتم فخبّرونا كي نغیّر؟!! وفهمت من ذلك أن الملك يريد الاستمرار في العلاقة على سنن أبيه وجديه، ملوك الأردن، في العلاقة مع الإخوان، لكنه سیقرّر تغییر ذلك إذا غیّر الإخوان سیاستهم».
ويتابع العموش «نعم لقد غیّرت الجماعة طريقتها في التعامل مع المملكة الأردنية، ولهذا كان لا بد من التغییر، لكنه التغییر على الطريقة الأردنیة ولیس الطريقة المصرية أو السورية أو العراقیة أو اللیبیة. إنها طريقة تتحدّث عن حرفیة القانون، فالإخوان جمعیة وحین يصدر قانون للجمعیات ويطلب من الجماعة تصويب أوضاعها وفقه فعليها أن تفعل!. ولكن تلكأ الإخوان وراح المراقب العام يقول إن الجماعة أكبر من القانون، مما دفع المنشقین عن الإخوان للاستفادة من الفرصة والحصول على رخصة باسم (جمعیة الإخوان). وهنا وقع الإشكال في وجه الجماعة. فمن هو ممثل الإخوان؟ الجماعة التي تستند إلى التاريخ.. أم الجمعیة التي تأقلمت مع الواقع وقنصت الرخصة؟».
وهنا بدأ التنفیذ على الأرض حیث تم وضع الشمع الأحمر على مقار الجماعة التاريخیة باعتبارها غیر مرخصة، وهو تنفیذ لا يقف عند حدود الشمع الأحمر، بل هو إعلان عن نهاية حقبة وبدء عهد جديد ينسجم مع المحیط العربي والسیاسة الدولیة. وحسب العموش، مهما تحدث الإخوان عن مؤامرة أو تسییس فإنهم بلا شك هم الذين لم يفهموا الظروف ولم يحسنوا التعامل معها. والأخطر قد يقع إذا قرر الإخوان المواجهة فإنهم بلا شك سیسارعون إلى خط النهاية التي قد تكون ولن تبكي عليهم دول تعتبرهم جماعة إرهابیة وهو ما لا نريده للأردن صاحب السیاسة المتمیزة.
ولذا يتوقع العموش «أن يستسلم الإخوان لهذا الأمر ويكتفوا بالإعلان أنهم فكرة والأفكار لا ترخص، وأنهم لیسوا مجرد مقار، كما أن وجودهم الحزبي قائم عبر الذراع السیاسیة حزب (جبهة العمل الإسلامي) وهذا لا يعني توقفهم عن نقد الخطوة الحكومیة، بل ربما سعوا للقاء الملك. وفي ظني أن الأبواب قد أغلقها الإخوان يوم رفضوا دعوة الملك لهم عام 2013 للمشاركة في الانتخابات».
بين «الجماعة» و«الجمعية»
من جهته، يرى الدكتور إبراهيم نصير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، أن الجماعة «تعيش واقعًا صعبًا وتكمن صعوبته في أن المأزق الذي تمر به لا مخرج له. وهو مستعصٍ على مستويين: يتمثل الأول في وجود صراع بين الجمعية الجديدة والجماعة القديمة، والثاني ناجم عن الصراع داخل الجماعة القديمة متمثلة بتيار يقوده مجموعة من المخضرمين على رأسهم عبد اللطيف عربيات وإسحق الفرحان وحمزة منصور يحاول إحداث تغيير في بنية الجماعة، وإعادة تشكيل مكتب تنفيذي جديد، ومجلس شورى جديد، على أمل أن تبرز شخصيات أكثر اعتدالاً ووسطية، ربما يخفف من حالة التصادم القانوني والسياسي والإعلامي بين الدولة والجماعة». ويضيف أنه «إذا نجح هؤلاء في محاولتهم فإن الضغط الحكومي على الجماعة سيخفف في مقدمة لمصالحة مع الجمعية الجديدة. أما إذا فشلوا في ذلك فإن حزب جبهة العمل الإسلامي سيكون ملاذهم القانوني الوحيد». أما عن تجربة الجمعية فإن نصير يستبعد أن تحظى «بشرعية ودعم الشارع الأردني، كما حصل في تجارب سابقة مثل (جماعة زمزم) و(حزب الوسط الإسلامي)، وستبقى الشرعية الحقيقية مع جماعة الإخوان المسلمين الأم، لأن الجمعية المُرخصة بلا غطاء شعبي باعتبارها ملتصقة بالحكومة».
في المقابل، يقول الكاتب والمحلل السياسي فهد خيطان بأن قيادة الجماعة غير المرخصة «تدرك أن مسار الأحداث سيأخذها إلى أضيق مربّع في تاريخ علاقتها مع الدولة، وأن زمن الصفقات والتسويات في الغرف المغلقة انتهى إلى غير رجعة وأن المسار القانوني حسم النزاع على الشرعية وليست التطورات السياسية». ويضيف أن قيادة الجماعة «قللت كثيرًا من أهمية هذا المتغيّر، كونها تحوز على شرعية تنظيمية تفوق بكثير ما لدى الجمعية المرخصة. لكن مثل هذا الأمر يبدو بلا قيمة في نظر القانون. ومع مرور الوقت، ستفرض الوقائع نفسها، وتجد الجماعة غير المرخصة نفسها عاجزة فعليًا عن ممارسة نشاطاتها تحت اليافطة نفسها. وهذا ما حدث عندما أغلقت السلطات المقر الرئيسي، الذي يعد غرفة عمليات الجماعة، ومركز عملها الرئيسي.
ثم إن أملاك الجماعة في الأصل هي محل نزاع قضائي، ومن غير المتوقع حسم النزاع في وقت قريب. وبغض النظر عن طبيعة القرار النهائي للقضاء، فإن فرص الجماعة بمواصلة عملها كما كان في السابق تبدو معدومة تمامًا، إذ سيكون بمقدور السلطات الرسمية تفعيل القانون في أي لحظة، ومنع الجماعة من القيام بأي تحرك أو نشاط».
ويرى خيطان أن الخيار الوحيد المتاح في هذه الحالة «هو العمل تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي، باعتباره العنوان الدائم والوحيد للعمل السياسي، والتنازل عن الجماعة كإطار فقد مشروعيته من الناحية القانونية».. ويؤكد أنه «إذا كانت الدولة جادة فعليًا في تصويب الاختلالات التاريخية في علاقتها مع الجماعة والحزب، فإن عليها في المقابل أن تطلب من الجمعية المرخصة عدم ممارسة أي نشاط سياسي، وتأسيس حزب سياسي مستقل تماما عن جماعة الإخوان المسلمين، ولا يخضع لسلطتها بأي شكل من الأشكال». ويعتقد أن «الازدواجية التنظيمية بحد ذاتها مرفوضة وتخالف القانون، وتخلق وضعا شاذا يسمح بوجود تنظيمين، واحد تحت الأرض والثاني فوقها. أما بالنسبة لمن يود العمل في المجالات الخيرية والدعوية، فذلك متاح له ضمن صيغة يكفلها قانون الجمعيات في الأردن». ويختتم بالقول: «باختصار، لا نريد جماعة مدللة وأخرى مضطهدة في الأردن، وإنما أحزاب سياسية تحت الشمس، تعمل في ظل الدستور والقانون. بخلاف ذلك، فلتغلق كل المقرّات بالشمع الأحمر».



خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.