بعد عقود من الاعتماد على النفط.. محمد بن سلمان يغير المعادلة

ولي ولي العهد السعودي يفتح قلبه في حوار مع «بلومبيرغ» * 8 ساعات غير مسبوقة مع «سيد كل شيء»

بعد عقود من الاعتماد على النفط.. محمد بن سلمان يغير المعادلة
TT

بعد عقود من الاعتماد على النفط.. محمد بن سلمان يغير المعادلة

بعد عقود من الاعتماد على النفط.. محمد بن سلمان يغير المعادلة

في وقت مبكر من العام الماضي، زار الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، عمه الملك عبد الله في المخيم الملكي في روضة خريم، وذلك قبل أيام كثيرة من دخول الملك عبد الله المستشفى. من دون علم أي شخص من خارج بيت آل سعود كانت العلاقة بين الرجلين اللذين يفصل بينهما بالسن 59 عامًا متقلبة؛ إذ منع الملك عبد الله في إحدى المرات ابن أخيه الذي كان يبلغ من العمر 26 عاما آنذاك، من دخول وزارة الدفاع، وذلك بعد وصول شائعات للديوان الملكي أن الأمير كان شخصية مُخربة ومتعطشة للسلطة.
ولكن في وقت لاحق، فإن كلا الشخصين ازداد قُربًا من الآخر، وكلاهما كان يحمل إيمانًا مشتركًا بأنه يجب على السعودية أن تتغير بشكل كبير، وإلا سوف تواجه الدمار في عالم سوف يتخلى عن النفط. ولمدة عامين وبتشجيعٍ من الملك عبد الله، كان الأمير يخطط بهدوء من أجل إعادة هيكلة اقتصاد وحكومة المملكة العربية السعودية، وذلك بهدف تحقيق ما سماه «أحلامًا مختلفة» لجيله، جيل ما بعد عصر الكربون. توفي الملك عبد الله بعد وقت قصير من زيارة الأمير في يناير (كانون الثاني) من عام 2015. وتولى والد الأمير محمد سُدة الحكم، وأعلن الملك سلمان عن تعيين ابنه وليًا لولي العهد ومنحه سلطة غير مسبوقة في التحكم بالنفط المملوك للدولة، وصندوق الاستثمارات العامة، والسياسة الاقتصادية، ووزارة الدفاع. في الوقت الحالي، الأمير محمد بن سلمان يُعد فعليًا هو القوة المحركة خلف أقوى عرش في العالم. ويطلق الدبلوماسيون الغربيون في الرياض على الأمير البالغ من العمر 31 عامًا، لقب «سيد كل شيء».
قال الأمير محمد: «منذ الاثنتي عشرة ساعة الأولى، تم إصدار القرارات». وأضاف: «في أول 10 أيام أُعيد تشكيل الحكومة بأكملها». تحدث الأمير لثماني ساعات في مقابلتين مع وكالة «بلومبيرغ» أجريتا في الرياض واللتين تمثلان نظرة نادرة للفكر الشرق أوسطي الجديد، فكرٍ يحاول محاكاة ستيف جوبز، فكرٍ يستشهد بألعاب الفيديو بأنها إبداعٌ مثير ويعمل 16 ساعة يوميًا في بلادٍ لا تعاني من شحٍ في الوظائف السهلة.
في هذا العام كانت هناك حالة شبيهة بالذعر عندما اكتشف مستشارو الأمير أن السعودية تستهلك احتياطاتها النفطية بصورة سريعة لم يدركها أحد، واحتمالية الإفلاس بعد عامين فقط. لقد تسبب هبوط الإيرادات النفطية في عجز يبلغ 200 مليار دولار في الميزانية. وهذه مجرد لمحة لمستقبل لا تستطيع فيه السلعة الوحيدة المصدرة للسعودية دفع فواتير البلاد بعد الآن، سواء كان ذلك بسبب غرق السوق بالنفط أو بسبب سياسات تغير المناخ. المملكة العربية السعودية اعتمدت تاريخيًا على القطاع النفطي لـ90 في المائة من ميزانية الدولة، مشكّلة تقريبًا جميع إيرادات السلع المصدرة، وأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المخطط له في تاريخ 25 أبريل (نيسان) الحالي إعلان الأمير لـ«رؤية المملكة العربية السعودية»، وهي خطة تاريخية تتضمن تغييرات اجتماعية واقتصادية واسعة. كما تتضمن إنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم يحوي أكثر من تريليوني دولار أميركي من الأصول، وهي كافية لشراء شركات «آبل» و«غوغل» و«مايكروسوفت» و«بيركشير هاثاواي» التي تُعتبرُ أكبر شركات العالم المطروحة في السوق. ويخطط الأمير محمد بن سلمان لطرح اكتتاب عام يتم فيه بيع «أقل من 5 في المائة» من «أرامكو السعودية» التي تعد شركة النفط الوطنية والتي سوف تصبح أكبر تكتل صناعي في العالم. كما أن الصندوق سوف يحقق التنوع في أصوله البترولية، وبالتالي التحوط من الاعتماد الكلي تقريبًا للمملكة العربية السعودية على النفط من أجل تحقيق الإيرادات. وقال الأمير إن هذه التحركات الكبيرة «سوف تجعل فعليًا الاستثمارات مصدر إيرادات الحكومة السعودية وليس النفط»، وأضاف: «لذا في غضون 20 سنة، سوف نكون اقتصادًا أو دولة لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط».
يقول أحد كبار الضباط الأميركيين السابقين، الذي التقى مؤخرًا الأمير، إن الأمير قال إنه مستعد للسماح للمرأة بالقيادة، لكنه ينتظر اللحظة المناسبة لمناقشة المؤسسة الدينية المُحافظة، التي تُسيطر على الحياة الاجتماعية والدينية، حيث قال له حسب قوله: «بما أنه كان يُسمح للنساء بركوب الجمال (في عهد النبي محمد) فربما علينا تركهم يركبون الجمال الحديثة». بينما قال الأمير لـ«بلومبيرغ»: «ليس لديّ مشكلة مع المؤسسة الدينية الرسمية فيما يخص قيادة المرأة للسيارة، وأن المشكلة التي أعمل على حلها هي مع أولئك الذين يشوهون الحقائق على المؤسسة الدينية كي لا تحصل النساء على حقوقهن الكاملة التي كفلها لهن الدين الإسلامي».
وأضاف قائلا في لقائه مع موقع «بلومبيرغ» الاقتصادي في الرياض الثلاثاء الماضي: «نؤمن أن هناك حقوقًا للنساء في دين الإسلام لم يحصلن عليها بعد».
لم يخض الأمير محمد في تفاصيل أي استثمارات غير نفطية مخطط لها، لكنه يقول: «إن الصندوق السيادي العملاق سيشكل فريقًا واحدًا مع شركات الأسهم الخاصة للاستثمار في نهاية المطاف بنصف حصصها في الخارج، باستثناء حصة (أرامكو)، في الأصول التي سوف تؤدي إلى تدفق أرباح مستمر من الوقود الأحفوري». هو يعلم أن الكثير من الناس غير مقتنعين، حيث قال في منتصف شهر أبريل: «هذا هو سبب جلوسي معكم اليوم، أريد إقناع شعبنا بما نقوم به، وأريد إقناع العالم». يقول الأمير محمد إنه اعتاد على مواجهة الممانعة، واستشهد بأعدائه البيروقراطيين الذين اتهموه ذات مرة عند والده والملك عبد الله بمحاولاته لسحب السلطة.
خلال الطفرة النفطية التي حدثت بين عامي 2010 و2014. وصل الإنفاق السعودي إلى درجة خيالية. المتطلبات السابقة التي كانت تحتم على الملك الموافقة على جميع العقود التي تتجاوز قيمتها 100 مليون ريال (26.7 مليون دولار أميركي) أصبحت أكثر مرونة لتصل أولاً إلى 200 مليون دولار ثم إلى 300 مليون دولار ثم إلى 500 مليون دولار، وبعد ذلك، يقول محمد آل الشيخ، خريج جامعة هارفارد ومستشاره المالي والمحامي السابق في «لاثام آند واتكنز» والبنك الدولي، علقت الحكومة القانون بالكامل.
صحافي يسأل: «كم كان يضيع؟»، حدق آل الشيخ بعينيه على الطاولة قبل أن يقول: «هل يمكنني إيقاف هذا (المسجل)؟». ليتدخل الأمير: «لا، يمكنك أن تقول ذلك علنًا». يقول آل الشيخ في إجابته عن السؤال: «أرجح تخمينات هو أنه قد كان هناك إنفاق غير فعال يقدر بمبلغ يتراوح بين 80 إلى 100 مليار دولار» سنويًا، أي ما يعادل ربع ميزانية السعودية بالكامل، ليتدخل الأمير محمد ويقود دفة الاستجواب سائلاً إياه: «ما مدى قرب السعودية من التعرض إلى أزمة مالية»؟
ليقول محمد آل الشيخ. إن الحال اليوم أفضل بكثير. ويستطرد: «لكنك لو سألتني نفس السؤال قبل سنة واحدة من الآن بالضبط، لربما أوشكت حينها على التعرض إلى انهيار عصبي». ثم روى قصة لم يسمع عنها أحد من قبل من خارج الحرم الداخلي للمملكة. قال فيها: في الربيع الماضي، عندما توقع صندوق النقد الدولي وغيره أن تساعد الاحتياطيات السعودية في إنقاذ البلاد لمدة خمس سنوات على الأقل من انخفاض أسعار النفط، اكتشف فريق الأمير أن المملكة ستصبح وبسرعة في حالة إعسار. ولو بقي وضع الإنفاق عند مستويات شهر أبريل من العام الماضي لتعرضت المملكة «للإفلاس التام» خلال عامين فقط، في أوائل عام 2017. ويقول آل الشيخ إنه من أجل تجنب الكارثة، قام الأمير بتقليل الميزانية بنسبة 25 في المائة، وأعاد تطبيق ضوابط الإنفاق الصارمة واللجوء إلى أسواق الدين، كما بدأ في تطوير ضريبة القيمة المضافة والرسوم الأخرى، ما عمل على التقليل من معدل استنزاف احتياطات السعودية النقدية الذي وصل إلى 30 مليار دولار أميركي في الشهر خلال النصف الأول من عام 2015. عندها أنهى آل الشيخ تقريره السلبي من الناحية المالية، وقال له الأمير: «شكرًا لك».
في الحوار هذه المرة قام الأمير بالحديث عن نفسه وعن نشأته، حيث قال بأنه قد استفاد خلال نشأته مؤثرين مهمين: التكنولوجيا والعائلة المالكة. فقد كان جيله هو أول جيل يستخدم شبكة الإنترنت، وأول من لعب ألعاب الفيديو، وأول من يحصل على معلوماته عبر الشاشات؛ إذ يقول «نحن نفكر بطريقة مختلفة جدا. وأحلامنا كذلك مختلفة».
يُعد والده قارئا نهما، واعتاد على توجيه أبنائه لقراءة كتاب واحد أسبوعيا، ومن ثم يقوم باختبارهم لمعرفة من التزم بالقراءة. وأما والدته، ومن خلال الموظفين الخاصين بها، فإنها تقوم بتنظيم دورات ونشاطات يومية غير روتينية، ورحلات ميدانية، وجلب مجموعة من المفكرين لإجراء مناقشات تستمر لـ3 ساعات. يقول الأمير إن التأخير على وجبة العشاء بالنسبة لوالده يُوصف بـ«الكارثة». وكانت والدتي صارمة «مما دفعني أنا وإخواني للتساؤل عن سبب معاملة والدتي لنا بهذه الطريقة؟ لم تكن تتغاضى أبدا عن الأخطاء التي نرتكبها». أما الآن فيعتقد الأمير أن عقابها قد جعل منه شخصًا أقوى.
وبحسب ما صرح به الأمير محمد، فإن لديه 4 إخوة غير أشقاء يتطلع إليهم، أحدهم كان رائد فضاء وشارك في رحلة لاكتشاف الفضاء، وكان أول عربي مسلم يصل إلى الفضاء الخارجي. أما الثاني فهو نائب وزير النفط والثروة المعدنية. أما الأخ الثالث فقد أصبح أستاذا جامعيا يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد. الأخ الرابع انتقل إلى جوار ربه في عام 2002، وهو مؤسس أكبر مجموعة إعلامية في الشرق الأوسط. عمل جميعهم عن قرب مع الملك فهد؛ لأنه الأخ الشقيق لوالدهم، وقال الأمير عن ذلك: «مما سمح لنا أن نراقب ونعيش» الأجواء المحمومة في الديوان الملكي.
يرى الأمير محمد نسختين محتملتين لنفسه: إحداهما يسعى إلى تحقيق رؤيته الخاصة، أما الأخرى فهو الذي يسعى إلى التكيف مع محيطه كما هو، وعلق الأمير على ذلك بقوله: «هناك فرق كبير بين الاثنين، حيث يستطيع الأول أن يوجد شركة أبل، والثاني يستطيع أن يكون موظفا ناجحا. لقد كنت أمتلك خلال نشأتي أدوات أكثر بكثير من تلك التي توافرت لستيف جوبز أو زوكبيرغ أو بيل غيتس. فقط لو أنني اتبعتُ طرقهم في العمل فما الذي بإمكاني أن أوجده؟ لقد كان كل ذلك يدور في ذهني عندما كنت صغيرا في السن».
في عام 2009، رفض الملك عبد الله الموافقة على ترقية الأمير محمد، وذلك تجنبا أن يظهر الأمر نوعا من المحسوبية. غادر الأمير محمد وهو يحس بمرارة الأمر وذهب للعمل لوالده في إمارة الرياض. وقد دخل بذلك متاهة تشبه وكر الأفعى. وكما قال الأمير محمد، فإنه حاول تبسيط الإجراءات لحماية والده من الإرهاق جراء كثرة المعاملات الورقية، لكن الحرس القديم تمرد عليه. فقد وجهوا اتهاما للأمير بأنه يستحوذ على السلطة بقطعه لسبل تواصلهم مع والده ونقلوا شكواهم إلى الملك عبد الله. وفي عام 2011، قام الملك عبد الله بتعيين الأمير سلمان وزيرا للدفاع، ولكنه أمر الأمير محمد بألا تطأ قدمه وزارة الدفاع.
استقال الأمير محمد من منصبه الحكومي وذهب للعمل على إعادة تنظيم مؤسسة والده والتي تبني المساكن، وبدأ عمله غير الربحي الذي يهدف إلى رعاية الابتكار والقيادة لدى الشباب السعودي. أصبح والده وليا للعهد في عام 2012. وبعدها بـ6 أشهر رشحه والده رئيسا لديوان ولي العهد. وتدريجيا، نجح الأمير محمد في إعادة بناء الثقة مع الملك عبد الله، حيث وكلت إليه مهام في الديوان الملكي والتي تتطلب رجلا قويا.
بينما كان الأمير محمد يضع الخطط استعدادا لتسلم والده السلطة أتى الملك إليه وكلفه بمهمة كبيرة: وهي إصلاح وزارة الدفاع. وكما وصفها الأمير بأنها مشاكل استعصى إيجاد حلول لها على مدى سنين. «قلت له، أرجوك أنا لا أُريد هذا» فصرخ علي وقال: «لستَ أنت من يُلام، ولكن علي أنا – لحديثي معك». كان آخر ما أراده الأمير محمد حينها هو أن يكون لديه أعداء أقوياء أكثر. أصدر الملك مرسوما ملكيا يُعين بموجبه الأمير محمد مشرفا على مكتب وزير الدفاع، وبعدها قرر تعيينه عضوا في مجلس الوزراء.
وبعد أقل من أسبوع من وفاة الملك عبد الله وتقلد الملك سلمان سدة الحكم، أصدر والده قرارا بتعيين الأمير محمد وزيرا للدفاع، ورئيسا للديوان الملكي ورئيسا لمجلس للإشراف على الاقتصاد تم إنشاؤه حديثا. وبعد 3 أشهر، استبدل الملك أخاه غير الشقيق، ولي العهد، رئيس الاستخبارات الأسبق الذي عينه الملك عبد الله وليًا لولي العهد قبل سنتين، ووضع ابن أخيه وابنه في ترتيب ولاية العرش. وذكر مرسوم الملك بأن هذه الخطوة قد وافق عليها أغلبية أعضاء هيئة بيعة آل سعود. وقد أُعطي الأمير محمد قيادة شركة «أرامكو» بموجب مرسوم ملكي بعد 48 ساعة.
يقسم الأمير وقته بين قصور والده ووزارة الدفاع؛ إذ يعمل منذ الصباح حتى بعد منتصف الليل في معظم الأيام. وتدعي حاشيته بأن علاقته مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف جيدة؛ إذ يملكون مخيمات ملكية متجاورة. يقوم الأمير محمد بعقد اجتماعات متكررة مع الملك، ويقضي جلسات طويلة مع المستشارين والمساعدين وهم منكبون على البيانات الاقتصادية والنفطية. ويستضيف الشخصيات الأجنبية والدبلوماسيين أيضا، وهو الرجل الرئيسي خلف حرب المملكة في اليمن المثيرة للجدل ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. فرغم حديث الأمير عن الادخار، إلا أن الحرب قد كلفت الكثير؛ إذ قال الأمير عن هذا الصراع: «نؤمن بأننا قريبون جدا من الحل السياسي. ولكن إذا انتكست الأمور، فنحن مستعدون».



تحذير أممي من تمدد التنظيمات المتطرفة إلى مناطق الصراعات

انطلاق مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود» بالكويت (كونا)
انطلاق مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود» بالكويت (كونا)
TT

تحذير أممي من تمدد التنظيمات المتطرفة إلى مناطق الصراعات

انطلاق مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود» بالكويت (كونا)
انطلاق مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود» بالكويت (كونا)

أكدت الكويت التزامها بالعمل مع المجتمع الدولي لموجهة التحديات المستجدة للإرهاب، وشددت على أهمية ترسيخ العمل الدولي لمكافحة الإرهاب.

في حين حذرّ ممثل الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من ارتفاع عدد حالات الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية، مشيراً إلى أن أحدث نسخة من «مؤشر الإرهاب العالمي» تشير إلى تسجيل زيادة بنسبة 22 في المائة في الوفيات العالمية الناجمة عن الإرهاب عام 2023.

كما حذر وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف من أن مناطق الصراعات الدولية يمكنها أن توفر خزاناً بشرياً للمنظمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة».

وقال ولي العهد الكويتي الشيخ صباح الخالد في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للنسخة الرابعة من مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود - مرحلة الكويت من عملية دوشنبه»، الذي انطلق، الاثنين، في الكويت: «إننا نعوِّل على مرحلة دولة الكويت من عملية دوشنبه بأن تسهم في ترسيخ أطر العمل الدولي الرامي إلى خلق مستقبل مزدهر ينعم الجميع فيه بالأمن والأمان ويسوده الاستقرار في ظل سيادة القانون فالإرهاب يشكل آفة لا تعترف بأي حدود ولا تفرِّق بين الدول أو الأديان».

وسيختتم المؤتمر أعماله، الثلاثاء، باعتماد «إعلان الكويت بشأن أمن الحدود وإدارتها»، الذي سيعكس المناقشات والآراء ووجهات نظر المشاركين وسيعمل كوثيقة توجيهية لجهود مكافحة الإرهاب وبناء القدرات في مجال أمن الحدود.

ودعا ولي العهد الكويتي إلى العمل الجماعي لمكافحة الإرهاب وضمان أمن الحدود، وقال إنه «في الوقت الذي تزداد فيه الاختلافات والتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا بد أن نحافظ على تكاتفنا مجتمعاً دولياً واحداً في مواجهة هذه الآفة بشكل استراتيجي ومؤسسي كما يستوجب علينا دائماً أن نعيد تأكيد أن الإرهاب والتطرف العنيف الذي يقود إليه ليس لهما أي ارتباط أو اتصال بأي دين أو حضارة أو جماعة عرقية».

كما أكد الدور المحوري لكل من برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ومركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فيما يتعلق بأمن الحدود وإدارتها، «حيث إنهما يوفران الخبرات الفنية اللازمة للدول الأعضاء والهيئات الإقليمية بغية تطوير استراتيجيات شاملة لأمن الحدود تندمج فيها تدابير مكافحة الإرهاب علماً بأن هذا المبدأ الشمولي التكاملي من شأنه أن يخلق تجاوباً أفضل لمواجهة التحديات والتهديدات الناشئة عند المناطق الحدودية».

ولي العهد الكويتي خلال افتتاحه النسخة الرابعة من المؤتمر (كونا)

تعزيز التعاون الدولي

في حين أكد رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان، أن المرحلة الكويتية لـ«مسار دوشنبه لمكافحة الإرهاب وتمويله» تعد عاملاً فعالاً في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وإنشاء آليات حدودية فعالة.

وقال الرئيس رحمان في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رفيع المستوى الرابع حول «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وبناء آليات مرنة لأمن الحدود»، إن «شراكتنا في هذا السياق هي أنموذج للمسؤولية المشتركة، وهي ضرورية ومُلحّة للغاية من أجل مقاومة الإرهاب في الظروف الجيوسياسية الراهنة».

وأضاف: «لا شك أن هذا المؤتمر سيسهم في تنسيق وتعزيز التعاون على المستوى الدولي خصوصاً بين دول ومناطق آسيا الوسطى ومجموعة الدول العربية وأفريقيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)».

ولفت إلى أن «طاجيكستان بصفتها صاحبة المبادرة لإطلاق (مسار دوشنبه) تؤكد من جديد التزامها التعاون مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين»، مضيفاً: «لقد بات الإرهاب والتطرف ومظاهر العنف تشكل اليوم تهديداً عالمياً، مما يثير القلق لدى البشرية جمعاء. إن نشر الأفكار المتطرفة وإثارة الكراهية والصراع الديني في المجتمع واستقطاب الشباب لارتكاب الجرائم الإرهابية، أصبحت سلاحاً واقعياً للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي من خلال تعزيز أنشطتها باستخدام هذه الوسائل تسعى لتغيير الأنظمة الاجتماعية والسياسية لهذا البلد أو ذاك عن طريق العنف».

وتابع: «كما أن هذه المنظمات والجماعات تستخدم اليوم على نطاق واسع قدرات تكنولوجيات المعلومات المتقدمة في أثناء تنفيذ أهدافها الشنيعة. ومن الضروري أن يهتم المسؤولون والخبراء بهذا الموضوع وأن يتخذوا التدابير الفعالة حيال ذلك»، مضيفاً: «إن مسألة منع التطرف خصوصاً بين الشباب تتطلب اتخاذ تدابير خاصة. إن التحديات الأمنية التي نواجهها اليوم لا تتطلب منَّا الإرادة القوية فحسب بل أيضاً القدرة على التعاون على المستوى العالمي. ولن نتمكن من تحقيق النجاح في مكافحة الإرهاب والتهديدات التي يشكِّلها إلا من خلال التعاون الدولي الواسع والمنسَق».

جانب من مؤتمر «تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب» (كونا)

وبيّن أن «تصاعد وتيرة الإرهاب والتطرف والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية وتهريب المخدرات والجرائم الإلكترونية، لا يزال يهدد الأمن الدولي. فبناءً على ذلك، إلى جانب مواجهة هذه التهديدات، يجب علينا أن نقوِّي تنسيق إجراءاتنا من أجل تعزيز السلام والاستقرار والأمن». وقال: «إن الجماعات الإرهابية تحرص وتعمل باستمرار على اختراق الحدود بغية توسيع نطاق أنشطتها المدمرة».

مؤشر الإرهاب

في حين أكد وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، في كلمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر؛ أن التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب ينبغي أن يكون بمنزلة المنارة التي تلهم جميع الأطراف المعنية نحو التنسيق والتعاون الفاعلين لتأمين بلدانها ومنع تحركات الإرهابيين وعملياتهم عبر الحدود الوطنية.

وذكر فورونكوف أن «المشهد الأمني العالمي يستمر في التطور، حيث يستغل الإرهابيون نقاط الضعف في حدودنا»، مشيراً إلى أن تقارير خبراء حديثة تُظهِر أن ما يزيد على 40 في المائة من الأحداث العنيفة و10 في المائة من الوفيات المرتبطة بالعنف السياسي تحدث على بُعد 100 كيلومتر من الحدود البرية.

وأوضح أن هذا الارتباط يتضح بشكل خاص فيما يتعلق بالوجود الإرهابي المتوسع نحو الدول الساحلية في غرب أفريقيا مثل بنين وكوت ديفوار وغانا وتوغو، مؤكداً أن «عدد حوادث العنف في المناطق الحدودية ارتفع بنسبة 250 في المائة خلال العامين الماضيين».

وشدد وكيل الأمين العام على أن هذه الاتجاهات تجري في سياق أوسع من التهديد الإرهابي المتطور، حيث تشير أحدث نسخة من «مؤشر الإرهاب العالمي» إلى تسجيل زيادة بنسبة 22 في المائة في الوفيات العالمية الناجمة عن الإرهاب عام 2023 مع ارتفاع عدد القتلى إلى 8352 شخصاً، وهو أعلى رقم مسجل منذ عام 2017.

ونبَّه إلى أن استخدام الجماعات الإرهابية مثل ما يسمى تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة» والتنظيمات الإرهابية التابعة لهما، طرق السفر المعمول بها، لا يزال يشكل خطراً خصوصاً في المناطق المعرَّضة للصراع مثل منطقة الساحل، حيث يمكنهم تجنيد الأفراد ونقلهم وتهريبهم عبر الحدود التي لا تحظى بالحماية الكافية.

وقال فورونكوف: «إننا نؤكد اليوم أهمية (استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب) و(ميثاق المستقبل) الذي اعتُمد أخيراً»، مشدداً على أن «كليهما يعكس التزام المجتمع الدولي إزاء مواجهة محركات الإرهاب وضمان السلام المستدام».

وذكر في هذا السياق أن «ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب» الذي يضم 46 كياناً ومجموعة عمل في شأن إدارة الحدود وإنفاذ القانون التابعة له «يظل محورياً لجهودنا لتقديم استجابة منسَّقة للأمم المتحدة للإرهاب».

ويشارك في المؤتمر، الذي تستضيفه الكويت على مدى يومين، أكثر من 450 مشاركاً، بينهم 33 وزيراً، بالإضافة إلى ممثلين عن الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، و23 منظمة دولية وإقليمية، و13 منظمة من المجتمع المدني.

ويعد هذا المؤتمر استمراراً لعملية «دوشنبه لمكافحة الإرهاب وتمويله»، التي أطلقتها طاجيكستان في عام 2018، وهو النسخة الرابعة من تلك العملية بعد المؤتمرات السابقة التي عُقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه في أعوام 2018 و2019 و2022.

ويمثل المؤتمر منصة محورية لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي بشأن أمن الحدود في سياق مكافحة الإرهاب وتمويله، كما يتيح الفرصة لتبادل الخبرات والرؤى حول مكافحة الإرهاب ومناقشة الدروس المستفادة من التحديات المشتركة وسبل مواجهة التهديدات الناشئة عن الإرهاب.