انتعاش الاستثمار العقاري في الصين «قبلة حياة» للاقتصاد الراكد

نما بنسبة 6.2 % على أساس سنوي في الربع الأول

عامل صيني فوق رافعة بأحد مواقع البناء في العاصمة الصينية بكين (رويترز)
عامل صيني فوق رافعة بأحد مواقع البناء في العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

انتعاش الاستثمار العقاري في الصين «قبلة حياة» للاقتصاد الراكد

عامل صيني فوق رافعة بأحد مواقع البناء في العاصمة الصينية بكين (رويترز)
عامل صيني فوق رافعة بأحد مواقع البناء في العاصمة الصينية بكين (رويترز)

أظهرت بيانات رسمية أن الاستثمار بالقطاع العقاري في الصين ارتفع بنسبة 6.2 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، مع تسارع النمو في مساحات الأراضي المبيعة إلى 33.1 في المائة.
وتشير البيانات التي أصدرها المكتب الوطني للإحصاءات، يوم الجمعة الماضي، إلى انتعاش من زيادة بلغت 3 في المائة في الشهرين الأولين في 2016.
ويؤثر الاستثمار العقاري بشكل مباشر على نحو 40 من قطاعات الأعمال الأخرى في الصين، ويعتبر محركا حيويا للنمو.
ومن ناحية أخرى، قالت وزارة المالية الصينية مطلع الأسبوع إن الإنفاق من ميزانية الصين قفز بنسبة 20.1 في المائة في مارس (آذار)، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي في حين زادت الإيرادات 7.1 في المائة. وارتفع الإنفاق من الميزانية 15.4 في المائة في الربع الأول من 2016. مقارنة مع الفترة نفسها في 2015. في حين زادت الإيرادات بنسبة 6.5 في المائة.
وتعزز نتائج تلك التقارير من مؤشرات سابقة، تبث الأمل في تحسن اقتصاد الصين والنهوض من الكبوة.. ويتوقع عدد كبير من المحللين أن يمثل الانتعاش العقاري «قبلة الحياة» للاقتصاد الصيني، وذلك رغم المخاوف التي تحيط بالسوق العقارية في الصين، والتي تتصل أساسا بنشوء «فقاعة عقارية» نتيجة تصاعد تقييمات الأصول بأكثر من قيمتها الحقيقية.
وأظهرت بيانات رسمية أصدرتها مصلحة الدولة للإحصاء قبل أسبوعين تواصل تحسن سوق الإسكان الصينية في شهر فبراير (شباط) الماضي، إذ سجلت أكثر من نصف المدن الكبيرة التي شملها مسح أجري بهذا الخصوص ارتفاعًا في أسعار المساكن الجديدة على أساس شهري.
وأضافت المصلحة في بياناتها أن من بين 70 مدينة كبيرة ومتوسطة الحجم شملها المسح في فبراير، ارتفعت أسعار المساكن الجديدة في 47 منها على أساس شهري، مقارنة بـ38 في الشهر الأسبق، بحسب وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).
وفي الوقت نفسه، سجلت 15 مدينة تراجعًا في الأسعار على أساس شهري، بانخفاض عن 24 مدينة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وعلى أساس سنوي، سجلت 32 مدينة زيادة في أسعار المساكن الجديدة و37 مدينة سجلت انخفاضا، مقارنة مع 25 مدينة و45 مدينة على التوالي في شهر يناير الماضي.
وسجلت أسعار المساكن الجديدة ارتفاعًا بنسبة 57.8 في المائة على أساس سنوي في مدينة شنتشن بجنوبي الصين، وهي الزيادة الأكبر المسجلة في فبراير بين جميع المدن الكبيرة، تلتها مدينتا شنغهاي وبكين، اللتان شهدتا زيادة في الأسعار بنسبة 25.1 في المائة، و14.2 في المائة على التوالي على أساس سنوي، فيما سجلت مدينة داندونغ في شمال شرقي البلاد أكبر انخفاض في الأسعار بنسبة 3.9 في المائة. كما شهدت أسعار المساكن القائمة تحسنا أيضا في فبراير، مع تسجيل 34 مدينة أسعار أعلى على أساس شهري و28 مدينة أسعارا أقل.
وبدأت سوق العقارات الصينية انتعاشها في النصف الثاني من عام 2015 بعد ركودها لأكثر من سنة، مدفوعة بتدابير الدعم الحكومية كتخفيض أسعار الفائدة ومتطلبات الودائع الأقل.
وشهدت بعض الصفقات العقارية في الأشهر الأولى من العام الحالي تخفيضا أكثر للضرائب بخصوص الدفعات الأولية الدنيا التي يتوجب دفعها بالنسبة لمشتري المساكن للمرة الأولى والثانية.
وتظهر تلك البيانات متزامنة مع تقارير أخرى مقلقة، إذ ذكرت تقارير صحافية أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي في الصين) دعا البنوك التجارية الكبرى في البلاد لاجتماع خلال الشهر الماضي، للتشديد على التقيد بقواعد الإقراض العقاري.
ونقلت وكالة «بلومبيرغ» عن مصادر على صلة بالأمر، أن بنك الشعب في الصين حث المصارف التجارية على عدم التنافس بشكل حاد على القروض العقارية. وأشارت المصادر إلى أن بنك الشعب الصيني طالب المصارف أيضًا بتعزيز المراقبة على مصادر أموال الدفعة الأولى من أسعار المنازل.
وكان الاجتماع قد عقد في مدينة «شنتشن» في مقاطعة «غوانغدونغ» الصينية، التي تشهد أكبر معدل ارتفاع في أسعار المنازل في البلاد، وسط مخاوف بشأن تصاعد أسعار الأصول العقارية بما يفوق القيمة الحقيقية.
وكان بنك الشعب الصيني أشار في بيان له منتصف مارس الماضي، إلى أن حجم القروض العقارية للشراء الفردي واصل ارتفاعه خلال عام 2015. وذكر البيان أن الرقم بلغ 13.1 تريليون يوان (نحو تريليوني دولار أميركي) حتى نهاية العام الماضي، بزيادة 23.9 في المائة على أساس سنوي.
واحتلت القروض العقارية خلال العام الماضي 22.4 في المائة من إجمالي القروض في جميع القطاعات، بزيادة 1.1 نقطة مئوية على أساس سنوي.
وقد قام بنك الشعب الصيني بخفض أسعار الفائدة خمس مرات في العام الماضي بهدف تعزيز سوق العقارات ومكافحة تباطؤ الاقتصاد الكلي.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»