رئيس منظمة «خيمة العراق»: أقمنا مخيمًا لنازحي الأنبار بدون دعم حكومي

13 عامًا على الاحتلال الأميركي للعراق.. وملايين اللاجئين والمهجرين بلا مأوى

رئيس منظمة «خيمة العراق»: أقمنا مخيمًا لنازحي الأنبار بدون دعم حكومي
TT

رئيس منظمة «خيمة العراق»: أقمنا مخيمًا لنازحي الأنبار بدون دعم حكومي

رئيس منظمة «خيمة العراق»: أقمنا مخيمًا لنازحي الأنبار بدون دعم حكومي

أشاعت القوات الأميركية عند احتلالها للعراق أخلاق وأساليب رعاة البقر (كاو بوي). قبل احتلال بغداد كانت «الشرق الأوسط» قد دخلت مدينة النجف، وهي أول صحيفة عربية تدخل العراق في بداية أبريل (نيسان) 2003. بينما كان صدام حسين ما يزال رئيسا للعراق، وحزب البعث يتحكم ببعض المدن ومنها بغداد والبصرة والنجف. هناك في تلك المدينة المقدسة لدى شيعة العراق والعالم كان غالبية من الأطفال والفتيان والرجال وحتى بعض النساء يهجمون على الدوائر الحكومية ويسلبون ما تصله أيديهم والغلبة صارت للقوي بينما انحسرت الأخلاق البغدادية وتوارت بعيدا عن واجهة المشهد الذي بدا دراماتيكيا.
شوارع بغداد وبقية المدن العراقية كانت أشبه بـ«مهرجان للسرقة» حيث تعرضت لهجوم من بعض السراق على المؤسسات الحكومية وخرج الكثيرون منهم غانمين بقطع أثاث أو أجهزة كهربائية وما شابه. تلكم الحوادث عمت مدن العراق. وكانت تحدث أمام أعين القوات الأميركية الذين كانوا يحيون السراق الذين أطلق عليهم تسمية (الحواسم).
آنذاك سألت ضابطا أميركيا كان يرتدي سروالا من الجينز وقميصا قطنيا من اللون الأبيض مطبوعا عليه صورة تمثال الحرية في نيويورك. وكان الضابط يعتلي ظهر المدرعة وكأنه يمتطي فرسا في مشهد من أفلام (الكاو بوي) وموجها بندقيته «الأوتوماتك» نحو جموع الناس خشية من هجوم مفاجئ. سألته «يبدو أنكم تقلدون سيناريوهات أفلام الكاو بوي؟» ابتسم وأجاب كلا.. أفلام (الكاو بوي) تقلد تصرفاتنا.. نحن كلنا كاو بوي يا صديقي.
في العاصمة بغداد حدث ما هو أسوأ بكثير عندما زحفت عوائل بأكملها من أطراف المدينة المترامية، من المناطق العشوائية التي كانت على هامش حزام العاصمة، ومن الريف ليهجموا على أبنية الوزارات ويحولوها إلى مجمعات سكنية مجانية، حدث هذا في مبنى وزارة الدفاع السابقة المطلة على نهر دجلة وقيادة القوة الجوية وأبنية حكومية أخرى. الأسوأ من كل هذا أن غوغاء (الحواسم) هجموا على بيوت المناطق الراقية الخالية من سكانها وكذلك المسكونة، واستولوا عليها بعد أن هددوا أصحابها بالقتل، وهناك من استولى على أراضٍ متفرقة في مركز بغداد وبعض أحيائها ليبنوا فوقها بيوتا عشوائية ويستقرون بها حتى اليوم بموافقة غير رسمية من السلطات الحكومية.
بعد هذه الهجرة غير المتوازنة والتي حولت بغداد، المدينة الحضارية إلى قرية خربة تضم أحياء عشوائية، جاء فصل آخر من الهجرة والتهجير القسري، فصل يختلف عن هجوم (الحواسم) ومعاكس له تماما ألا وهو هجرة سكان المدن الأصيلة والعريقة إلى الريف والبراري والإقامة تحت الخيام، وهذا الفصل كان سببه الإرهاب وسيطرة تنظيم القاعدة (سابقا) على بعض المدن والبلدات في مناطق مختلفة من العراق، قبل أن يتكرس وجود تنظيم داعش واحتلاله لثلاث محافظات: الموصل وصلاح الدين والأنبار، مع غالبية أقضيتها ونواحيها وبلداتها (تم تحرير صلاح الدين والرمادي مركز الأنبار).
وقسم كبير من هؤلاء المهجرين دخلوا بغداد، فالأغنياء من هؤلاء المهجرين سكنوا الأحياء الراقية في العاصمة العراقية مثل الحارثية والمنصور واليرموك والجادرية، بينما سكن البعض الآخر منهم في الأحياء المتواضعة، والقسم الأكبر التجأ إلى مخيمات المهجرين التي تنتشر اليوم داخل حدود العاصمة العراقية وبين أحيائها.
ويلقي الباحث الاجتماعي الدكتور حسن عبد المنعم اللوم على قرارات بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق «الذي كان قد حل القوات الأمنية والجيش العراقي إبان احتلال القوات الأميركية للعراق في 2003 حيث سمح ذلك بدخول أعداد كبيرة من إرهابيي تنظيم القاعدة إلى العراق، والذين تحولوا إلى تنظيم داعش الذي تسبب بتهجير مئات الآلاف من العراقيين من مدنهم إلى مدن وأرياف وبراري داخل العراق»، مشيرا إلى أن «هذه أغرب هجرة في العالم وأعني أن تتم داخل البلد الواحد، علاوة على هجرة مئات الآلاف من الشباب إلى أوروبا».
وأضاف عبد المنعم قائلا لـ«الشرق الأوسط»، أن «التهجير تسبب في اختلال التوازن الاجتماعي والخدمي في المناطق التي هجرت العوائل إليها حيث تنعدم المدارس والمراكز الصحية التي يجب أن تعتني بالمهاجرين»، مشيرا إلى «ظهور حالات من الأمراض النفسية تسببت بإقدام أطفال وشباب على الانتحار في مخيمات اللاجئين».
وكان وزير الهجرة والمهجرين قد أعلن «وصول أعداد النازحين داخل العراق إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص فروا من مناطقهم التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي إلى محافظات أخرى»، مؤكدا «استمرار موجة النزوح بشكل متصاعد».
وقال وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد بأن 605 آلاف عائلة نازحة مسجلة لدى وزارته حتى الآن، منوها إلى استقبال محافظة دهوك لـ130 ألف نازح تليها أربيل بـ100 ألف وبعدها بغداد وكركوك والسليمانية ومن ثم كربلاء والنجف وبابل التي استقبلت بين 12 إلى 10 آلاف عائلة في حين وصلت أعداد العوائل النازحة إلى محافظة البصرة 2300 عائلة، مضيفا أن «كثرة العوائل النازحة وانتشارها في مناطق واسعة من البلاد يجعل من الصعوبة تقديم المساعدات لهم».
وتواجه العوائل المهجرة مشاكل كثير في إيجاد مخيمات تؤويهم إذ يقيم أغلبهم في الأبنية المهجورة أو مخيمات غير أصولية، لهذا تبادر جمعيات ومنظمات إنسانية عراقية لتقديم خدماتها للمهجرين، ومن بينهم منظمة (خيمة العراق) التي أسسها ويترأسها النائب السابق وثاب شاكر، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «عندما وجدت أهلنا من العوائل المهجرة من الرمادي بلا مأوى قمت بتحويل قطعة أرض تابعة لي ومساحتها خمسة دونمات إلى مخيم وعلى نفقتي الخاصة»، مشيرا إلى أن «الحكومة والبرلمان العراقي لم يقدما أي شيء لهذا المخيم الذي يقع جنوب بغداد».
وأضاف شاكر الذي أطلق على المخيم تسمية (خيمة العراق)، قائلا: «يضم المخيم ما يقرب من مائة عائلة وقد أنشأنا مركا صحيا وأوصلنا الخدمات من ماء وكهرباء لهم»، مشيرا إلى أن «أهم ما قمنا بإنجازه هو بناء مدرسة عصرية لأطفال المخيم دون أن نتلقى أي دعم حكومي».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».