خلفيات مثيرة عن بعض وجوه التطرّف في حي مولنبيك ببروكسل

معلم بلجيكي درّس «الإسلام المسلح» للشباب الغاضب

عوائل مغاربية في أحد شوارع ضاحية مولنبيك بعد هجمات بروكسل (نيويورك تايمز)
عوائل مغاربية في أحد شوارع ضاحية مولنبيك بعد هجمات بروكسل (نيويورك تايمز)
TT

خلفيات مثيرة عن بعض وجوه التطرّف في حي مولنبيك ببروكسل

عوائل مغاربية في أحد شوارع ضاحية مولنبيك بعد هجمات بروكسل (نيويورك تايمز)
عوائل مغاربية في أحد شوارع ضاحية مولنبيك بعد هجمات بروكسل (نيويورك تايمز)

عاش تحت العوارض الخشبية في شقة علوية صغيرة في حي مولنبيك بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وصار معروفا لبعض أتباعه بأنه «سانتا كلوز الجهاد». كان يتسم بلحية كثة وكرش منتفخ، وعرف عنه منح الأموال والنصائح بسخاء للشباب المسلم الصغير والشغوف بالهجرة والقتال في سوريا والصومال، أو العيث فسادًا في أوروبا. وعندما ضبطت الشرطة البلجيكية الحاسوب الخاص بالرجل، واسمه خالد زركاني، عام 2014. عثرت على كنز من أدبيات التطرّف اللابس مسوح الإسلام، بما في ذلك كتاب يحمل عنوان «38 طريقة للمشاركة في الجهاد»، وكتاب آخر بعنوان «16 أمرًا لا غنى عنهم قبل السفر إلى سوريا». وفي يوليو (تموز)، أصدر القضاة في بلجيكا حكما بالسجن لمدة 12 سنة بحق الرجل إثر إدانته بالمشاركة في أنشطة منظمة إرهابية، ووصفوه بـ«النموذج الأصلي لمرشدي الفتن والضلالات» الذي «ينشر الأفكار المتطرفة بين الشباب الساذج والجاهل والشغوف».
ولكن خلال الأشهر التي أعقبت الحكم ومنذ تلك الأوقات بدأت الصورة الكاملة لأعمال زركاني الدؤوبة في شوارع مولنبيك وخارجها في الظهور بوضوح، إذ إن الشبكة التي عمل على تغذيتها برزت على سطح الأحداث كعنصر من العناصر المركزية في هجمات باريس وبروكسل – إلى جانب إحدى الشبكات في فرنسا التي أعلنت السلطات الشهر الماضي أنها ألقت القبض عليها وأحبطت أنشطتها.
المدعي العام الاتحادي البلجيكي برنار ميشال قال في فبراير (شباط) الماضي: «تسبب خالد زركاني في انحراف جيل كامل من الشباب البلجيكي الصغير، وخصوصًا في حي مولنبيك ذي الأغلبية المسلمة». وللعلم، أثناء محاكمة الرجل البالغ من العمر (42 سنة)، أنكر ضلوعه في أعمال الإرهاب. ولقد رفض محاميه في بروكسل، ستيف لامبير، التعليق على هذا المقال. لكن وثائق المحكمة إلى جانب المقابلات الشخصية مع عدد من سكان مولنبيك وغيرهم من الناشطين، فضلا عن المسؤولين الأمنيين في بلجيكا، تشير إلى وجود اتصالات مباشرة أو غير مباشرة للرجل مع كثير من الشخصيات المهمة التي لقيت حتفها أخيرًا أو هي الآن رهن الاعتقال فيما يتعلق بالمذبحة الإرهابية التي وقعت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بالعاصمة الفرنسية باريس والتي أسفرت عن مقتل 130 شخصا إلى جانب التفجيرات الإرهابية التي نفذت في بروكسل الشهر الماضي وحصدت أرواح 32 شخصا.
وهناك محمد أبريني، المقيم سابقًا في حي مولنبيك، الذي، وفقا لتصريحات السلطات البلجيكية السبت الماضي، كان قد اعترف بأنه هو «رجل القبعة»، الذي التقطته كاميرات المراقبة مرافقًا للعنصرين الانتحاريين ثم انطلق بعد ذلك منفردًا عنهما. أما شقيقه الأصغر سليمان، فقد سافر إلى سوريا بمساعدة زركاني، وفقا للمسؤولين الأمنيين الذين فضلوا عدم الإفصاح عن هوياتهم لأنهم غير مصرح لهم بالتعليق على المقالات الصحافية. وذكرت التقارير الإخبارية أن شقيق أبريني الأصغر لقي حتفه في عام 2014 أثناء القتال في صفوف تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
أما رضا كريكيت، وهو من المقاتلين السابقين في الحرب الأهلية السورية وقد ألقي القبض عليه بواسطة الشرطة الفرنسية الشهر الماضي على خلفية اتصاله بالهجمات المروعة، كان قد قضى بعض الوقت في شقة زركاني في حي مولنبيك ببروكسل وأعاره سيارة من نوع مرسيدس مسجلة في فرنسا، كما أفاد ممثلو الادعاء.
يقول المحققون في بلجيكا إن عبد الحميد أباعود، وهو أيضًا مقيم سابق في حي مولنبيك والذي أشرف على هجمات نوفمبر الماضي في باريس، كان من تلامذة زركاني. ويعتقد أن نجيم العشراوي - الذي تشتبه السلطات في أنه صانع القنابل التي استخدمت في هجمات باريس وبروكسل - على صلات وثيقة بالشبكة ذاتها. وحسب أقوال حواء كيتا، وهي مواطنة مهاجرة إلى بروكسل من مالي، أن ابنها، يوني ماين، تعرض للتطرف خلال بضعة شهور تحت تأثير المدعو زركاني. (وتعتقد أن ابنها قد مات في المعارك الدائرة في سوريا عام 2014). في حين قالت متحدثة من داخل شقتها في أحد المباني الشاهقة في بروكسل واصفة زركاني، المسجون حاليًا: «إنه كالساحر، بل إنه الشيطان نفسه».
دور زركاني في مولنبيك، وهو الرجل العبوس الذي يعرف الشوارع والطرقات أكثر مما يعرف مكان المسجد، يساعد في تفسير السبب في أن منطقة صغيرة وغير فقيرة من العاصمة البلجيكية ظلت على اتصال دائم فيما يتعلق بالتحقيقات الإرهابية الجارية. كما يسلط الضوء كذلك على التحوّل الواضح خلال العقد الماضي من المناقشات الدينية، الغامضة في أغلب الأحيان، للأجيال السابقة من الجهاديين المرتبطين بفكر تنظيم «القاعدة» إلى ما وصفته هند فريحي، التي ألفت كتابا حول حي مولنبيك، بأنه «إسلام العصابات».
وحسب فريحي، وهي مواطنة بلجيكية من أصول مغربية، أنها عندما بدأت أبحاثها أول الأمر عن حي مولنبيك قبل عشر سنوات كاملة «كان الحس الراديكالي تهيمن عليه حفنة من رجال الدين المتطرفين الضالعين في النصوص الدينية وتفسيراتها المختلفة. ولقد شهد هذا المد تحوّرًا معتبرًا تحت دعاية تنظيم داعش الجديدة، صوب تشكيل مشروع إجرامي يقوده التآزر والتناظر ما بين اللصوصية والإسلاموية». وتابعت فريحي قائلة: «يجتذب (داعش) أتباعه من فئة المجرمين واللصوص وقطاع الطرق وأفراد العصابات لأن التنظيم الإرهابي في حاجة ماسة إلى خبراتهم في الأسلحة، والمنازل الآمنة، والتخفي بعيدا عن الأنظار. وإذا ما مزجنا ذلك مع القليل من الدعاوى الإسلاموية المتطرفة، تجد نفسك تمامًا أمام الأمر الواقع الحالي في حي مولنبيك».
من ناحية أخرى، يتتبع البعض جذور الراديكالية في مولنبيك إلى عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما أسس بسام العياشي، وهو مهاجر سوري وصاحب مطعم سابق: «المركز الإسلامي البلجيكي». وكان «المركز» عبارة عن مسجد مؤقت صار محل الدعوة ونشر الفكر المتشدد. ولقد حذر السكان والمسؤولون المحليون السلطات مرارًا وتكرارًا من أن ذلك المسجد يأوي ويشجع المتطرفين.
وهنا يذكر فيليب مورو، عمدة حي مولنبيك في الفترة بين عام 1993 وعام 2012، أنه عندما التقى مع العياشي: «كان من الواضح أنه شخصية متطرّفة للغاية»، إلا أنه اعتبر الأمر برمته ضمن مسؤوليات جهاز الأمن الاتحادي البلجيكي، وليس من مسؤوليات البلديات وأفراد مجالسها من أمثاله.
أما يوهان ليمان، وهو عالم أنثروبولوجيا ومن الناشطين الاجتماعيين في حي مولنبيك، فقال إنه دق ناقوس الخطر حول أنشطة «المركز» لكنه لم يتلق استجابة تذكر من جانب السلطات - وهذا، حتى بعدما أصبح معروفًا أن بسام العياشي حضر رسميًا حفل زفاف أحد متشدّدي تنظيم «القاعدة» من الذين كانوا ضالعين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. إلى جانب ضلوعه في جريمة اغتيال القائد الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود الذي كان يعارض أسامة بن لادن وعملياته في أفغانستان.
ولقد رفع ليمان، الذي كان يعمل في لجنة حكومية لمناهضة التمييز، دعوى قضائية يتهم فيها «المركز» بتعزيز وترويج معاداة السامية والآراء المناهضة للولايات المتحدة. ومن ثم قضت المحكمة في عام 2006 بأن «المركز» انغمس في خطابات الكراهية، كما قال. وفي الوقت نفسه، داهمت الشرطة البلجيكية منزل العياشي وضبطت كثيرا من الحواسيب والمستندات. ومن ثم انتقل العياشي إلى سوريا برفقة نجله، الذي قتل فيما بعد خلال إحدى المعارك ضد قوات النظام السوري. ولم يرد العياشي حتى الآن على طلب التعليق على هذا المقال.
لقد انتقل زركاني، وهو من أصول مغربية وأصبح مقيما قانونا في بلجيكا منذ عام 2002، للعيش على هامش الحياة التي أرسى دعائمها العياشي من قبل، غير أنه لم يلفت إليه الانتباه كثيرًا، كما قال السكان والجيران في مولنبيك. وفي حين أن «المركز الإسلامي البلجيكي» قد عبر عن صورة زاهدة وجامدة من الإسلام التي كانت ذات جاذبية جدًا متواضعة من جانب الشباب الذين يحبون تناول الكحوليات والتسكع في الطرقات والحانات ليلاً، فإن زركاني، كما يقول المحققون في بلجيكا، كان قادرا على سد الفجوة من خلال توجيه الطاقات الإجرامية لدى الشباب المنحرفين.
*خدمة: «نيويورك تايمز»



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».