مهرجان سينمائي عربي في باريس يقوم على كتفي امرأة

«مواسم» يطرح قطافه في باريس وينتظر الدعم

من فيلم «قبل سقوط الثلج»  -  ملصق مواسم
من فيلم «قبل سقوط الثلج» - ملصق مواسم
TT

مهرجان سينمائي عربي في باريس يقوم على كتفي امرأة

من فيلم «قبل سقوط الثلج»  -  ملصق مواسم
من فيلم «قبل سقوط الثلج» - ملصق مواسم

حمل عشاق السينما حقائبهم، أمس، وغادروا تلك الصالة الأنيقة الصغيرة ذات المقاعد الحمراء الوثيرة، غير بعيدة عن جامعة باريس الثالثة، ومسجد باريس الكبير، بعد 5 أيام من العروض التي لا تتاح لجمهور السينما في العاصمة الفرنسية مشاهدتها في مكان آخر. إنها دورة أخرى من مهرجان «مواسم» تسدل ستارها دون أن نكون متأكدين من أن دورة جديدة سترفع الستار في الربيع المقبل، وتقدم لنا جديد الأفلام العربية، الروائية منها والوثائقية. هل يمكن لمبادرة من هذا النوع أن تستمر فردية بجهود متحمسين قلائل؟
هدى إبراهيم، زميلتنا الصحافية في إذاعة «مونت كارلو الدولية»، ليست مستعدة للتخلي عن وليدها الناشئ، لقد ذللت بإرادتها مصاعب كثيرة، وخاضت تحديات كان بعضها مستحيلاً. وهي في البيان الذي صاغته لتقديم هذه الدورة من «مواسم»، صارحتنا بأن السينما التي تدافع وزملاؤها عنها، وتسعى لتقديمها، تشهد أكثر من أي وقت مضى دفعًا جديدًا يوازي كل هذه المتغيرات العميقة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية على الصعيدين السياسي والمجتمعي، فالسينما العربية الجديدة، وهي تواكب التطورات، تعيش دفعة حملتها إلى كبريات المهرجانات الدولية، فهي حاضرة في «كان» و«برلين» و«البندقية» وغيرها من المهرجانات، ولم يعد هذا الحضور مقتصرًا على المشاركة، بل باتت الأفلام العربية تنتزع جوائز عالمية، وتصل إلى نهائيات تصفيات «الأوسكار».
وتواصل هدى: «سينمانا تعيد إنتاج نفسها، وتحاول رغم الصعوبات الاقتصادية، وغياب هيكليات الدعم الحقيقي، أن تؤكد وجودها وتتقدم. إنها تخوض ثورتها مدفوعة بحيوية التحولات وعمقها. والجيل الجديد من السينمائيين بات يعبر عن نفسه بطريقة أكثر حرية، وينتج في إطار سينما مستقلة لم يعد من الممكن كبحها. إن الأصوات الجديدة القادمة تحاول أن تحكي واقعها ومجتمعها عبر نتاجات فنية تبدو أكثر ثقة بنفسها، وتغدو شهادات عميقة وشفافة تلتزم واقعنا وحكاياتنا، وتقول هوياتنا المتقلقلة».
منذ 2011، انطلقت في العاصمة الفرنسية تظاهرة «ربيع السينما العربية»، مع فريق أحاط بهدى إبراهيم، مؤلف من بضعة أشخاص من جنسيات مختلفة، متحمسين للسينما العربية، لكن منهم من فضل عدم المتابعة في ظل انعدام الإمكانيات وكثرة الشواغل، فتواصلت المغامرة بفريق أصغر مع المواسم «مواسم السينما العربية» في باريس التي استمرت في الدفاع عن هذه السينما الجديدة التي تلفت النظر، وتثير التقدير والدهشة. وهدف التظاهرة، كما تقول صاحبة المهرجان، كان، وسيبقى، تقديم هذه السينما للمشاهد الغربي، في بعض تعابيرها الأقوى والأهم، مساهمة في نشر صورة أخرى جميلة للكائن العربي الذي يظهر دائما من يرغب بتشويه صورته.
جرت الدورة الجديدة من «مواسم» كالمعتاد في سينما «لاكلي»، في الدائرة الخامسة من باريس، وضمت مجموعة من التجارب البصرية التي لم يسبق عرضها في هذه المدينة، كما شملت أفلاما نالت الجوائز، أو حصلت على التكريم في أكثر من مكان. وهي تكشف، كما يوضح بيان المنظمين، «عن أسماء معظمها جديد، وعن مواهب من المؤمل أن تصبح نجومًا معروفة في فضاء الفن السابع. وفي التظاهرة كثير من الموضوعات التي جرى تسليط الضوء عليها، وشاهدها الجمهور في عروض بعيدة عن أي رقابة، وفي معالجات متنوعة للغاية في مضمونها كما في شكلها الذي يتراوح بين الكلاسيكي المتقن، والفني المجرب، أو تتجلى حتى في العمل الباحث بعد عن شكل وهوية، لكن الذي لا يقل قيمة عن الأعمال الأخرى المقدمة. بل إن هذه الأفلام تبدو هامة من هذا المنطلق بالذات، كونها تخرج من هذا الحيز غير الأكيد، ليفوح منها عطر الأشياء غير المكتملة بعد، الأشياء البكر».
وأبرز ما في دورة «مواسم» التحية الجميلة للمخرج المبدع الذي رحل حديثًا، وكان أحد الآباء الروحيين للسينما السورية، نبيل المالح، الذي جرى تكريمه خلال جلسة خاصة تضمنت عرض فيلمه «الكومبارس». أما اختيارات الأفلام القصيرة، فتوقفت عند الكثير من الأعمال القيمة التي كشفت عن محاولات جيل جديد موهوب مبدع. وهناك عدد من الأفلام المعروضة حصل على جوائز عالمية، أو حظي بمكانة محترمة في الإنتاج السينمائي العالمي: مكانة تحمل صورة عن العرب غير سائدة وغير نمطية إلى العالم. كما يحتل الفيلم الوثائقي مكانة خاصة، لا سيما أنه يحظى منذ قرابة عشر سنوات بمكانة دائمة في مهرجانات العالم الخاصة بهذا النوع، بعد أن ظل محصورا في الماضي بأسماء معدودة وتجارب قليلة. إن الفيلم التوثيقي يعرض القضايا العربية بشكل يعجز غيره عن تقديمها. أما الأفلام الروائية الطويلة المختارة، فكانت كلها غير معروضة في باريس، بدءا من الفيلم العراقي الافتتاحي «قبل سقوط الثلج»، وصولا إلى فيلم الختام العراقي أيضًا «صمت الراعي». وهناك خمسة أعمال روائية طويلة قدمت في هذه الدورة الثانية من «مواسم»، بجانب خمسة أعمال وثائقية وأحد عشر شريطًا قصيرًا. وتمثل الأفلام المعروضة أحد عشر بلدًا عربيًا، هي تونس والمغرب وسوريا والجزائر ولبنان وفلسطين والإمارات والسعودية وموريتانيا ومصر والعراق. ولا ننسى مشاركة خمس سينمائيات عربيات، بينهن مخرجات من السعودية وموريتانيا ولبنان.
هل تستمر «مواسم» بجهود زميلة تحمل على كاهلها عبء مهرجان متكامل؟ وإلى متى يتحمل المشاركون مهمات الترجمة الفورية والبرمجة والاتصالات، وكل ما تتطلبه فعالية عربية مُشرفة في عاصمة غربية بارزة؟ إذا كانت وزارات الثقافة تضع شروطًا يمكن أن تكبل المهرجان، فلا أقل من أن تتقدم جهات مستقلة وهيئات فنية ومؤسسات ثقافية لدعم «مواسم» وحثه على الاستمرار، على قواعد ثابتة، وليس على جناح الحب والحماسة فحسب.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».