هل يحول «داعش» نشاطه من سوريا والعراق إلى أوروبا وشمال أفريقيا

بعد خسارة التنظيم المتطرف مزيدًا من المناطق

هل يحول «داعش» نشاطه من سوريا والعراق إلى أوروبا وشمال أفريقيا
TT

هل يحول «داعش» نشاطه من سوريا والعراق إلى أوروبا وشمال أفريقيا

هل يحول «داعش» نشاطه من سوريا والعراق إلى أوروبا وشمال أفريقيا

خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقد تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف السيطرة على مزيد من المناطق التي كان يحتلها في كلِّ من سوريا والعراق. فكيف تؤثر هذه الخسائر في حملات التنظيم الدعائية القائمة على منطق «ستبقى وتتمدّد» الذي كان عاملا أساسيا في إبراز قوة التنظيم في جميع أنحاء العالم، وبالتالي، اجتذاب المجندين الجدد؟ وما سيكون وقع هذه الخسائر على استراتيجيته؟ وهل سيوجه التنظيم نشاطاته بشكل أكبر نحو أوروبا أو شمال أفريقيا؟
تمكّنت قوات النظام السوري، بدعم مباشر من الطيران الحربي الروسي، من إخراج مسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف من مدينة تدمر الأثرية يوم الأحد الماضي، ملحقة ضربة قاضية بالمتطرفين الذين كانوا قد استولوا على المدينة في العام الماضي، ووسط شعور بالصدمة على مستوى العالم دمروا بعض أنفس آثارها. وجاءت هذه الضربة لتشكل واحدة من أكبر النكسات التي لحقت بـ«داعش» منذ إعلانه «خلافته» المزعومة عام 2014 في أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
وفق الخبراء، تعد هذه الخسارة، التي لحقت بـ«داعش» في جبهة مدينة تدمر ومحيطها، خسارة موجعة وحسّاسة، بما أنها ستؤدي إلى إنشاء فسحة كبيرة في الصحراء تسهل الوصول شرقا إلى معاقل التنظيم المتطرف في محافظتي الرقة ودير الزور؛ ما يعني أن تدمر ستغدو، على الأرجح، «قاعدة انطلاق لتوسيع العمليات العسكرية» ضد التنظيم في تلكما المحافظتين، وقطع طرق الإمداد له. وفي هذا الصدد، قال العقيد حسن حمادة، من «الجيش السوري الحر» في مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع: إن الثوار السوريين استولوا الخميس الماضي على خط الإمدادات الرئيسي لتنظيم «داعش» شمال شرقي بلدة الراعي، الواقع على الحدود بين سوريا وتركيا، والتي كان «داعش» يحتلها بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». غير أن مسلحي التنظيم المتطرف ما زالوا يسيطرون على أحد المعابر في أقصى شرق بلدة الحلوانية. وللعلم، فإن بلدة الراعي كانت تشكل معقلا لعناصر «داعش»، بينما تعد الحلوانية مقر القادة المهمين في التنظيم.
فضلا عن ذلك، تلق «داعش» ضربات قاسية في العراق. إذ شنت «القوات الخاصة» العراقية، بدعم من الجيش العراقي و«قوات التحالف» الجوية بقيادة الولايات المتحدة، هجوما كبيرا على بلدة هيت في غرب محافظة الأنبار، التي بقيت لأشهر تحت سيطرة التنظيم المتطرف. وعليه، فإن من شأن استعادة السيطرة على هيت، التي تتميز بموقعها الاستراتيجي على نهر الفرات بالقرب من قاعدة عين الأسد الجوية، حيث تتولى القوات الأميركية تدريب القوات العراقية، الدفع بمسلحي «داعش» غربا باتجاه الحدود السورية. ومن ثم، يسمح بقطع خط الاتصال شمالا بمدينة سامراء مع ترك مدينة الفلوجة معقلا وحيدا متبقيا للمجموعة، وهي تقع إلى الغرب من العاصمة بغداد، وشرقي مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار.
يذكر، أن وكالة «رويترز» للأنباء كانت قد أوردت، نقلا عن ضابط رفيع من «القوات الخاصة»، وهي الوحدات العراقية التي دربتها الولايات المتحدة وتمكنت من الاستيلاء على مدينة الرمادي قبل 3 أشهر، بأن القوات العراقية باتت الآن على بعد كيلومتر واحد فقط من وسط المدينة، الواقعة على مسافة نحو 130 كلم غرب بغداد. وحسب نك هيراس، الباحث في مؤسسة «جيمستاون»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «من أهم خسائر (داعش) العسكرية هي سقوط مدينة الرمادي؛ بسبب موقعها الجغرافي المقرب من بغداد».
هذا، وإضافة إلى الخسائر على الأرض، جرى استهداف قيادات مهمة في «داعش» خلال الأسبوع الماضي وحده، فحسب «المدى برس» أفاد مصدر في قيادة عمليات تحرير نينوى، يوم الخميس الماضي، بأن «وزير الإعلام» في تنظيم «داعش» و6 من أفراد أسرته قتلوا بقصف لطيران التحالف الدولي استهدف سيارته بوسط مدينة الموصل (405 كلم تقريبا إلى الشمال العاصمة بغداد). كذلك أعلن مجلس قضاء هيت في محافظة الأنبار، يوم الخميس الماضي، اعتقال 4 من قادة التنظيم المتطرف أثناء محاولتهم الهرب مع العائلات الجاري إخلاؤها من محاور القضاء، غربي الرمادي. وشرح محمد مهند الهيتي، رئيس مجلس قضاء هيت، في حديث إلى «المدى برس»، أن «معلومات استخبارية مكّنت القوات الأمنية من اعتقال 4 قادة من تنظيم داعش الإرهابي أثناء محاولتهم الهرب مع العوائل التي جرى إخلاؤها من محاور قضاء هيت».
الخبراء والراصدون يتوقعون أن تؤثر كل هذه الخسائر في الروايات الدعائية التي يحاول تنظيم داعش ترويجها، وعلى «هالة» القوة التي اصطنعها لنفسه. وكان أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي المتطرف، قد تحدث في إحدى خطبه الشهيرة، بشكل مسهب عن «أهمية الخلافة في الموصل». وقال: إن «إعادة إحياء الخلافة، التي تم تكن فعالة إلا نظريا منذ ألف سنة، هو واجب على كل مسلم». ولذلك؛ بادر هو وأنصاره إلى «إعلان الخلافة وتحديد إمام على رأسها»، على حد قوله. وأردف «هذا واجب على كل المسلمين. واجب لم نكرِّمه لقرون... وكل مسلم يرتكب خطيئة إذا لم يحترمه؛ لذلك عليهم دوما السعي لتحقيق هذا الهدف». وما يستحق الإشارة هنا، أن «الخليفة» بالنسبة لأتباع التنظيم ليس مجرد كيان سياسي، بل أيضا أداة للخلاص، و«البروباغندا»، أو الدعاية، التي يعتمدها التنظيم تتحدث دائما عن «المبايعة التي تتخطى المجموعات الجهادية وتصل إلى العالم المسلم أجمع».
ومن الأحاديث التي تتحدث عن «جيش آخر الزمان»، حديث يذكر فيه الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، دابق بالاسم، ويقول إن فيها يلتقي جيش المسلمين مع جيش الروم، لتبدأ معركة آخر الزمان قبل ظهور المسيح الدجال»، حسب التنظيم، وقد ذكرت في أحاديث أخرى بالرمز شمال سوريا، ومن هذا الحديث عرف أنه يعني دابق، على وجه الخصوص.
وهكذا، بناءً على ما سبق، فإن خسارة «داعش» السيطرة على المناطق الاستراتيجية التي يحتلها الآن من الموصل إلى الرقة، ومنها غربا وشمالا إلى منطقة دابق، مثل بلدة الراعي، تعد ضربة قوية لدعاية التنظيم المتطرف؛ ما قد يدفعه إلى تغيير استراتيجيته. وحقا، بات من الممكن رصد جزء من هذا التغيير في هجمات بروكسل الأخيرة في بلجيكا. فوفقا لتقرير صادر عن «معهد دراسات الحرب» (المحافظ) بالعاصمة الأميركية واشنطن «نفذ التنظيم هجوما إرهابيا متقنا في بروكسل في 22 مارس (آذار). وهذا الهجوم، الذي لم يسبق له مثيل في بلجيكا، هو جزء من حملة مستمرة لـ«داعش» تهدف لمهاجمة الغرب وبذر الفوضى فيه لإفساح المجال للتوسع في المستقبل أمام الخلافة العالمية. كما واصل التنظيم إظهار عزمه على البقاء والتوسع في شمال أفريقيا من خلال إنشاء خطوط اتصال بين المعقل الليبي لـ(داعش) وجماعات مرتبطة بالتنظيم في كل من تونس والجزائر». وفي هذا الصدد، يقول نك هيراس: «إن التنظيم استغل بالفعل النزاع المدني والسياسي، وكذلك الفراغ السياسي والأمني في ليبيا، للسيطرة على مناطق ضعيفة، مثل مدينة سرت ومحيطها». وتابع الباحث في مؤسسة «جيمستاون»، قائلا: «إن قيادة (داعش) لاحظت إمكانيات النمو الهائلة في ليبيا، فبدأت في تحويل المزيد من الموارد إليها، مرسلة مسؤولين رفيعي المستوى إلى سرت لإدارة توسع حضورها ونشاطها هناك». ومن ناحية ثانية، يؤكد مسؤولو استخبارات من مدينة مصراتة الليبية، التي كانت هدفا للهجمات الإرهابية، أنه جرى حقا إرسال مسؤولين رفيعي المستوى في «داعش» من سوريا والعراق، من مدينة تكريت العراقية إلى سرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 لإدارة عمليات «داعش» في المدينة، وفقا لتقرير أعدته مؤسسة جيمستاون. فلقد سافر أبو علي الأنباري، الذي يوصف بأنه أحد كبار مساعدي أبو بكر البغدادي، بحرا إلى ليبيا في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وورد أيضا حديث عن وجود أبو عمر الشيشاني، القائد الميداني الأبرز لـ«داعش»، أيضا في ليبيا خلال فبراير (شباط) 2016 قبل أن يلقى حتفه داخل سوريا في غارة جوية. وفي الوقت نفسه، أشيع أيضا أن تركي البنعلي، أحد أبرز منظّري «داعش» المؤثرين عالميا، كان موجودا في ليبيا خلال العام 2015.
وحسب تقرير مؤسسة جيمستاون، «وواقع أن داعش أرسل الأنباري والبنعلي والشيشاني إلى ليبيا يظهر مدى التزام المنظمة بدعم فرعها الليبي، ويعزز الترجيحات القائلة بأن التنظيم بدأ يحضر الأرض الليبية بديلا في حال تهاوى في سوريا والعراق».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».