من سمبدوريا إلى ديبورتيفو لا كورونا ومونبيلييه، وصولا إلى فولفسبورغ، تتشارك الأندية التي تفوز بالبطولات لأول مرة في تاريخهم الكثير من الصفات، في مسيراتهم نحو اللقب.
في الأيام الصعبة لمسيرته التدريبية، وكمدرب واعد يتولى أول مهمة في الدوري الإيطالي الممتاز (سيري إيه)، كان موسم 1990 - 1991 رحلة استكشاف هائلة بالنسبة لكلاوديو رانييري، صاحب الـ38 عاما حينها، الذي لم يكن يملك من الخبرة سوى بضعة أعوام كمدرب في كرة القدم للهواة، وقد ترك بصمته من خلال قيادة فريق كالياري للصعود من الدرجة الثالثة إلى الدوري الممتاز الإيطالي. وفي تلك الظروف، كان البقاء، ومجرد تفادي الهبوط، مهمة في حد ذاته، لكن اللعب في الدوري الممتاز الإيطالي في موسم 1990 - 1991 لقن رانييري درسا لا ينسى عن الإحساس الدائم بأن كل شيء ممكن في كرة القدم.
فلم ينجح كالياري في البقاء في الدوري فحسب، بل حدث شيء آخر في إيطاليا في ذلك الموسم زلزل فكرة الجميع عن الوضع القائم في الكالشيو. لقد كان ذلك عهدا يهيمن عليه تفوق ميلان، البطل الأوروبي، بقيادة أريغو ساكي، وفوز نابولي بالدوري، بإلهام من دييغو مارادونا، وفريق إنترناسيونالي الذي كان يضم 3 من أفضل لاعبي منتخب ألمانيا الغربية الفائز بكأس العالم، لوثر ماثيوس ويورغن كلينزمان وأندرياس بريمه، وكذلك يوفنتوس المدعم حديثا بروبرتو باجيو الذي جاء بصفقة كبيرة.
أخذ رانييري فريقه، كالياري، إلى الدوري الأكثر جذبا للأنظار في العالم بذلك الوقت، حيث كانت الأندية التاريخية الكبرى تملك من لاعبي النخبة ما لا يملكه الآخرون، غير أن من فاز باللقب في ذلك الموسم لم يكن واحدا من الطواويس الكبرى، فقد تغلب سمبدوريا على كل الفرق ليفوز باللقب لأول مرة في تاريخه.. لقد حدث شيء سحري.
كان فيرونا قد فعلها قبل بضع سنوات قليلة، حيث كانت حالة استثنائية أخرى، وهذه المرة كان فريق سمبدوريا يجمع بين لعب جيانلوكا فيالي المائل للهجوم دائما، مع تحكم روبرتو مانشيني في الإيقاع من ورائه، مدعوما بدفاع صلب. ونجح الفريق في هزيمة بقية فرق المسابقة، وخسر سمبدوريا 3 مباريات فقط طوال الموسم، وكان مدربه كثير السفر، فوجادين بوسكوف، معروفا بحسه الفكاهي القوي، لكنه كان محل إعجاب من اللاعبين لذكائه التدريبي، وشخصيته القوية، وكونه مصدر إلهام كأب روحي.
وكان لدى رئيس سمبدوريا، باولو مانتوفاني، خطة بمقارعة الكبار اعتمادا على الاستثمار في عدد من أفضل المواهب الإيطالية الشابة، وكان يتمتع بشعبية لدى اللاعبين الذين يدعوهم على العشاء، ويعمل على ضمان أن يشعروا بأنهم محل تقدير، كما كان مانتوفاني مستعدا على الأقل لمجاراة أعلى الرواتب في ذلك العصر لشراء اللاعبين الواعدين. فقد جاء مانشيني إلى النادي مراهقا، حيث كان ملقبا بـ«الولد الذهبي». وكان فياللي قد أكمل عامه العشرين في الصيف الذي التحق خلاله بالفريق، أما الجناح أتيليو لومباردو والمدافع الشهير بيترو فيرشوود فجاءا إلى النادي وهما في العشرينات من العمر. وقد تحول كل هؤلاء إلى لاعبين كبار بزي سمبدوريا التقليدي، الأزرق مع خطوط أفقية بالأبيض والأسود والأحمر.
ولم يكن نجاحهم في الدوري الإيطالي الممتاز قبل ربع قرن بالأمر العادي، فلم يكن أي ناد آخر، عدا الأندية صاحبة الخبرة بالبطولات، يستطيع الوصول لمناطق متقدمة من جدول الدوري، ويعتبر مشهد فريق يفوز ببطولة لأول مرة في تاريخه من النوادر بالنسبة لكرة القدم الحديثة، وتكشف نظرة على الدوريات الـ5 الأكبر في أوروبا إلى أي مدى من غير المعتاد أن يكون لديك بطل جديد، أو اسم غير مسجل في قائمة الفائزين بالبطولة المحلية.
فعلى مدار الـ20 سنة الماضية، في إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، فازت الأندية التي سبق لها الحصول على اللقب، بالدوري 95 مرة من أصل 100.
وكانت معظم الاستثناءات تحدث في الدوري الفرنسي الممتاز الذي كان يضم أعظم مجموعة متنوعة من الأبطال في ذلك الوقت. أوكسير في 1996، ولنس في 1998، وأخيرا جدا مونبيلييه في 2012، كل هذه الأندية كان لها مكان تحت الشمس يوما ما، وكانت آخر مرة يشهد فيها الدوري الإسباني (لاليغا) مولد بطل جديد في 1999 - 2000، عندما فاجأ ديبورتيفو لا كورونا كرة القدم الإسبانية، على رغم الأجواء المتواضعة بما فيه الكفاية، لدرجة أن الفريق كان يتدرب في حديقة محلية في منطقة غاليسيا.
ومن قبيل الصدفة أن رانييري كان يقوم بالتدريب في الدوري الإسباني في ذلك الوقت، ومن ثم فقد لاحظ مرة أخرى كيف يمكن أن يغزو فريق غير متوقع بطولة كبرى. وقد لخص ماورو سيلفا، الذي لعب ل ديبورتيفو لفترة طويلة، صفات ذلك الفريق بقوله: «كنا ناديا لا يزال هناك سقف لطموحاته، لكن كانت لدينا فلسفة في اللعب، فما أن ندخل إلى ملعب المباراة حتى نشعر بأننا لاعبون كبار لديهم شهية للمناسبات الكبرى».
لقد بدا موسما غريبا، بالنظر إلى أن ديبورتيفو حصد اللقب بجمعه 69 نقطة فقط، حيث تعرض برشلونة، حامل اللقب، لعدد لافت من الهزائم، 12 مرة، في ذلك الموسم. أما ريال مدريد، فلم ينه الموسم حتى ضمن الأربعة الكبار. وبالنسبة لأي بطل جديد، لا شك أن تراجع أداء المرشحين المعتادين للفوز باللقب يقدم له خدمة كبيرة.
وأخيرا جدا، استغل فولفسبورغ الألماني الفرصة لانتزاع لقب البوندسليغا في موسم 2008 - 2009. وكان هذا غير متوقع إلى درجة أنه في منتصف ذلك الموسم، قبل مدرب الفريق فيليكس ماغاث بتولي تدريب منافس آخر، هو شالكه، بنهاية الموسم. وفي ذلك الوقت، كان ماغاث لا يولي اهتماما كبيرا بالفوز بالدوري، حيث قال: «لم أكن أعتقد أننا يمكن أن نفوز بالدوري هنا»، لكن ما حدث هو أن المسيرة اللافتة للفريق خلال النصف الثاني من الموسم منحت النادي الجائزة الكبرى. وفولفسبورغ فريق معروف بنظامه التدريبي القاسي وهجومه القوي، حيث نجح إيدن دزيكو والبرازيلي غرافيتي في كسر الأرقام التهديفية (كانت هذه المرة الأولى في البوندسليغا التي يضم فيها فريق بين صفوفه لاعبين اثنين يسجلان أكثر من 20 هدفا في الموسم)، وحسم فولفسبورغ البطولة متفوقا على بايرن ميونيخ بنقطتين.
وبالنسبة للفرق التي تحقق بطولة لأول مرة في تاريخها، تعتبر أجواء التحدي، والإحساس بمقارعة الأندية الكبرى من الأمور التي تقبل عليها من دون خوف، وقد كان ما حققه مونبيلييه الفرنسي مفاجئا بدرجة أكبر لأن الفريق تغلب على باريس سان جيرمان، حديث الثراء، الذي أنفق بقوة في أول موسم له تحت قيادة القطريين الذين دفعوه نحو الفوز بآخر 4 ألقاب للدوري الممتاز.
كان أوليفييه غيرود الهداف الأول لمونبيلييه قبل أن ينتقل لآرسنال، وقد عزا نجاح الفريق إلى القدرة على بناء فريق من خلال التدريب، ومن خلال استقدام لاعبين يمكن أن يصبحوا شيئا، مضيفا: «عليك أن تقاتل بقيم مختلفة: الجماعية، وروح الفريق. فمقارنة بباريس سان جيرمان، كنا نمثل مجرد جزء من ميزانيتهم، فكانت الأموال المتاحة لنا أقل، لكننا كنا نقدم مستوى أعلى، وكان استمرارنا بنفس الأداء طوال الموسم شيئا غير عادي، وكان لدينا مجموعة من اللاعبين صغار السن، وقلنا لأنفسنا: إننا حققنا شيئا كبيرا بالفعل».
كان على مونبيلييه أن يحافظ على ثباته الانفعالي من أجل الفوز باللقب في اليوم الأخير للموسم، وقد بلغ التوتر خلال آخر مباراة له أمام أوكسير، الهابط، مداه، حيث توقفت المبارة 3 مرات بفعل المشجعين. فقد عبر مشجعو أوكسير عن غضبهم من خلال إلقاء كرات التنس والبيض وورق المرحاض والمشاعل في أرضية الملعب. ووصف مدرب مونبيلييه، رينيه جيرار، ذلك بأنه «أطول ليلة في حياتي»، إذ إنطلقت صافرة نهاية المباراة بعد توقيت نهايتها المفترض بـ41 دقيقة.
وإذا كان لفريق ليستر أن يحافظ على صدارته للدوري الممتاز الإنجليزي، فعليه أن يتحلى بنفس هذا القدر من الجرأة لأطول فترة ممكنة من هذا الموسم غير التقليدي، حيث إن الفوز سيدفع به للالتحاق بمجموعة مختارة من الأبطال الذين يفوزون ببطولاتهم لأول مرة في تاريخ اللعبة الحديث. وفي إنجلترا لم يحدث هذا منذ 38 عاما، عندما كان برايان كلوف يقود نوتنغهام فورست.
وبالنسبة إلى ليستر، ورانييري، ما زالت مسيرتهما نحو التاريخ مستمرة، وكما يقول الإيطالي: «عليك أن تحافظ على ذهن متفتح، وقلب متفتح، وطاقة كاملة، وأن تركض بكل سرعتك».
دروس لليستر ورانييري من أبطال أوروبا غير المتوقعين
من سمبدوريا إلى ديبورتيفو لا كورونا ومونبيلييه وصولاً إلى فولفسبورغ
رانييري يتطلع لحصد المجد مع ليستر (رويترز) - لاعبو ليستر سيتي أصبحوا على بعد خطوات من اللقب الإنجليزي ودخول التاريخ (أ. ف. ب)
دروس لليستر ورانييري من أبطال أوروبا غير المتوقعين
رانييري يتطلع لحصد المجد مع ليستر (رويترز) - لاعبو ليستر سيتي أصبحوا على بعد خطوات من اللقب الإنجليزي ودخول التاريخ (أ. ف. ب)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

