«تبني الإصلاح. إدارة أقوى. تنوع أكبر». ترددت الرسالة مرارا، حيث كانت تظهر على شاشات فيديو ضخمة تم تشييدها داخل مركز للمؤتمرات أثناء الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم التي سبقت ترشح جياني إنفانتينو لرئاسة الفيفا الذي ينظر إليه على أنه جاء في موعده تماما للصعود إلى قمة المنظمة التي تعصف بها الأزمات.
لكن على ما يبدو أصبح الأمر مألوفا لدرجة التحول إلى ما يشبه الروتين. حيث داهمت الشرطة السويسرية مقر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في نيون الأسبوع الماضي لجمع معلومات حول عقد ذكرت وثائق بنما المسربة أن جياني إنفانتينو الرئيس الحالي للاتحاد الدولي وقعه أثناء فترة عمله في الاتحاد الأوروبي للعبة.
وقال مكتب المدعي العام السويسري إن البحث كان جزءا من إجراءات جناية جارية «بدأت بسبب اشتباه في سوء إدارة ينطوي على مساءلة جنائية واختلاس»، في وقت كان ينظر فيه إلى بداية فجر جديد بعالم كرة القدم الملوث منذ زمن بعيد.
وكانت نفس المشكلة التي ثارت قبل شهرين بشأن الكاميروني عيسى حياتو رئيس الاتحاد الأفريقي ونائب رئيس الفيفا، وهو من مسؤولي اللعبة المخضرمين، والذي يحيط به جدل لا نهاية له، والذي تصدر المشهد عندما تم إيقاف جوزيف بلاتر الذي تعرض للإيقاف بسبب دفعه «رشوة» لميشيل بلاتيني رئيس اليويفا ليتم تعليق منصب المسؤول الفرنسي ثم إيقافه أيضا، وهو ما كان محفزا لإنفانتينو على التقدم كمرشح لرئاسة الفيفا. لذا ليس للمرة الأولى، كان من المستحيل ألا يفكر المرء في رواية جورج أورويل: «اللغة الجديدة».
في الجمعية العمومية للفيفا، كانت موسيقى مبهجة تعمل بينما تقدمت الوفود إلى التصويت على الإصلاحات التي كانوا يأملون أن تعمل على إقناع العالم بأن الفيفا كان يقصد العمل عندما يتعلق الأمر بالمصادقة على التغييرات التي طال انتظارها للوائح وممارسات المنظمة.
كانت كلمات إحدى أغنيات «فرونتيرا» تقول: «اجعل الجميع يشعرون بالاطمئنان، اجعل الجميع يشعرون بالاطمئنان»، وهي تعاد مرارا ومرارا. وفي وقت لاحق، وبعد أن استغل اللحظة وحقق الانتصار، تعهد إنفانتينو نفسه بـ«عهد جديد».
لكن ما تبين هذا الأسبوع من التسريب الضخم لأكثر من 11 مليون وثيقة مرت من خلال مقرات شركة «موساك فونيسكا»، على مدار عقد من الزمن يطرح من جديد السؤال التالي: إلى أي مدى يعتبر الفيفا الجديد جديدا؟
أولا، اكتشف أن واحدا من أعضاء لجنة الأخلاق في الفيفا، والتي لعبت دورا مركزيا في قيادة جهود التطهير مع محاولتها للتخلص من مناخ الاستهجان السائد حول استخدامها تاريخيا كأداة سياسية، لديه صلات مهنية منذ وقت طويل بواحد من مسؤولي الفيفا التنفيذيين، المدانين في الولايات المتحدة. كان خوان بيدرو دامياني، الذي، استقال الاثنين الماضي، كما تبين بعد ذلك، عضوا بلجنة الأخلاق للجنة الأولمبية الدولية منذ تشكيلها تحت رئاسة سباستيان كو في 2006. ولـدامياني صلات مهنية بيوجينيو فيغيريدو، وهو نائب أول سابق لرئيس الفيفا، طالته مؤخرا اتهامات بالفساد، الذي يعود على الأقل إلى زمن تشكيل اللجنة واستمر على الأقل حتى نهاية العام الماضي.
وتوحي الوثائق بأنه خلال نفس الفترة، أسس دامياني الكثير من الشركات الخارجية (الأوف شور) بالإنابة عن فيغيريدو، وكان على معرفة وثيقة بماليات نائب رئيس الفيفا السابق.
وأصبح فيغيريديو، وهو شخصية محورية في إدارة كرة القدم الأوروغوايانية والجنوب أميركية منذ أوائل التسعينات، رئيس اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم «كومنيبول» ثم نائبا لرئيس الفيفا في 2016. وبعد ذلك بعامين، ورد اسمه في لائحة الاتهام الأميركية الموسعة كواحد من 41 من الأفراد أو الكيانات المتهمين بتقديم أو الحصول على رشاوى بملايين الدولارات. وفيغيريدو نفسه متهم بالحصول على رشوة بـ3 ملايين دولار من أجل إبرام صفقة حقوق إعلامية ضخمة. لكن فيغريدو نفى الاتهامات وما زالت القضية مستمرة.
وفي قضية مختلفة في الأوروغواي، أدين الرجل البالغ من العمر 84 عاما، قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2015 باتهامات بالاحتيال وغسل الأموال. وتواصل الولايات المتحدة جهودها من أجل تسليمه.
أما دامياني فهو اسم معروف في كرة القدم الأوروغوايانية وهو رئيس نادي «بينارول»، الذي رأسه والده الراحل، خوسيه بيدرو، من قبله.
وكان خوسيه بيدرو، الذي يعمل محاسبا، هو من أسس الشركة التي كانت له من خلالها علاقات طويلة الأمد ومكثفة مع فيغيريدو (بحسب ما تكشف وثائق بنما). وبنهاية 2015، كانت 5 من الشركات الـ7 التي أسستها شركة دامياني لصالح فيغيريدو لا تزال تعمل بشكل فعال.
قالت لجنة القيم بالفيفا إنها عرفت بهذه العلاقات فقط عندما واجهت «الغارديان» دامياني وشركاءها الدوليين في الكشف عن الوثائق المسربة، وبدأت على الفور تحقيقا في نشاطات واحد من أعضائها.
زعم متحدث باسم دامياني في وقت لاحق أنه سبق وأبلغ لجنة القيم بشأن صلاته بفيغيريدو في 2014. وفي يوم الأربعاء قال إن شركته «لم تكن لها أي علاقات عمل أو قامت بأعمال مع أو لصالح يوجينيو فيغيريدو». وسيثير كل هذا أسئلة حول الإجراءات التي يفخر بها الفيفا كثيرا، والمتعلقة بمراجعة خلفيات أفراده، وهي جزء أساسي من مقترحاته الإصلاحية عند تعيين أعضاء جدد لمجلس الفيفا الجديد، والذي سيحل محل اللجنة التنفيذية فاقدة المصداقية، واللجان الأساسية.
عندما أعيد تدشين لجنة الأخلاق ككيان مستقل في 2012. حيث تم الفصل بين آليتي عملها المتعلق بالتحقيق والمقاضاة للمرة الأولى، خضع جميع أعضائها لفحص يتعلق بخلفياتهم. ربما يقول الفيفا إنه لم يكن بمقدوره التوصل إلى أمر حسابات الـ«أوف شور» السرية التي أنشأتها شركة دامياني القانونية. ومن هنا يأتي التحرك الأوسع نطاقا من أجل مزيد من الشفافية بشأن المالكين الحقيقيين لحسابات الـ«أوف شور».
من المتوقع أن يقدم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي ورد اسم والده كذلك في وثائق بنما، بعض الإجابات خلال قمة مكافحة الفساد الشهر القادم، التي وعد بأن تتم مناقشة القضايا الرياضية خلالها.
بعد ذلك كشفت «الغارديان» وشركاؤها أنه، ورغم أن اليويفا والفيفا يؤكدان على حد سواء بأن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لم تكن له أي تعاملات مع أي من الأفراد أو الشركات، المذكورين في لائحة الاتهام الأميركية، فإن اليويفا وقع في حقيقة الأمر على اتفاقات بث تلفزيوني مع أحد الأسماء التي وردت بقوة في لائحة الاتهام.
ويظهر اسم الشركة الأرجنتينية «كروس تريدينغ»، وهي شركة تابعة لـ«فول بلاي»، في لائحة الاتهام الأميركية.
وتعد الاتفاقات التي وقعها اليويفا بشأن حقوق بث دوري الأبطال وكأس الاتحاد الأوروبي، في الإكوادور في 2003 و2006. كما أشار عند مواجهته بهذا الشأن، جزءا صغيرا فيما يتعلق بشأن نسبتهما من إجمالي عائدات البث التي – كما هو الحال مع هيئات كرة القدم الأخرى – زادت على مدار العقود القليلة القادمة.
لكن أهمية هذه الاتفاقات ربما تكون أكبر بكثير، فالمبالغ المتضمنة – في هذه الحالة بضع مئات الآلاف من الدولارات – تعتبر غير ذات صلة تقريبا. لماذا يصر اليويفا على أنه لم تكن له أي تعاملات مع الشركات أو الأفراد المتهمين بينما كانت له علاقات معهم؟ بمجرد أن تبين حجم الفضيحة التي كشفت عنها السلطات الأميركية والسويسرية، في أعقاب المداهمات المثيرة التي قامت بها على مجموعة «بور أو لاك» في مايو (أيار) 2015، أليس من المؤكد أن يكون هذا أول ما قام الاتحاد بمراجعته؟
ومع هذا، فمنذ أسابيع قليلة، عندما سئل الفيفا عما إذا كان إنفانتينو أجرى أي تعامل مع أي من الأطراف المدانين، كان اليويفا لا يزال يقول إنه وأمينه العام السابق لم يكن لهم أي تعاملات من هذا النوع. والآن، وبعد أن قام بمراجعة متأخرة لملفاته، أكد الاتحاد الأوروبي أنه لم يوقع على الاتفاقات الخاصة بالإكوادور مع «كروس تريدينغ» فحسب، بل وقع أيضا على اتفاق ضيافة خاص ببطولة يورو 2016 مع شركة التسويق البرازيلية المثيرة للجدل «ترافيك سبورتس»، التي كان رئيسها أرون ديفيدسون من بين الواردة أسماؤهم في لائحة الاتهام في مايو الماضي.
وحقيقة أن شركة «كروس تريدينغ» قامت على الفور ببيع الحقوق التي حصلت عليها من اليويفا في 2006 إلى محطة «تليمازوناس» التلفزيونية بـ3 إلى 4 أضعاف قيمتها، تثير عددا من الأسئلة. أصر اليويفا على أن الحقوق تم بيعها في مزاد تنافسي مفتوح، وأنه تصرف بالشكل الملائم في كل مراحل الاتفاق، لكنه لم يذهب إلى مدى أبعد في التعليق على تفاوت القيمة.
قال اليويفا إنه يعتقد أن الحقوق قد تم بيعها «وفقا لعملية عطاء مفتوح وتنافسي»، وإن العرض المقدم من تيليامازوناس - كروس تريدينغ كان أعلى بنسبة 20 في المائة من ثاني أفضل العروض. وأضاف أنه «لم يكن لدى تيم (الشريك التسويقي) ولا اليويفا أي سبب للاعتقاد بأنه كان هناك أي شيء مريب أو غير ملائم بشأن علاقة وكالة بين كروس تريدينغ وتيليامازوناس». وقال إن أي اتفاق ثنائي بين تيليامازوناس وكروس تريدينغ هو «أمر يخصهما ولا يخصنا».
لكن الشيء الأكثر دلالة من مضمون رد الفيفا هو النبرة التي ورد بها. بدأ الرد دفاعيا، عدائيا وعدوانيا. كما أنه تحدث بلغة كرة القدم في الماضي القريب بدلا من أن يستخدم لغة تناسب جرأة العالم الجديد القائم على الشفافية والانفتاح، التي تبناها إنفانتينو في يوم تنصيبه.
ليس ثمة افتراض حول أي نشاط غير مشروع من جانب اليويفا أو إنفانتينو، الذي ورد اسمه في العقد المذكور كواحد من اثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يوقعون على اتفاقات حقوق البث وفقا للإجراء المتبع من جانب المنظمة. قال اليويفا: «ليس هناك افتراض على الإطلاق بحصول أي مسؤول من اليويفا أو أي من شركائه التجاريين على رشوة أو أموال غير مشروعة، سواء على صلة بهذا الاتفاق الصغير أو أي من المعاملات التجارية الأخرى».
وقال إنفانتينو يوم الأربعاء الماضي إنه «منزعج ولن أقبل التشكيك في نزاهتي من قبل دوائر إعلامية معينة، خاصة بالنظر إلى أن اليويفا كشف بالفعل كل الحقائق بالتفصيل فيما يتعلق بهذه العقود». وأضاف لاحقا في بيان: «إذا كان تصميمي على استعادة سمعة كرة القدم قويا جدا بالفعل، فلقد ازداد هذا التصميم قوة الآن».
وقال: «أرحب بأي تحقيق يتم إجراؤه بهذا الصدد. وفي حال طلب مني المساهمة في تقديم مزيد من الإيضاحات حول المسألة، فسيكون من دواعي سروري القيام بذلك بالطبع. من مصلحتي ومصلحة كرة القدم أي يكون كل شيء واضحا للعلن».
في يوم الثلاثاء، أصدر اليويفا بيانا خاصا به يصف فيه إنفانتينو بأنه كان «من أعضاء يويفا الرائعين على مدار سنوات كثيرة» وبأنه «رجل كان يتعامل دائما بكل احترافية ونزاهة».
تثير ما كشفت عنه وثائق بنما المسربة سؤالين رئيسيين: أولهما كيف استطاعت شركة كروس تريدينغ إعادة بيع العقود التي اشترتها من شركة تيم إلى محطة «تيليامازوناس» الإكوادورية، بـ3 إلى 4 مرات من قيمتها بعد وقت قصير من حصولها عليها؟ ثانيا، لماذا أنكرت إبرام أي عقود مع أي من الأطراف المدانة بينما يمكن لبحث صغير أن يكشف الاتفاق؟
وفي نفس الوقت، فإن الافتراض بأن عضوا بالذراع القانونية للجنة الأخلاق لديه علاقات ممتدة منذ وقت طويل بنائب سابق لرئيس الفيفا، قامت اللجنة بإيقافه مؤخرا، يثير تساؤلات في حد ذاته. ولا يمكن لهذين الأمرين معا، إلا أن يسهما في تغذية إحساس أوسع نطاقا بأن كرة القدم عاجزة عن إصلاح نفسها.
كما يظهر التسريب الهائل إلى أي مدى تطفو كرة القدم فوق محيط من الأموال المودعة في حسابات «أوف شور». من لاعبين كبار، إلى وكلاء يستخدمون طرقا معقدة للقيام بعملهم، إلى مسؤولي كرة القدم التنفيذيين المتهمين بالفساد مثل فيغيريدو.
إن هذه اللمحة عن أنشطة هذه الشركة الكبيرة وحدها – والتي تصل إلى 11 مليون ملف – تكشف عن مستقر حجم هائل من عوائد ازدهار كرة القدم في نييوي أو جزر فيرجين البريطانية.
من أشهر لاعبي العالم، ليونيل ميسي، إلى مالكي أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، إلى الوكلاء والمديرين وطبقات متنوعة من الوسطاء والطفيليين الذين أثروا من خلال ازدهار البث التلفزيوني والرعاية، هنا ينتهي المطاف بالكثير من الأموال. في الحسابات السرية في شركات الأوف شور. وفي حين أن امتلاك هذه الحسابات ليس بالعمل غير المشروع، فإنه يثير تساؤلات حول الشفافية.
والآن تظهر في وثائق بنما أسماء مسؤولي كرة القدم التنفيذيين الموصومين، من أمثال جيروم فالكه (الذي استخدم شركة خارجية لشراء يخت) وبلاتيني (الذي تم تسجيل شركته – بلاني إنتربرايزس – في 2007 وما زالت نشطة). وقال كلا الرجلين إنه لم يقترف أي أخطاء.
وتبدو قضايا الشفافية التي أثارتها حسابات الأوف شور مشابهة لكثير من التحديات الأخرى التي تواجه الفيفا والاتحادات الأدنى مثل اليويفا.
لقد بدا دائما أن المرجح أن لا يطول شهر العسل بالنسبة إلى إنفانتينو. عندما حولت منظمة العفو الدولية الضغوط الشهر الماضي حول قضايا تحيط باستعادات قطر لكأس العالم، ومعاملة العمال الوافدين الذين يعملون في بناء الملاعب التي ستقام عليها البطولة، كان إنفانتينو يكرر الأسبوع الماضي نفس الأسلوب الذي استخدمه في اليوم الأول لرئاسته، وهو يلعب مباراة كرة قدم في بوليفيا.
بعد اصطفافه إلى جانب لاعبين من أمثال كافو وفاوستينو أسبريا، حصل إنفانتينو على وسام «كوندور الأنديز» من الرئيس البوليفي. إذا كان ينوي توضيح إلى أي مدى يختلف عن سلفه المحب للجوائز ودائم التجوال حول العالم، فربما لا تكون هذه هي الطريقة المناسبة لذلك.
إن لعب مثل هذه المباريات معني بإظهار رغبته في تحويل تركيز الفيفا من جديد إلى كرة القدم، ولكن وثائق بنما تعتبر تذكيرا آخر بأن القيام بهذا سيكون مستحيلا ما لم يستطع إنفانتينو أن يظهر تقدما حاسما باتجاه تغيير الثقافة التي أدت إلى كل المشكلات السابقة.
إنفانتينو.. عهد جديد لكرة القدم أم التزام بمسار بلاتر
الوثائق المسربة تثير السؤال حول التعهد بالشفافية وإلى أي مدى تغير الفيفا
إنفانتينو.. عهد جديد لكرة القدم أم التزام بمسار بلاتر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة