«أوج بغداد» يجمع ألوان الفنون العراقية حفاظًا على الإبداع الأصيل

مثقفون عراقيون يمجدون عاصمتهم بمركز حضاري يربط التراث بالحاضر

فرقة «الجالغي البغدادي» في أمسية موسيقية أقامها المركز («الشرق الأوسط»)
فرقة «الجالغي البغدادي» في أمسية موسيقية أقامها المركز («الشرق الأوسط»)
TT

«أوج بغداد» يجمع ألوان الفنون العراقية حفاظًا على الإبداع الأصيل

فرقة «الجالغي البغدادي» في أمسية موسيقية أقامها المركز («الشرق الأوسط»)
فرقة «الجالغي البغدادي» في أمسية موسيقية أقامها المركز («الشرق الأوسط»)

افتتح مؤخرا مركز ثقافي هو الأول من نوعه في العاصمة العراقية بغداد حمل اسم «أوج بغداد»، الذي يعد قفزة حضارية متميزة في ظل أوضاع اقتصادية وأمنية واجتماعية متأزمة.
وتأتي هذه المبادرة تأكيدًا على أن البغداديين يعبرون بطرق كثيرة ومتميزة عن صلتهم بمدينتهم التي ارتبط اسمها بالحضارة والثقافة والإنجازات العلمية منذ أن بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور وحتى اليوم، حيث لا تزال مدرستها الشهيرة «المستنصرية» والقصر العباسي وبقايا سورها العتيق شواهد حضارية على عظمة بغداد التي لم تستسلم لعاديات الزمن.
من جانبه، يقول المثقف ورجل الأعمال العراقي فيصل القرة غولي، وهو متخصص في جمع الأعمال الفنية والقطع التراثية «الأنتيك» العراقية النادرة: «لقد فكرنا مع مجموعة من أصدقائي المقربين من الفنانين والكتاب العراقيين في إقامة مركز ثقافي حضاري راقٍ يليق بحضارة بغداد، تلتقي فيه النخب البغدادية من النساء والرجال». ويستطرد: «هؤلاء الذين لم يعد لهم مكان يلتقون فيه ليناقشوا المواضيع الثقافية بحرية وبروح إبداعية، مثلما كان في السابق حيث كانت هناك مراكز ومنتديات ثقافية نوعية». ويؤكد غولي أن الهدف وراء «أوج بغداد»، «هو التحريض على إنتاج منجز ثقافي نوعي وليس كميا والحفاظ على ما تبقى من الإنجازات الفنية سواء الموسيقية أو التشكيلية والارتقاء بها دون أن ندعي بأننا بدلاء عن هذه المؤسسة أو تلك ولا ننافس أو ندخل في مقارنات مع الآخرين»، موضحا: «لقد بقينا لأشهر نفكر ونخطط لهذا المركز لأننا بالفعل أردناه متميزا للغاية حتى نضجت الفكرة»، مشيرا إلى أن «المشروع هو في حد ذاته وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد بمثابة المغامرة، خاصة أن المشروع ليس تجاريا على الإطلاق، بل أنا تحملت وأتحمل جميع تكاليفه».
وأضاف القرة غولي قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لقد فكرنا كثيرا في اسم المركز فاخترنا (أوج بغداد)، والمعروف أن (الأوج) هو أعلى المراتب أو القمة أو الذروة في المجد، وبغداد تستحق مثل هذه التسمية فمهما أصابها من مصائب وهجوم الريف المتخلف ستبقى عصية على اليأس، وستبقى عاصمة للحضارة والإبداع ومنارة للتقدم الثقافي».
ومن جانبها، أوضحت مديرة مركز «أوج بغداد»، الفنانة التشكيلية الشابة مينا الحلو، لـ«الشرق الأوسط» بأن «ما يميز مركزنا هو تركيزه على المنجز الإبداعي البغدادي خاصة والعراقي عامة»، مشيرة إلى «عدم ارتباط أو اعتماد المركز على أية جهة حكومية أو سياسية أو برلمانية أو حزبية بل إن «أوج بغداد» يعتمد في تمويله وتوجهاته على رئيسه الأستاذ فيصل القرة غولي وعلى أعضائه».
وأضافت الحلو قائلة: «إن للمركز لجنة استشارية تتكون من أساتذة في الموسيقى والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والإعلام، وهذه اللجنة هي من تقرر قبول الأعضاء وهمنا الأول والأخير هو ثقافي وإبداعي، كما أن هذه اللجنة من مهامها وضع برامج نشاطات المركز المستقبلية والتي تدرس بعناية».
وأشارت مديرة مركز «أوج بغداد» الثقافي إلى أن «المركز يضم صالات للعروض التشكيلية والسينمائية وإلقاء المحاضرات والأماسي الثقافية والعروض المسرحية، التي يؤديها عدد محدود من الممثلين بسبب ضيق المساحة». وقالت: «على الرغم من أنه لم تمضِ سوى أسابيع محدودة على افتتاح مركز (أوج بغداد)، فإننا قدمنا أمسية موسيقية بغدادية أحياها (التخت الجالغي) البغدادي، مع وصلات غنائية بأسلوب (المربعات البغدادية)، التي كادت أن تنقرض، وأمسية موسيقية أخرى لموسيقى (الساس) البدوية ودبكات المناطق الغربية (الجوبي)، وذلك بإشراف الأستاذ خالد الحلو والدكتور دريد فاضل، ومعرض تشكيلي شامل لفنانين عراقيين معاصرين بإشراف الفنان قاسم سبتي رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، ومعرض للسجاد اليدوي للنساء الريفيات من بادية السماوة باقتراح ومتابعة الفنان التشكيلي رشاد سليم، حيث تميزت نقوش وألوان القطع النادرة من هذا السجاد بعكس الفن الفطري وجمالية الألوان للخيوط التي نفذت بها هذه الحياكة، وأيضًا هذا النوع من حياكة السجاد اليدوي على حافة الانقراض والنسيان، إضافة إلى عرض سينمائي لنادي السينما في المركز والذي يشرف عليه الفنان مقداد عبد الرضا، وفي جدولنا القريب هناك محاضرات لفنانين مسرحيين وباحثين وأماسي شعرية».
وحول مجموعة الأنتيكات من أثاث وجداريات وأيقونات بغدادية تراثية نادرة، قالت الحلو: «غالبية هذه التراثيات وخصوصا الأثاث والجداريات النادرة هي من مجموعة القرة غولي، إضافة إلى أننا نقبنا في محلات التراثيات البغدادية كما يبحث الصياد عن اللؤلؤ في مياه البحر لنعثر على ما أردناه وبصعوبة بالغة، وقمنا بمجهودات فردية في طلاء وتلوين الجدران والواجهات»، معبرة عن سعادتها «بافتتاح مثل هذا المركز وفي ظل هذه الظروف الصعبة للغاية».
المركز الثقافي الجديد «أوج بغداد»، الذي يقع في منطقة الكرادة بجانب الرصافة من بغداد استقطب اهتمام مجموعة من المثقفين العراقيين منذ أول يوم افتتاحه برعاية الشريف علي ابن الحسين، ابن خالة الملك فيصل الثاني، آخر ملوك العراق، حيث حضر نجوم السينما والموسيقى والمسرح والشعر والإعلام حفل الافتتاح، أمثال المخرج السينمائي محمد شكري جميل وزوجته الممثلة المعروفة فاطمة الربيعي والموسيقار نصير شمة والفنان المسرحي الكبير مقداد عبد الرضا والممثل التلفزيوني حمودي الحارثي والفنانة المسرحية المتميزة آلاء حسين والمخرجة المسرحية عواطف نعيم والكاتب عبد المنعم الاعسم رئيس تحرير جريدة الصباح والفنان التشكيلي قاسم سبتي.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».