أحزاب تونسية تدعو إلى التحقيق في قضية «تسريبات بنما»

محسن مرزوق: المعلومات عن تورطي مختلقة.. ولا أساس لها من الصحة

أحزاب تونسية تدعو إلى التحقيق في قضية «تسريبات بنما»
TT

أحزاب تونسية تدعو إلى التحقيق في قضية «تسريبات بنما»

أحزاب تونسية تدعو إلى التحقيق في قضية «تسريبات بنما»

دعا ممثلون عن عدد من الأحزاب التونسية، من بينها حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي، وهما في صفوف المعارضة داخل البرلمان التونسي، إلى فتح تحقيق ضد التونسيين الذين وردت أسماؤهم ضمن وثائق بنما المسربة.
وأشار ممثلو تلك الأحزاب إلى مسارعة عدة دول بفتح تحقيقات قضائية في الأمر، وعرض الملف على النيابة العامة، وقالوا إن وجود شخصيات تونسية ضمن الأسماء الواردة في تلك الوثائق يتطلّب فتح السلطات التونسية تحقيقا قضائيا على وجه السرعة.
ووعد عمر منصور، وزير العدل التونسي، بمتابعة الملف والقيام بالتحقيقات القضائية الضرورية في مثل هذه الحالات، وأكد الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي التونسي، متابعة الموضوع منذ الإعلان عن وثائق بنما. وقال إن تونس ستتخذ إجراءات قضائية ضد الأشخاص الواردة أسماؤهم في تلك الوثائق.
من ناحيتها، عبّرت عدة منظمات تونسية تعمل في مجال مكافحة الفساد وإرساء الحكومة الرشيدة عن أملها في استرجاع تونس جزءا من الأموال المنهوبة من قبل رموز النظام السابق بعد تسريبات بنما. وفي هذا الشأن، أكد سامي الرمادي، رئيس المنظمة التونسية للشفافية المالية (غير الحكومية)، أن صعوبة تقفي أثر الأموال التونسية المنهوبة لا يمكن أن يثني المسؤولين التونسيين عن المطالبة بتلك الأموال، وتوجيهها لتلبية حاجيات مئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
على صعيد متّصل، تعرض موقع «إنكيفادا»، المكلف بنشر الجزء التونسي من فضيحة «أوراق بنما»، إلى «هجوم إلكتروني خطير» بعد ساعات من نشره أولى المعلومات المسربة، بحسب ما أعلن الموقع أمس.
وقال «إنكيفادا»، في تغريدة على حسابه الرسمي في «تويتر»: «يتعرض موقعنا إلى هجوم إلكتروني خطير. وقد نجح القراصنة في نشر معلومات مغلوطة باسمنا». وأضاف: «لأسباب تتعلق بالسلامة، نحن مجبرون على وضع الموقع خارج نطاق الخدمة (..) للتعامل مع هذا الهجوم».
ولم يتسن دخول الموقع، فيما أكدت مديرة تحريره، منية بن حمادي، أنه تم وضعه خارج نطاق الخدمة بهدف إصلاح الأضرار التي سببها القراصنة. وقالت بن حمادي: «تم شن الهجوم من مناطق عدة. في الوقت الحالي حددنا الأجهزة (التي شُن منها الهجوم)، ولكن ليس الأشخاص» الذين يقفون وراءها.
وكان موقع «إنكيفادا» قد بدأ في نشر أولى المعلومات حول تورط تونسيين في تسريبات «أوراق بنما». وقال الموقع بعد قرصنته إن «الاسم الوحيد الذي تم الكشف عنه حتى الآن هو محسن مرزوق. وسيتم لاحقا نشر مقالات أخرى». ومحسن مرزوق هو الأمين العام السابق لحزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في 2012. وبحسب موقع «إنكيفادا»، فقد تم ذكر اسم محسن مرزوق في وثائق لمكتب المحاماة البنمي «موساك فونسيكا»، بعدما طلب معلومات لإقامة شركة في الخارج.
من جهته، نفى محسن مرزوق أن يكون أجرى اتصالات مع مكتب «موساك فونسيكا»، ملوحا بمقاضاة موقع «إنكيفادا». وقال مرزوق في تصريح لإذاعة «موزاييك إف إم» الخاصة: «لم تكن لي أي علاقة بهؤلاء الناس (مكتب فونسيكا) ولم أراسلهم ولم يراسلوني، وهذا الموضوع أنفيه جملة وتفصيلا (..) هذه الحكاية مختلقة تماما ولا أساس لها من الصحة». وأفاد: «تحدثت مع محام، والناس الذين نشروا هذا الخبر عليهم الذهاب أمام القضاء ليفسروا كيف قاموا بهذا التشويه الكاذب (..)، سوف نرفع قضية على الإخوة الذين يقفون وراء هذا الموقع».



​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

العالم الذي يبدأ فيه دونالد ترمب ولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة، لا يشبه كثيراً العالم الذي فاز فيه برئاسته الأولى عام 2016. في أوروبا تخوض روسيا حرباً ضروساً ضد أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والاتحاد الأوروبي ما زال يتردد في وضع الركائز الأساسية لاستراتيجية دفاعية موحدة تحجز له مقعداً في الصف الأمامي من المشهد الجيوسياسي الجديد، فيما تقضّ تصريحات ترمب المتعاقبة وتهديداته مضاجع المسؤولين في باريس وبرلين وبروكسل، وتطرب لها آذان القيادات الحاكمة في روما وبودابست ومن لفّ لفيفها من القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تتطلع إلى «عصر ذهبي» تتفتح براعمه خلال الحقبة الترمبية الثانية.

لم تعد المؤسسات الأوروبية الكبرى تخفي قلقها من تداعيات الرياح الأميركية الجديدة، التي بدأت تهب على العالم حتى قبل جلوس ترمب في المكتب البيضوي، وها هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يعلن قُبيل سفره إلى واشنطن لحضور حفل التنصيب، أن ولاية ترمب الثانية ستطلق أجنحة اليمين الأوروبي الجديد، ويبشّر أوربان بحقبة ذهبية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويقول: «أعلن انطلاق المرحلة الثانية من الهجوم الكبير الذي يهدف إلى احتلال أوروبا».

أميركي يعتمر قبعة عليها صورة ترمب بواشنطن الاثنين (رويترز)

وخلافاً لما كان عليه الوضع إبّان ولايته الأولى، حين كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مجرد مشاريع هامشية في المشهد السياسي، أصبح حلفاء ترمب الأوروبيون اليوم على جانب من النفوذ، في الحكم وخارجه، وعلى تناغم تام مع أفكاره ومواقفه الراديكالية حول الهجرة والبيئة والقضايا الاجتماعية، ويشاطرون رؤيته الجيوسياسية لعالم تقوم فيه التحالفات على المصالح التجارية وليس على الأفكار والمعتقدات السياسية. ولم يعد سراً أن المخاوف الأوروبية الكبرى ليست مقصورة على التدابير التجارية المزمعة للرئيس الأميركي الجديد، بل إن أخطرها قد يأتي من «وصفته» لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن مصير العباءة الدفاعية التي يؤمنها الحلف الأطلسي للدول الأوروبية.

العهد الأميركي الجديد يعرف أن «أحصنة طروادة» التي تفاخر بنصرته في أوروبا لم تعد تلك الأحزاب المنبوذة، التي فرضت عليها القوى التقليدية حجراً صحياً منذ عقود، ومنعت وصولها إلى مواقع القرار والسلطة، بل أصبحت في مراكز الحكم وتتوثّب اليوم، مدعومة بسخاء من الأوليغارشية الرقمية، لتوسيع دائرة شعبيتها ونفوذها المباشر بعد أن صارت تشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان الأوروبي.

اجتماع سابق لترمب مع قادة «الناتو» في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

وهي لم تنم فحسب على الصعيد الانتخابي، في ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا، بل إن أفكارها وطروحاتها أصبحت تلقى تجاوباً واسعاً في أوساط الرأي العام، وتكاد تتطابق مع تلك التي يطلقها ترمب مثلاً حول الهجرة، أو حول الحرب في أوكرانيا. فكرة الجدار لمنع دخول المهاجرين مثلاً كانت مرفوضة على امتداد المشهد السياسي والاجتماعي في أوروبا، أما اليوم فإن عدداً من الدول الأوروبية يدرس سياسات لمنع الهجرة غير الشرعية التي لا تقلّ راديكالية عن فكرة الجدار.

الانتخابات الأوروبية، التي أجريت مطالع الصيف الماضي أظهرت مدى صعود الموجة اليمينية المتطرفة، وزعزعت أركان الحكم في فرنسا وألمانيا، وأثمرت البرلمان الأوروبي الأكثر جنوحاً نحو اليمين منذ تأسيسه. لكن ذلك لم يكن سوى انعكاس مباشر لواقع ملموس منذ سنوات في الدول الأعضاء، وأصبح اليمين المتطرف اليوم طرفاً في ائتلافات حاكمة، أو طرفاً أساسياً داعماً لها، في إيطاليا والسويد وفنلندا والجمهورية التشيكية وهولندا والمجر وكرواتيا، وهو يتفاوض حالياً للوصول إلى الحكم في النمسا، فضلاً عن أن القوى اليمينية المتطرفة تتطلع إلى زيادة شعبيتها ونفوذها في الانتخابات الألمانية أواخر الشهر المقبل، والرومانية في الربيع، والتشيكية في خريف العام الحالي.

دونالد ترمب يتحدث إلى جانب فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان 28 يونيو 2019 (أرشيفية - رويترز)

تكفي نظرة سريعة على قائمة المدعوين الأوروبيين إلى حفل التنصيب في واشنطن، لنتبيّن حجم «جبهة الإسناد» الأوروبية لترمب داخل الاتحاد الأوروبي: من الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المجري فيكتور أوربان، ومن الإسباني سانتياغو أباسكال، إلى تينو شروبالا من «البديل من أجل ألمانيا»، ومن الفرنسي إريك زمور إلى البرتغالي أندريه فينتورا. ميلوني هي الوحيدة بين قادة الاتحاد التي قررت حضور حفل التنصيب، فاتحة بذلك ثغرة جديدة مع شركائها الأوروبيين، يرجح أن تتعمق أكثر في الأشهر المقبلة. لكن الأخطر من ذلك هو أن عودة ترمب تمنح هذه الأحزاب جواز عبور إلى المشهد السياسي الطبيعي في أوروبا، وتتيح للإدارة الجديدة التأثير المباشر في السياسات الأوروبية، والقدرة على زرع الشقاق لفتح الطريق أمام سياساتها التجارية والتكنولوجية، خاصة بعد دخول اصطفاف الشركات التكنولوجية الضخمة إلى جانب الرئيس الأميركي الجديد، ومساعيها المعروفة للالتفاف على القواعد الأوروبية.

ترمب من جهته أوضح غير مرة أنه يريد تصحيح الخلل في الميزان التجاري مع أوروبا، عن طريق رفع الرسوم الجمركية، وزيادة الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مطالبته برفع نسبة مساهمات الأعضاء الأوروبيين في ميزانية الحلف الأطلسي، وزيادة مشاركتهم في جهود إعمار أوكرانيا. لكن الهاجس الأوروبي الأكبر يبقى في الحفاظ على وحدة الصف والموقف أمام الضغوط والتهديدات الأميركية.