نقلت وكالة «إنترفاكس» عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قوله أمس إن موسكو لا تعتزم استخدام الورقة الإيرانية، لكن التعامل الغربي قد يدفع روسيا إلى ذلك. واستبعد العديد من الخبراء والمراقبين ربط الأزمة الأوكرانية وشبه جزيرة القرم بالمفاوضات النووية التي تجريها إيران والغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني، غير أن بوادر جديدة تدل على أن روسيا تعتزم استخدام الورقة الإيرانية بشكل من الأشكال خلال أزمتها مع الغرب.
تأتي التصريحات الروسية في الوقت الذي كانت فيه موسكو نفت مرارا أن تكون الأزمة بينها وبين الغرب بسبب أوضاع أوكرانيا لها تأثير على مسار المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة «5+1». وقد وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وموفدون من برلمان القرم يوم الثلاثاء اتفاقية ضم القرم إلى روسيا. وأضاف ريابكوف «روسيا ستقوم بعمليات انتقامية إذا ما لزم الأمر. إن الحدث التاريخي التي تمثل في ضم القرم إلى روسيا أدى إلى تحقيق العدالة التاريخية، وإن هذا الحدث له قيمة كبيرة لا تقارن بسياساتنا إزاء إيران». وتابع «على زملائنا في واشنطن وبروكسل الاختيار واتخاذ القرار بهذا الشأن»، وزاد قائلا «إن اعتماد أساليب انتقامية من قبل روسيا مرهون بنتائج هذه المفاوضات (بين الدول الغربية)».
وتأتي تصريحات ريابكوف التي أدلى بها في فيينا في الوقت الذي شهدت فيه هذه المدينة انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى بشأن ملف إيران النووي. ويقال إن الموقف الروسي الأخير يعتبر من أكثر التهديدات جدية بشأن القيام بعمليات انتقامية ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية. جدير بالذكر أن ريابكوف هو مندوب روسيا في المفاوضات النووية بين مجموعة «5+1» وإيران.
وقال مندوب إيران السابق لدى مقر الأمم المتحدة الأوروبي في جنيف، الدكتور علي خرم، أمس (الخميس)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «لفتات موسكو السياسية وتعاملها الودي لا يؤثران على مسار المفاوضات النووية بين إيران والغرب». وأضاف خرم «ينبغي على إيران أن تلتزم الحياد في أزمة القرم والقضايا الجانبية المرتبطة بها، والانتباه إلى اتفاق جنيف النووي. لا تؤثر التدابير التي تتخذها الولايات المتحدة والغرب حول روسيا على الملف النووي الإيراني. قد تتمكن روسيا من انتهاج موقف أكثر ليونة في الأمم المتحدة إذا أرادت القيام بعملية انتقامية ضد الغرب». وصرح رضا مريدي، النائب عن مقاطعة أونتاريو في البرلمان الكندي ونائب وزارة الطاقة الكندية في الشؤون البرلمانية أمس (الخميس)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أستبعد أن تؤثر التطورات الجارية والتهديدات الروسية على مسار المفاوضات بين إيران والغرب. تواجه إيران عقوبات اقتصادية خانقة لا مفر منها إلا إذا حققت تقدما ملحوظا في المفاوضات النووية».
وردا على إمكانية استخدام روسيا الورقة الإيرانية في مواجهتها مع الغرب بشأن أزمة القرم قال مريدي «أعتقد أن روسيا تستخدم كل أوراقها مثل الورقة الإيرانية وحتى السورية في المواجهة مع الغرب، لكنها لن تحقق في النهاية النتائج المطلوبة إذا استخدمت الورقة الإيرانية». وتابع النائب الكندي من الأصول الإيرانية مريدي «لن تؤدي هذه التطورات إلى ظروف جديدة في المفاوضات النووية بين إيران والغرب، لأن الدول الغربية لن تسمح لإيران بصنع القنبلة الذرية، كما أن النظام الإيراني لا يريد أن يتعرض إلى ضربة عسكرية وتدابير أكثر حزما من قبل الغرب. وبالتالي لا تسمح إيران بأن تصبح دمية بيد الروس». وقالت الأستاذة الجامعية ومؤسس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة مهرزاد بروجردي، أمس لـ«الشرق الأوسط»: «تتمتع روسيا بالقدرة والدافع لاستخدام الورقة الإيرانية، وهذا يعتبر مساومة سياسية، حيث إن الغرب يدرس وضع عقوبات على موسكو، وروسيا تحذر من أنها ستعرقل المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى، وتمنع استقرار السلام في سوريا». وأضافت الخبيرة الإيرانية في الشؤون السياسية أنه «إذا قامت روسيا بالانسحاب من المفاوضات النووية مع إيران، أو أعلنت عن عدم التزامها بالعقوبات الراهنة على إيران، أو استأنفت بيع صواريخ (إس 300) أو صواريخ (إس 400) الأكثر تطورا إلى إيران، فعندها ستثير موسكو قلق الغرب. هذه هي لعبة الروليت الروسية التي توجه تهديدا جادا للغرب. ويدعو الموقف الروسي المسؤولين الغربيين إلى التفكير حول كيفية التعامل مع هذه التهديدات».
وتابعت بروجردي أنه «لا ينبغي على المسؤولين السياسيين في إيران الشعور بالارتياح إزاء الوضع الراهن. لقد أجبر الوضع الاقتصادي المتأزم في الوهلة الأولى إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات، الأمر الذي لم يشهد تحسنا جذريا حتى الآن. قد يتمكن المسؤولون الإيرانيون من استغلال الخلاف بين الغرب وروسيا لصالحهم، ولكن تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لن يتم عبر اتخاذ خطوات راديكالية وتغيير لعبة المفاوضات».
من جهة أخرى، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يوم الأربعاء، إثر انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى، إن المفاوضات كانت موضوعية، وجادة، ومفيدة، وتناولت المفاوضات مواضيع مثل عملية تخصيب اليورانيوم، ومفاعل أراك، والتعاون النووي السلمي، والعقوبات. وأضاف ظريف «كان الشرخ كبيرا في التفكير لدى الجانبين، غير أن هذا الشرخ بدأ يتلاشى». وقال الوفد الإيراني في المفاوضات النووية إن إيران ستلتزم بالاتفاق النووي.
من جهة أخرى، قالت مسؤولة أوروبية كبيرة، في رسالة بالبريد الإلكتروني اطلعت عليها «رويترز» أمس، إن المواقف بين إيران والقوى الكبرى تختلف بشكل كبير في بعض المجالات لكن المفاوضين الإيرانيين يبدون «ملتزمين جدا» بالتوصل إلى اتفاق بخصوص البرنامج النووي للبلاد.
ومن جانبها، قالت روسيا إن موقفي الجانبين «متباعدان بشدة» بشأن قضية تخصيب اليورانيوم. وروسيا هي إحدى الدول الست التي تسعى إلى إقناع إيران بتقييد أنشطتها النووية لحرمانها من أي قدرة على صنع قنبلة نووية. وتؤكد هذه التصريحات المهمة الشاقة التي تواجه المفاوضين الذين يهدفون إلى إعداد تسوية نهائية للنزاع المستمر منذ عشر سنوات بشأن طبيعة ومدى البرنامج النووي الإيراني في الشهور الأربعة المقبلة.
وكتبت المسؤولة الأوروبية البارزة هيلغا شميد الرسالة الإلكترونية المقتضبة إلى مسؤولين كبار في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بعد اجتماع في فيينا يومي 18 و19 مارس (آذار) الحالي بين إيران والقوى الكبرى وهي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا وبريطانيا. وتشغل شميد منصب نائبة كاثرين أشتون مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي التي تنسق المحادثات مع إيران نيابة عن القوى الست. وتهدف المفاوضات إلى التوصل إلى تسوية نهائية لنزاع مستمر منذ عشر سنوات بشأن أنشطة إيران النووية التي تقول طهران إنها سلمية، لكن الغرب يخشى من أنها ربما تهدف إلى امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي.
وشهد اجتماع هذا الأسبوع خلافات بين إيران والقوى العالمية بشأن مستقبل مفاعل نووي إيراني مزمع يمكن أن ينتج بلوتونيوم لصنع قنابل وحذرت الولايات المتحدة من أن هناك حاجة «لعمل شاق» للتغلب على الخلافات عندما يعاود الجانبان الاجتماع في السابع من أبريل (نيسان) المقبل. وعبرت شميد في رسالتها بالبريد الإلكتروني عن ذلك أيضا. وجاء في الرسالة «ما زال أمامنا عمل شاق نقوم به لأننا في مرحلة مبكرة من المفاوضات النهائية والشاملة. في بعض المجالات تختلف المواقف بشكل كبير». وأضافت شميد «غير أن الانطباع هو أن المفاوضين الإيرانيين ملتزمون جدا بالتوصل إلى حل شامل خلال فترة الأشهر الستة»، وكانت تشير إلى المهلة التي تنتهي في أواخر يوليو (تموز) للتوصل إلى اتفاق بعيد المدى، والتي نص عليها الاتفاق المؤقت الذي أبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
واجتماع فيينا هو الثاني في سلسلة اجتماعات تأمل الدول الست أن تثمر عن تسوية تضمن أن يقتصر البرنامج النووي الإيراني على الأغراض السلمية وتضع نهاية لمخاطر اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط. وسعى الجانبان إلى توضيح مواقفهما بشأن القضيتين الشائكتين، وهما مستوى تخصيب اليورانيوم الذي يجري في إيران ومفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل والذي يرى الغرب أنه مصدر محتمل للبلوتونيوم الذي يستخدم في صناعة قنابل.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله إن محادثات فيينا هذا الأسبوع مع القوى العالمية الست كانت «ناجحة جدا» في ما يتعلق بتوضيح القضايا. ونسبت الوكالة إلى ظريف قوله في ما يتعلق بالفهم والإيضاح «كانت (فيينا 2) من أنجح جولات محادثاتنا.. مفيدة وبناءة للغاية». ويعقد الاجتماع المقبل في الفترة بين السابع والتاسع من أبريل المقبل في العاصمة النمساوية.
روسيا تهدد باستخدام «الورقة الإيرانية» في أزمتها مع الغرب
الاتحاد الأوروبي يرى خلافات كبيرة في المحادثات النووية مع طهران
روسيا تهدد باستخدام «الورقة الإيرانية» في أزمتها مع الغرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة