معرض لندن للكتاب.. أشكال جديدة للنشر الإلكتروني

ينطلق في الـ 12 من هذا الشهر والبلدان العربية شبه غائبة

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

معرض لندن للكتاب.. أشكال جديدة للنشر الإلكتروني

جانب من المعرض
جانب من المعرض

ينطلق معرض لندن للكتاب في دورته الـ45 في الثاني عشر من هذا الشهر، في قاعة الأولمبيا. وهو ظاهرة ثقافية تجارية عالمية، تتجاوز فكرة تجمع بسطات الكتب في معارض الكتاب التقليدية، يتم فيها التفاوض وبيع المحتوى الفكري وتوزيعه عبر الوسائط التعبيرية المختلفة، كتبا مطبوعة ودوريات وأعمالا تلفزيونية وسينمائية وسمعية وإلكترونية. يعدّ هذا المعرض، الذي يقام في بداية موسم الربيع من كل عام، أهم أسواق الفكر والنشر في العالم الغربي الناطق بالإنجليزية، ويعد محطة لا بد منها لكل المعنيين بالشأن الثقافي وقضايا النشر الحديث. معرض الكتاب هذا، في عاصمة النشر الأولى في العالم، سيكون تتويجا لأسبوع الكتاب والشاشات الذي ينطلق يوم 11 أبريل (نيسان)، ويقام بدوره للسنة الثالثة على التوالي، ليعكس الأهمية المتزايدة لوسائل نقل المعرفة الحديثة في الشأن الثقافي اليوم.
يقدم معرض لندن للكتاب فرصة جيدة للقاء الكتاب بقرائهم وللقاء الناشرين بكتّابهم، ويضم برنامج المعرض عددا ضخما من المحاضرات والحوارات والمناظرات والمناسبات الثقافية، التي تستضيف مجموعة هائلة من الكتاب النجوم المشهورين في عالم الكتابة في الغرب، ومنهم: هوارد جاكبسون، جانيت وينترسن، نيك بوسستروم، ماريان كييزو تريسي تشافيليير، والكثيرون غيرهم، هو ما يفرض على الزائر أن يحدد اختياراته مبكراً، حيث يستحيل فعليا تغطية كل شيء.
وعلى هامش المعرض، يطلق جوليان فيللوز، الروائي وكاتب السيناريو والممثل البريطاني المعروف، عمله الجديد المسمى «تطبيق بيليجرافيا»، وهو شكل جديد للنشر الأدبي الإلكتروني، مستوحى من نظام النشر المسلسل في العهد الفيكتوري في إنجلترا، حيث سينشر عبر تطبيق مجاني خاص على الهواتف الذكية أحد عشر فصلا من العمل، بمعدل فصل واحد كل أسبوع، مع تضمنه مرفقات، خرائط تبادلية ومقاطع فيديو وموسيقى وصور أزياء توازي السرد القصصي في العمل. عنوان التطبيق هو www.julianfellowesbelgravia.com ، وسيكون متوفرا وقت المعرض على هواتف أبل وجوجل بلاي.
لا تقتصر قائمة الكتاب المشاركين في المعرض على نخبة بريطانية، بل هناك تمثيل لا بأس به للصين ونيجيريا وماليزيا وآيرلندا وأمريكا الشمالية، لكنها تظل ضمن المجموعة الثقافية الأنجلوساكسونية في الغالب، مع غياب لافت لأي كتب أو مفكرين من قلب أوروبا، حيث لا ألمان أو فرنسيون أو إسبان أو طليان ممثلون حتى الآن. أما من الشرق الأوسط، فاستثناء إليف شفق الروائية التركية المعروفة، التي اشتهرت في العالم العربي بعد ترجمة كتابها «قواعد العشق الأربعون» إلى العربية، فإن العالم العربي يبدو وكأنه غير موجود على مائدة مثقفي الغرب نهائيا.
من أهم محاور النقاش التي سيشهدها المعرض: المبدعات النساء في عالم القصص المصورة (الكوميكس)، تطور الشخصية والحبكة في العمل الأدبي، ما الذي تقوله أعمال الخيال العلمي الصيني المعاصرة عن مجتمع الصين اليوم؟، حوار بين الكاتبة البولندية فيوليتا جريج مع مترجمة أعمالها إلى الإنجليزية أنطونيا لويس جونز عن العلاقة بين الكاتب والمترجم، إضافة إلى ورشات عمل للكتاب والمعلمين وهواة الكتابة والناشرين.



تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين
TT

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب... أتوق إلى وطنٍ لا يُجرّم فيه الحلم، ولا يُقمع فيه الاختلاف، وطنٍ يكفل لكلّ فرد حقّه في التعلم بلغته الأم، وفي التعبير عن هويّته وثقافته من دون خوف أو وصاية أو إنكار.

أحلم بسوريا تصان فيها الحريات العامّة، حيث يصبح احترام حرّية الرأي والتعبير قانوناً لا شعاراً أجوفَ، وحيث يُحمى المواطن لا أن يُساق إلى السجون أو المنافي لمجرّد مطالبته بحقوقه. سوريا التي أتمنّاها هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث لا تفضيلات ولا محسوبيات، لا فساد ينهش موارد البلاد ولا استبداد يدمّر مستقبلها.

أحلم ببلد يُدار بقوانين عادلة مستمدّة من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لا بقرارات فردية تُصادر الحياة برمّتها؛ حيث سيكون لكلّ فرد حقّه في التعلم والعمل والتعبير عن رأيه، وستُحترم لغات السوريّين وثقافاتهم كما تُحترم حياتهم. لن يُضطهد الكرديّ بسبب لغته، ولا أيّاً كان بسبب اختلافه أو رأيه أو معتقده، ولن يُنظر إلى الأقلّيات وكأنّها مُلاحقةٌ في وطنها، لن يكون هناك من فرق بين سوريّ وآخر. سوريا التي أنشدها ستُعيد الاعتبار إلى حقوق الجميع من دون تمييز، بحيث تُعتبر الحقوق واجبات تضمنها الدولة وتحميها.

أحلم أن تكون سوريا ما بعد الاستبداد دولة القانون والمؤسّسات، لا الفوضى والاستئثار بالسلطة. دولة تكفل لمواطنيها حرّية الاختيار وحرّية النقد، وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في صنع مستقبلهم. لا أريد أن تُستبدل ديكتاتورية بأخرى، ولا أن يُعاد إنتاج التهميش تحت مسمّيات جديدة. أريد لوطني أن يتخلّص من إرث الديكتاتوريّة والعنف، وأن ينطلق نحو حياة كريمة يعلو فيها صوت الإنسان فوق أصوات السلاح والتناحر.

أحلم بسوريا تتجاوز «ثأراتها» التاريخية، سوريا التي تتصالح مع ماضيها بدل أن تعيد إنتاجه، فلا يكون فيها مَن يتسلّط على قومية أو لغة أو مذهب، سوريا التي تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء.

سوريا التي أنشدها هي تلك التي لا تُعامل فيها لغة على أنّها تهديد للدولة، ولا يُعتبر فيها الكردي أو الأرمني أو الآشوري أو أي أحد آخر ضيفاً في أرضه.

لقد حُرمنا لعقود طويلة من التعلّم بلغتنا الكردية، ومن كتابة أحلامنا وهواجسنا بتلك اللغة التي نحملها بصفتها جزءاً من كينونتنا. لا أريد أن يُحرم طفل سوري - أياً كان انتماؤه - من لغته، لا أريد أن يُضطرّ أحد إلى الانكماش على ذاته خوفاً من رقابة السلطة أو وصاية المجتمع.

لا أريد أن تُلغى الذاكرة الكردية أو تُهمّش، بل أن تُعاد إليها قيمتها من دون مِنّةٍ أو مساومة، أن تُعاد اللغة إلى أصحابها الحقيقيِّين، أن تُدرَّس الكردية والعربية والآشورية وغيرها من اللغات في سوريا، وأن تكون كلّ لغة جسراً للمحبّة لا سلاحاً للتمييز.

أحلم بوطن تُرفع فيه المظالم عن كواهل السوريّين، فلا أرى مشرَّدين بين الأنقاض، ولا أسمع أنين أمّهات يبحثن عن جثامين أبنائهنّ المفقودين في كلّ مكان.

أحلم بوطن يتنفّس أبناؤه جميعاً بحرّيَّة، وطن يضمّد جراحه التي خلّفتها أنظمة الاستبداد، ويُفسح مكاناً للكرامة والحرية لتكونا أساسَين صلبَين لعقد اجتماعيّ جديد.

آمل أن تكون سوريا الناهضة من ركام نظام الأسد - الذي أعتبره تنظيماً مافيوياً لا غير - فضاءً يتّسع لاختلافنا. أن نستطيع العيش بوصفنا مواطنين كاملين، لا غرباء في أرضنا.

ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مواجهة الماضي بشجاعة وشفافية. العدالة الانتقالية ستكون الخطوة الأولى نحو تضميد جراح السوريين، لا بدّ من محاسبة عادلة لكلّ من ارتكب انتهاكات في حقّ الإنسان والوطن.

في سوريا التي أحلم بها، ستكون الثقافة حرّةً ومستقلة، مسرحاً للحوار والاختلاف، وفسحة لتجسيد التنوع السوريّ بجماله وثرائه. أحلم بروايات ومسلسلات تُحكى بكلّ لغات سوريا، ومعارض فنية تعبّر عن هموم السوريين وأحلامهم، ومسرح يضيء بصدق على المآسي والأمل معاً. الثقافة ستصبح أداة بناءٍ لا هدم، وحافزاً لإعادة اكتشاف الهوية المشتركة.

أحلم بوطن يحترم يحترم المرأة كإنسان وكشريك فعّال في بناء الحاضر والمستقبل، حيث تكون القوانين الضامنة لحقوقها جزءاً أصيلاً من بنية الدولة الجديدة. المرأة السورية التي واجهت الحرب بصبرها وشجاعتها تستحقّ أن تكون في مقدمة صفوف التغيير والنهضة.

أحلم بدولة تُوظّف مواردها لخدمة المواطنين، وتعتمد على طاقات الشباب والكفاءات السورية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعيد الأمل وتكفل حياة كريمة للجميع. أحلم بوطن يعيد احتضان أبنائه المهاجرين المتناثرين في الشتات، ويفتح لهم أبواب المشاركة الفاعلة في إعادة البناء.

سوريا التي أحلم بها هي وطن يليق بتضحيات شعبها، وطن تتجلّى فيه القيم الإنسانية العليا، ويُعاد فيه الاعتبار إلى العدل والحرية والسلام.

كروائيّ تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه، وحُرم معي ملايين من السوريين من أبسط حقوقهم في الوجود، من حرية اللغة، والهوية، والانتماء الذي لم يكن يوماً خياراً، بل قيداً مفروضاً.

قد تبدو أحلامي رومانسيّة وبعيدة المنال، لكنّ الأحلام هي بذور المستقبل، وهي الأسس التي سنبني عليها غدنا المنشود.

هل سيظلّ هذا كلّه حلماً مؤجّلاً؟ ربّما. لكن، على الأقلّ، صار بإمكاننا كسوريّين أن نحلم!

* روائي سوري