فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

احتلال بالقوة وقوانين قضائية وأغراض عسكرية.. وزعران المستوطنين تسعى لتهجيرهم والسيطرة على أرضهم

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار
TT

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

بين عامي 1947 و1949 قامت الجماعات اليهودية العسكرية بطرد أو تشريد، نحو 726 ألف فلسطيني مسلم ومسيحي، أي نحو 75 في المائة من السكّان العرب الأصليين، والتي أصبحت لاحقا إسرائيل. طالت الحرب الإسرائيلية آنذاك 400 قرية وبلدة فلسطينية. واليوم فإن الذين طردوا وذرياتهم أصبحوا يُقدّرون بأكثر من 7 ملايين نسمة ويمثلون أقدم وأكبر مجموعة لاجئين حيث يشكلون أكثر من ربع اللاجئين في العالم.
لم يعودوا بطبيعة الحال لقراهم وبلداتهم ولم تتوقف إسرائيل بكل الوسائل عن ملاحقة آخرين في قرى وبلدات أخرى ما زالت قائمة في الضفة الغربية. والحرب على الفلسطينيين في ثلثي مساحة الضفة الغربية أي المناطق «ج» تأخذ أشكالا مختلفة عسكرية وقانونية وعبر زعران وإرهاب المستوطنين. وهي تستهدف مثلما كانت قبل 70 عاما السيطرة على الأرض والتخلص من سكانها. إنها عقلية الإرهاب والتهجير التي جاءت بدولة إسرائيل وتؤسس لبقائها.
لا يأمن كثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق «ج» في الضفة الغربية على مكان سكناهم الذي يمكن أن يتحول إلى غير قانوني أو أرض دولة أو مكان لتدريب الجيش الإسرائيلي في أي لحظة وبقوة القانون والمحاكم، ولا تأمن البقية الباقية على حياتهم بسبب هجمات المستوطنين المتكررة. وفيما يصر الفلسطينيون على البقاء والبناء في أرضهم يصر الإسرائيليون على الهدم والسيطرة. وهذه تختصر معركة المعارك في المناطق «ج».
أدوات السيطرة والتهجير
تختلف باختلاف المنطقة المستهدفة، ففي منطقة حدودية مثل الأغوار تستخدم إسرائيل كل الإمكانيات، جنودا واستيطانا ومياها وقوانين وقضاء للسيطرة على المنطقة، وفي أراض وقرى استراتيجية قريبة من المستوطنات تستخدم إسرائيل قوانين قديمة وأخرى حديثة ومسوغات عسكرية لطرد الناس، وفي قرى أقل قيمة، ترسل زعران المستوطنين لترهيب وتخويف الناس.
الأغوار.. أم المعارك
(المنطقة الأكثر انخفاضا عن سطح البحر) أو كما يحلو للبعض تسميتها قاع العالم، هي في الحقيقة مركز صراع مستمر منذ 50 عاما، وفجر أكثر من مفاوضات بين الطرفين آخرها المفاوضات التي حاول إحياءها وزير الخارجية الأميركي جون كيري.. ويتخذ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في منطقة الأغوار، شكلا مختلفا منذ عشرات السنين. إنه صراع يدور على كل متر مربع في المنطقة التي تشكل نحو 28 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
ويقول الفلسطينيون إنهم لن يتنازلوا عن متر واحد من منطقة الأغوار، لأنها على الأقل أرض فلسطينية، وهي بوابة الدولة العتيدة إلى العالم، ويقول الإسرائيليون إنهم لن يتراجعوا عن المنطقة التي تشكل عمقا أمنيا وبوابة الحراسة والطمأنينة الشرقية لمواطنيها. وتبلغ مساحة الأغوار، 2070 كيلومترا، بواقع 1.6 مليون دونم، وتمتد المنطقة على مسافة 120 كيلومترا، بعرض يتراوح بين ثلاثة كيلومترات و15 كيلومترا، من شمال البحر الميت جنوب فلسطين إلى بردلة عند مدخل بيسان شمالا. ويعيش فيها نحو 50 ألف فلسطيني مقابل 7000 مستوطن إسرائيلي يسيطرون على أغلبية الأراضي هناك.
وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، لـ«الشرق الأوسط» في أوقات سابقة «بعد قيام الدولة لن نقبل بوجود جندي إسرائيل واحد في الضفة وفي الأغوار، لا برا ولا بحرا ولا جوا ولا على المعابر». وكان عريقات يرد ضمنا على مقترحات مختلفة لبقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة لـ10 سنوات مع تخفيض عددها، وزرع أجهزة دفاعية وأخرى للإنذار المبكر، وإدارة مشتركة على المعابر، وهو ما رفضه الفلسطينيون. والمفارقة العجيبة أن الإسرائيليين رفضوا نفس المقترحات.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون: «الانسحاب من الضفة سيمس بحرية عمل الجيش الإسرائيلي، وسيؤدي إلى انهيار حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس». وأضاف: «إن من شأن تطبيق سيناريو الانسحاب من غزة، في الضفة، تثبيت أقدام حماس، والإطاحة بأبو مازن».
وهذه المعركة السياسية جزء من أخرى على الأرض.
فمنذ عشرات السنين نفذت إسرائيل خططا كثيرة في سبيل تهجير الفلسطينيين من الأغوار، وفي الأعوام الأخيرة تحولت الهجمة الإسرائيلية إلى مسعورة ومجنونة، راحت إسرائيل معها تجرب كل شيء ممكن من أجل التخلص من الفلسطينيين نهائيا.
أعلنت الأراضي هناك منطقة عسكرية مغلقة وأراضي دولة، وحولت الأراضي إلى مستوطنات ومصانع ومزارع ومواقع للتدريب الحي، منعت المزارعين والبدو والأهالي من استثمار أراض كثيرة للرعي أو الزراعة أو البناء، قطعت المياه عن تجمعات الفلسطينيين وأراضيهم، وسيطرت على كل الآبار الجوفية في المكان، هدمت بيوتا وأنذرت الأخرى، وعزلت المنطقة عن بقية الضفة الغربية، وأخذت تمنع دخولها لغير أهلها الذين يحملون هويتها.
ويقول فتحي خضيرات، منسق اللجان الشعبية لمناهضة الاستيطان في الأغوار ومسؤول حملة «أنقذوا الأغوار»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاهتمام الإسرائيلي في منطقة الأغوار يوازيه اهتمام فلسطيني للأسباب نفسها، موضحا: «إنها تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، وهي أحد أقطاب مثلث الماء الفلسطيني وتشكل نحو 47 في المائة من مصادر المياه الجوفية الفلسطينية، وهي المعبر الوحيد للفلسطينيين نحو العالم الخارجي، وهي عصب الاقتصاد الفلسطيني المستقبلي الذي يتمثل في الزراعة، وهي المكان الذي يمكن فيه توسيع القدس الشرقية، وهي المكان الذي يمكن فيه أيضا استيعاب اللاجئين حال عودتهم».
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيرى أهمية أخرى للمنطقة بالنسبة لإسرائيل، إذ قال غير مرة، إن إسرائيل تجني 620 مليون دولار سنويا من استثمارها للأغوار الفلسطينية، وإن ادعاءاتها بالسيطرة على الأغوار لدوافع أمنية كاذبة، مضيفا: «إنه استثمار استيطاني».
وتقيم إسرائيل في المنطقة أكبر مزارع نخيل في البلاد، ومشاتل ورود وخضراوات وفواكه، إضافة لمزارع ضخمة للدواجن والأبقار والديك الرومي، وخمس برك اصطناعية لتربية التماسيح من أجل استخدام جلودها في الأحذية والحقائب.
وعلى سبيل المثال، احتفل الإسرائيليون عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1.000000 (مليون) في الأغوار. وحسب تقرير مجلس المستوطنات لعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار سنويا.
وقال عريقات في جولة حديثة مع سفراء وقناصل دول أوروبية: «تريد إسرائيل البقاء 40 سنة في الأغوار، لماذا لا تبقى هناك 400 سنة إضافية، مع كل هذه الأرباح».
وأنشأت إسرائيل 36 مستوطنة في المنطقة يعيش فيها نحو 7000 مستوطن يسيطرون على خيرات المنطقة، وأقدم المستوطنات هي «جفاعوت»، و«بينيت» منذ 1972 و«روتم» و«منجون» و«تيرونوت» و«روعي» و«شدمان» و«منجولا».
أما التجمعات العربية الفلسطينية فلا يزيد سكانها على 5130 نسمة وأهمها أبزيق والمالح وخربة الحمصة وكردلة وبردلة وخربة الرأس الأحمر وعين البيضا والحديدية والفارسية والحمة والعقبة وغيرها، في حين كان العدد يزيد على 300 ألف فلسطيني قبل الاحتلال.
وقال تقرير لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية: «إن المستوطنات والمجلس الإقليمي الاستيطاني تحتل مساحة 1.344.335 دونم من أراضي الأغوار، كما تحتل أراضي الدولة 748.965 دونم، أما المناطق العسكرية المغلقة فتصل إلى 743.626 دونم وتقع 334.614 دونم ضمن ما يسمى محميات طبيعية، أما المناطق التي أغلقت بفعل الجدار العنصري فتصل إلى 2.505 دونم، ليصبح المجموع الصافي 1.372.695 دونم، ما يعادل 85.17 في المائة من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت و24.5 في المائة من مساحة الضفة و97 في المائة من مساحة المنطقة «ج» ليبقى الباقي الممزق وغير المتواصل والمحروم من الخدمات والموارد في يد الفلسطينيين في تجمعات معزولة تنازع على البقاء والصمود في وجه الجرافات الإسرائيلي.
وحتى هذه المناطق لا تسلم من الهجمات المتكررة التي ترميهم خارجا بعد هدم منازلهم ومن ثم يعودون لبنائها وهكذا دواليك. هدم وبناء وتشريد وعودة وبناء وهدم
«القانون» في قرى وبلدات أخرى
تختلف الوسائل التي تحاول من خلالها إسرائيل تهجير الفلسطينيين في القرى والبلدات في مناطق «ج» وبخلاف الأغوار التي لا تنفي أن وجودها فيها هو احتلال، تستخدم إسرائيل «القانون» لطرد الفلسطينيين من باقي المناطق «ج»
ومن بين القرى المعرضة للهدم والتي تصر إسرائيل على إزالتها من على الوجود، قرية سوسيا من بين 8 قرى فلسطينية جنوب الخليل، تهدف لتحويلها إلى ساحة تدريب على الرماية وتسهيل تنقل الجنود منها وإليها. وبعد سنوات من معركة قضائية ردت المحكمة التماس السكان باعتبار أن وجودهم يعرقل عمل الجنود الإسرائيليين.
ويسكن في هذه القرى نحو 1300 فلسطيني.
وتقول إسرائيل إنه من المفترض أن يتم نقل سكان هذه القرى إلى بلدة يطا والبلدات المحيطة، بحيث يسمح لسكان القرى الفلسطينيين بفلاحة أراضيهم ورعاية مواشيهم في الفترات التي لا يجري فيها الجيش أي تدريبات في المنطقة.
والقرى قائمة قبل الاحتلال عام 1967. منذ سنوات الثلاثينات من القرن التاسع عشر، ورغم ذلك تصف «الإدارة المدنية» الإسرائيلية أهل هذه القرى بـ«غزاة لمنطقة إطلاق النار 918».
وطبعا فيما تريد إسرائيل هدم سوسيا العربية، لا تنتبه إلى مستوطنة قريبة أيضا اسمها سوسيا كذلك وتم بناؤها من دون ترخيص من الحكومة الإسرائيلية على أراضٍ فلسطينية مملوكة للقطاع الخاص.
زعران المستوطنين لتخويف البقية
وبحسب إحصاءات فلسطينية رسمية لدائرة شؤون المفاوضات فقد شن المستوطنون منذ 2004 أكثر من 11 ألف هجوم استهدف ممتلكات المدنين الفلسطينيين العزل في القرى والبلدات بما في ذلك المنازل والمساجد والكنائس والأراضي وسرقة الأشجار وتسميم المياه وارتكاب محارق.
وتشن عادة منظمات يهودية متطرفة مثل هذه الهجمات التي كان أفظعها على الإطلاق إحراق عائلة كاملة داخل منزلها في قرية دوما قبل نحو عام ومن ثم العودة إلى نفس القرية الشهر الماضي لإحراق الشاهد الوحيد عليهم.
ويوجد مئات آخرين غير إبراهيم جربوا نيران المستوطنين ورصاصهم وزجاجاتهم الحارقة تحرق بيوتهم والمساجد والكنائس والأراضي المثمرة.
وقال نعمان حمدان رئيس مجلس قروي الجبعة بالقرب من بيت لحم بأنه لا ينسى الليلة التي هاجم فيها مستوطنون مسجد القرية العام الماضي وأحرقوه مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أنه وأبناء قريته لا يشعرون أبدا بالأمان جراء إمكانية تكرار الهجمات التي طالت لاحقا أراضي للمزارعين.
ويسعى نعمان مع أبناء قريته لحماية أنفسهم بأنفسهم جراء عدم قدرة السلطة على العمل في المناطق المصنفة «ج».
ونجح الفلسطينيون في حماية أنفسهم في قرى وفشلوا في أخرى.
وما زال النقاش حول كيفية ردع المستوطنين مشتعلا، ومن بين الأفكار كان هناك توظيف مدنيين أو إرسال جنود فلسطينيين بلباس مدني أو أن يتطوع أهالي القرية لحمايتها.
وقال حمدان بأن على الأب أن يحمي أبناءه في إشارة إلى السلطة.
ويسهر شبان في القرى النائية لحماية أهلهم من الهجمات.
وقال محمد الذي يفضل عدم نشر اسمه بسبب إمكانية استهدافه لاحقا من قبل الجيش، لـ«الشرق الأوسط» بأنه يتسلح بالعصي والكشافات مع رفاقه ويكتفي بتسليط الضوء على أي تحركات مشبوهة بعد منتصف الليل لردع المستوطنين عن المواصلة.
ويدرك الفلسطينيون أن مهاجميهم ينعمون بحماية الجيش الإسرائيلي.
وطالما وثقت منظمات إسرائيلية من بينها بيتسيلم هجمات مستوطنين ضد الفلسطينيين بحماية الجيش.
وفي الوقت الذي تعيش الكثير من القرى حياة تشبه الحرب على خط النار، اكتفت إسرائيل في قرى أخرى بسجن الجميع.
الجدران لسجن الناس
وبنت إسرائيل على سبيل المثال جدارا كامل الأوصاف حول قرية الولجة الفلسطينية القريبة من القدس.
وتمتد القرية الجبلية التي يعيش فيها نحو 2000 فلسطيني، على ما مساحته 4500 دونم من أصل 17793 دونمًا، احتلتها إسرائيل وحولتها إلى أراض دولة ومستوطنات ومحميات أمنية، وتحوي الولجة أكبر شجرة زيتون في فلسطين وعمرها 3000 عام، وينابيع طبيعية أشهرها نبع عين الحنية.
وتعتبر الولجة من أجمل قرى الجنوب، ومثلها تعيش قرى أخرى مثل برطعة وجيوس وبير نبالا وحتى مدينة قلقيلية في سجن كبير يحيط به جدار وله بوابة واحدة فقط محروسة بشكل جيد ويمكن إغلاقها في أي وقت.
ليس مناطق «ج» فقط
أصدر مركز الإحصاء الفلسطيني بيانا إحصائيًا بمناسبة يوم الأرض وبين أن إسرائيل تستغل أكثر من 85 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة نحو 27.000 كم2. ولم يتبق للفلسطينيين سوى نحو 15 في المائة فقط من مساحة الأراضي، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48 في المائة من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية.
القدس 2015: تهويد مكثف وممنهج في الوقت الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنازل الفلسطينية ووضع العراقيل والمعوقات لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيين، تقوم بالمصادقة على تراخيص بناء آلاف الوحدات السكنية في المستعمرات الإسرائيلية المقامة على أراضي القدس، وقد صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2015 على بناء أكثر من 12.600 وحدة سكنية في المستعمرات الإسرائيلية في القدس الشرقية بالإضافة إلى المصادقة على بناء أكثر من 2.500 غرفة فندقية.
كما صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تغيير أسماء الشوارع في البلدة القديمة وتسميتها بأسماء عبرية لفرض الطابع الاحتلالي عليها وذلك ضمن سياسة ممنهجة لتغيير الطابع الديموغرافي وطمس المعالم التاريخية والجغرافية لمدينة القدس، كما قامت سلطات الاحتلال بهدم نحو 152 مبنى فلسطينيا (مساكن ومنشآت) وتوزيع مئات أوامر بالهدم لمبانٍ أخرى، أضف إلى ذلك ما قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف 546 دونما من أراضي الفلسطينيين في تجمعي العيسوية ومخيم شعفاط لإقامة حديقة قومية لليهود ومكب للنفايات.
المستعمرات الإسرائيلية: بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2014 في الضفة الغربية 413 موقعا، منها 150 مستعمرة و119 بؤرة استعمارية، إلى ذلك صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2015 على بناء أكثر من 4.500 وحدة سكنية في محافظات الضفة الغربية عدا تلك التي تمت المصادقة عليها في القدس، في الوقت الذي لا تسمح فيه سلطات الاحتلال للفلسطينيين من البناء وتضع كافة العراقيل الأمر الذي يشدد الخناق والتضييق على التوسع العمراني للفلسطينيين خاصة في القدس والمناطق المسماة (ج) والتي تزيد مساحتها عن 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية والتي ما زالت تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع والذي عزل أكثر من 12 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
أما فيما يتعلق بعدد المستعمرين في الضفة الغربية فقد بلغ 599.901 مستعمر نهاية العام 2014، وتشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 21 مستعمرًا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس نحو 69 مستعمرًا مقابل كل 100 فلسطيني.



ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
TT

ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)

مع حلول نهاية عام 2024، يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد قضى 25 سنة كاملة على عرش الكرملين. تغيرت خلالها كثيراً ملامحُ روسيا، كما تغير العالم من حولها. والرئيس الذي تسلم تركة ثقيلة، عندما عُيّن في عام 1999 رئيساً للوزراء من قبل الرئيس بوريس يلتسين، وجد نفسه أمام استحقاقات صعبة، ودخلت البلاد معه منعطفات حاسمة، وواجهت صعوبات كبيرة، لكنها استعادت قدرتها ورسخت مكانتها مجدداً بين الكبار في العالم.

أعلن يلتسين عن استقالته في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 1999 خلال خطاب ألقاه بمناسبة رأس السنة، وأصبح بوتين رئيساً بالنيابة. وفي شهر مارس (آذار) عام 2000 فاز أول مرة في انتخابات الرئاسة.

تولى بوتين قيادة البلاد منذ ذلك الحين، باستثناء المدة من عام 2008 إلى عام 2012، عندما كان ديميتري ميدفيديف رئيساً وكان بوتين رئيساً للوزراء. ويلاحظ كثير من الخبراء أنه حتى في ذلك الحين كان هو الذي اتخذ القرارات الرئيسية بشأن قضايا السياسة الداخلية والخارجية، وكان المقصود من انتخاب ميدفيديف احترام متطلبات الدستور الروسي، الذي لا يسمح لشخص واحد بأن يكون رئيساً أكثر من ولايتين متتاليتين.

بوريس يلتسين (يمين) يصافح بوتين (يسار) خلال حفل الكرملين في موسكو في ديسمبر 1999 (أ.ف.ب)

بوتين في ربع قرن

ربع قرن مدة طويلة إلى حد ما، وعدد محدود من القادة في التاريخ الروسي بقوا في السلطة لمدة أطول. لذا؛ فمن المنطقي أن نلخص النتائج لحكم فلاديمير بوتين.

لقد ورث دولة تعاني من كثير من المشكلات الداخلية، فالعواقب التي خلفها التخلف عن سداد الديون في عام 1998، والتحركات الانفصالية، والبطالة، والفقر... كانت مجرد قائمة صغيرة من التحديات التي كان على فلاديمير بوتين أن يواجهها على الفور.

في عام 1999، قبل أشهر قليلة من استقالة يلتسين، اندلعت حرب الشيشان الثانية في شمال القوقاز. تمكن الزعيم الروسي الجديد من إنهاء العمليات القتالية في أبريل (نيسان) عام 2000. ومع ذلك، باتت الحركة الإرهابية السرية تعمل في الشيشان لسنوات عدة أخرى.

فقط في عام 2009 رُفع نظام عمليات مكافحة الإرهاب هناك، وهو ما عُدَّ نهاية للحرب. والآن الشيشان هي محافَظة مستقرة وآمنة ومزدهرة ضمن الأراضي الروسية، ويزورها كثير من السياح كل عام للتعرف على التقاليد المحلية والتاريخ والمأكولات.

أيضاً، وفي بداية عهد فلاديمير بوتين، أضيفت حوادث طارئة مختلفة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن العمليات العسكرية في شمال القوقاز. وكان أكثرها صدى في أغسطس (آب) 2000، عندما غرقت الغواصة النووية «كورسك»، وأودت هذه الكارثة بحياة 118 بحاراً، وكانت صدمة لروسيا بأكملها. بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، أصبح ذلك تحدياً حقيقياً، وواجه حينها انتقادات لعدم استجابته بشكل كافٍ للحادثة.

تضاف إلى هذه الأحداث المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخطرة التي كان على رئيس الدولة حلها. أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فرغم أن موسكو لا تزال عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنه حينها لم يكن لها أي دور مهم في الشؤون الدولية. لقد كان العالم أحادي القطب لمدة طويلة؛ في الواقع، كانت الولايات المتحدة منخرطة في غالبية العمليات على المسرح العالمي.

سيدة تبيع قطعة لحم كبيرة وسط حشود من الناس على أمل التغلب على أزمة النقص وارتفاع الأسعار في موسكو خلال الحقبة السوفياتية (غيتي)

«خطاب ميونيخ»

نقطة التحول كانت في عام 2007 عندما ألقى فلاديمير بوتين خطابه الشهير خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»، وذكر فيه تهديدات صادرة من توسع حلف «الناتو»، كما أشار إلى عدم قبول الحالة أحادية القطب أو تجاهل القانون الدولي.

في الوقت نفسه، أشار الزعيم الروسي إلى أن موسكو ستتبع سياسة خارجية مستقلة، وإلى أن تطورات الأحداث على الساحة العالمية، بما في ذلك استخدام القوة، يجب أن تستند فقط إلى ميثاق الأمم المتحدة.

كان على روسيا أن تثبت هذه الأقوال بالأفعال في وقت قريب جداً. في أغسطس عام 2008 أرسلت جورجيا قواتها إلى أوسيتيا الجنوبية وقصفت قاعدة لقوات حفظ السلام الروسية هناك. وخلال الحرب التي استمرت 8 أيام، تمكنت موسكو من هزيمة تبيليسي، واعترفت بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا دولتين مستقلتين.

مع هذا، فإنه لم يتبع ذلك هدوء طويل الأمد. في نهاية عام 2010، اندلع ما يسمى «الربيع العربي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في السنوات الأولى، لعبت روسيا دوراً سياسياً ودبلوماسياً في هذه الأحداث، وعملت بنشاط على منصة مجلس الأمن، لكن كما معروف، كان على موسكو لاحقاً أن تثبت قوة أسلحتها.

قبل ذلك، بدأت حالة التوتر في أوكرانيا. في عام 2014، على خلفية الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن، وقع انقلاب في كييف. أسقط ممثلو ما تسمى «المعارضة»، بدعم من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وذلك على الرغم من الاتفاقات لحل النزاعات وإجراء الانتخابات الرئاسية. وعارض سكان دونباس وشبه جزيرة القرم تطور الأحداث هذا.

في النهاية، أُجري استفتاء في القرم حول الانضمام إلى أراضي روسيا في مارس عام 2014، وأيد هذا القرار أكثر من 96 في المائة من الناخبين. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية.

كان دونباس أقل حظاً؛ إذ استمر لسنواتٍ القتالُ المسلح بين متطوعي هذا الإقليم من جهة؛ والقوات الأوكرانية من جهة أخرى، وكان القتال بدأ في ربيع عام 2014، وأودى بحياة آلاف الأشخاص؛ بينهم نساء وأطفال.

وحتى على الرغم من توقيع «اتفاقيات مينسك» في عامي 2014 و2015، التي كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وتسوية وضع دونباس، فإن قصف نظام كييف لم يتوقف حتى عام 2022. ورغم ذلك؛ فإن كثيرين بدأوا ينظرون إلى انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا بوصفه تحدياً من موسكو للولايات المتحدة ومحاولة روسية قوية للعب دور بارز على الساحة الدولية.

قوات جورجية تطلق النار فوق جدار على الجبهة في شمال غرب جورجيا أثناء الحرب الأهلية في يوليو 1993 (غيتي)

سوريا ونفوذ روسيا

أثبتت روسيا هذا بشكل أقوى في عام 2015، عندما بدأت العملية العسكرية في سوريا. آنذاك تمركز مقاتلو المعارضة ومجموعات إرهابية في ضواحي دمشق. كان هناك وضع حرج يتطور بالنسبة إلى السلطات المركزية في دمشق. ومع ذلك، فقد أدى القصف الجوي الروسي المكثف إلى وقف تقدم المتطرفين، ودفعهم إلى الوراء، وبدء تحرير المناطق الرئيسية بالبلاد التي جرى الاستيلاء عليها تقريباً منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011.

وأظهرت العملية العسكرية قدرات روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط. فهذا النفوذ لم يعزز موقف موسكو في المنطقة فحسب؛ بل سمح أيضاً لفلاديمير بوتين بتقديم نفسه مدافعاً عن الاستقرار الدولي ضد التهديدات الإرهابية.

لكن سوريا لم تصبح نقطة أخيرة في تعزيز مواقف روسيا على الساحة الدولية. وعادت موسكو إلى أفريقيا، حيث كانت غائبة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي عدد من الحالات، تمكن فلاديمير بوتين من طرد فرنسا والولايات المتحدة. حدث هذا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.

تقليدياً، يُنظر إلى روسيا على أنها تعارض الاستعمار، أو بشكل أكثر دقة: الاستعمار الجديد. وهذا ما يؤتي ثماره. فقد تمكنت موسكو من بناء تعاون اقتصادي وعسكري مع الدول الأفريقية على أساس الاحترام المتبادل ودون التضحية بمصالحها الخاصة.

ولكن ربما كان التحدي الرئيسي الذي واجهه فلاديمير بوتين هو قرار إجراء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022. ويستمر القتال لحماية سكان دونباس، فضلاً عن نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا، حتى يومنا هذا.

تمكنت روسيا من تحرير مناطق كبيرة وإنشاء ما يسمى «الجسر البري» إلى شبه جزيرة القرم. بالإضافة إلى ذلك، توسعت حدود البلاد بسبب الاستفتاءات التي أُجريت في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وكذلك في منطقتَي خيرسون وزابوروجيا.

أوكرانيون يعبرون مساراً تحت جسر مدمر أثناء فرارهم من ضواحي كييف في مارس 2022. (أ.ب)

علاقات بديلة

ومع ذلك، أصبح على روسيا أن تدفع ثمناً كبيراً مقابل السياسة السيادية والمستقلة. ورغم عدم وجود تصريحات رسمية حالياً بشأن عدد الخسائر في صفوف الجيش الروسي، فإن الأدلة غير المباشرة من المسؤولين الروس تشير إلى أنها تجاوزت خسائر الاتحاد السوفياتي في حربه بأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت موسكو لعقوبات وحشية وضغوطات سياسة واقتصادية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلفائها.

في جوهره، كان الأمر يتعلق بمحاولة عزل روسيا سياسياً واقتصادياً ومالياً. ومع ذلك، لم تستطع الدول الغربية تحقيق ذلك. تمكنت موسكو من بناء علاقات تجارية بديلة، والحفاظ على اتصالات وثيقة مع الدول الآسيوية؛ بما فيها دول الشرق الأوسط. وبشكل عام، فإن الاقتصاد الروسي، رغم كل التوقعات، لم يَنْهَرْ، بل يظهر نمواً.

كانت السنوات الخمس والعشرين التي قضاها فلاديمير بوتين في السلطة بمنزلة حركة تقدمية للخروج من حفرة الأزمات التي وجدت روسيا نفسها فيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، نحو الاستقرار الداخلي وإحياء موسكو بوصفها لاعباً قوياً على الساحة الدولية.

وكما يعترف كثير من أولئك الذين ينتقدون سياسات فلاديمير بوتين، فإن شعب روسيا لم يَعِشْ بمثل هذا الثراء من قبل، ولم يَحْظَ سابقاً بمثل هذه الفرص للتنمية... سيارة شخصية، ورحلات إجازات في داخل البلاد وخارجها، وفرص شراء السلع الاستهلاكية دون أي قيود، والحصول على التعليم، وخلق مهنة في أي مجال... كل هذا أصبح ممكناً بالنسبة إلى كثير من سكان روسيا، رغم أنه قبل وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة لم يكن من الممكن تصور أي شيء كهذا.

في الوقت نفسه، أصبحت مسألة من سيحل محل بوتين، عندما تنتهي الفرصة التي يوفرها الدستور للاحتفاظ بالمنصب الرئاسي، ملحة بشكل متنامٍ، ولعل «اختيار مثل هذا الشخص وإعداده» هو التحدي الأهم الذي لم يواجهه فلاديمير بوتين بعد.

* كاتب روسي