اللاجئون اليمنيون يرزحون تحت شمس جيبوتي الحارقة

هربوا من عدن عندما كانت الميليشيات الانقلابية تسيطر عليها

مخيم للاجئين شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ منذ أواخر سبتمبر ومنتصف أكتوبر (أ.ف.ب)
مخيم للاجئين شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ منذ أواخر سبتمبر ومنتصف أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون اليمنيون يرزحون تحت شمس جيبوتي الحارقة

مخيم للاجئين شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ منذ أواخر سبتمبر ومنتصف أكتوبر (أ.ف.ب)
مخيم للاجئين شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ منذ أواخر سبتمبر ومنتصف أكتوبر (أ.ف.ب)

نحو ألفي لاجئ يمني فروا من الحرب بقوا على قيد الحياة، بطريقة أو بأخرى، تحت شمس جيبوتي الحارقة في مخيم «مركزي». لكنهم لا يرون أي أفق أمامهم، ويقاومون بصعوبة متزايدة إغراء العودة إلى بلادهم.
وبدأ اللاجئون اليمنيون يتوافدون إلى هذه البلدة الصغيرة التي يسكنها صيادو سمك، بعدما عبروا بمراكب شراعية 30 كيلومترا عبر مضيق باب المندب.
أنشئ المخيم في أواخر مارس (آذار) 2015 بعد تسارع وتيرة النزاع في اليمن إثر التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، لمواجهة الميليشيات الانقلابية للمتمردين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. ويقع المخيم على بعد بضعة كيلومترات من بلدة أوبوك، في الطرف الشمالي من خليج تاجورا.
في هذه الأرض المكسوة بالصخور والأتربة الحمراء التي أحرقتها الشمس، لا توفر الخيام الحارة مقومات الحياة. وحدها المياه بالقرب من الخليج تخفف قليلا من وطأة الوضع. ورغم الجهود التي تبذلها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمكتب الوطني الجيبوتي لشؤون اللاجئين والكوارث، تبقى الظروف المعيشية في مخيم المركزي محفوفة بالمخاطر.
وتقول إرسال إسماعيل (36 عاما) التي أتت من عدن قبل نحو عام «الوضع صعب جدا. الجو حار، ولا شيء نفعله، ولا شيء نأكله أو نشربه».
وتبدي هذه السيدة خشيتها من رياح الخماسين الرملية الحارة التي ستتزامن مع حلول الصيف في غضون أيام. وتوضح: «لن نكون قادرين على العيش في الوضع نفسه الذي شهدناه العام الماضي». ويبلغ عدد سكان جيبوتي 875 ألف نسمة وتمتلك موقعا جغرافيا استراتيجيا عند مدخل البحر الأحمر. وهي واحدة من الدول القليلة التي وافقت على استقبال اللاجئين من اليمن. ووفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أجبرت المعارك 173 ألف شخص على مغادرة اليمن في عام واحد، استقبلت جيبوتي 33 ألفا منهم، بينهم 19 ألف يمني. ويؤوي «مخيم مركزي» حاليا 2200 لاجئ. ويشكو سكان المخيم من نقص الغذاء والمياه والصرف الصحي، ويتعرضون لمضايقات من قبل الشرطة الجيبوتية.
ويقول حسن الدين (35 عاما) الذي وصل من عدن: «جئت من الحرب فوجدت حربا أخرى أسوأ بكثير». ويضيف «لقد أصيب أطفال بالتهاب الكبد والملاريا بسبب المياه».
أما رانيا ديدا أحمد (24 عاما) التي كانت تتابع دروسها لتصبح محامية، فأجبرت على التخلي عنها بعد فرارها من بلادها. وبعدما تملكها اليأس، لا ترى لها أي مستقبل، لا في جيبوتي ولا في اليمن. وتقول: «أنا أعاني كل يوم». وتوضح «ليس أنا فقط، بل جميع الناس هنا. يمكنكم رؤية ذلك على وجوههم. أي حياة في صحراء كهذه». الأخبار التي تتلقاها من بلدها لا تطمئن. فأقاربها الذين عادوا أدراجهم «مسرورون بالرجوع إلى بلدهم، لكنهم تفاجأوا بوجود (داعش) هناك» والعناصر المسلحة الأخرى، التي ترتبط بعلاقات مشبوهة مع الميليشيات الانقلابية. وتضيف «هم يقولون إنهم مشتاقون إلى بلادهم وإن عدن لم تعد مثلما كانت. يقولون إنهم إذا خرجوا، فإنهم لا يعلمون هل يرجعون سالمين وآمنين إلى عائلاتهم. لا يمكنني العودة إلى هناك بسبب عائلتي وأمي. لا حياة هناك».
وكان رئيس لجنة حقوق الإنسان العربية الدكتور هادي بن علي آليامي التقى الحكومة اليمنية بعد زيارة قامت بها اللجنة لليمن ولمخيمات اللاجئين في جيبوتي وتلبية للدعوة التي تلقتها اللجنة من الحكومة اليمنية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان باعتبار اليمن دولة طرفا في الميثاق العربي لحقوق الإنسان. واستعرض عضو اللجنة محمد الضاحي خلال لقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الرياض ما يعانيه اللاجئون اليمنيون من أوضاع إنسانية صعبة في جيبوتي، مشيدًا بدور مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في دعم هؤلاء اللاجئين. وبدأ نحو 600 لاجئ يمني بالعودة أدراجهم، وفق مفوضية اللاجئين. وبذلك، انعكس تيار المهاجرين. وكان المخيم شهد فترة من الذروة مع وصول بين 500 و800 لاجئ في الأسبوع بين أواخر سبتمبر ومنتصف أكتوبر (تشرين الأول). ثم انخفض هذا الرقم مع وصول 40 مهاجرا في الأسبوع منذ شهرين. ويقول سليم جعفر الذي يدير مخيم المفوضية: «رسالتنا ليست أبدأ تشجيع أحد من اللاجئين اليمنيين على العودة إلى ديارهم». ويضيف «مع ذلك، فإن القرار يعود إليهم». يتفاقم عذاب حسن الدين بسبب قسوة الخيارات المتاحة له. ويقول: «نحن لا نعرف إلى أين نذهب، إنها معضلة. فإما أن نموت هنا وإما أن نموت هناك. ليس هناك سوى الموت. نطالب العالم بمساعدتنا وبنقلنا بعيدا من هنا. نريد مكانا يوجد فيه سلام».



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.