الزيتون.. عرفه الإنسان في الشام قبل سبعة آلاف عام

لبنان والبرتغال يتنافسان على أقدم شجرة

الزيتون.. عرفه الإنسان في الشام قبل سبعة آلاف عام
TT

الزيتون.. عرفه الإنسان في الشام قبل سبعة آلاف عام

الزيتون.. عرفه الإنسان في الشام قبل سبعة آلاف عام

في بلدة «أميون» شمال لبنان، توجد شجرة زيتون يعود تاريخها إلى 2500 عام، ويقال إنها أقدم شجرة زيتون في العالم. وهي ما زالت شجرة منتجة. وهناك العديد من أشجار الزيتون التاريخية التي تنتشر بين سوريا وفلسطين واليونان وإسبانيا والبرتغال، وجميعها يزيد عمرها عن الألف عام. وهناك شجرة في إقليم «الغارف» البرتغالي، تنافس الشجرة اللبنانية في حمل لقب أقدم شجرة زيتون في العالم. ويقال إن تاريخها يعود إلى أكثر من ألفي عام.
ويزرع الزيتون من أجل ثماره وزيته. ويعد زيت الزيتون هو البديل الصحي للشحوم الحيوانية في مختلف أنواع الطعام.
ويعود تاريخ الإنسان مع أشجار الزيتون إلى نحو سبعة آلاف عام في منطقة الشام تحديدا، التي انتشر منها بعد ذلك إلى كل دول حوض البحر المتوسط غربا وإلى الصين شرقا. وفي جزيرة كريت كان الزيتون يزرع على نطاق تجاري منذ عام 3000 قبل الميلاد، وكان مصدر ثروة للحضارة التي نشأت بالجزيرة في ذلك الزمان.
ولم يعرف العالم الجديد أشجار الزيتون إلا بعد وصول الإسبان إلى أميركا الجنوبية، حيث زرعوه في بيرو وتشيلي في القرن السادس عشر. ومن أميركا الجنوبية وصلت أشجار الزيتون إلى كاليفورنيا ومنها إلى أنحاء أميركا الأخرى. ولم تصل أشجار الزيتون إلى اليابان إلا في عام 1908، حيث نجحت زراعتها في جزيرة شودو. ثم سادت زراعة أشجار الزيتون في كافة أنحاء العالم في المناخ الملائم لها. ويقدر عدد أشجار الزيتون في العالم اليوم بحوالي865 مليون شجرة، أغلبها في منطقة البحر المتوسط.
وللزيتون آثار في الحضارات المتعددة التي نشأت حول حوض البحر المتوسط. وقد وجدت أغصان الزيتون الجافة في مقبرة «توت عنخ أمون» في مصر. كما ذكر الزيتون في التوراة والإنجيل، وكان علامة الأمن والسلام عندما عادت يمامة بغصن الزيتون إلى النبي نوح، لتخبره بنهاية الطوفان. كما جاء ذكر «جبل الزيتون» في الإنجيل.
وفي القرآن الكريم جاء ذكر الزيتون وزيته، عدة مرات، وامتدح القرآن زيت الزيتون في سورة «النور». وكان الزيت يستخدم مع التمر عند الإفطار في أيام رمضان في الجزيرة العربية، كما كانت أوراق أشجار الزيتون تستخدم في صناعة البخور.
وفي اليونان القديمة، كان لزيت الزيتون العديد من الاستخدامات، مثل دهان الجسم، وإضاءة المصابيح الزيتية، وكان يستخدم أيضا في مشاعل الألعاب الأوليمبية، وكانت أغصان الزيتون تستخدم في تتويج الفائزين في تلك الألعاب.
واعتقد اليونانيون القدماء أن أشجار الزيتون بدأت نموها في أثينا أولا، وحدد العالم الزراعي الإغريقي ثيوفراستوس عمر شجرة الزيتون بـ 200 عام في المتوسط. كما وصف شجرة زيتون بالقرب من هضبة أكروبوليس بأثينا، وهي شجرة جاء ذكرها بعد ذلك في التاريخ الإغريقي عام 170 من الميلاد، أي بعد ذكرها الأول بحوالي 370 عاما. وعد أهل اليونان القدماء شجرة الزيتون مقدسة، ورسموها على العملات المعدنية التي تعاملوا بها.
أما الرومان، فقد زرعوا ثلاث أشجار في الساحة المركزية لروما، التي كان يجتمع فيها المجلس الحكومي الأعلى، وهي أشجار الكروم والتين والزيتون. وكان زيت الزيتون من المكونات الأساسية للغذاء الروماني. ويوجد الآن عدد من أشجار الزيتون في إيطاليا، يعود تاريخها إلى العصر الروماني، وأقدمها في جزيرة سردينيا، التي تشير بعض الدراسات إلى أن عمرها يصل إلى ألفي عام.
وفي اليونان الحديثة، هناك شجرة زيتون تاريخية، يطلق عليها «شجرة أفلاطون»؛ لأنها كانت تقع داخل الأكاديمية التي يلتقي فيها أفلاطون بتلاميذه. ويعود تاريخ هذه الشجرة إلى 2400 عاما. ولكنها اقتلعت من جذورها في عام 1975 بحادث مروري، عندما اصطدمت بها حافلة واقتلعتها من تربتها. وهي الآن محفوظة في متحف زراعي بجامعة أثينا.
وفيما تتوجه نسبة 90 في المائة من زراعات أشجار الزيتون الآن إلى استخلاص زيت الزيتون، فإن هناك استخدامات أخرى لأشجار الزيتون، منها الثمار نفسها، وخشب الأشجار، وأوراقها.
ويتم جني محصول الزيتون في ثلاث مراحل: أولها الزيتون الأخضر، عندما يصل الزيتون إلى حجمه الطبيعي، ولكن قبل أن يبدأ في النضج وتتغير ألوانه، والثانية هي مرحلة تغير ألوان الزيتون بين الأحمر والبني، وهي مرحلة نمو متوسطة، والثالثة هي مرحلة النضج الكامل التي يتحول فيها الزيتون إلى اللون الأسود.
وبعد جني المحصول تتم معالجته بمحاليل قلوية وملحية، ثم تخزينه وإضافة بعض المواد الحافظة إليه، وذلك للتخلص من طعمه المر، وإكسابه نكهة وطعما مقبولا لتناوله على المائدة. وتختلف الوسائل بين المناطق المختلفة، ولكنها جميعا تستخدم المحاليل الملحية لتحضير الزيتون قبل تناوله.
ويعد خشب شجرة الزيتون من أصلب وأغلى أنواع الخشب، وهو نادر، نظرا لصغر حجم أشجار الزيتون من ناحية، ولأن زراعة الزيتون تكون أساسا للحصول على الزيت وعلى الثمار، وليس من أجل الخشب. وتصنع من خشب الزيتون أدوات المطبخ والأواني والمنحوتات الخشبية. وهو يعد من أغلى أنواع الأخشاب.
ويزرع الزيتون حاليا بكثرة في إسبانيا وشمال أفريقيا، في تونس والجزائر والمغرب خصوصا، وفي دول جنوب أوروبا، مثل إيطاليا واليونان وتركيا، بالإضافة إلى منطقة الشام. وهو ينتشر أيضا في الدول ذات المناخ الذي يشبه مناخ البحر المتوسط، وهي مناطق تشمل كاليفورنيا، وبعض دول أميركا اللاتينية، وجنوب أفريقيا وأستراليا.
وتنمو أشجار الزيتون في المناخ الحار المشمس، وفي تربة شبه جافة، وهي أشجار تتحمل الجفاف، ويمكن أن تعيش لقرون، مع العناية بها وتقليم فروعها دوريا. وأفضل الأشجار تنمو من فروع يتم غرسها في الأرض وريها، بدلا من استخدام بذور حبوب الزيتون. وإذا تعرضت أشجار الزيتون إلى حرائق أو ثلوج فإنها تنمو مرة أخرى من جذورها، ولذلك فهي تبقى حية لمئات الأعوام. ويتم تلقيح زهور الزيتون البيضاء عبر النحل أو الرياح.
ويختلف محصول الزيتون بين عام وآخر وفقا للظروف المناخية، ولكن المحاصيل الجيدة تأتي كل ستة أو سبعة أعوام. وفي المزارع التجارية يتم تقليم الأشجار إلى حجم ثابت، يسهل معه جني المحصول سنويا. وتضاف الأسمدة أحيانا إلى المساحات التي تقع بين الشجيرات.
وتصاب أشجار الزيتون أحيانا ببعض الفطريات، ومنها «ذبابة الزيتون»، ويمكن مقاومة هذه الآفات برش الشجيرات بمواد كيماوية أو عضوية.
ويتم جني الزيتون في الخريف والشتاء بين شهري سبتمبر (أيلول) للزيتون الأخضر، ونوفمبر (تشرين الثاني) للزيتون الأسود. ويتم الحصاد بجمع الزيتون يدويا في سلة يربطها جامع الزيتون على وسطه، وهو أسلوب ينتج أفضل أنواع الزيتون والزيوت، أو بهز الشجرة وجمع الزيتون المتساقط حولها. وتنتج الشجرة الواحدة نحو كيلوغرامين من الزيت سنويا.
وتعد إسبانيا هي أكبر دولة منتجة للزيتون في العالم، وتنتج نحو ثمانية ملايين طن، من إنتاج عالمي يقارب العشرين مليون طن سنويا. وتقع المغرب في المركز الخامس عالميا، بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، بإنتاج يصل إلى 1.4 مليون طن، وتليها سوريا، ثم الجزائر، ثم تونس ومصر. وأخيرا تأتي البرتغال في المركز العاشر عالميا.
بالإضافة إلى تناول الزيتون ضمن مقبلات الطعام، فإن زيوته تدخل في إعداد وتحضير كافة أنواع الطعام بديلا للزبد أو السمن الصناعي. وهو مفيد صحيا؛ لأنه يحتوي على «أوميغا 3»، ولا يزيد أنواع الكوليسترول الضارة بالصحة. ويمكن استخدام زيت الزيتون في قلي الطعام، كما يضاف إلى عدد من أنواع الحلوى، ويدخل في مكونات عدد من الوجبات.
ويضاف زيت الزيتون طازجا إلى السلطات والأجبان والفول المدمس، كما يمكن أن تطهى به اللحوم والأسماك.
ويتم تصنيف نوعية زيوت الزيتون وفق خمس درجات، بداية من الأفضل الذي يسمى «إكسترا فرجن» وهو أغلاها ثمنا وأفضلها مذاقا.



«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)
TT

«قصر الطواجن»... أكلات العالم على مائدته المصرية

المطعم المصري (قصر الطواجن)
المطعم المصري (قصر الطواجن)

هل تناولت من قبل طاجناً من «النجراسكو» و«اللازانيا»، أو أقدمت على تجربة «الدجاج الهندي المخلي»، أو حتى «طاجن لحم النعام بالحمام»، يمكنك تذوق ذلك وأكثر، عبر مجموعة من الوصفات التي تخللتها لمسات مصرية على أكلات غربية.

في منطقة حيوية صاخبة في مدينة «6 أكتوبر» المصرية (غرب القاهرة الكبرى) يحتل مطعم «قصر الطواجن» المتخصص بشكل أساسي في تقديم طبق «الطاجن» مساحة كبيرة، وساحة أمامية لافتة، يزينها منطقة للأطفال، بينما تتميز قاعاته الداخلية بفخامة تليق بمفهوم «القصور» المرتبط باسمه.

لا شك أن التدقيق في اختيار اسم المطعم يلعب دوراً في شهرته، إلا أنه تبقى دوماً التجربة خير دليل، بحسب تعبير أحمد مختار، مدير المطعم.

ريش بورق العنب (صفحة المطعم على فيسبوك)

ألوان مختلفة من الطواجن يقدمها المطعم، فإذا لم تكن راغباً في صنف بعينه، فحتماً سيثير «المنيو» حيرتك، وإذا كنت من عشاق الطواجن بشكل عام، فعليك أن تختار ما بين طاجن «البط البلدي» بخلطة «قصر الطواجن» أو «الكوارع» أو «ريش البتلو بورق العنب»، أو «ريش الضاني»، أو «الأرز المعمر بالقشطة واللحم»، أو «طاجن لحم النعام بالحمام»، وهناك أيضاً طاجن «بصلية» و«الفريك بالحمام»، و«لسان العصفور باللحم» و«رول الضاني».

وإذا كنت من محبي الطعام الكلاسيكي، فينتظرك هناك طاجن «بهاريز زمان»، المكون من 5 مكونات بعضها عتيق في المطبخ المصري، ومنها الكوارع، النخاع، قلوب البتلو، والكلاوي، ولا مانع أن تجرب طواجن ذات أسماء من ابتكار المطعم مثل «طاجن السعادة» المكون من المخاصي والحلويات واللحم، أو طاجن «فولتارين» الذي يداوي أي ضغوط نفسية، وفق مدير المطعم.

وأحياناً يسألك طاقم الضيافة هل تريد أن تجرب أكلات عالمية في طواجن مصرية، لتزداد حيرتك أمام طاجن «الدجاج الهندي المخلي» أو«المكسيكي الحار»، أو «إسباجيتي بلونيز»، أو «النجراسكو واللازانيا»، أما في حالة إصرارك على اختيار طبق من مصر، فتتصدر الأطباق الشعبية «منيو» الطواجن، فلا يفوتك مذاق طاجن «العكاوي» بالبصل والثوم والزنجبيل والكمون والفلفل الحلو والكركم.

«ليس غريباً أن يكون في القاهرة مطعم متخصص في الطواجن»، يقول مدير المطعم لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «لقد تميزت مِصر بأنواع كثيرة من الطواجن الحادقة واللذيذة والشهية، ما بين الخضراوات واللحوم والأرز والطيور والمحاشي، واختصت أيضاً بعدة طواجن من الحلويات».

وأوضح: «وتتميز الطواجن على الطريقة المصرية بطرق ومكونات ووصفات كثيرة، وجميعها مميزة وشهية ويحبها المصريون والأجانب؛ لأنها تعتمد طريقة طهي اللحم ببطء على نار خفيفة غالباً لعدة ساعات، كما يساعد الشكل المخروطي للوعاء على «حبس» النكهة كاملة بالداخل؛ فتكون مركزة وغنية، كما يعمل الطاجن على تنعيم اللحوم والخضراوات المطبوخة».

وأضاف: «طاجن الملوخية بالطشة، البامية باللحم الضأن، التورلي باللحم، الكوسا المغموسة في الصلصلة الحمراء والبصل، هي بعض من طواجن الخضراوات التي يقدمها المطعم أيضاً لرواده، (تشتهر بها مصر كذلك)، ولذلك نحرص على تقديمها في المطعم، من خلال هذه الطريقة تظل الخضراوات محتفظة بقيمتها الغذائية، وتكتسب مذاقاً شهياً ولذيذاً وخفيفاً يحرض الجميع على التهامها، حتى بالنسبة لهؤلاء الذين لا يفضلون تناول الخضراوات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الطعام يظل محتفظاً بسخونته لوقت طويل».

يبتكر الشيفات في المطعم في تقديم طواجن بلمسات عصرية: «نحرص على التجديد لتجربة طعام مبتكرة، إن امتزاج الأصالة بالحداثة أمر رائع في عالم الطهي؛ إذا أردت أن تخوض هذه التجربة فأنصحك أن تطلب طاجن الحمام المحشي باللحم، الذي تعلوه جبن الموتزريلا، أو الرقاق بطبقات القشطة، وغير ذلك».

أما «الطاسات» والصواني فهي طرق جديدة لمواجهة الضغوط الاقتصادية؛ فهي تسمح لرواد المطعم بإحضار الأسرة أو عمل ولائم وتقديم أنواع أنيقة ومختلفة من الطعام للمدعوين، بسعر أقل، وفي الوقت نفسه تسمح بالاستمتاع برفاهية المذاق على حد قول مختار.

لا تضم قائمة الطعام الطواجن وحدها؛ إنما هي تمثل الأطباق التي فيها توليفة من النكهات التي تحتفي بثراء التقاليد الطهوية الشرقية، فبجانب الطواجن، يقدم المطعم لرواده قائمة طويلة من المشويات، وأنواعاً مختلفة من الحساء والأرز، والمحاشي والسلطات، إلى جانب أكلات محلية من محافظات مصرية مثل البط الدمياطي والحواوشي والسجق الإسكندراني.

يعد المطعم أن المحافظة على التراث الطهوي المصري من ضمن أهدافه، يقول مختار: «نحافظ على أصالة المطبخ المصري من خلال الحصول على أطيب المكونات، وأفضل خامات الأواني الفخارية الآمنة من الناحية الصحية؛ مما يضمن أن تكون كل وجبة بمثابة مغامرة تذوق طعام مفيد وخالٍ من أي أضرار محتملة».

دوماً ترتفع تجربة تناول الطعام الخاصة بنا إلى مستوى أعلى من المتعة والرقي، حين يكون العاملون في المطعم على دراية جيدة وواعية بفن الضيافة، وهذا ما يتحقق في «قصر الطواجن»؛ فهم يبدون بصفتهم جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي الغني في مصر؛ عبر ابتسامتهم الدائمة، ومهارتهم، وسرعة تلبية احتياجات الزبائن.