قنوات تلفزيونية أفغانية خاصة في مواجهة التطرف

«طلوع» و«يك» تتصدران المحطات التي تحارب التشدد

صحافية أفغانية في محطة «طلوع» تتابع الأخبار في العاصمة كابل («الشرق الأوسط»)
صحافية أفغانية في محطة «طلوع» تتابع الأخبار في العاصمة كابل («الشرق الأوسط»)
TT

قنوات تلفزيونية أفغانية خاصة في مواجهة التطرف

صحافية أفغانية في محطة «طلوع» تتابع الأخبار في العاصمة كابل («الشرق الأوسط»)
صحافية أفغانية في محطة «طلوع» تتابع الأخبار في العاصمة كابل («الشرق الأوسط»)

من إذاعة يتيمة في عهد طالبان هي «صوت الشريعة» التي كانت تبث من كابل برامج خاصة بحركة طالبان وتوجهاتها السياسية والدينية ومئات الفتاوى التي كانت تصدر يوميا من قبل الحركة أيام سيطرتها على كابل في تسعينات القرن الماضي إلى طفرة كبيرة يشهدها قطاع الإعلام الأفغاني الجديد، أكثر من أربعمائة محطة إذاعية تنتشر في طول البلد وعرضه وتبث برامجها المختلفة في ثمان وثلاثين ولاية أفغانية عبر موجات إف إم، هذه المحطات تتنوع برامجها لكن الموسيقى وبرامج الترفيه وبجميع لغات الشعب الأفغاني هي الطاغية على يوميات هذه المحطات التي تستمر بعضها في بث برامجها بمساعدات دولية لتنوير أذهان شريحة واسعة من الأفغانيين الذين عايشوا الحرب ولا يزالون إلى يومنا هذا بهدف تغيير الواقع والانتقال إلى مرحلة جديدة من الحياة، من طريقة الطبخ إلى أنواع الزي والموضة والأخبار العاجلة، وما أكثرها في أفغانستان، التي ما تزال تئن تحت وطأة الحرب الجارية، فيها إلى برامج سياسية تحليلية هي السلة المتكاملة التي تبادر المحطات الإذاعية إلى بثها خلال أربع وعشرين ساعة.
إلى جانب المحطات الإذاعية التي دخلت كل بيت أفغاني وسيارة تتجول في شوارع المدن وأريافها فإن هناك عشرات محطات التلفزة الخاصة التي أنشئت عقب الإطاحة بحكومة طالبان، بقليل من التجارب وكوادر فنية نادرة استطاعت المحطات التلفزيونية الخاصة خوض تجربة رائعة في التعبير لحرية الرأي والبيان في بلاد لطالما عاشت ديكتاتوريات وحكومات الحزب الواحد، ناهيك عن الحروب والمعانات المتواصلة، لم يكن من السهل خوض معركة الحرية والتسويق لحرية البيان والتعبير في أفغانستان الجديدة التي ما يزال رؤساء القبائل ووجهاؤها وأمراء الحرب يقولون فيها الكلمة الأخيرة، غير أن عددا من القنوات التلفزيونية الخاصة التي يمتلكها رجال الأعمال ونشطاء في المجتمع المدني الذين أسسوا هذه المحطات بتمويل خارجي في بادئ الأمر تمكنوا من مواجهة الأخطار واستطاعت التثبت على الموقف ووقفت أمام موجات من التحريض والحرب التي شنها رجال الدين والمولويون الذين اعتبروا هذه القنوات خارجة على المألوف وتبث برامج مخلة للأمن الاجتماعي، على حد تعبيرهم، من خلال دبلجة المسلسلات التركية والهندية التي أصبحت تغزو البيوت الأفغانية المحافظة.
قناة «طلوع» واحدة من القنوات الرائدة في مجال حرية التعبير والبيان تعود باقة قنوات «طلوع» وهي «طلوع نيوز» و«لمر» إضافة إلى قناة «طلوع» نفسها لرجل الأعمال سعد محسني الأفغاني المتجنس بجنسية أسترالية وأشقائه، الذين أسسوا هذه الباقة التي تعتبر باكورة عمل إعلامي حر في البلاد استطاع كسب عقول وقلوب شريحة واسعة من الأفغانيين، وباتت المصدر الموثوق للمعلومات والأخبار التي تنقلها على مدار الساعة إضافة إلى سلسلة حلقات سياسية واجتماعية واقتصادية تبثها قنوات «طلوع»، التي أصبحت مؤثرة في تغيير السياسات المحلية للبلاد، وبسبب برامج موسيقية ومسلسلات أجنبية فإن قنوات «طلوع» واجهت ولا تزال انتقادات شديدة ولاذعة من قبل رجال الدين والمتطرفين الإسلاميين الذين يعتبرون المحطة بأنها تروج للفساد الأخلاقي وتبث برامج خليعة مخلة للأعراف والقوانين القبلية الأفغانية، وطالب هؤلاء في كثير من المرات بإغلاقها، غير أن المحطة تتمتع بمشاهدة واسعة ولها جمهور كبير وعريض، ولم تتمكن الجهات المتشددة من التأثير على صناع القرار لإغلاق «طلوع» وغيرها من القنوات العاملة في هذا المجال.
«ستاره أفغان»، أو نجم أفغانستان في الموسيقى، واحد من البرامج المثيرة للجدل في أفغانستان، والذي يبث على محطة «طلوع»، البرنامج هو في نسخته الثانية عشرة وقدم عشرات النجوم للموسيقى الأفغانية التي كانت في طي النسيان بسبب الحروب وموجة النزوح الكبيرة للأفغان إلى خارج البلاد، واليوم يعود كثير من محبي الموسيقى من الغرب وأميركا للمشاركة في هذا البرنامج الشيق والتنافسي بين مئات الشبان والشابات الأفغان الذين يتنافسون على كسب لقب «نجم أفغانستان في الموسيقى».
يقول صافي، الذي فضل الاكتفاء بهذا الاسم بسبب التهديدات الأمنية التي تواجهها المحطة وهو مسؤول البرامج بقناة «طلوع»، إن المحطة تواجه تحديا داخليا وخارجيا، حيث إنها تواجه ضغوطا متزايدة من قبل بعض من يسمون أنفسهم بالعلماء والخطباء في كابل وباقي المدن الرئيسية، مشيرا إلى أن هؤلاء يحرضون الشباب على استهداف المحطة وعدم مشاهدة برامجها بسبب ما تقوم به من تنوير أذهان الأفغان من خلال بث المسلسلات والبرامج الترفيهية الشيقة التي لاقت استقبالا حارا وكبيرا، على حد تعبير صافي. ويضيف أن الجماعات المسلحة هي الأخرى لا تتوقف عن استهداف المحطة والعاملين فيها، وكان آخر الاستهدافات مقتل خمسة من موظفي القناة الذين كانوا يعملون في قسم الدبلجة وإصابة عشرين من موظفيها بهجوم انتحاري تبنته طالبان قبل شهرين تقريبا في كابل. ويؤكد أن المحطة عازمة ومصممة وبعزيمة عامليها على مواصلة الدرب والاستمرار في المهمة المقدسة مهما كانت الأخطار والتهديدات.
قناة «يك» أو قناة الأولى، وهي محطة تلفزيونية خاصة تبث برامجها من كابل ولها مراسلون وصحافيون في جميع الولايات الأفغانية تقريبا هي الأخرى تعتبر من المحطات التلفزيونية الرائدة في مجال إيصال المعلومات والأخبار العاجلة إضافة إلى بث برامج سياسية لاقت استحسان كثير من النخبة الأفغان، ومؤخرا هددت طالبان بأنها ستستهدف هذه المحطة إلى جانب قناة «طلوع» اللتين اعتبرتهما طالبان أنهما تقفان إلى جانب العدو، في إشارة إلى الحكومة الأفغانية، وتبثان أخبارا كاذبة، يقول ميرويس حميدي، وهو مدير الأخبار في القناة، إن الهدف الذي من أجله أنشئت القناة هو إيصال المعلومات الصحيحة للمتلقي، وهي رسالة سامية لن تسكت القناة عن إيصالها إلى المشاهد الأفغاني التواق إلى مثل هذه الأخبار الصحيحة وسط ركام هائل من المحطات التي تروج للأخبار المغشوشة، على حد تعبيره.
وتبقى المحطات التلفزيونية الخاصة والإذاعات الأفغانية أمام اختبار حقيقي، خصوصا بعد انسحاب القوات الدولية ووقف المساعدات الدولية لها فضلا عن الحرب الضروس التي يشنها المولويون ورجال الدين على هذه القنوات، وتصفها بخرق القانون القبلي ومعارضة الشريعة من خلال البرامج الحديثة التي تقلدها من محطات عالمية، فهل تصمد هذه القنوات أمام موجة من الانتقادات الموجهة إليها أم أنها ستستسلم؟ وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».